سيناريوات تشكيل الحكومة العراقية - هيثم مزاحم

سيناريوات تشكيل الحكومة العراقية
هيثم مزاحم , April 3, 2010



أعلنت نتائج الانتخابات العراقية وبدأت المشاورات والمفاوضات لأجل تشكيل حكومة، وهي مهمة معقدة جداً، حيث لم تنجح أي من المجموعات السياسية في الحصول على الأغلبية المطلقة في هذه الانتخابات. ومع أن "القائمة العراقية" برئاسة إياد علاوي فازت كأكبر كتلة في البرلمان وبفارق صوتين عن قائمة "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، إلا أن علاوي ليست لديه قاعدة شعبية عريضة لدى الطائفة الشيعية، لهذا فهو بحاجة إلى شريك كبير واحد على الأقل ليكوّن معه ائتلافاً، كي يتمكن من تشكيل حكومة قادرة على أداء واجباتها. فمجرد حصول "القائمة العراقية" (91 مقعداً) على مقعدين أكثر من قائمة "دولة القانون"(89 مقعداً) لن تكون له أية استحقاقات انتخابية، ولن يمنح هذه القائمة فرصة أفضل من غريمتها في تشكيل الحكومة المقبلة.

من الناحية القانونية على أي قائمة أو مجموعة قوائم فائزة في الانتخابات تريد تشكيل الحكومة أن يكون لها نصف عدد مقاعد البرلمان + 1، وبما أن مجموع مقاعد البرلمان (بما فيها مقاعد الأقليات) هي 325 مقعداً، فالمطلوب حصول أي كتلة على 163 مقعداً على الأقل كي يمكنها تشكيل الحكومة، اي الشرعية القانونية، وهذا يعني أن "القائمة العراقية" التي نالت 91 مقعداً ستكون بحاجة الى 72 مقعداً آخر لتكون قادرة على تشكيل الحكومة وهو ما سيجعل أياد علاوي يحتاج إلى توفير هذه المقاعد الـ72، وكذلك الأمر بالنسبة للمالكي الذي سيحتاج إلى 74 مقعداً لتشكيل الحكومة.

ولكن أي ائتلاف يريد تشكيل الحكومة يحتاج إلى الشرعية الشعبية والتي تعني توافق المكوّنات الرئيسية الثلاثة للمجتمع العراقي (الشيعة، السنة، والأكراد). وأي حكومة لا تحصل على هذه الشرعية الشعبية، وإن نالت الشرعية القانونية المتمثلة بالنصف زائدًا واحدًا، ستعاني من خلل تمثيلي وضعف سياسي سيؤديان إلى عدم استقرار العراق وعودة الفلتان الأمني وتوفير أرضية شعبية لعودة العنف والإرهاب.

ورئيس الجمهورية الذي يجب انتخابه من البرلمان الجديد هو الذي سيكلف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة، وهو يحتاج لأغلبية الثلثين في البرلمان لانتخابه، أي ما نسبته 216 مقعداً من المجموع. وبعد انتخابه، يكلف الرئيس مرشح الكتلة الأكبر عدداً (أي أكبر ائتلاف بعد الانتخاب)، وليس الكتلة الفائزة بأكثر المقاعد في الانتخابات. من هنا فإن لا مناص من قيام توافق بين أكبر الكتل الأساسية بتم خلالها الاتفاق على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء ورئاسة البرلمان.

وفي ما يلي أبرز السيناريوات المحتملة:

1. الائتلاف بين "القائمة العراقية"(91 مقعداً) و"الائتلاف الوطني العراقي"(70 مقعداً) و"التحالف الكردستاني" (43 مقعداً) (91 + 70+ 43= 204 مقاعد). لكن دون هذا الخيار عقبات أبرزها المعارضة الإيرانية لترؤس أياد علاوي للحكومة وإمكان ممارستها ضغوطاً على حلفائها الشيعة لعدم التحالف له، فضلاً عن التنازع بين السنة العرب والأكراد على مناصب سيادية كرئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ورئاسة اركان الجيش فضلاً عن النزاع بشأن إقليم كركوك، مما يجعل من الصعب إرضاء الطرفين معاً. لكن هذا الائتلاف الحكومي هو من أكثر السيناريوات واقعية وتمثيلاً شعبياً من مختلف مكوّنات العراق، ويكرّس مشاركة السنة في الحكم ويثبت الاستقرار السياسي والأمني.

2. الائتلاف بين "دولة القانون"(89 مقعداً) و"الائتلاف الوطني العراقي"(70 مقعداً) و"التحالف الكردستاني" (43 مقعداً) (89 + 70+ 43=202)، وهذا السيناريو هو أحد السيناريوات المحتملة والتي يتم التفاوض بشأنه في العراق وإيران، لكنه يحمل مخاطر استبعاد التمثيل الحقيقي للسنة العرب وبالتالي عودة جزء كبير منهم إلى أعمال العنف والإرهاب. والائتلاف بين "دولة القانون" و"الائتلاف الوطني" مرجح في حال قبل المالكي التنازل عن رئاسة الوزراء لأحد قياديي حزبه أو لأحد قيادات "الائتلاف الوطني"، على غرار نائب الرئيس العراقي عادل عبدالمهدي أو شخصية من التيار الصدري. فإذا تدخلت إيران أو المرجعية الرشيدة من أجل توحيد الأحزاب والتيارات الشيعية لحل مشكلة الفراغ الحكومي والدستوري فثمة ترجيح لهذا الخيار، حتى على حساب ترؤس المالكي للحكومة. لكن مجموع مقاعد الائتلاف الوطني ودولة القانون هو 159 مقعداً، ما يعني أنهما يحتاجان إلى أربعة مقاعد أخرى، يمكن تأمينها من جبهة التوافق أو الأقليات أو حتى المعارضة الكردية، في حال رفض التحالف الكردستاني الانضمام إلى هذا الائتلاف لتشكيل الحكومة الجديدة.

3. اذا أراد علاوي استبعاد "الائتلاف الوطني العراقي" و"دولة القانون"، فعليه التحالف لأجل تشكيل الحكومة مع التحالف الكردستاني (43 مقعداً) والقوائم الكردية الأخرى الفائزة (14 مقعداً) و"جبهة التوافق" (6 مقاعد) و"ائتلاف وحدة العراق"(4 مقاعد). وسيكون المجموع مع "القائمة العراقية" 158 مقعداً، أي يبقى علاوي بحاجة إلى 5 مقاعد. ولما كانت مقاعد الأقليات عددها ثمانية فيمكن أن يتحالف معها وتتشكل الحكومة. ولكن إذا تم تشكيل الحكومة بهذه المكوّنات فسوف يكون للأكراد حصة الأسد، وسوف لن تمنح مقاعدها لتشكيل الحكومة الا لقاء مناصب سيادية كرئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية وغيرها، وتنازلات في موضوع كركوك، وهو ما يغضب السنة العرب الذين يريدون رئاسة الجمهورية ويرفضون السيطرة الكردية على كركوك وضمه الى إقليم كردستان، واذا قبل علاوي بالمطالب الكردية فسوف يخسر دعم السنة العرب له. كما أن هذا الخيار يستبعد المكوّن الأساسي في البلاد أي الشيعة، الأمر الذي يجعل الحكومة، وإن كانت قانونية، مشلولة وتفتقد الشرعية الشعبية إذ إن نحو نصف سكان البلاد غير ممثلين فيه.

4. خيار الائتلاف بين قائمة "العراقية" وقائمة "دولة القانون" وهو شبه مستحيل حالياً نظراً للتنافس المحموم بين رئيسي القائمتين على منصب رئاسة الوزراء، ولكن كل شيء محتمل نتيجة التدخلات الأميركية والإقليمية والتسويات الداخلية القائمة على مبدأ المحاصصة.

من الواضح أن نتائج الانتخابات جعلت من المستحيل على أي قائمة أن تشكل الحكومة وحدها، خصوصاً في ظل الخلافات المستحكمة بين القوائم المتنافسة، ما يدخل العراق في أزمة سياسية جديدة قد تؤخر تشكيل الحكومة لأشهر عدة، ويفتح الباب أمام التجاذبات الطائفية والإقليمية والدولية، بشكل يهدد الاستقرار الأمني في البلاد.. أما قادة الكتل السياسية العراقية فلا يزال أمامهم امتحان حول مدى نضجهم الديموقراطي

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم