مصر ما بعد مبارك - هيثم مزاحم

Egypt After Mubarak: Liberalism, Islam, and
Democracy in the Arab World.

By Bruce K.Rutherford


(Princeton University Press- USA- 2008)



كتاب "مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديموقراطية في العالم العربي"

تأليف: بروس روثرفورد
(الناشر: برنيستون يونيفيرستي برس- 2008)


مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية في عام 2011، بدأ العديد من مراكز الأبحاث الأميركية والباحثون والكتاب الغربيون يولون أهمية كبيرة لمستقبل النظام السياسي المصري بعد الرئيس محمد حسني مبارك. ومن الكتب التي صدرت مؤخراً في الولايات المتحدة عن مستقبل النظام السياسي المصري بعد مبارك كتاب لبروس روثرفورد Bruce K. Rutherford الذي حمل عنوان "مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديموقراطية في العالم العربي
يقدم الكتاب تحليلاً للقوى السياسية داخل النظام السياسي المصري والتي يجملها الكتاب في ثلاث قوى رئيسة هي: جماعة الإخوان المسلمين ـ المحظورة رسميّاً ـ والقضاة وطبقة رجال الأعمال. ويُظهر الكتاب أن تلك القوى الثلاثة تعمل بشكل متوازٍ في ما بينها داخل النظام السياسي المصري، وليس بصورة موحّدة في ما بينها، من أجل التأثير على مستقبل مصر السياسي.

الأنظمة الهجينة والديموقراطية العربية

يقول المؤلف في الفصل الأول بعنوان "الأنظمة الاستبدادية والديموقراطية العربية" إن البرلمان المصري قد ضوت في 30 نيسان/ابريل 2006 وبأغلبية كبيرة على تجديد العمل بقانون الطوارئ، الذي يمنح الرئيس المصري سلطات استثنائية لاحتجاز مواطنين ومنع التجمعات العامة، وإصدار مراسيم مع قليل من المحاسبة أمام البرلمان أو الشعب. لكنه يرى أنه مع ذلك فإن الإذعان لسلطة الرئيس ليست مطلقة. فقبل أشهر من هذا التصويت، أصدرت المحكم الدستورية العليا حكماً حددت فيه سلطات الرئيس قي ظل قانون الطوارئ، حيث منعت المحكمة الرئيس من ممارسة الحكومية على الأملاك الخاصة في حالات غير طارئة ورفضت قيام رئيس الوزراء بتطبيق تلك الممارسة التي تنتهك حقوق المصريين.
وذكر روبرثفورد أن العديد من منظمات المجتمع المدني تتحدى هذا القانون، وخصوصاً حركة الأخوان المسلمين، التي نظمت تظاهرات عدة للاحتجاج على ذلك التصويت البرلماني وانتقدت قانون الطوارئ بكثافة في وسائل الإعلام. كما أدان القانو ممثلو الجماعة في البرلمان الذين اعتبروه مناقضاً لمبادئ الإسلام لأنه يتجاهل رغبات الشعب المصري وفشل في خدمة المصلحة العامة.
ويعتبر المؤلف أن هذه الأحداث تظهر تناقضات متنامية في مصر المعاصرة، بحيث يمكن لمراقب أن يستنتج بسهولة أن البلاد هي مثال كلاسيكي للدولة الاستبدادية المستقرة. فالنظام يسيطر على معظم وسائل الإعلام ويهمين على الحياة السياسية، ويقمع المعارضين ويحرك المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
ويشير الكاتب إلى وجود سلطة قضائية قوية ونابضة بالحياة في مصر تقيّد بأحكامها النظام المصري. كما توجد جمعية للقضاة تواجه السلطات والأجهزة وجماعات الضغط من أجل إسلاح قضائي وسياسي. كما أن في مصر حركة إسلامية جيدة التنظيم وواسعة الانتشار تدعو إلى زيادة المحاسبة الحكومية، واحترام أكبر للقانون، وتحسين حماية حقوق المواطنين. ولكن جماعة الأخوان المسلمين ليس لديها قدرة رسمية لتقييد الدولة، فهي تقوم بتحدي سوء استخدام السلطة وتدين عدم شرعيته من خلال المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.
ويقول الكاتب إن بعض المحللين يميل إلى رفض هؤلاء النقاد للسلطة التنفيذية بوصفهم لاعبين هامشيين مع تأثير قليل على السياسات. مع ذلك فهذه النظرة تهمل التغيير الجوهري في طبيعة السياسات المصرية منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي. فالنظام الدولتي قد أقيم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر قد تم تقويضه نتيجة أزمات اقتصادية وإعادة هيكلة اقتصادية واندماج في الاقتصاد العالمي. فهذه التغييرات قد أوهنت المؤسسات الرئيسية لسيطرة الدولة، وخصوصاً القطاع الخاص ونظام الإعانة. كما أدى ذلك إلى تآكل الآيديولوجيا التي منحت النظام الشرعية. هذا يعني أن الدولة تتضاءل، فهي لم تعد تهيمن على الاقتصاد والمجتمع. وهذا الأمر خلق فرصاً للآيديولوجيات والمؤسسات المنافسة أن تبرز، وبخاصة تصوّر ليبرالي للقانون داخل القضاء وتصوّر إسلامي للحكم داخل حركة الأخوان المسلمين. هذان الخياران قد نميا وشكلا بدائل عن تراجع السيطرة المطلقة للنظام، وطرحا إصلاحات عدة لتقييد سلطات الدولة، وتعزيز حكم القانون وحماية بعض الحقوق الأساسية.
وقد كسبت هذه الإصلاحات تأييد بعض فئات مجتمع رجال الأعمال والجناح الإصلاحي في الحزب الحاكم. هذا التصوّر يقترح أن مستقبل مصر السياسي قد يتضمن ترسيخاً ثابتاً لليبرالية وربما الديموقراطية.
ويعرض الكاتب لمسألة واقع الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن إمكانية التطور الليبرالي والديموقراطي مسألة جديدة في المنطقة وأن الأمر لم يكن أولوية قادة العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانيةـ وأن الولايات المتحدة كان لها سجل مميّز في هذا المجال. ويذكر الكاتب بالانقلاب الأميركي على حكومة محمد مصد في إيران في العام 1953، والدعم والتسليح الأميركيين للحكومات الملكية في المنطقة، وخصوصاً في إيران والسعودية والأردن والمغرب والكويت.
كما ينقل المؤلف كلام وزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج شولتز الذي أوضح "أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تبقى ساكنة وهي تراقب ثورة الخميني تكتسح". ويعدد ـ بحسب شولتز ــ المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وهي: تأمين وصول النفط وبأسعار ثابتة، أمن إسرائيل، وإضعاف الاتحاد السوفياتي (آنذاك). ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، اضيفت مسألة احتواء الإسلام السياسي، بشقيه الشيعي والسنّي إلى قائمة المصالح الاستراتيجية.
ويلاحظ روثرفولد أن بناء دول ديموقراطية في الشرق الأوسط كان يعتبر موضوعاً ثانوياً في أفضل الأحوال، لأن الدمقرطة قد تجلب عدم الاستقرار وتعرقل وصول النفط إلى الغرب، وتسمح لقوى معادية للولايات المتحدة بمدّ نفوذهم السياسي. ويشير الكاتب في هذا المجال إلى الصمت الأميركي إزاء الانقلاب على نتائج الانتخابات الديموقراطية في الجزائر في العام 1992 والتي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإخلاص، وذلك لأن واشنطن رأت ــ بحسب كلام وزير خارجيتها جيمس بيكر بعد سنوات لاحقة ــ أن وصول الإسلاميين إلى السلطة قد يكون ضد المصالح القومية الأميركية.
كما يذكر الكاتب بالدعم الأميركي للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين خلال حربه ضد إيران في الثمانينات، وتجاهل الإدارة الأميركية خلال عملية تحرير الكويت من الاحتلال العراقي لاشتراط إصلاحات ديموقراطية على الأسرة الحاكمة في هذا البلد النفطي الخليجي في مقابل تحريره.
ثم ينتقل روثرفورد ليعرض بداية العلاقة الأميركية ــ المصرية منذ العام 1975 والتحوّل المصري عن التحالف مع الاتحاد السوفياتي والانخراط في السلام مع إسرائيل، عبر اتفاقية كامب ديفيد في العام 1979، حيث ارتفعت المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية لمصر إلى نحو بليوني دولار سنوياً، ووصلت قيمة هذه المساعدات خلال ثلاثين سنة (1975-2006) إلى نحو 60 بليون دولار.
ويستغرب الكاتب كيف لم تستخدم الإدارات الأميركية المتعاقبة هذه المساعدات كرافعة للإصلاح السياسي في مصر، بينما كانت واشنطن مشككة في جدوى الديموقراطية في بلاد النيل منذ عهد الرئيس عبد الناصر. فمسؤول مجلس الأمن القومي الأميركي وليام كوانتقد كدتب تقريراً عن العلاقات الأميركية ــ المصرية في 70 صفحة في العام 1990، لكنه لم يتطرق البتة إلى مسألة الإصلاح السياسي أو الديموقراطية في مصر. لكن هذه الرؤية بشأن الدمقرطة في مصر والعالم العربي قد تغيّرت بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2011. قبل هذه الاعتداءات، كان صانعو السياسة الأميريكون يعتقدون أن الأنظمة الاستبداية والصديقة والمستقرة في العالم العربي هي أفضل ضمانة للأمن والمصالح الاقتصادية الأميركية. أما بعد هذه الهجمات، فقد استنتج قادة الولايات المتحدة من كلا الحزبين أن الإرهاب الذي يقوم به راديكايون إسلاميون هو نتيجة لقمع وظلم الديكتاتوريات العربية وركود الاقتصادي في هذه البلدان، مما أسفر عن بطالة وفقر وويأس لدى الشباب الغاضب الذين تحوّلوا إلى مجندين لدى التنظيمات الإرهابية الأصولية التي وعدتهم بالكرامة والشهادة في المعركة ضد الظلم.
من هنا جاءت رؤية إدارة الرئيس جورج بوش الإبن، والتي عبّرت عنها وزيرة خارجيته كونداليزا رايس في العام 2005 بقولها: "لمدة ستين عاماً واصلت الولايات المتحدة سياسة الاستقرار على حساب الديموقراطية، ولم نحقق شيئاً". ففي نوفمبر 2003، أعلن الرئيس بوش أن الولايات المتحدة قد اتخذت "استراتيجية متقدمة للحرية في الشرق الأوسط" تكون ميزة أساسية في السياسة الخارجية الأميركية. وصدرت استراتيجية الأمن القومي للإدارة الأميركية في مارس 2006 في فقرتها الأولى تقول إن "هدف (العاملين في) الدولة هو المساعدة في إنشاء عالم من الدول الديموقراطية والمحكومة جيداً والتي تلبّي احتياجات مواطنيها وتقودهم بمسؤولية في النظام العالمي". وكان الشرق الأوسط في الأولوية في هذه الاستراتيجية. فبين العامين 2002 و2006، خصصت الإدارة الأميركية 600 بليون دولار لمبادرة الشراكة الشرق الأوسطية التي أنشئت بهدف زيادة نزاهة الانتخابات ودعم منظمات المجتمع المدني، وتقوية القضاء، وتحسين حقوق النساء.

مستقبل الديموقراطية في العالم العربي

ويرى روثرفولد أنه للمرة الأولى في تاريخ منطقة الشرق الأوسط ثمة مطالبات قوية بالديموقراطية مدعومة من المجتمع الدولي. ويشير إلى تحسن العملية الانتخابية ومراقبتها في كل من الجزائر، الكويت، لبنان، الأردن، والمغرب، وإلى إظهار القضاة في مصر والكويت اتسعدادهم لتحدي السلطة التنفيذية، والى حصول البرلمان على سلطات لمحاسبة الحكومة في الكويت والمغرب والأردن.


ويصف الكاتب منطقة الشرق الأوسط بأنها في مرحلة التحول الديموقراطي، مذكراً بأن المنطقة كانت تعيش "ربيع الديموقراطية" ـ حسب التوصيف الأمريكي ـ في عام 2005، فيشير إلى عدد من الأحداث الديمقراطية التي تُشير إلى هذا الربيع الديمقراطي منها: ذهاب العراقيين لصناديق الاقتراع بعد خلع الرئيس العراقي السابق صدام حسين لتشكيل حكومة عراقية جديدة، ونزول اللبنانيين بأعداد غفيرة وسط العاصمة بيروت لمعارضة الوجود والنفوذ السوريين في لبنان، والانتخابات البلدية في السعودية لأول مرة في التاريخ السياسي السعودي. وفي القاهرة زاد عدد الناشطين السياسيين على مختلف الأطياف السياسية والتي كسرت القيود المفروضة على عمل المعارضة، وهو ما دفع افتتاحية بصحيفة غربية الإدعاء بصورة قوية أن المنطقة أحدثت تحولاً على أرض الواقع في مسار الديموقراطية.

وكان ثمة قلق لدى مسؤولي إدارة الرئيس جورج بوش بشأن مستقبل التحول الديموقراطي في مصر، والذي يعد نوعاً من اللغز من دون حل بسيط، وذلك لسببين رئيسين، أولهما هو غياب التأييد لنظام مبارك، والسبب الثاني يتمثل في أن كافة أطياف النظام السياسي المصري بداية من اليساريين والناصريين وصولاً إلى الإسلاميين يعارضون الولايات المتحدة، ناهيك عن انقسام المعارضة المصرية على ذاتها خلال الست عقود المنصرمة، وهو الأمر الذي يصعب من تصوّر تجمع قوى المعارضة في ائتلاف موحد يمثل ضغطاً على نظام الرئيس حسني مبارك.


المقاربة التحليلية للكاتب

تقوم مقاربة الكاتب على أن أحد الميزات المحددة للنظام الهجين هو تطور المؤسسات الديموقراطية من داخل المؤسسات الاستبدادية الشديدة الترسيخ. وهو يحاول أن يطبق هذه المقاربة التحليلية على مصر، لأن هذا البلد مهم جداً ويشكل حالة ثاقبة لفهم آفاق الديموقراطية واحتمالاتها في الشرق الأوسط. وهو يرى أن هذه التصورات الثلاثة (اللببرالي، الإسلامي، والدولتي) للنظام السياسي التي تتنافس على الإشراق في الشرق الأوسط لها جذور تاريخية ومؤسساتية عميقة في مصر. كما يشير إلى أن الصراع بين هذه القوى الثلاث قد كان مفتوحاً نسبياً، ويمكن فحصه من خلال دراسة المصادر المتاحة بسهولة أو المقابلات مع الفاعلين المعنيين. وهو يعتقد أن الحالة المصرية تمنح فرصة لتحليل التنافسات بين الأفكار والمؤسسات التي تشكل وجه المنطقة. فمصر هي أكبر دولة عربية سكانياً (81 مليون في عام 2008)، لها جيش كبير، وثاني أوسع اقتصاد. فهي القائد الثقافي للمنطقة ومصدر مهم للفكر والتقليد الدينيين السنّيين. كما أن مصر تشكل نموذجاً يحتذى لجهة التطور السياسي في الدول العربية الأخرىن غذ تم تقليد مؤسساتها القانونية والسياسية في الدول العربية الأخرى بدرجات متفاوتة، في الكويت، الإمارات العرية المتحدة، الأردن سوريا، والعراق. كل تلك العوامل تجعل مصر حالة فريدة من التأثير. فتجربتها مع الليبرالية والإسلام والديموقراطية، لها تأثير عميق على جيرانها في المنطقة.

المؤسسات التاريخية لليبرالية
في الفصل الثاني يدرس الكاتب نشوء الدستورية الليبرالية في مصر، فيفحص المؤسسات التاريخية لليبرالية المصرية في القرنين التاسع عشر والعشرين ويلاحظ أن مفهوم الحكم قد أضحى مندمجاً بإحكام في تطوّر المهة القانونية، إذ تحوّل القضاة والمحامون إلى أبرز المطالبين بالإصلاح الليبرالي، حيث لعبت نقابة المحامين دوراً قيادياً في المطالبة بالإصلاح الليبرالي في القرن العشرين. لكن التغيير في عضوياتها وقمع النظام لها قد أديا إلى تجزئة النقابة والتقليل من فاعليتها. في المقابل، حافظت الهيئة القضائية على حس قوي من الهوية الليبرالية وطورت مفهوماً راسخاً من التمسك بالمبادئ الدستورية الليبرالية.

الإخوان المسلمين فاعل لا يمكن تجاوزه

أما الفصل الثالث فيدرس تطوّر التمسك بالمبادئ الدستورية لدى حركة الأخوان المسلمين منذ عودة ظهور الحركة في السبعينات من القرن الماضي. ويتحدث المؤلف عن نشأة جماعة الإخوان المسلمين والهدف من نشأتها وهو أسلمة المجتمع المصري، وعن تحالف الضباط الأحرار مع الجماعة في أربعينيات القرن المنصرم، على الرغم من معارضة كثيرٍ من الضباط الأحرار لمشروع الجماعة لأسلمة المجتمع المصري، ولكنهم وجدوا خط نظام بينهم وبين الجماعة هو معارضتهما للمشروع الغربي الاستعماري في مصر ومنطقة الشرق الأوسط، ولذا تبنيا مشروعاً قوميّاً.

ومنذ ثورة 1952 هناك تياريان سائدان في التحليل الغربي لدور جماعة الإخوان المسلمين في النظام السياسي المصري. أولهما يرى أن الجماعة فاعل قوي في النظام السياسي المصري والذي لا يمكن إغفاله عند الحديث عن الإصلاح السياسي في مصر وهو ما عبرت عنه افتتاحية الوول استريت جورنال The Wall Street Journal في ربيع 2005. أما التيار الآخر فيرى أن جماعة الإخوان المسلمين لا تختلف عن حزب الله وحماس وحركات المقاومة في المنطقة التي تصنفها الولايات المتحدة والدول الغربية على أنها جماعات إرهابية، وأنها تهدف إلى تدمير الولايات المتحدة، ناهيك عن معارضتها المصالح الأميركية في المنطقة، وهو ما عبر عنه ميت رومني Mitt Romney ـ المنافس الجمهوري على بطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام 2008 في عام 2007.
وبين هذين التيارين هناك تيار من الباحثين والمحليين الغربيين يركز على تطوّرات داخل الجماعة وتصعيد قيادات شابة تؤمن بالمسؤولية والشفافية وحكم القانون، ولكن هؤلاء الباحثين في الوقت ذاته لا ينسون تاريخ الجماعة المسلح والغاية العليا لها من أسلمة المجتمع والنظام السياسي المصري.

ويتحدث روثرفورد عن أن هناك تطوراً ليبراليّاً في جماعة الإخوان المسلمين مستنداً إلى مواقفها من حقوق المرأة، لكنه لم يقع في ما وقع فيه كثير من المحلّلين الغربيين الذين يعتبرون الجماعة كائناً ساكناً لا يتطوّر أو يتحرك، لكن روثرفورد تحدث عن التغييرات والتطوّرات المعقدة داخل الجماعة وقدم تفسيراً لها. وتحدث الكاتب عن تراجع الجماعة عن العنف ودورها السياسي في الانتخابات وتحالفها مع عدد من قوى المعارضة في الانتخابات، وتقديمها برنامجاً انتخابيّاً، الذي في واقع الأمر ليس ليبراليّاً، كما يرى كثيرون.

ويبالغ روثرفورد بشأن تأثير أربعة مفكرين إسلاميين هم: الشيخ يوسف القرضاوي، وطارق البشري، وأحمد كمال أبو المجد، ومحمد سليم العوا، على أفكار الجماعة. ويعرج إلى الحديث عن القرضاوي وإدراك الأميركيين والغربيين له من خلال آرائه وفتاويه من خلال برنامجه على قناة الجزيرة القطرية "الشريعة والحياة"، لاسيما فتاويه بالجهاد ضد الإسرائيليين وتبريره العمليات الاستشهادية ضدهم باعتبارهم يخدمون بقوات الدفاع الإسرائيلية إلى آرائه التقدمية في التعليم والمرأة والإصلاح.

ويرى روثرفورد أن هؤلاء المفكرين الأربعة المؤثرين في أفكار الجماعة معتدلون في تفسيرهم للشريعة على عكس حركة "طالبان" في أفغانستان والوهابيين في السعودية، وهذا في رأيه يتماشى مع الحداثة.

القضاء معبّر عن ضمير الشعب

الفصل الرابع يدرس المفهوم الدولتي للنظام السياسي في مصر الذي يبرّر النظام الاستبدادي الحالي. وعلى الرغم من تركيز الباحثين الغربيين وصناع القرار على دور الجماعات الإسلامية يتجاهل كثيرون دور القضاء المصري الساعي إلى مؤسسة تقدمية مؤمنة بالقيم الليبرالية ذات سلطة عليا في النظام السياسي المصري، وهو ما ركز عليه روثرفورد في كتابه بالحديث عن مساعي القضاء إلى استقلاليته. ويرجع الكاتب في هذا الصدد إلى التاريخ موضحاً دور القضاء المصري في تدشين جدل حول شرعية النظام السياسي المصري وقوته، منها خلال عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، حيث أرغمت المحكمة الدستورية العليا الحكومة على تغيير قوانين الانتخابات أكثر من مرة، وإلى دور القضاء المصري في الانتخابات البرلمانية في عام 2005.

ويعرض روثرفورد للعقبات والقيود التي واجهت القضاء في عام 2006 والصراع بين القضاة والحكومة والشد والجذب بينهما، وإلى تظاهرات القضاة وسط القاهرة أكثر من مرة من أجل مطالبهم. ويرى الكاتب أن هذا الصراع بين الحكومة والقضاة راجع إلى محاولات الحكومة المستمرة إلى تسييس القضاء وإلى مساعي القضاة إلى استقلال مؤسسة القضاء وفرض حكم القانون.

وفي ظل هذا الصراع المحتدم بين القضاة والحكومة استجابت الحكومة لعدد من مطالبهم والتي لم ترضيهم ولا قوى المعارضة، ولكنها قوّضت من نشاطهم الرئيسي. ويرى الكاتب أن القضاء يمكن أن يعبّر بطرق عن ضمير المصريين، وعن المتطلعين إلى حريات ومستقبل ديموقراطي أفضل. كما يرى أنه بمناصرة القضاة ونزولهم إلى الشارع المصري بفاعلية مثلما هو الحال في باكستان، سيساعد القضاء المصري في تشكيل مستقبل مصر السياسي.

رجال الأعمال من الاقتصاد إلى السياسة

أما الفصل الخامس فهو يلاحظ أن تطبيق سياسات اقتصاد السوق الموجّه منذ العام 1991 قد قوّى النفوذ السياسي لمجتمع رجال الأعمال.
وعن القوى الثالثة في النظام السياسي المصري يتحدث روثرفورد عن رجال الأعمال الذين أضحوا أحد الفاعلين في النظام السياسي المصري وأحد نخب النظام المصري، فهم يزاوجون بين الأعمال والسياسة، ويتطرق إلى نخبة رجال الأعمال في حكومة الدكتور أحمد نظيف الحالية والتي لم تتغير في التعديل الوزاري الأخير، وهنا يتحدث عن ثلاثة من الوزراء الذين يصوغون السياسة الاقتصادية لمصر منذ عام 2004 وهم: وزير التجارة رشيد محمد رشيد، ووزير المالية يوسف بطرس غالي، ووزير الاستثمار الدكتور محمود محي الدين، ويتحدث الكاتب عن قرب هؤلاء الثلاثة من جمال مبارك، نجل الرئيس، والأمين العام المساعد وأمين السياسات للحزب الوطني الديموقراطي.
وعن الحزب الوطني الحاكم، يقول إنه أضحى حزب رجال الأعمال. ويشير إلى عدد من كبار رجال الأعمال في الحزب ومنهم على سبيل المثال أحمد عز وطاهر حلمي رئيس مجلس إدارة الغرفة الأميريكية للتجارة. والعلاقة بين رجال الأعمال والعمل السياسي ليست راجعةً إلى دور جمال مبارك السياسي في الحزب الوطني الديموقراطي، ولكنه راجع لفترة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، فقد أدت سياسة الانفتاح التي تبناها السادات إلى تلك العلاقة الجدلية بين رجال الأعمال والعمل السياسي، وقد استمرت تلك السياسة خلال فترة الرئيس مبارك. ويرى الكاتب أن العلاقة بين رجال الأعمال والحزب الوطني الحاكم هي الخلاصة المنطقية لعملية ترجع إلى ما يقرب من ثلاثين عاماً.

وينظر المؤلف إلى رجال الأعمال ليس كجزء مهم من النظام ولكن أحد الدافعين والمؤثرين على النظام لتبنّي إجراءات ليبرالية، ولعل تحليل روثرفورد في تلك النقطة ليس مقنعاً بحسب البعض لأنه لم يتناول دور صندوق النقد الدولي خلال الثمانينيات والتسعينيات الذي دفع القاهرة إلى تبنّي سياسات ليبرالية. فقد كان لصندوق النقد الدولي دور كبير في التأثير على النظام المصري لتبنّي إصلاحات ليبرالية، وليس أي فاعل في النظام السياسي المصري بما في ذلك رجال الأعمال، وتلك الإجراءات الإصلاحية التي أُرغمت الحكومة المصرية على اتخاذها خدمت مصالح طبقة رجال الأعمال. وقد رحبت طبقة رجال الأعمال بتلك الإجراءات الإصلاحية، وأبرزها تحديث الاقتصاد المصري، لأنها مكنتهم من تحقيق مكاسب ومنافع من العولمة.


والفصل السادس يظهر أن طريق التغيير المؤسساتي الذي تمت المطالبة به من قبل ليبراليي السوق يتشاركون في العديد من دعاوى الإصلاح مع مؤيدي الدستورية الإسلامية والدستورية الليبرالية. فكل من القوى الثلاث يؤيد إنشاء دولة أكثر ليبرالية مع تقييد فعال للسلطات، وقانون واضح وغير منحاز، وحماية للحقوق المدنية والسياسية.

التعديلات الدستورية في 2007 ومستقبل مصر السياسي

خشية من أن تثير الإصلاحات الاقتصادية في مصر إصلاحاً سياسياً تم إقرار تعديلات دستورية في العام 2007 لدستور 1971 ذي الطبيعة الاشتراكية، من خلال استفتاء شعبي في آذار/مارس 2007، أكدت على الطابع الهجين للنظام، لكنها أظهرت أيضاً إمكانية تحوّله إلى نظام استبدادي شديد. فهو يتضمن ملامح عن التاثير النامي لليبرالليين على سياسات الحكومة، وبخاصة الليبراليين الاقتصاديين. فالتعديلات أكدت على تحوّل الاقتصاد من اشتراكي إلى اقتصاد سوق قائم على "تطور المبادرة الاقتصادية" ويحمي الملكية الخاصة بكافة أشكالها. كما تقيّد بعض التعديلات السلطة التنفيذية، فالتعديل للبند 74 يقول إن لرءيس الجمهورية الحق في إعلان حالة الطوارئ فقط بعد استشارة رئيس الوزراء ورئيسي مجلس النواب والشورى. كما أقرت التعديلات أنه في حال جرح الرئيس أو عدم قدرته على ممارسة الحكم، تحوّل سلطاته إلى نائبه، ومن ثم إلى رئيس الوزراء، في حال عدم وجود النائب. كما منحت التعديلات البرلمان صلاحية التصويت على الموازنة بنداً بنداً. كما منح البرلمان حق رفض الحكومة من خلال عدم منحه الثقة لها. كما حددت التعديلات أن رئيس الجمهورية يمكنه إصدار القوانين والمراسيم وفقط بالاتفاق مع الحكومة، وكذلك إعلان حالة الطوارئ ومراسيمها ينبغي أن يكون بالاتفاق مع الحكومة. وكان الرئيس سابقاً لا يواجه أي تقييد لسلطاته في هذا المجال. لا ينبغي المبالغة بدلالات هذه الخطوات، لأن رئيس الحكومة وجميع أعضائها يعيّنون من قبل الرئيس، وهو يحتفظ بحق إقالتهم. وكذلك فإن الإجراءات التي عززت سلطة البرلمان لا يتوقع أن يرى أثرها في القريب بسبب استمرار سيطرة الحزب الحاكم على البرلمان. مع ذلكن فإن هذه التغييرات تؤكد على مبدأ فصل السلطات الذي كان غائباً في الدستور السابق.
وتضمنت التعديلات بنوداً لتقييد نفوذ الأخوان المسلمين من قبيل تحديد عدد الأعضاء المستقلين في مجلسي الشعب والشورى. كما منع الدستور الجديد وجود أحزاب سياسية تقوم على اساس الدين، في محاولة لكبح جماح الإسلام السياسي، وخاصة حركة الأخوان.

رؤية ختامية

ويظهر كتاب روثرفورد أن أيّاً من القوى الثلاثة التي تحدث عنها ليست مؤمنة بالديموقراطية، ولكنه يوضح بصورة جلية أن مجموعة من الليبراليين يواجهون بجهود منفردة عدداً من سياسات الحكومة المصرية، وحسب تحليله، فإنه إذا استمرت تلك المجموعة الليبرالية في ممارسة دورها التأثيري فإنه في يوم من الأيام سيحدث تغيير في النظام السياسي المصري إلى نظام ليبرالي إن لم يكن نظاماً سياسيّاً ديموقراطيّاً. ويتساءل المؤلف هل هذه التعديلات الدستورية هي نقطة تحول في تطور مصر السياسي وهل ستبقى هذه الإصلاحات مقتصرة على بعض الأوجه الاقتصادية أم ستمتد هذه الإصلاحات إلى تحويل الاقتصاد والنظام القضائي والسياسي. روثرفورد متفائل ويعتقد أن للولايات المتحدة دوراً أساسيا في المعركة من أجل مستقبل مصر السياسين مشيراً إلى أهمية نشوء دولة ديموقراطية مستقرة في مصر من جهة التصدي للتحديات الاجتماعية والسياسية والأمنية، وخصوصاً السخط الاجتماعي المتنامي، والتطرف الديني. كما أن اعتماد سياسة الانفتاح والديموقراطية قد يسمح ببروز رؤية معتدلة للحكم الإسلامي تلبي مطالب الإسلاميين المعتدلين(الأخوان)، وإن نجاح الديموقراطية في مصر قد يشكل مثالاً مهماً للحركات الإسلامية في المنطقة.

لكن يعتقد محللون آخرون أن هذه القوى الثلاثة التي تحدث عنها روثرفورد في كتابه، الإخوان المسلمين والقضاة ورجال الأعمال وغيرها من القوى، ليست قادرة على تشكيل قوة ضغط على النظام المصري بالطريقة التي يتحدث عنها الكاتب. فالحكومة المصرية تختلف عن الأنظمة الشيوعية في وسط أوروبا وشرقها خلال عام 1989، والتي كانت قابعة تحت ضغط التناقضات الداخلية، لكن الحكومة المصرية قوية ومرنة أكثر مما يتوقع روثرفورد في كتابه. فالسلطوية" لن تستمر في حكم مصر إلى الأبد ولكن خبرة سبعة آلاف عامٍ تشير إلى أنها ستظل مستمرة لفترة طويلة من الزمن.





-الكتاب: مصر والمصريون في عهد مبارك
-المؤلف: جلال أمين
-عدد الصفحات: 260
-الناشر: دار ميريت, القاهرة
-الطبعة: الأولى/: 2009
ربما لا يوجد كتاب يصف عهد الرئيس المصري محمد حسني مبارك بدقة وموضوعية، مستخدما عبارات رشيقة وعناوين جذابة مثل هذا الكتاب، الذي كانت نواته سلسلة من المقالات الصحفية الأسبوعية، أثارت جدلا واسعا واهتماما كبيرا في أوساط النخبة السياسية المصرية.
فعبر 13 فصلا يقدم المفكر المصري البارز الدكتور جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة تشريحا لما آل إليه حال الدولة المصرية في عهد الرئيس مبارك متناولا عددا من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المهمة التي تمس حياة الناس مباشرة.

ويرى المؤلف أنه قد آن الأوان لأن نلقي نظرة شاملة على عهد مبارك بأكمله، فها قد مر أكثر من ربع قرن على تسلمه حكم مصر، وهي فترة طويلة بأي معيار.
تفاؤل لم يدم طويلا
في مقدمة كتابه يرى المؤلف أن المصريين شهدوا في علاقتهم بمبارك (شهر عسل) لم يدم طويلا، فقد حرص الرئيس مبارك في بداية عهده على تهدئة الأوضاع السياسية في البلاد مع مختلف طوائف المعارضة، فقد بدأ بعد أسابيع قليلة من مقتل سلفه (السادات) باتخاذ قرار بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين الكبار، بل واستقبلهم في قصره بالترحيب والإكرام.
وكان ذلك مصحوبا بالامتناع التام عن الأعمال التي كانت تستفز المصريين، كالظهور المستمر لقرينة الرئيس، ونشر صورها باستمرار في الصحف، حيث لقبت في عهد السادات بسيدة مصر الأولى، كذلك امتنع الرئيس الجديد عما دأب عليه السادات من استخدام عبارات جارحة في وصف معارضيه، أو تهديدهم بالسجن وأحيانا (بالفرم).
وفي فبراير/ شباط 1982 دعا الرئيس مبارك صفوة العقول الاقتصادية في مصر، من مختلف الاتجاهات، إلى مؤتمر لمناقشة الوضع المتردي للاقتصاد المصري، وهو حدث أشاع في نفوس الاقتصاديين المصريين الأمل في أن إصلاحا حقيقيا على وشك أن يتحقق، كما صحب كل ذلك عودة الصحف المعارضة إلى الظهور، بل وسمح للصحف الحكومية بمستوى من الحرية لم يعهد منذ قيام ثورة 1952، فشهد المصريون فترة ذهبية من حرية التعبير والنقد أشاعت تفاؤلا شديدا بما يمكن أن تصبح عليه الحياة السياسية في مصر.
لكن هذا التفاؤل لم يدم طويلا، وبرأي المؤلف بدأت السماء تتلبد بالغيوم قبل انقضاء سنة واحدة على اعتلاء الرئيس مبارك كرسي الرئاسة، وبدأ اليأس يتسرب إلى النفوس شيئا فشيئا من أن يحدث أي إصلاح حقيقي في السياسة أو الاقتصاد.
نظرية الدولة الرخوة
في الفصل الأول من الكتاب ينظر المؤلف إلى الأوضاع في مصر من خلال نظرية عالم الاقتصاد السويدي الشهير جنار ميردال عن الدولة الرخوة، تلك الدولة التي يعدها ميردال سر البلاء الأعظم، وسببا رئيسا من أسباب استمرار الفقر والتخلف.
فهي دولة تصدر القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأنه لا يوجد في الدولة الرخوة من يحترم القانون، الكبار لا يبالون به لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشى لغض البصر عنه، وفي هذه الدولة تباع الرخص والتصاريح، ويعم الفساد، فرخاوة الدولة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيدها رخاوة
ويضيف المؤلف: عندما قرأنا ما كتبه الأستاذ ميردال في نهاية الستينيات عن الدولة الرخوة، لم يطرأ ببالنا قط أن كلامه يمكن أن ينطبق على مصر، فقد كانت مصر في ذلك الوقت أبعد ما تكون عن وصف الدولة الرخوة، ثم جاء عهد الرئيس مبارك، وكان كل يوم يمر منه يأتينا بدليل جديد على رخاوة الدولة المصرية.
ويسوق المؤلف حشدا من الأمثلة الدالة، فبعد عام واحد من حكم مبارك قامت إسرائيل باعتداءات صبرا وشاتيلا، فوقفت الدولة المصرية منها موقف المتفرج، ثم جاء حادث خطف الطائرة المصرية عام 1986 فلم يصدر من الدولة المصرية رد الفعل الملائم، ثم انهار مصرف النوبارية بزاوية عبد القادر ولم يعاقب الوزير المختص، ثم غرقت الباخرة سالم إكسبريس فأبدت الدولة تراخيا مدهشا في إنقاذ الركاب من الغرق، ثم انتشرت فضائح مذهلة عن وزارة البترول، وانتهت بخروج الوزير دون أن يقدم للمحاكمة، ثم أثيرت فضائح شركات توظيف الأموال، فتمكن أغلبية المحتالين من مؤسسيها من الهرب خارج البلاد سالمين.
ومن أهم الأمثلة التي يسوقها المؤلف تلك الحالة التي بدت عليها الدولة عندما تعرضت مصر لهزة أرضية عام 1992 لم تستمر أكثر من أربعين ثانية، فإذا بالدولة المصرية كلها -من فرط رخاوتها- تكاد تسقط متهالكة على الأرض. ففي لحظات معدودة انكشف للجميع نسبة الأبنية المخالفة للقانون ولم يعاقب عليها أحد، والأدوار المحكوم عليها بالإزالة ولم يزلها أحد، والآثار الواجبة الترميم ولم ترمم، والمدارس التي تجاوزت عمرها الافتراضي ومع ذلك سمح للتلاميذ بدخولها.
رجال الرئيس ورجال أسلافه
وفيما يعد إشارة واضحة لسبب رئيس من أسباب (موت السياسة) في مصر يلحظ المؤلف فرقا هاما ونوعيا في الرجال المحيطين بالرئيس مبارك عن أقرانهم ممن عمل مع الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، فيرى أن رجال الأخيرين تميزوا بأنهم كانوا دائما من السياسيين، وكانت السياسة تجري في عروقهم وتشغل تفكيرهم وتتحكم في تصرفاتهم، وكان كثيرون ممن تولوا الوزارة في كلا العهدين يشاركون الرئيس حماسه للمشروع الذي يقوم بتطبيقه، أو كان لهم على الأقل القدرة على تصور وظيفة الوزير على أنها وظيفة سياسية. ثم تغير هذا الأمر بالتدريج في عهد مبارك حتى اعتدنا أن يأتي رئيس للوزراء لم تعرف عنه قط اهتمامات سياسية قبل اعتلاء منصبه، ومن ثم لم يكن هناك مجال للتنبؤ بما يمكن أن تكون عليه سياساتهم بعد تولي المنصب، ثم تبين بالتدريج أنه لا حاجة لأحد بهذا التنبؤ، إذ لم تكن هناك أي سياسة على الإطلاق.


لكن المؤلف لا يكتفي برصد هذه الظاهرة، بل يحاول أن يقدم لها تفسيرا لا يبعد به كثيرا عن طبيعة الحكم الحالي في مصر، فالرئيس مبارك كان قد صرح في بداية عهده بأنه ليس من أنصار سياسة "الصدمات الكهربائية" وكان يشير -بلا شك- إلى سياسة سلفيه السادات وعبد الناصر.

فهو لا يغلق الاقتصاد ولا يفتحه، ولا يحارب إسرائيل ولا يوقع اتفاقيات جديدة معها، وبالفعل كانت هذه سمة عهد الرئيس مبارك كله، وكان هذا العهد محتاجا إلى نوع ثالث من الرجال لتنفيذ المطلوب، يشتركون مع من عمل في العهدين السابقين في ولائهم التام للنظام، ولكن لهم خصيصة أخرى، تتمثل في عدم الاهتمام بالسياسة أو الشأن العام، كما أن لهم من الصفات الشخصية ما يجعل جلوسهم في هذه المناصب لا يسبب أي متاعب لراسمي السياسة الحقيقيين في الداخل والخارج.
فقر مدقع وثراء فاحش
ويخصص المؤلف فصلا كاملا من كتابه لرصد ما يعانيه الفقراء في مصر، وهم يشكلون النسبة الكبرى من عدد السكان، فطيلة السنوات العشرين الأخيرة كانت قدرة الفقراء على إشباع حاجاتهم الأساسية (من مأكل وملبس وتعليم وصحة ومواصلات) آخذة في التدهور، وفي الوقت نفسه كانت الثروات التي تكونت في السنوات الأولى من عمر الانفتاح قد بدأت تلفت الأنظار، وشاعت بين الجماهير قصص كثيرة عما حققه تجار العملة، أو المقاولون، أو مؤجرو الشقق المفروشة من ثراء.
ورأى الناس ازدياد عدد حفلات الأفراح التي تقام في الفنادق الكبيرة ببذخ شديد لمجرد إثبات النجاح الباهر الذي حققه هؤلاء التجار والمقاولون في تكوين الثروات الطائلة.
ويرى المؤلف أن الثراء المفاجئ الذي حققه البعض في السنوات الأولى من الانفتاح لم يثر لدى الفقراء من الإحباط ما أثاره الإثراء الذي حدث في السنوات العشرين الأخيرة.
فالثراء السابق كان مقترنا بقدرة كثير من المصريين على الهجرة، ومن لم يهاجر كان يعيش عصر زيادة عامة في الدخول يقترن بإنفاق سخي من جانب الدولة، وارتفاع كبير في أجور الحرفيين بسبب الهجرة نفسها. ويضيف: كان ثراء السنوات الأولى من الانفتاح يثير من الضحك والسخرية أكثر مما يثير من الإحباط واليأس. لم يعد الأمر كذلك في العشرين سنة الماضية، فالأغنياء يزدادون ثراء، والثراء يزداد فحشا، بينما أغلقت كل الأبواب أمام الفقراء من المتعلمين وغير المتعلمين على السواء.
كان أهم مظهر من مظاهر الفحش التي يرصدها المؤلف للثراء في سنوات حكم الرئيس مبارك يتمثل في مصدر هذا الثراء، فلم تعد أعمال الوساطة (كالتجارة والمقاولة والسمسرة) تمثل المصدر الرئيس للإثراء كما كان الحال بداية الانفتاح، بل أصبح الاستيلاء على أموال الدولة هو أهم مصادر الإثراء في مصر. ففي ظل معدلات نمو منخفضة للغاية، وتدهور مستويات الإنفاق من الحكومة ومن الشعب على السواء، لا يكاد يبقى من فرص الإثراء إلا نهب الأصول الموجودة بالفعل، وأسهل هذه الأصول نهبا في ظل دولة رخوة هي ممتلكات الدولة بالطبع، سواء تمثلت في أراض مملوكة للدولة وتعرضت للبيع، أو أموال مودعة في بنوك الدولة معروضة للإقراض، أو ممتلكات شركات عامة تعرض للخصخصة.
لم يتوقف الإثراء بلا سبب طيلة السنوات العشرين الماضية، ورأى فقراء المصريين ذلك بأعينهم، وعرفوا أسبابه ومصادره، فزاد شعورهم بالغيظ والإحباط.
الفساد من السياسة إلى الثقافة
من النتائج الدالة التي يصل إليها المؤلف في رصده لسنوات حكم الرئيس مبارك أن عهده اتسم ببعض السمات التي سمحت لصور جديدة من الفساد بأن تترعرع بين المثقفين.
فقد بدا مع مرور سنة بعد أخرى أن سياسة العهد الجديد لن تختلف في أي شيء مهم عن السياسة التي دشنها السادات، ويرى المؤلف أن مناخا كهذا كان لا بد أن يسود فيه اليأس من حدوث التغيير المأمول، وفي ظل هذه الدرجة من اليأس يبرز نوع جديد من المثقفين القناصين للفرص، يائسون هم أيضا كغيرهم فيما يتعلق بالمستقبل المصري، ولكنهم أبعد ما يكونون عن اليأس من تحسين أحوالهم الشخصية.
فحين يختفي مشروع للنهضة يوحد الجميع ويمنح فرصة للموهوبين من المثقفين للتألق، لا تبقى إلا المشروعات الخاصة التي تجلب للمثقف وأسرته الثراء وبحبوحة العيش.
في هذا المناخ يميل بعض أصحاب المواهب الحقيقية من الراغبين في الإصلاح وتحقيق النهضة إلى الانزواء، إن لم يكن بالموت أو الشيخوخة، فبالقنوط والإحباط، ولكن يميل بعض المثقفين الموهوبين أيضا إلى تغيير موقعهم فتنطفئ موهبتهم بسبب هذا التغيير، إذ ينشغلون بكتابة أشياء تافهة لا تعبر عما يشعرون به.
وينتهز هذه الفرصة عدد كبير من عديمي الموهبة، فيقفزون لاحتلال مراكز المحررين والكتاب ورئاسة تحرير الصحف المملوكة للحكومة، فيكتبون كلاما لا معنى له، مما لا يكاد يقرؤه أو يعبأ به أحد، بل إنهم هم أنفسهم لا يعبؤون برأي الناس فيهم، إذ إنهم في الحقيقة لا يوجهون كلامهم إلا للممسكين بالسلطة، ولا يريدون به إلا تأكيد ولائهم لها.
وربما يوجه بعض القراء سهام النقد للكتاب، بحجة أن المؤلف لم ير إلا الصحائف السود في كتاب الحكم الحالي، لكن من يحيا في مصر، بين أفرادها ومؤسساتها، بين أغنيائها وفقرائها، يدرك حتما أن المؤلف لم يبتعد عما اعتاده منه قراؤه من رصانة وموضوعية.

مصر: حُظِر لأن "نظام مبارك سيواجه بثورة"!

يتناول كتاب الصحافي البريطاني جون برادلي الأوضاع الراهنة في مصر كما ويتنبأ بثورة فيها. هذا الكتاب "من داخل مصر: أرض الفراعنة على مشارف ثورة" قد حظر دخوله البلاد. منصات حاورت برادلي الذي قال أنه سيكتب لوزير الثقافة المصري لرفع هذا المنع، معتبرا أن القائمة السوداء تزيد في بلد "كان يوما يحترم التعددية والحريات". أميرة الطحاوي- القاهرة

جون برادلي وكتابه المحظور"من داخل مصر: أرض الفراعنة على مشارف ثورة"-ح.م.

قال "جون آر برادليJohn R. Bradley" الصحافي البريطاني المختص بشؤون الشرق الأوسط أن ناشره أبلغه بمنع السلطات المصرية توزيع كتابه الأخير «من داخل مصر: أرض الفراعنة على مشارف ثورة» "Inside Egypt: The Land of the Pharaohs on the Brink of a Revolution" والذي صدر قبل شهرين عن دار "بالجريف ماكميلان".

وفي حوار خاص لمنصات قال برادلي إنها المرة التي يحدث له هذا في مصر.
" لقد كنت أكتب آرائي من قبل وكنت موجودا في مصر على فترات متقطعة طوال العقد الفائت، واندهش أن تستهدف السلطات المصرية مراسلا أجنبيا، واعتقد أنها المرة الأولى التي يتم حظر كتاب لمؤلف غربي لأسباب أخرى غير الأسباب الدينية".

ونسبت اليوم صحيفة "الأخبار" المملوكة للدولة لرئيس جهاز الصحافة والمطبوعات القول أن أي مطبوع أجنبي يصرح بدخوله مصر بعد العرض علي لجنة تابعة للجهاز.
وقد اشار رئيس جهاز الصحافة إلى أنه تم عرض الكتاب المذكور بمجرد وصول نسخة إلى القاهرة علي اللجنة التي رفعته لوزير الإعلام أنس الفقي ووافق عليه.
الجريدة التي اكتفت بتصريح المسؤول دون اسمه نقلت أيضا عن "مصدر مسؤول بوزارة الإعلام" أنه لا يتم منع دخول أي كتاب إلى مصر "إلا في حالة التعرض للقيم الدينية أو الأخلاقية".

لكن بحسب دار النشر فإن الأمر لا علاقة له بوصول نسخ منه للقاهرة بالفعل.
فعقب استفسار المؤلف عن عدم توزيع الكتاب في القاهرة اتصل الناشر بمكتبات بالقاهرة والتي أخبرته بدورها أن الكتاب ممنوع "أمنيا" من دخول مصر ومحظور توزيعه داخلها ومن ثم "لم تطلب شراءه".

ونقلت وكالات عن دار مكميلان أن مدير دار النشر التابعة للجامعة الأمريكية في القاهرة كان اتفق معه على شراء 15 نسخة لتوفيرها للدارسين والمترددين عليها، لكن الاتفاق تم إلغاؤه في اليوم التالي (الثلاثاء الماضي) بأوامر حكومية أوضحت لممثل الدار بالشرق الأوسط أنه "ممنوع طبع أو توزيع هذا الكتاب في مصر".

تخضع الكتب الأجنبية في مصر لرقابة هيئة الاستعلامات التابعة لوزارة الإعلام.

برادلي الذي عمل في بداية قدومه لمصر العام 1999 لعام ونصف في صحيفة "الأهرام ويكلي" الأسبوعية الناطقة بالانجليزية قال أنه يعتبر مصر "وطنا ثانيا" له وأن فترة عمله كانت فرصة جيدة للتعرف على الصحافة المصرية وإتقان العربية.

وأضاف "الصحيفة كانت محل تقدير وكنت فخورا حقا بالعمل بها وصنعت في تلك الفترة الكثير من الصداقات لازالت باقية للآن، ولاحقا عندما انتقلت للسعودية لعامين ونصف كمدير تحرير جريدة العرب نيوز (بالانجليزية) مع استمرار مراسلتي لـ(الأهرام ويكلي) من هناك".

لكنه يصف الجريدة الآن بعد أن تم "تعيين" رئيس تحرير جديد مقرب للسلطة بأنها تراجعت كثيرا "أقرأ فيها أحيانا مواد سيئة تحريريا ولغويا، وتوقفوا تقريبا عن استكتاب مختصين أجانب ربما لأسباب مالية.
كما فقدت الجريدة الكثير من قوتها بسبب خوف رئيس تحريرها من رقابة الحكومة... لقد وصلت الرقابة الحكومية المتشددة حتى للصحف الناطقة بلغات أجنبية".


"هذا النظام سيواجه بثورة قريبة"

واتخذ الكتاب، الذي يقع في 268 صفحة، من رواية وفيلم عمارة يعقوبيان (حيث تحولات المجتمع في التسعينات عبر قاطني بناية سكنية بوسط القاهرة كانت قبل 1952 سكنا لطبقات ارستقراطية) مدخلا يرى فيه الكاتب أن انقلاب العام 1952 الذي قام به العسكر هو بداية حقيقية للتوغل على الحريات والانهيار العام في مصر، حيث -وبحسب برادلي- يستمد منها النظام الحالي لحسني مبارك(يحكم منذ 1981) شرعيته.
هذا النظام سيواجه بثورة قريبة.

واستعرضت الفصول الثمانية للكتاب جماعات سياسية واجتماعية في مصر منها ( جماعة الإخوان المسلمين والمسيحيين والصوفيين و بدو سيناء) وخصص فصل عن التعذيب وآخر عن الفساد، ثم فصلان بعنوان «ضياع الكرامة»، وفصل أخير بعنوان "مصر بعد مبارك".

وبحسب عقده مع الناشر فإن مادة الكتاب يجب أن تكون جديدة ولم يسبق نشرها.

لكن برادلي أضاف أنه أدلى بحوارات على مدار الـ 18 شهرا لصحف مصرية كالمصري اليوم والدستور "تناولت فيها بعضا من القضايا التي تضمنها الكتاب ولم يكن هناك رد فعل من الحكومة على أي من هذه الحوارات.
فلماذا يحظر الكتاب؟"

لكن برادلي يستبعد أن يكون غرض الحظر هو منع المواطنين من قراءة مضمونه خاصة أن التدهور العام في مصر معروف ويشكو منه الجميع.
كما شمل الكتاب على حوارات مع مصريين من فئات مختلفة.
"الكتاب بالانجليزية وربما الهدف هو ألا يقع في يد سائحين أجانب يزورون البلاد".
وأضاف برادلي أن الكتاب يترجم الآن للعربية وقد تصدر ترجمته قبل نهاية العام.

وخص برادلي منصات بإعلانه نيته الكتابة شخصيا لوزير الثقافة المصري فاروق حسني طالبا رفع هذا الحظر على كتابه.
فهو لا يظن أنه ممنوع أيضا من الدخول لمصر التي قرر زيارتها بعد انتهاء هذا الصيف.
لكن " هل سيسمحون لي بزيارة القاهرة على ألا أحمل نسخة من كتابي معي؟!".
مستدركا " لا أريد أن اشخصن الأمر كون أي شخص بوسعه طلب نسخة من الكتاب عبر الانترنت مثلا".

وفي تفسيره للقرار قال برادلي "إن النظام المصري في أيامه الأخيرة تجده يتصرف بصورة هوجاء تماما لم يصل لها من قبل؛ مثال لذلك القيود التي يضعها مؤخرا على الفضائيات التلفزيونية مثل (وثيقة تنظيم البث الفضائي) التي أجيزت عبر الجامعة العربية في فبراير الماضي. فرغم أن هناك تنافسا بين مصر والسعودية في المجال الإقليمي لكن عندما يتعلق الأمر بالإعلام فإنهما اتفقا معا لتقييده وضمان عدم انتقاد النظم الحاكمة".

وأشار برادلي إلى أن حرية التعبير في مصر قد تعاني أكثر بسبب التعنت الحكومي.
"إنهم يحاولون تطبيق نفس الوثيقة عبر تشريع وطني.. كما أن هناك مشروع قانون معروض على البرلمان يجرم أي نقد للحكومة وهناك المحاكمات التي تتم لرؤساء تحرير الصحف المعارضة والمستقلة".

ولا يرى برادلي أن الانترنت في الحالة المصرية يشكل بديلا فعالا لمقاومة هذه القيود بنشر ما يتم منعه أو مصادرته "استخدام الانترنت ناهيك عن اقتناء كومبيوتر شخصي يبقى محدودا.."
وقد لخص الفارق بين النظامين السعودي والمصري بان الأول لديه قائمة بيضاء فيما الثاني لديه قائمة سوداء.
"في السعودية كل شيء محظور بما في ذلك الكتب المطبوعة من قبل وزارات حكومية.. وما يستثنى هو ضمن القائمة البيضاء.. وفي مصر العكس..."

وأضاف " مصر ليست السعودية بكل حال. فلدى مصر تاريخ وتقاليد عريقة من الديمقراطية والتعددية ولكن لسؤ الحظ فان النظام الحالي لا يعرف سوى لغة الرقابة والعنف".
ولا يعول كثيرا على تدخل أمريكي لتخفيف هذه القيود معتبرا أن النظام المصري كأي نظام متسلط آخر لا يهتم سوى بالبقاء في الحكم، وهو ما تعرفه واشنطن مثلما تعرف أن القاهرة توافقها في الكثير للحفاظ على السلطة.

لكن واشنطن ليست جادة فيما قالته قبيل الحرب علي العراق عن مشروع لنشر الديمقراطية بالمنطقة.
"هي فقط تريد ديمقراطية شكلية تأتي بحكام مطيعين لها. وضغوطها في سبيل الحريات والتعددية لا تتعدى التصريحات كثيرا"

ويعتبر برادلي أن جماعة الإخوان المسلمين رغم صعودهم السياسي غير مقبولين من شعب "يحترم الحريات والاعتدال والتعدد" ويتوقع إذا وصل الإسلاميون للسلطة ألا يكون الأمر سهلا بدء من عدم وجود خبرات سابقة في إدارة البلاد وصولا لأنهم سيزيدون من وضع قيود على حرية التعبير بوازع ديني.

ومنعت السعودية كتابا لبرادلي هو "انكشاف السعودية.. داخل مملكة في أزمة Saudi Arabia Exposed : Inside a Kingdom in Crisis" الذي صدر عام 2005.
واعتبر فيه أن واشنطن تبقى على نظام الحكم المتسلط بالمملكة بسبب مصالح متبادلة.

وراسل خلال وجوده بالشرق الأوسط صحفا ومجلات غربية (بريطانية وامريكية) منها الإيكونوميست والإندبندنت والتليجراف وذانيو ريبابليك وايضا «الواشنطن كوارترلي"و "النيوزويك" و"الفاينانشيال تايمز"، ومحطتي «بي بي سي» و«سي إن إن»



رسم تقرير صدر حديثا عن مركز "وودرو ويلسون" الدولي للباحثين، صورة متشائمة حول مستقبل مصر حتى ما بعد انتهاء حقبة الرئيس حسني مبارك، مستبعدًا أن يسترد البلد الأكبر عربيًا من حيث عدد السكان زعامته للعالم العربي، قائلا إنها لن تعود "أم الدنيا" كما كانت "مهما كان من سيحكم مصر".

وجاء في التقرير الذي نشرته دورية "ويلسون كوارترلي" في عدد شتاء 2010، أنه "مع اقتراب حقبة مبارك من نهايتها، فإن المصريين يتساءلون- وهم ليسوا وحدهم- عما إذا كان تولي زعيم جديد أكثر دينامية سيعيد مصر إلى دورها المركزي ويأخذ بزمام المبادأة في إعطاء العرب صوت أقوى وأكثر اتحادا في الشئون العالمية".

وقال إنه من غير المرجح أن يستمر مبارك- الذي يحكم مصر منذ 29 عاما في منصبه والذي سيبلغ عامه الثاني والثمانين في مايو القادم- بعد انتهاء ولايته الحالية عام 2011، وأشار إلى أن القاهرة تعج بالتكهنات عمن سيخلفه، ويدور جدل مكثف بين نخبتها المثقفة المستاءة عما إذا كان لدى مصر من الوسائل أو الرؤية التي تمكنها من رسم السياسات العربية نحو إسرائيل أو إيران أو الفلسطينيين المتصارعين، أو الولايات المتحدة التي تفرض نفسها، فضلا عن التحدي الإسلامي للحكومات العلمانية.

وحتى في حال وصول جمال مبارك إلى السلطة خلفا لوالده فلا يرجح أن تستعيد مصر على يده مكانتها وزعامتها التي فقدتها، رغم أنه يقدم نفسه بوصفه "إصلاحيا" موضحًا أن "جمال نجل الرئيس مبارك والخليفة المحتمل روج لصورته بمهارة في الداخل والخارج بوصفه إصلاحيا مجددا"، لكن "من غير المرجح على ما يبدو أن أي زعيم لمصر (بعد مبارك) سيكون قادرا على استعادة دورها بوصفها أم الدنيا".

ورصد التقرير كيف أن "قلوب بعض الإصلاحيين رفرفرت فرحا في ديسمبر الماضي وذلك حين أعلن الدكتور محمد البرادعي الفائز بجائزة "نوبل" للسلام بوصفه رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن اهتمامه بالترشح لرئاسة مصر في الانتخابات التي ستجرى في 2011، لكنه وضع شروطا من غير المرجح أن تلبيها الحكومة"، في إشارة إلى مطالبته بتعديل الدستور بما يسمح للمستقلين بالترشح دون قيود.

بيد أن هذا التراجع الذي "كان دواءً أمر من أن يتجرعه أفضل وألمع من في البلاد" يثير جدلا بين المصريين حول أسبابه، "فالمتعلمون منقسمون على السبب الرئيس في هذا التراجع أهو راجع لمعاهدة السلام مع إسرائيل التي جردت مصر من الخيار العسكري ومن ثم أضعفت أداءها الدبلوماسي مع تل أبيب، أم راجع لمبارك؟".

الإجابة على هذا التساؤل يرصدها التقرير في موقف "الرئيس مبارك الذي سمح للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يغطي عليه بطرحه مبادرة للسلام مع إسرائيل في العام 2002 وإفشال جهوده للوساطة بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة".

وأكد أنه "مهما كان من سيحكم مصر بعد مبارك فسيأتي على مشهد عربي شهد تغييرا لا رجعة فيه. هذا المشهد لا يقتصر على عالم عربي متعدد الأقطاب ماليا وسياسيا بل إن جناحيه الشرقي والغربي مشدودان ببطء إلى اتجاهين متضادين في أسواق العالم المختلفة".

واعتبر أن "قوى الطرد المركزي الاقتصادية أصبحت أكثر قوة من قوى الجاذبية السياسية"، موضحا أنه "بالنسبة لدول الخليج المصدرة للنفط والغاز، أصبحت الاقتصادات المزدهرة في الصين والهند وغيرهما من الدول الآسيوية موضع جذب قويا، في حين يلعب الاتحاد الأوربي هذا الدور بالنسبة لأقطار المغرب العربي".

وأضاف أن السعودية تطمح إلى أن تصبح أكبر مصدر نفط إلى الصين التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز، في حين ضاعفت الجزائر من قدرتها على ضخ غاز الصحراء عن طريق خط أنابيب تحت مياه المتوسط إلى كل من إيطاليا وأسبانيا.

وألمح التقرير إلى أن العالم العربي لم يعد راغبا في دور مصري قوي قائلا: "لم يعد واضحا ما الذي سيجنيه العالم العرب من عودة مصر متبخترة إلى مركز الصدارة. فلا يوجد (نموذج مصري) مغر للتنمية سواء السياسية أو الاقتصادية. كما أن التفكير الجديد والرؤى والمبادرات جاءت بالأساس من دول الخليج وحكامها الطلقاء المتنافسين في حين أن الطبيعة الفرعونية لمصر كتفتها عن الشروع في أي تغيير جذري. وفي الإجمال، فإن العالم العربي اكتسب حيوية من تراجع مصر".

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم