حزب الله والفيلم المسيء للرسول(ص)



   د. هيثم مزاحم*

        أطل الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله مساء الأحد ليعلن موقف حزبه من الفيلم المسيء للرسول محمد(ص) وليدعو إلى مسيرة واسعة في الضاحية الجنوبية لبيروت تنديداً بالفيلم في اليوم التالي. فاجأ السيد نصر الله المشاركين في التظاهرة التي ضمت مئات الآلاف ليس فقط بحضوره المباشر، بعدما إعتاد الناس على ظهوره وخطاباته عبر شاشة عملاقة، ولكن بإلقائه خطاباً طويلاً نسبياً في مكان التجمع، وذلك برغم التهديدات الإسرائيلية والتحفظات الأمنية السابقة للسيّد نصر الله منذ حرب تموز 2006. وهو بذلك يعرّض حياته للخطر، من التهديدات الإسرائيلية المستمرة باغتياله، كما إغتالت قادة الحزب الشيخ راغب حرب عام 1985 والسيد عباس الموسوي عام 1992 والحاج عماد مغنية عام 2007.
        
  
وهذه هي المرة الرابعة منذ حرب تموز 2006، التي يفاجئ فيها السيّد نصر الله جماهير الحزب بالحضور شخصياً بينهم، بعد مشاركته في السادس من كانون الأوّل 2011، في مسيرة يوم العاشر من عاشوراء، على الرغم من تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية في سماء بيروت. وكان السيّد نصرالله قد ظهر فجأة في استقبال الأسرى المحرّرين في السابع عشر من تموز 2008 في ملعب الراية في الضاحية الجنوبيّة، وأصّر حينها على مصافحة وتقبيل الأسرى وخصوصاً عميدهم سمير القنطار.
        أما الإطلالة الأولى، التي تلت حرب تموز 2006، فكانت في "مهرجان النصر" في 22 أيلول 2006، متحدياً تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي أنذاك إيهود أولمرت الذي إدعى أن السيد نصر الله لن يجرؤ بعد الآن على الخروج من ملجئه الذي إختبأ فيه خلال الحرب المدمرة للضاحية الجنوبية والتي أسقطت أكثر من 300 بناية في المربع الأمني للحزب في حارة حريك وجوارها.

    
  
بعد خطاب نصرالله الأحد، سارع بعض رموز 14 آذار إلى انتقاده ووصف الخطاب بالاستفزازي وأنه يهدف إلى استغلال الفيلم المسيء للرسول سياسياً وتعكير الأجواء المحلية بعد الهدوء والاريتاح اللذين سادا خلال زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان. والحقيقة أن حزب الله قد أخّر مسيرته الاحتجاجية على الفيلم لمدة يومين إحتراماً لزيارة البابا. وقد أوضح السيد نصر الله ذلك بقوله إن الحزب إنتظر انتهاء زيارة البابا حتى ينظم المسيرة الاحتجاجية على الفيلم، وحتى لا يعكّر صفو الزيارة سياسياً وإعلامياً.
        أما عن استغلال المناسبة سياسياً، فهو ممكن وجائز. لكن لا يجب أن ننسى خلفية حزب الله ونصرالله الدينية والإسلامية، فهو حزب ديني إسلامي ملتزم، ونصر الله رجل دين معمم، والفيلم مسيء للإسلام والرسول محمد(ص) وقد آذى مشاعر جميع المسلمين وحتى المسيحيين في العالم أجمع. لذلك أعتقد أن خلفية المسيرة والخطاب هي دينية في المقام الأول، خصوصاً أن مستوى الإهانة التي تعرّض لها الرسول (ص) من خلال بعض مشاهد الفيلم والطعن بالإسلام والقرآن وزوجته وأخلاقه وشخصه الكريم.
        ويمكن القول إن مشاركة الأمين العام بشخصه، متخطياً كل المخاوف الأمنية، نوع من التضحية والاستعداد للشهادة في سبيل الذود عن حرمة رسول الله(ص) وعرضه ودينه. وقد عبّرنصر الله عن ذلك في ختام كلمته بقوله "إن كل شيء يرخص ويهون فداء للنبي محمد (ص)".
لكن هل يستفيد حزب الله من الفيلم المسيء للرسول سياسياً؟ في رأيي نعم حزب الله سيوظف هذه المناسبة في اتجاهات عدة: أولاً هي فرصة لاستعادة شعبيته بين المسلمين السنة في لبنان والعالم العربي والإسلامي، والعمل على توحيد المسلمين سنة وشيعة نحو قضية دينية إسلامية جامعة في مواجهة أميركا وإسرائيل. وهل هناك قضية أسمى وأشرف من قصية الانتصار لرسول الله (ص)؟
        

 أما التوجّه الثاني فهو الاستفادة من تصاعد العداء لأميركا وإسرائيل في العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً في دول "الربيع العربي" التي وصل "الإخوان المسلمون" إلى الحكم فيها، ومحاولة وصل الجسور مع هؤلاء الإسلاميين، بعدما دبّ الفتور في العلاقات معهم على خلفية الأزمة السورية وموقف "الإخوان" الداعم للانتفاضة السورية المسلحة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، حليف حزب الله وإيران.
         

ولا شك أن سوريا ستستفيد من هذا الغضب الإسلامي العارم في تحويل أنظار العالم ولو مؤقتاً عما يحدث في سوريا، حيث سينصب اهتمام أميركا والغرب على تصاعد الهجمات على السفارات الأميركية، وعلى استغلال تنظيم القاعدة للفيلم المسيء لتنفيذ عملياته ضد الأميركيين.

        *د. هيثم مزاحم إعلامي وباحث لبناني.

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم