احتمالات المواجهة بين واشنطن وطهران - هيثم مزاحم

المستقبل - الثلاثاء 17 حزيران 2003 - العدد 1323 - شؤون عربية و دولية - صفحة 15


احتمالات المواجهة
بين واشنطن وطهران




هيثم مزاحم

تتهم إيران الولايات المتحدة بأنها مارست ضغوطاً على الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أصدرت أمس تقريراً سلبياً بشأن البرنامج النووي الإيراني، وأنها تستغل التظاهرات الطلابية للتدخل في شؤونها الداخلية وأن ثمة "دوراً" لواشنطن في تغذية هذه الاضطرابات، وذلك كي تفرض عليها تغيير سياساتها الخارجية.
ورغم تصاعد الضغوط الأميركية والأوروبية على إيران للتوقيع على البروتوكول الإضافي للمعاهدة النووية الذي يسمح بزيارات مفاجئة لمواقعها النووية، فإن طهران لا تزال ترفض التوقيع عليه قبل حصولها على "ثمن" يكون بتقديم الدول الغربية مساعدة تقنية لبرنامجها النووي السلمي، إذ تحاول إيران حذو حذو كوريا الشمالية التي قايضت سابقاً وقف برنامجها النووي العسكري بدعمها بإمدادات من النفط ومساعدتها على إقامة برنامج نووي سلمي للطاقة الكهربائية.
ويرى مصدر ديبلوماسي إيراني أن بلاده اعتبرت من تجربة العراق الذي قدم تنازلات كبيرة للولايات المتحدة بحيث لم تترك فرق التفتيش الدولية موقعاً أو قصراً رئاسياً إلا وفتشته، ومع ذلك لم ينجُ نظام صدام حسين من الغزو الأميركي ـ البريطاني الذي أنجز عملية إسقاط هذا النظام وهو يحاول إعادة تشكيل نظام موالٍ له يؤمن له مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية في العراق والمنطقة.
ويقول المصدر نفسه إن ثمة اقتناعاً لدى الحكومة الإيرانية أن تقديم تنازلات للأميركيين لن يزيل عداءهم للجمهورية الإسلامية ولن يمنع مؤامراتهم لتغيير النظام فيها لأن تقديم التنازلات سوف يثير شهية الولايات المتحدة التي "لا تشبع" ويجعلها تطالب بتقديم تنازلات إضافية الى أن تحصل على "رأس" النظام الإسلامي في إيران. ويضيف المصدر: "إذاً ما فائدة التنازلات إذا كانت سوف تؤدي الى النتيجة نفسها التي لأجل تجنبها تقدم التنازلات؟" مشيراً الى أن واشنطن كانت سابقاً تستخدم سياسة "العصا والجزرة" بينما الآن تستخدم فقط "العصا" وغابت "الجزرة".
وقال إن التكوين السيكولوجي للإيرانيين يدفعهم الى التحدي والتصلّب في المواقف إذا تم توجيه تهديدات إليهم، وإن العدوان عليهم يدفعهم الى الوحدة القومية متجاوزين خلافاتهم الداخلية بين محافظين وإصلاحيين.
وحول إمكان شن الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً على إيران لتغيير النظام فيها على غرار غزو العراق، يستبعد المصدر الإيراني ذلك بسبب التأييد الشعبي للنظام الإسلامي من جهة، ولقدرات إيران العسكرية الدفاعية ضد أي عدوان من جهة أخرى، وهو بذلك يتفق مع رأي مسؤول أميركي سابق يرى عدم إمكان شن الأميركيين أي عملية عسكرية ضد إيران في المدى المنظور طالما لم تحسم الأمور في العراق بعد.
ولا يستبعد المسؤول الأميركي السابق إياه، الخبير في شؤون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أن تقوم الولايات المتحدة بضرب المنشآت النووية الإيرانية. لكن المصدر الديبلوماسي الإيراني يقلّل من احتمالات استهداف هذه المنشآت عسكرياً، مؤكداً أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي عدوان على مفاعل بوشهر فهي قادرة على رد الصاع صاعين وبخاصة أن القوات الأميركية موجودة على مرمى الصواريخ الإيرانية سواء في مياه الخليج أو في القواعد الأميركية في دول الخليج وأفغانستان وآسيا الوسطى.
وتبدو الحملة الأميركية السياسية والإعلامية ضد إيران مبالغاً فيها ولا تنسجم مع "المخالفات" الإيرانية التي تقول واشنطن إن إيران قد ارتكبتها سواء بإخفائها بعض المعلومات عن وكالة الطاقة النووية الدولية، أو وجود بعض عناصر تنظيم القاعدة على أراضيها، أو دعمها لما يسمى "المنظمات الإرهابية" أي حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله. فثمة تضخيم واضح للتسلح النووي الإيراني المزعوم إذ أن إيران قد وقعت على معاهدة منع الانتشار النووي وتخضع منشآتها لتفتيش ومراقبة وكالة الطاقة النووية الدولية. لكن الأميركيين لا يريدون حتى أن تحصل إيران على المعرفة التقنية النووية في مجال الاستخدام النووي فضلاً عن الوقود النووي.
ويعتقد بعض المراقبين أن إيران بإمكانها سحب ذريعة الاتهامات الأميركية من خلال توقيعها على البروتوكول الإضافي للمعاهدة النووية وهو تفصيل لن يقدم أو يؤخر على صعيد تقدم البرنامج النووي الإيراني إذا كان صحيحاً ما تدعيه طهران أنه برنامج مخصص للأغراض السلمية وليس هناك نية للتسلح بأسلحة الدمار الشامل في الاستراتيجية الأمنية الإيرانية.
وربما يلزم الإيرانيين حالياً مخاطبة الرأي العام الأميركي والغربي ومحاولة استخدام الجالية الإيرانية في الولايات المتحدة للقيام بدور في التقريب بين طهران وواشنطن أو على الأقل نزع فتيل التوتر بينهما، وهو دور كان يلعبه بعض الأكاديميين والمثقفين الإيرانيين الأميركيين خلال عهد الرئيس بيل كلينتون الذي حاول صادقاً إطلاق حوار مع إيران وواجه معارضة من قبل اللوبي الصهيوني في الكونغرس والإدارة الأميركيين من جهة ومن جهة أخرى من قبل المحافظين في إيران الذين أحبطوا في اللحظة الأخيرة حصول لقاء بين الرئيس الإيراني الإصلاحي محمد خاتمي وكلينتون على هامش مشاركتيهما في دورة أعمال الأمم المتحدة في نيويورك.
وقد يكون مفيداً أن يكرر بعض القادة الإيرانيين المبادرة التي أطلقها خاتمي بعد توليه الرئاسة في مخاطبة الرأي العام الأميركي خلال مقابلته مع شبكة "سي أن أن" الأميركية والتي دعا فيها الى حوار الحضارات وأشاد فيها بالحضارة والشعب الأميركيين. فلعل خاتمي ينهي حكمه كما بدأه بتفعيل سياسة "الانفراج" و"نزع التوتر" مع دول الغرب والجوار وذلك عبر إطلاق الحوار مع الأميركيين حكومة وكونغرساً وشعباً.
وقد يدعّي البعض في إيران أن في الإدارة الأميركية اليوم صقور محافظون يؤيدون إسرائيل بشكل مطلق، والإجابة هي أن صفقة "إيران غيت" عام 1987 قد تمت بين المحافظين في إيران آنذاك والجمهوريين المحافظين في واشنطن خلال عهد رونالد ريغان، ولكن بعض الخبراء يرى أن الحوار والتفاهم بين المحافظين الأميركيين والمتشددين الإيرانيين قد يؤدي الى نتائج عملية أكثر منه بين المعتدلين في البلدين، وذلك لأن الطرفين هما من يملك زمام القرار في بلديهما، إذ لا يستطيع الإصلاحيون في إيران إتخاذ قرار التفاوض مع واشنطن، بينما "حمائم" وزارة الخارجية الأميركية مقموعون من قبل صقور "البنتاغون

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم