غابة الصحراء: مشروع طموح لمكافحة التغيّر المناخي - هيثم مزاحم

غابة الصحراء: مشروع طموح لمكافحة التغيّر المناخي

هيثم مزاحم




"مشروع غابة الصحراء" Sahara Forest Project، مشروع متكامل وطموح، يهدف ببساطة إلى زراعة الصحراء، ليس فقط لإنتاج الغذاء وتوفير المياه العذبة والوقود الحيوي لتوليد طاقة نظيفة، بل يهدف أولاً وأساساً إلى حماية البيئة، باعتباره يشكل تكنولوجيا حديثة ومبتكرة، تعد، من دون ادعاء، بمكافحة التصحر وتغير المناخ.

يرتكز المشروع على تقنيات جديدة تدمج بين الطاقة الشمسية، ومياه البحر، والدفيئات الخضراء، وزراعة الطحالب، وذلك من أجل زرع المناطق القاحلة وتوفير الغذاء والمياه العذبة وكذلك الوقود الحيوي لتوليد طاقة نظيفة.

فكرة المشروع بسيطة وطبيعية تقوم على استخدام الطاقة الشمسية في تبخير مياه البحر المالحة لتوليد الهواء البارد والماء العذب، الأمر الذي سيسمح بالزراعة داخل الدفيئات في الصحارى من جهة، وإنتاج المياه العذبة والطاقة النظيفة من جهة أخرى. وستضم الدفيئات الضخمة محطة طاقة شمسية مركزة، تعتمد على تقنية تستخدم المرايا لتسليط أشعة الشمس من أجل تكوين البخار اللازم لتشغيل التوربينات التي تقوم بدورها بتوليد الكهرباء.

وبحسب مصممي المشروع فمن المتوقع لهذه التجهيزات أن تحوّل الصحارى إلى أراض زراعية مزدهرة، ويستغنى بها عن الحاجة إلى حفر الآبار من أجل المياه العذبة، الأمر الذي استنفد مخزونات المياه الجوفية حول العالم. ويثق المصممون بإمكانية زراعة أي نوع من الخضار في الدفيئات، مع إمكانية الحصول على المغذيات اللازمة لنمو النباتات، وذلك من الأعشاب البحرية المحلية أو باستخراجها من ماء البحر.

في الآونة الأخيرة انضمت مؤسسة "بيلونا" Bellona (مؤسسة بيئية نروجية غير ربحية) إلى المشروع حيث ستساهم بتقديم تقنيتها في زرع الطحالب ومحاصيل آخرى لإنتاج وقود حيوي. وقال فريديريك هوجي، مؤسس ورئيس "بيلونا": "كوكبنا فيه الكثير جداً من انبعاثات الكربون، والقليل جداُ من المياه العذبة، وثمة حاجة متزايدة للطاقة. لهذا السبب انضمت مؤسسة "بيلونا" لهذا المشروع الفريد والواعد". وأضاف إن مشروع غابة الصحراء هو "رؤية شاملة لتأمين وظائف محلية، إضافة إلى الغذاء، والماء، والطاقة، من خلال استخدام حلول بسيطة نسبياً ومحاكاة تصاميم ومبادئ من الطبيعة".

فريق المهندسين الذي يقود المشروع يضم أحد مصممي مشروع عدن للدفيئات الخضراء في بريطانيا، وقد بدأوا منذ عام 2008 باختبارات لزرع نباتات في مدينة تينيريف في جزر الكناري وفي سلطنة عُمان وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وهم يجرون حالياً دراسات جدوى في العديد من البلدان الأخرى. وقد قدمت نتائج أولية عن هذه الدراسات إلى مؤتمر كوبنهاغن لتغير المناخ الذي انعقد في كانون الأول / ديسمبر 2009.

ومن المقرر بناء واحة للطاقة المتجددة هذه السنة، ربما أصبحت قاعدة لاختبار تقنيات جديدة مصممة لجلب الاخضرار إلى الصحراء، بحيث تكون نموذجاً مصغراً لمجمعات خضراء يأمل مديرو المشروع أن يبنوها في الصحارى حول العالم. ويفحص الخبراء حالياً مواقع قاحلة في أستراليا والولايات المتحدة والشرق الأوسط وأفريقيا لاختيار موقع منشأة الاختبار.



"دفيئات مياه البحر"، على سبيل المثال، تعتبر أساسية للمشروع وحجر الزاوية فيه. وهي ذات كلفة رخيصة، إذ سيتم تبريد هواء الصحراء الحار وترطيبه بماء البحر قبل إدخاله إلى الدفيئات.

هذا الهواء المرطَّب سيغذي المزروعات داخل الدفيئات، ثم يمر عبر مجفف، حيث تتدفق مياه البحر المسخنة بحرارة الشمس. وفور التقاء الهواء المرطَّب بسلسلة من القنوات التي تحتوي على مياه البحر الباردة، يتكثف ماء عذباً ويسيل قطرات على الجوانب الخارجية للقنوات بحيث يمكن تجميعه.

العملية برمتها تحاكي ما يحصل عادة في الطبيعة: يتبخّر ماء البحر نتيجة حرارة الشمس، ويجري العمل على تبريده ما يؤدي إلى تشكيل غيوم، وتتكثّف هذه الأبخرة المائية لتهطل كشلال ماء على غرار هطول الأمطار. فقط 10 إلى 15 في المئة من الهواء المرطَّب يتكثف إلى ماء عذب، والباقي يتدفق خارجاً لريّ الأشجار المحيطة. وهكذا تقوم الدفيئة بخلق محيط أخضر حولها، بحسب مؤسس بيلونا النروجي "هوجي".

المركز المنفذ للمشروع سيعمل على اختبار عملية استخدام الطاقة الشمسية المركزة، وذلك من خلال استخدام مرايا لتركيز أشعة الشمس على أنابيب ومراجل المياه، بحيث تتسبب الأشعة المركزة بإنتاج بخار عالي السخونة داخل الأنابيب، ما يوفر طاقة كافية لتشغيل توربينات بخار تعمل بدورها على توليد الكهرباء. وسترسل الطاقة الإضافية التي لا تستخدم في المجمع إلى سكان المنطقة للاستفادة منها.

"نيل كرامتون"، أحد خبراء الطاقة في مؤسسة "أصدقاء الأرض" يقول: " هناك إمكانيات هائلة لهذه التقنيات الجديدة، فمرايا وحدة طاقة شمسية مركزة واحدة تغطي 1 في المئة فقط من مساحة صحارى الأرض، ويمكنها أن توفر خُمس الحاجة العالمية للطاقة. كذلك يمكن تبخير مليون طن من ماء البحر يومياً باستخدام 20 ألف دفيئة فقط". وأهاب "كرامتون" بالحكومات أن تستثمر في هذه التقنيات "فلا تلهيها عنها مجموعات الضغط وتدفعها للاستثمار في محطات الطاقة النووية (المعروفة خطورتها)، أو في مشروعات تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة النووية".

وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن العالم سيحتاج لاستثمار أكثر من 45 تريليون دولار في أنظمة الطاقة الجديدة خلال السنوات الثلاثين المقبلة.



المركز العامل على تنفيذ المشروع يخطط لزرع طحالب في برك مفتوحة تحتوي على مياه من البحر لإنتاج الوقود الحيوي، وذلك من خلال تحويل زيت الطحالب الدهني إلى وقود حيوي منتج للطاقة. وقد أظهرت الدراسات التي جرت في المختبر الوطني للطاقة المتجددة، أن الفدّان الواحد من الطحالب التي نمت في المختبر يمكنها أن تولّد 30 ضعفاً من زيت الوقود، أكثر من النباتات الأخرى التي تستخدم لإنتاج الوقود الحيوي.

وأوضح مدير "بيلونا" فريدريك هوجي أن زرع الطحالب لا يتم على حساب الأراضي الزراعية المتوفرة، باعتبار أنه يجري في برك مستحدثة من مياه البحر. وعلى سبيل المثال، ستستخدم الدفيئات الخاصة هواء الصحراء الحار ومياه البحر لإنتاج ماء عذب لريّ المحاصيل، بينما ستحبس الطاقة الشمسية لإنتاج الطاقة، وستوفر برك الطحالب وقوداً متجدداً يكون من السهل نقله. كذلك فإن غرس الأشجار قرب مجمع الدفيئات، سيساهم في حصر انبعاث غازات الدفيئات (مثل ديوكسيد الكربون).

وقال "هوجي" إنه من وجهة نظره كعالم بيئي، قد يكون هذا الأمر تغييراً شاملاً وإيجابياً في عملية إنتاج كتلة حيوية للغذاء والطاقة، وتوفير المياه العذبة في المستقبل. وأضاف: "لم أكن يوماً ملتزماً بأمر ما ومسحوراً به كما أنا الآن".



كلفة مشروع غابة الصحراء قد تكون منخفضة نسبياً، حيث يقدر بناء 20 هكتاراً (نحو 50 فداناً) من الدفيئات المرتبطة بمحطة طاقة شمسية مركزة قوتها 10 ميغاواط، بنحو 80 مليون يورو (نحو 110 ملايين دولار).

وبحسب "شارلي باتون"، أحد مديري المشروع ومخترع مفهوم "دفيئات مياه البحر"، فإن مجموعات مالية في دول شرق أوسطية، بينها الإمارات وعُمان والبحرين وقطر والكويت، قد أبدت اهتماماً بإمكانية تمويل مثل هذه المشاريع.

وقال "هوجي" إنه تلقى ردوداً "رائعة" من بعض الحكومات، وإنه يأمل في بناء أول منشأة شاملة خلال السنوات القليلة المقبلة. وأقر بأن العنصر الجوهري في المشروع هو انخراط السكان المحليين فيه، وأن العمل في دول نامية يتطلب تكنولوجيا تكون سهلة الاستخدام بالنسبة للسكان.

لكن، وعلى الرغم من كل هذه الاحتمالات الواعدة، فليس كل الخبراء متحمسين للمشروع. وقد رأى عالم الغابات والبيئة باتريك غونزاليس (من مركز بركلي للتحريج في جامعة كاليفورنيا) أن محاولة زرع أشجار في الصحراء ليست المقاربة الأنسب". وأوضح رأيه قائلاً: "يمكنني أن أتخيل نجاح هذا المشروع وهذه التكنولوجيا في حالات محدودة ومناطق معينة مثل إمارة دبي، حيث استخدمت لإنشاء جزر نخيل و160 برجاً تعتبر ناطحات سحاب". وأضاف أنه "إذا كان الهدف هو استعادة النظام البيئي الطبيعي للصحراء، فذلك "قد يكون أكثر فعالية لكن أقل بهرجة".

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم