الباحث هيثم مزاحم: مقولة الإسلام هو الحل لا تكفي وحدها لمعالجة مشكلات بنيوية





حوار خاص    

باحث وصحافي وكاتب لبناني، تخصص في الفلسفة والدراسات الإسلامية في كلية الآداب ثم درس الصحافة والإعلام في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية. وعمل في مراكز دراسات وصحف ومجلات لبنانية، أبرزها صحيفتا "المستقبل" و"البيان". وترأس تحرير نشرة "نداء القدس" ومجلة "العراق اليوم". شارك في مقالات ومراجعات ودراسات في مجلات "الاجتهاد" و"شؤون الأوسط" و"التفاهم" و"مدارات استراتجية". نشر كتاب "حزب العمل الإسرائيلي 1968 –1999" عام 2001 صدر عن مركز الإمارات للدراسات الاستراتجية في أبوظبي. أعد وشارك في كتابين لمركز "المسبار" في دبي عن إيران في مايو ويونيو 2011. رسالته للماجيستير كانت بعنوان "تطور المرجعية الدينية لدى الشيعة الإثني عشرية"(وهي تحت الطبع). رسالته للدكتوراه موضوعها "المستشرق البريطاني مونتغومري وات والدراسات الإسلامية".
للاطلاع على آرائه حول الأحداث الاخيرة التي جرت في العالم العربي، كان هذا اللقاء:
هل من قراءة سياسية وإستراتجية للربيع العربي؟

أرى أن الثورات والانتفاضات والحراك السياسي والاجتماعي في جميع الدول العربية من تونس ومصر إلى ليبيا واليمن وصولاً إلى البحرين وسوريا والسعودية والسودان منطلقاتها مشروعة، وهي عبّرت عن رغبة هذه الشعوب بالحرية والتغيير. فكسرت حواجز الخوف من هذه الأنظمة الاستبدادية التي قمعتها وظلمتها وأخرستها لعقود. لكن في رأيي أنه بغض النظر عن عدالة ومشروعية هذه الثورات الشعبية والتي خرجت عفوية في معظمها، إلا أن ثمة تدخلاً لدول غربية وأنظمة عربية لتوظيف هذه الثورات في خدمة مشاريعها ومصالحها الاستعمارية والرجعية. وليس أدل على ذلك من الصمت الدولي والعربي بشأن انتفاضة الشعب البحريني والامتصاص الخليجي السريع لانتفاضة الشعب العماني والتعتيم على القمع السعودي للمتظاهرين في شرق المملكة. فإن كانت ثورات الربيع العربي هدفها التحرّر والديموقراطية والخلاص من الاستبداد فيجب أن يعم ذلك العالم العربي كله، بلا استثناء. فلا فرق بين مستبد هنا ومستبد هناك سواء أكان جمهورياً أو ملكياً أو عسكرياً، إسلامياً أو قومياً أو بعثياً.

وبرغم عفوية انطلاقة تظاهرات الثورة التونسية بعد إحراق الشاب التونسي بوعزيزي نفسه احتجاجاً على البطالة والظلم الاجتماعي، إلا أن ثمة جهات داخلية وخارجية إستغلت هذه الاحتجاجات للانقلاب على زين العابدين بن علي وتغيير نظامه. وهو ما يفسّر الفرار المتسرّع لبن علي وانحياز الجيش والشرطة إلى الشعب فجأة وبقدرة قادر. هذا السيناريو حين انتقل إلى مصر، ظل حسني مبارك ونظامه يقاومه لشهرين والإدارة الأميركية تترقب إلى أن طالبته بالتنحي، فتنحى رغماً عنه بانقلاب وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي عليه الذي فرض عليه نقل الحكم إلى المجلس العسكري برئاسة طنطاوي. وهكذا فبرغم الانتخابات التشريعية والرئاسية، رأينا كيف التف المجلس العسكري، وهو إرث النظام السابق، بالاتفاق مع المحكمة الدستورية، على حل البرلمان وإبطال الجمعية التأسيسية للدستور، وتقييد صلاحيات الرئيس المنتخب محمد مرسي. ومعروفة العلاقة بين النظام المصري العسكري وأميركا وإسرائيل. وثمة حديث عن وجود تفاهم بين جماعة الإخوان المسلمين والإدارة الأميركية برعاية تركية قطرية تسمح للإخوان بتشارك السلطة في مصر مع المجلس العسكري، بشرط ضمان المصالح الأميركية ومصالح إسرائيل الأمنية، وعدم المسّ بمعاهدة السلام معها.

ماذا عن الثورات في اليمن وليبيا وسوريا؟

كما رأينا السيناريو الليبي اتخذ مساراً دموياً نتيجة انشقاق جزء من الجيش ومنطقة الشرق والتدخل العسكري لحلف الأطلسي لدعم الثوار الليبيين، الأمر الذي أدى إلى إسقاط نظام القذافي وحصول التغيير الجذري في ليبيا. ولكن الثمن كان غالياً على صعيد الضحايا والخسائر، فضلاً عن الفوضى والانقسام في ليبيا وحجم النفوذ الغربي المتعطش للنفط والغاز.

وإذا انتقلنا إلى اليمن، فالحراك هنا قد سبق الثورة في تونس، لكنه كان مغيباً وحظي الرئيس السابق علي عبد الله صالح بدعم أميركي سعودي حتى اللحظة الأخيرة، إلى أن أصبح وجود صالح عقبة للأميركيين والسعوديين لتنفيذ مشروعهم في المنطقة وتعميمه. فلا يمكن أن يدعو الغرب وحلفاؤه العرب إلى تغيير النظام في سوريا بينما يبقى صالح على رأس السلطة في اليمن. فكانت المبادرة الخليجية المدعومة أميركياً ودولياً وتنازل صالح عن سلطاته لنائبه، ولكنه لما يسلّم جميع أجهزة السلطة العسكرية والأمنية للرئيس الجديد عبدربه منصور هادي. لكن ذلك لا يعني أن الثورة في اليمن لم تحقق بعض الإنجازات وأهمها تنحي صالح وبدء التغيير. لكن العبرة في المستقبل ونتائج مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في نوفمبر المقبل وهيكلة الجيش والأجهزة الأمنية وحل مشكلة الجنوب والحوثيين.

أما في سوريا، فقد أدت عسكرة الثورة إلى حصول مجازر كبيرة واقتتال طائفي والتدخل الخارجي سياسياً وعسكرياً ومالياً، وهناك خشية من تقسيم سوريا إلى دول طائفية وعرقية. ومع أحقية مطالب الشعب السوري بالحرية والتغيير والعدالة وإنهاء الاستبداد والفساد، إلا أنه ليس سراً أن أميركا وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا وبعض الأنظمة العربية تنتقم من النظام السوري بسبب مواقفه السابقة بدعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ضد الاحتلالين الإسرائيلي والأميركي، فضلاً عن وجود خلفيات طائفية تحرّك بعض الأنظمة في سعيها لإسقاط هذا النظام. ولا يخفى أن الأطماع بمخزونات النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط على السواحل اللبنانية والسورية والفلسطينية هي التي تحرك هذا الحشد الغربي الخليجي لاسقاط النظام السوري وإنشاء شرق أوسط جديد في المنطقة.

بعد نجاح الثورات العربية في إسقاط بعض الأنظمة الاستبدادية، فهل نحن قادرون على بناء دول ديمقراطية تعددية؟

أتمنى ذلك. وبرغم جميع التحفظات التي ذكرت على الثورات التي لم تكتمل باستثناء تونس وليبيا، إلا أنني آمل أن يكون هذا التغيير لمصلحة نشوء دول ديموقراطية تعددية وسيادة مبادئ الحرية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان وتداول السطة والاعتراف بالآخر والحوار والتعايش الديني والمذهبي واحترام الحريات الدينية والحزبية والفكرية. لكن ذلك يحتاج إلى وقت حتى نتعوّد على الديموقراطية والتعددية. فمجتمعاتنا العربية تفتقر إلى ثقافة الحرية التي تعتبر الضمانة الكبيرة لبزوغ عصر ديموقراطي حقيقي. فالديموقراطية هي عملية اختيار الحكام والحكومات، لكن المطلوب الوصول إلى حماية الحريات والحقوق الفردية الأساسية في التعبير والتجمع والتدين والتفكير والاختلاف.

هل أنت متفق مع القائلين بأن المستفيد الوحيد من الربيع العربي هم الإسلاميون؟

قد يكون الإسلاميون هم أحد المستفيدين من "الربيع العربي"، وهذا ما أظهرته التغييرات في تونس ومصر والمغرب، وليبيا واليمن إلى حد ما ، وهذا ما يتطلعون إليه في سوريا في حال حصل التغيير المنشود. لكن ألا ترى أن أميركا والغرب مستفيدان؟ لقد تخلصت من العقيد معمر القذافي وأصبح النفط والسوق الليبيان مفتوحاً أمامهم أكثر مما مضى، فضلاً عن مشاريع إعادة الإعمار. في تونس ومصر واليمن، أضحى التغيير مفيداً للأميركيين والغربيين، وهو تغيير مدروس ومحسوب، فلم تحصل ثورات شعبية على غرار الثورة الإسلامية في إيران أسقطت النظام وأصبح نظامها معادياً تماماً للغرب. التغيير هنا يتم من الداخل وبالإشراف الأميركي. كما أن الأنظمة الخليجية بدأت تعزز من نفوذها في دول "الربيع العربي" هذه لنشر إيديولوجياتها فيها والاستثمار في نفطها وأسواقها، بينما يشكل بعض هذه الأنظمة التي لا يوجد في معظمها برلمان فاعل أو انتخابات تشريعية، مناعة أمام التغيير والإصلاح داخلها، ويمنع أي تغيير أو إصلاح في البحرين أو في السعودية.

في الإمارات مثلاً يحرم المدوّن من جنسيته ويبعد خارج البلاد إذا كتب انتقاداً في مدونته للحكم وطالب ببعض الحريات والإصلاح. أما قطر التي تقود عبر قناة "الجزيرة" ثورات الربيع العربي فهي لم تحلّ مشكلة البدون بعد، وهم الذين عاشوا أكثر من نصف قرن في قطر وقبل استقلالها ويحرمون من جنسيتها وبعض حقوقهم الإنسانية كالسفر والعمل والتعليم وذلك لحسابات قبلية وسياسية وعنصرية. وهذه المشكلة موجودة كذلك في الكويت والإمارات.

ما هي انعكاسات الربيع العربي على منطقة الشرق الوسط سياسياً واستراتيجياً؟

ثمة خشية من سقوط "الربيع العربي" لقمة سائغة في فم الأميركيين. فالأزمة الاقتصادية العالمية، التي ضربت الاقتصادين الأميركي والأوروبي بخاصة، تثير أطماع الغرب والإدارة الأميركية لإعادة تشكيل المنطقة واستغلال ثرواتها وأسواقها لإعادة إنعاش الاقتصاد الأميركي والغربي. وثوراتنا وحروبنا وتسلحّنا تساهم في تحريك عجلة مصانع السلاح الغربية من جهة، وفي مشاركة الشركات الغربية في إعادة الإعمار ما تدمّره هذه الحروب من جهة أخرى. كما أن هزيمة الأميركيين في حروبهم في المنطقة في العراق وأفغانستان وحرب تموز التي شنتها إسرائيل بالوكالة عن أميركا عام 2006 على لبنان، قد جعلتهم يختارون العودة للانتقام والسيطرة على المنطقة عبر الحروب الناعمة، أي تحريك الثورات وتغيير الأنظمة واستثمار ما بعد التغيير. نتذكر كلام وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليسا رايس خلال الأيام الأولى لحرب تموز- يوليو 2006 حين بشّرت بمخاض ولادة شرق أوسط جديد. لكن صمود المقاومة والشعب في لبنان وانتصارهما على إسرائيل في حرب دامت 33 يوماً، هي أطول حروب إسرائيل، قد أجهض هذه الولادة.

هل الحكومات الإسلامية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها الوطن العربي؟

إذا كنت تقصد بالحكومات الإسلامية، حكومات الإسلام السياسي، فلا أعتقد أنها قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. فمقولة "الإسلام هو الحل" لا تكفي وحدها لمعالجة مشكلات بنيوية في مجتمعاتنا واقتصاداتنا وسياساتنا وعلاقاتنا البينية والخارجية.

وبداية يجب على الإسلاميين أن يؤمنوا بالشراكة مع التيارات والقوى السياسية والدينية الأخرى لإعادة بناء هذه الدول، والتفكير بالمصلحة العامة قبل المصلحة الحزبية، والاستفادة من شمولية الإسلام وتسامحه وانفتاحه وعدم الغرف في تفاصيل وخلافات دينية وفقهية تكفّر المسلم المختلف معه والمسيحي واليساري الخ. لكن ينبغي أن نؤمن بأنه إذا كان الشعب قد إختار الإسلاميين كي يمثلوه في الحكم، فيجب منحهم الفرصة لتحقيق ذلك، بشرط ألا يستبدوا بالحكم ويغلبوا الرؤية الضيقة على الرؤى النيّرة.

أي نموذج إسلامي نحن أقرب إليه النموذج التركي أو النموذج الإيراني؟

نحن أقرب إلى النموذج التركي. فالنموذج الإيراني ثوري معادٍ لغرب وأميركا وإسرائيل. أما النموذج التركي فهو متحالف مع أميركا وجزء من حلف الأطلسي الغربي ويقيم علاقات مع إسرائيل. وقد اشترط الأميركيون على الإسلاميين في تونس ومصر أن يعلنوا موقفاً غير عدائي تجاه إسرائيل قبل أن يتسلموا السلطة، وهو ما حصل بالفعل. كما أن النموذج الإيراني قائم على المذهب الشيعي الإثني عشري ومبدأ ولاية الفقيه المطلقة، بينما النموذج التركي يقبل التشارك في الحكم مع قوى أخرى فاعلة، كالجيش ورجال الأعمال وتيارات سياسية قومية وليبرالية.
وما يفوت بعض دعاة الإسلام السياسي أن المطلوب ليس فقط أن نحكم الداخل ونكون مرتهنين للخارج، فالاستقلال والتحرّر من الاستعمار والاحتلال والتبعية يفترض أن تكون من أهم مفاهيم الإسلام.

حوار أجراه نورالدين علوش لموقع الحوار المتمدن

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم