أوضاع المسيحيين في فلسطين المحتلة


نظير طه


يعيش المسيحيون في فلسطين هذه الأيام أوضاعاً صعبة كما باقي فئات المجتمع الفلسطيني جراء الاحتلال الاسرائيلي وممارساته التي أرغمت عدد كبير منهم على هجرة البلاد بحثاً عن مكان أكثر أمناً وتتاح فيه حرية العبادة والصلاة الى الله بحرية تامة.
وتتواصل هجرة المسيحيين الفلسطينيين وتتسارع وتيرتها التي بدأت بالتزايد منذ عام 2001 أي بعد انطلاق انتفاضة الاقصى الثانية في أواخر أيلول من العام 2000 وما رافق ذلك من عدوان صهيوني غاشم استهدف كافة الاماكن المقدسة ودور العبادة كما استهدف المواطن الفلسطيني وأرضه،ونتج عن ذلك انخفاض حاد في عدد المسيحيين في القدس وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة، مما أدى إلى التراجع التدريجي للوجود المسيحي والطبيعة المسيحية والدينية للمدينة المقدسة.
 ويرجع قادة الكنائس زيادة الهجرة المسيحية من فلسطين إلى عدة أسباب أهمها: فرض إسرائيل قيودًا على لمّ شمل العائلات الفلسطينية، والقدرة المحدودة المتوفرة أمام المجتمعات المسيحية في القدس للتوسع العمراني بسبب مصادرة إسرائيل للممتلكات الكنسية ورفض منح التصاريح ورخص البناء، والقيود المفروضة على البناء، والمشاكل الضريبية، وصعوبات الحصول على تصاريح إقامة لرجال الدين المسيحيين،وبناء الجدار الفاصل الذي تقيمه اسرائيل على الارض الفلسطينية".
وتدفع الممارسات الصهيونية والتضييق على حرية العبادة المسيحيين الى الهجرة وتفريغ الأرض المقدسة عن غير قصد، من الفلسطينيين المسيحيين.
ويفيد الكثير من المسيحيون الفلسطينيون الذين التقاهم موقع "شفقنا" أن الأسباب التي تدفع بهم إلى الهجرة هي نقص الحرية والأمن،والتدهور الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والتعليم خارج البلاد ولمّ شمل العائلات والجدار الإسرائيلي والحواجز العسكرية والتطرف الديني.
ويؤكد مراقبون"لشفقنا" على أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الطريق الوحيد لتمتع الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين بحياة من الازدهار والتقدم كما أنه السبيل الأكيد لاستمرار الوجود المسيحي في ألارض المقدسة دون أدنى شك.
وبالإضافة إلى استعمار الأرض، قامت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، أيضًا بتغيير الواقع الديمغرافي في القدس الشرقية المحتلة عبر تفريغ المدينة من سكانها المسيحيين والمسلمين الأصليين باستخدام عدد من التدابير الإدارية تشمل إلغاء الإقامة وفرض قيود صارمة على حرية العبادة، كما هو الحال في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية مهد السيد المسيح عليه السلام ، والتي يطوقها جدار اسرائيلي خانق يتلوى كأفعى ويصادر مئات الدونمات من اراضي سكانها ويحرمهم من الوصول الى كنيسة المهد بحرية.
 كما يعاني الفلسطينيون المسيحيون مثل إخوانهم الفلسطينيين المسلمين من السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى محو الطابع العربي للقدس الشرقية المحتلة مما يهدد ليس فقط الحل القائم على أساس الدولتين بل أيضا طبيعة المدينة المقدسة.


السياسة الصهيوينة ضد المسيحين تتجلى في الأعياد الدينية
وتظهر جلياً تلك السياسة الصهيونية في أعياد الفصح المجيد، ففي حين يأتي الآلاف من المسيحيين من حول العالم إلى المدينة المقدسة للاحتفال بعيد القيامة، يمُنع الفلسطينيون المسيحيون الذين وُلدوا ويعيشون في المدينة المقدسة أو قربها من الاحتفال بمراسم العبادة في المدينة".
يذكر انه بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،فان لكل إنسان "حق في حرية الفكر والوجدان والدين.ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة".
لكن إسرائيل وبطبيعة الحال لا تفي بالتزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو تلك الواردة في القانون الإنساني الدولي أو القوانين الدولية لحقوق الإنسان.
ويقر المجتمع الدولي أن القدس الشرقية مدينة محتلة وتشكل جزءًا لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، ومع ذلك، تفرض إسرائيل على الفلسطينيين قيودًا عقابية على حرية حركة وتنقل الفلسطينيين من وإلى المدينة المقدسة لأغراض العبادة والزيارات العائلية والتجارة.
وقد توصل تقرير رؤساء بعثات الإتحاد الأوروبي حول القدس ( 2012 ) إلى نتيجة مفادها أن "الحكومة الإسرائيلية تفرض بشكل انتقائي قيودًا قانونية وسياسية على حريات العبادة وعلى وصول المصلين المسيحيين والمسلمين إلى أماكن عبادتهم في مدينة القدس والبلدة القديمة على مدار السنة".
وتقول مصادر فلسطينية "لشفقنا " أن اسرائيل ومن أجل تحسين صورتها على المستوى العالمي، تدعي  أنها تحترم حق العبادة وتستشهد بعدد التصاريح التي تمنحها للفلسطينيين المسيحيين الذين يطلبون الدخول إلى القدس الشرقية المحتلة للاحتفال بعيد الفصح مغفلة الأعداد الأكبر الممنوعين من دخول المدينة. على سبيل المثال، في نيسان 2011 ، قدمّ 15,000 فلسطينياً مسيحياً طلبات للحصول على تصاريح دخول للقدس الشرقية المحتلة لكن إسرائيل أصدرت 2,500 تصريحًا فقط.


ويسُمح للفلسطينيين الذين يحملون هويات فلسطينية ويحصلون على تصاريح بدخول القدس الشرقية المحتلة عبر 3 من 14 حاجزًا عسكرياً تحيط بالمدينة المحتلة. وهذه الحواجز مخصصة للمشاة فقط مما يتسبب في حدوث اكتظاظ ويؤدي إلى تأخير طويل ومزعج.
وفور وصول حاملي التصاريح إلى الأماكن المقدسة، تخلق التدابير الأمنية الإسرائيلية جوًا من الاضطراب والتوتر بدلا من خلق جو يعمّه السلام والاحتفال وللمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المحيطة بالقدس الشرقية المحتلة أثر سلبي على جميع الفلسطينيين وخاصة المسيحيين منهم المقيمين في محافظة بيت لحم:
ويعيش غالبية الفلسطينيون المسيحيون في الأرض المحتلة في القدس الشرقية المحتلة ومحافظة بيت لحم ورام الله ، ويوجد حالياً 22 مستوطنة غير شرعية قائمة على أراضي محافظة بيت لحم إضافة إلى الجدار غير القانوني مما أدى إلى تقييد التواجد الفلسطيني وحصره في 13 بالمائة فقط من مساحة المحافظة الأصلية، ويمنع نظام المستوطنات الإسرائيلية والجدار حرية الحركة والعبادة بين أقدس مدينتين مسيحيتين، ويخنق الحركة السياحية التي هي من أهم الصناعات المساهمة في الاقتصاد الفلسطيني.
يذكر ان مدينة القدس هي القلب السياسي والإداري والروحي النابض لفلسطين، وهي أيضًا موطن أهم الأماكن الدينية للديانات السماوية الثلاث التي شكلت على مرّ القرون هوية فلسطين وشعبها.



تحذيرات من كارثة انسانية وحضارية مقبلة
ثمة كارثة إنسانية وحضارية وسياسية مقبلة، بلا ريب، على فلسطين بنظر العديد من المراقبين وتتمثل هذه الكارثة في أن بلد المسيح وأرض المسيحية الأولى، قبل أنطاكيا، ستصبح خلال أربعة عقود مقبلة، على وجه التقريب، بلا مسيحيين إلا من بقايا النُسّاك في قلاّياتهم والكُهان في أديرتهم والقسيسين في كنائسهم، ولن يبقى، على الأرجح، في بيت لحم، وهي مدينة ميلاد المسيح، في غضون السنوات العشرين المقبلة، أي مسيحي في ما لو استمرت معدلات الهجرة على حالها الآن.
ستكون، حقاً، كارثة شاملة إذا خَلَت الأرض المقدسة من المسيحيين تماماً،وإنه لكابوس راعب إذا أقفرت فلسطين، في يوم من الأيام، من شهود المسيح إلا من بضعة أنفار هنا وهناك في هذه البيعة أو في هذا الدير أو في ذلك المحبس.

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم