واقع المحاكم الجعفرية في لبنان في حوار شامل مع العلامة الشيخ حسن عواد
أجرى الحوار: د. هيثم مزاحم وملاك مغربي
سماحة حجة
الإسلام و المسلمين العلامة الشيخ حسن عواد هو عالم لبناني معروف شهد له
الكثير من مراجع التقليد بالورع والعمل، فمنحوه تنويهات عدة بمزاياه
الخلقية وجهده المتواصل في نشر الدعوة والتبليغ الديني. عُرف عن سماحته حبه
للناس وتفانيه في خدمة ورعاية شؤونهم، بأـنه رجل صاحب عقل حواري منفتح.
يشغل الشيخ حسن عواد حالياً منصب رئيس المحكمة الجعفرية العليا ومدير عام
المحاكم الجعفرية الشرعية في لبنان، وهو عضو مجلس القضاء الشرعي الأعلى.
والمحاكم الجعفرية في لبنان هي المؤسسة القضائية الشرعية الجعفرية الوحيدة
في العالم العربي. من هنا كان لموقع "شفقنا" حوار شامل مع سماحة العلامة
عواد، في مكتبه في مقر المحكمة الجعفرية في بيروت/ حول هذه المحاكم ونظامها
وتاريخها ومشكلاتها، وارتباطاتها القانونية الرسمية والشرعية الدينية،
والآتي نص الحوار:
متى أُسست المحاكم الشرعية الجعفرية؟ ومن كان وراء التأسيس ومن أول رئيس لها؟
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وعلى خاتمهم سيدنا
ونبيّنا حبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله
الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين ومن اهتدى بهداه إلى قيام يوم
الدين. أُسست المحاكم الشرعية الجعفرية سنة 1926م. في عهد رئيس الجمهورية
اللبنانية شارل دبّاس. رئيس الجمهورية وقّع حينذاك مرسوماً يقضي بتعيين
الشيخ حسين مغنية(رحمه الله) رئيساً للمحاكم الجعفرية بعد إنشائها - مع
إنشاء مؤسسات الأحوال الشخصية للطوائف اللبنانية الأخرى - وكان أعلى منصب
روحي ورسمي للطائفة الشيعية في لبنان أنذاك. إعتذر المرحوم الشيخ حسين
مغنية عن قبول المنصب وبعث برسالة إلى رئيس الجمهورية شارل دباس يطلب منه
تعيين الشيخ منير عسيران في هذا المنصب. ولمّا سُئل المرحوم الشيخ حسين
مغنية عن سبب رفضه للمنصب؟ أجاب أنه هو المتصدر الأول من علماء الدين في
الطائفة الشيعية في حينه وقد رغب في أن يبقى هذا الموقع محَّيداً عن الصفات
الرسمية التي قد تقتضي بروتوكولياً أن يكون خلف رئيس الجمهورية أو غيره من
الزعماء المدنيين، ولاعتقاد الشيخ رحمه الله في حينه بأن هذا المنصب هو
وظيفة من الوظائف.
ما هو تفسيركم لهذا الرفض؟
في الحقيقة لم تكن المفاهيم والمصطلحات
متبلوّرة في ذلك التاريخ في ذهن بعض علمائنا لأن الواقع هو أن رئيس المحاكم
الجعفرية هو قاضٍ من القضاة وليس موظفاً في الإصطلاح القانوني، لأن القضاء
في القانون ليس وظيفة وإنما هو سلطة كما ينص على ذلك الدستور اللبناني في
مبدأ الفصل بين السلطات الإجرائية والتشريعية والقضائية. وفي ذلك التاريخ
حاول بعض علماء الدين مع المرجع الأعلى في النجف الأشرف الشيخ النائيني
رحمه الله إقناعه بمنع استحداث هذا المنصب أو منع التصدي له. لكن الشيخ
المرجع النائيني بعد اطلاعه على الجريدة الرسمية المتضمنة لصورة ما صدر عن
رئيس الجمهورية وافق على تصدي الشيخ عسيران لتولّي منصب رئاسة المحاكم
الشرعية الجعفرية، بعد الموافقة أيضاً على استحداث هذا المركز.
أما من سعى في استحداث هذه المؤسسة فليس
لي علم بالتفصيل عمن سعى إلى ذلك. لكنني سمعت من المرحوم من السيد مصطفى
الحسيني ابن النائب والوزير السيد أحمد الحسيني -الذي كان نائباً عن مدينة
جبيل- أن والده سعى إلى ذلك حينما كان وزيراً للعدل في حكومة رئيس
الجمهورية شارل دباس، وفي عهده تأسست المحاكم الشرعية الجعفرية.
متى تسلّمتم رئاسة المحاكم الشرعية الجعفرية وإلى من يعود تعيينكم في هذا المنصب؟
تسلّمت رئاسة المحاكم الشرعية الجعفرية في
23 /10 /1995 ميلادي، وذلك بعد أن كلّمني في هذا الأمر المرحوم سماحة
الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين والهيئة الشرعية المركزية في المجلس
الإسلامي الشيعي الأعلى والقيادات السياسية في الطائفة الإسلامية الشيعية،
وفي طليعتهم دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري ودولة الرئيس حسين الحسيني،
الرئيس السابق لمجلس النواب. وبعد مداخلات قيّمة ومحترمة من كبار علماء
الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان، وفي طليعتهم المرحوم المرجع الشيخ
محمد تقي الفقيه والمرحوم العلامة الشيخ إبراهيم سليمان وغيرهم، وقع خيارهم
جميعهم عليّ لتسلّم مسؤولية رئاسة المحاكم الشرعية الجعفرية. وكان قد
اقتُرح عليّ ذلك قبل التاريخ المذكور بنحو أربع أو خمس سنوات وكنت رفضته من
قبل، غير أن تطوّرات طرأت وأحاطت بهذا المركز واقتضت أن يحدث تغيير فيه،
فكان إجماع القيادات الروحية والسياسية التي ذكرت سبباً لقبولي بهذا
المنصب، متوكلاً على الله تعالى ومشمراً عن ساعدي، لكي أكون عند حسن ظن تلك
القيادات المحترمة.
هل ترتبط المحاكم الشرعية بالقضاء اللبناني كوزارة العدل أو بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى؟
هذه المحاكم في الأحكام تصدر أحكامها
وفقاً للمذهب الإسلامي الجعفري. أما إدارياً وانتظامها في الصفة الرسمية
فهو بعودتها إلى ملاك رئاسة مجلس الوزراء، بخلاف القضاء العدلي الذي يعود
ملاكه إلى وزارة العدل. وقد اختيرت رئاسة الوزارة لتكون مرجعاً إداريا
للقضاء الشرعي الجعفري تمييزاً للقضاء الشرعي عن القضاء العدلي، لأن رئاسة
الوزارة يشغلها بشكل دائم وفقاً للدستور أحد المسلمين، وحتى لا يكون هناك
سلطنة لغير المسلم على القضاء الشرعي. ويتساوى في ذلك القضاء الشرعي
الجعفري والقضاء السنّي.
ما هو عدد هذه المحاكم وأين تتوّزع؟ وكم قاضٍ يوجد عادة في كل غرفة؟
عدد القضاة الشرعيين في المحكمة الإسلامية
الجعفرية 33 قاضياً. بحسب المباني يوجد عندنا 21 محكمة، وبحسب الغرف
القضائية يوجد عندنا 30 غرفة قضائية. والغرفة القضائية هي بحد ذاتها محكمة،
لأنها إما أن ينظر فيها قاضٍ منفرد أو أنها محكمة عليا تتألف من الرئيس
ومستشاريين إثنين وتكون هيئة حاكمة. فبحسب النظر في القضايا عندنا 30
محكمة وبحسب المباني عندنا 21 محكمة. أما توّزع هذه المحاكم فهي متوّزعة في
جميع أنحاء الجمهورية اللبنانية، في كل قضاء يوجد فيه عدد كبير من
المسلمين الشيعة، بحيث أنهم يحتاجون إلى وجود محكمة فيما بينهم، حتى لا
يجشموا عناء السفر والتقاضي أمام محاكم بعيدة. فالمحاكم الجعفرية الشرعية
تمتد من أقصى الجنوب في صور وبنت جبيل إلى أقصى الشمال في طرابلس والهرمل
وما بينهما(يقصد سماحته بذلك معظم المحافظات اللبنانية الست وجميع مناطقه).
ماهي المشكلات التي تعاني منها المحاكم الشرعية؟
طبعاً القضاء الشرعي الجعفري هو في جانب
منه مؤسسة رسمية، وهو يعاني ما تعانيه الكثير من المؤسسات الرسمية من ضعف
التمويل ومن التسويف في تلبية المطالب. ويعتري هذه المؤسسة ما يعتري سائر
المؤسسات الرسمية في هذا الوضع السياسي المتأزم، وفي هذا الشلّل الحكومي
القائم وفي البيروقراطية التي تعاني منها جميع المؤسسات. فهناك حاجة ماسة
إلى توسعة ملاك القضاء. كما أن هناك حاجة ماسة أكثر إلى توسعة ملاك
الموظفين. ومع ذلك لم تساعد الظروف القائمة حتى الآن لتحقيق أي من
الإنجازين.
هل يوجد معهد لتدريب القضاة الشرعيين؟ وإذا كان الجواب لا، فهل ثمة مشروع في هذا الإطار؟
لا يوجد معهد لتدريب القضاة الشرعيين. ولكن هذا الأمر طرح في مجلس القضاء الشرعي الأعلى وهناك دراسات تُعد من أجل تحقيق هذا الإنجاز.
كيف يتم اختيار القضاة؟ هل يتم
ذلك وفقاً لامتحان القضاة الذي يجريه القضاء اللبناني أو القضاء الشرعي أم
هناك شروط أخرى كالعدالة والاستقامة؟
يتم اختيار القضاة وفقاً لما ورد في قانون
المحاكم الشرعية في المادة 450 التي تنص على أنه: يجب أن يكون لبنانياً
أتم الخامسة والعشرين من عمره، متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير
محكوم من مجلس تأديبي لأمر يخلّ بالشرف، ولم يتجاوز الثامنة والأربعين من
العمر. وعلى أن يكون قد تخرّج من النجف الأشرف حائزاً منها على شهادة
الدروس الدينية العليا أو إجازة الحقوق المعطاة من إحدى الكليات التي
تُدرّس فيها أحكام الشريعة الإسلامية. ويدخل في ملاك القضاء الشرعي بعد أن
ينجح في المباراة التي يقوم بها مجلس القضاء الشرعي الأعلى، وفقاً للموازين
التي يضعها مجلس القضاء الشرعي الأعلى في معدلات العلامات في المبارات
التي تشمل مواد متنوّعة منها الشريعة والفقه ومنها القانون وغيرها.
ما هي الدراسة التي يدرسها القاضي في الحوزة أو الجامعة أو الإثنين معاً؟
قد تكون الدراسة حوزوية فقط وقد تكون حوزوية وجامعية معاً.
كيف يتم تعيين رئيس المحكمة العليا؟
أما تعيين رئيس المحكمة العليا فهو منصوص عليه في قانون المحاكم الشرعية في المادة 452 التي تنص على ما يلي:
يعيّن كل من رئيسي المحكمتين الشرعيتين
العليين السنّية والجعفرية من بين مستشاري هاتين المحكمتين أو من بين
القضاة الذين بلغوا الدرجة السادسة وما فوق، أو من بين العلماء الشرعيين
المشهود لهم بالتفقه والعلم، شرط أن لا يكون أي منهم قد تجاوز الثامنة
والأربعين من عمره. ولكي يكون من العلماء الشرعيين المشهود لهم، لا بدّ من
أن تكون الشهادة إما من المرجع الديني الأعلى في النجف الأشرف أو من الهيئة
الشرعية المركزية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتوقيع رئيس المجلس
الإسلامي الشيعي الأعلى أو ممن يشهد له بضعة من كبار علماء الطائفة
بالفقاهة والاستقامة.
مشروع المكننة
أين أصبح مشروع المكننة للمحاكم الجعفرية وأرشفتها التي أطلقته مؤسسة الوليد بن طلال؟
لقد سبقت المحكمة الشرعية الجعفرية كل
المحاكم العدلية والشرعية في مشروع المكننة كما كتبت بعض الصحف اللبنانية
عن ذلك منذ ما يزيد عن خمس عشرة سنة ومنها صحيفة السفير. لكن ضعف الموازنة
في موازنة المحاكم الشرعية الجعفرية هو الذي أحوجها إلى أن تطلب المساعدة
من بعض المؤسسات، ومنها مؤسسة الوليد بن طلال. وقد تجاوبت هذه المؤسسة
الريادية الكريمة مع طلبنا ومدّت يد العون والمساعدة فساعدت في تقديم
المكننة إلى المحاكم الشرعية الجعفرية. كما ساعدت في تنظيم الأرشيف ووضع
برنامج له. وقد قطعنا في هذا المجال شوطاً بعيداً. فمثلاً المحكمة الشرعية
الجعفرية في بيروت، سواء في ذلك المحكمة أو المحكمة العليا، قد أصبح
أرشيفها كاملاً ومحفوظاً منذ أُسست وإلى سنتنا هذه. ولا يزال العمل جارياً
في المحاكم الأخرى مع الأولويات في تقديم المحاكم الكبيرة على المحاكم
الصغيرة ولمّا تُستكمل بعد. إننا نهدف إلى أرشفة جميع ما في المحاكم، وإلى
تنظيم التواصل بين جميع المحاكم، بحيث تعود إلى مرجعية واحدة في المكننة،
وبحيث تكون على صلة مع بعضها البعض، ويكمن الإطلاع من أية محكمة على ما لدى
المحاكم الأخرى، ولا نزال في الطريق إلى تحقيق ما نصبو إليه.
هل هناك مشروع لإطلاق خط مباشر للتواصل مع المواطنين والإدارت لجهة الملفات والإستشارات الشرعية؟
في الواقع نتطلّع إلى يوم يتحقق فيه مثل
هذا الأمر، لكن تحول دون ذلك أمور عدة، الأمر الأول: أن المتصدّي لهذا الخط
الساخن ليس له موازنة أو بند في موازنة محاكمنا التي هي موازنات رسمية
تكون جزءاً من موازنة الدولة اللبنانية. وثانياً، لأن المتصدّي لهذا الأمر
إما أن يكون موظفاً وإما أن يكون قاضياً. أما تصدّي الموظف لذلك فهو تصدّي
الإنسان الذي لا يتمتع بالكفاءة اللازمة والمتوجبة للإجابة عن الأسئلة.
وأما تصدّي القاضي فيمنع منه أن القاضي لا يجوز أن يبدي رأيه مسبقاً في أي
موضوع خلافي يكون بين طرفين. وثالثاً، لأن الإجابة على الخط الساخن في كثير
من القضايا هي أمر غير دقيق، لأن القضايا التي تدخل إلى القضاء الشرعي
الجعفري كل قضية لها حيثياتها، تدرس بخصوصياتها. صحيح أن هناك قواعد عامة،
لكن لكل قاعدة استثناء. فالإجابة قد توقع السائل في الإلتباس، وبالتالي قد
تكون سبباً للضرر أكثر مما هي للنفع.
هل يوجد موقع الكتروني للمحاكم الجعفرية الشرعية؟
لايوجد عندنا موقع إلكتروني للمحاكم الشرعية الجعفرية.
ما هي آليات الرقابة داخل المحاكم الشرعية لتجنّب الفساد والرشوة والتدخل في شؤون القضاء؟
الرقابة متنوّعة، هناك الرقابة الذاتية
والوجدانية والإيمانية التي تتكوّن من أن القاضي هو من علماء الدين الذين
يكرّسون حياتهم للفضيلة والإستقامة. وثانياً تأتي الرقابة من أن اختيار
الموظف يلحظ فيه أيضاً أن يتمتع بالحد الأدنى من الإستقامة التي تبعده عن
الانحراف، هذه هي الرقابة الذاتية التي تترشح من عنوان الشرع ومن عنوان
المذهب ومن عنوان علماء الدين ومن عنوان الإسلام بكل ما تحمله هذه العناوين
من مداليل واستتباعات وتداعيات.
وتوجد رقابة ثانية هي من صلاحية رئيس
المحاكم الجعفرية العليا بوصفه مديراً عاماً لأنه من صلب صلاحياته، كما ينص
على ذلك القانون، السهر على حسن سير الأمور في الإدارة، وجزء من حسن سير
الأمور أن يكون سير الأمور نظيفاً ومستقيماً بلا ملوّثات وبلا ما يحط من
شأن وسمعة هذا القضاء الشرعي.
وتوجد رقابة ثالثة وهي رقابة المفتش
العام، إذ يوجد في المحاكم الشرعية الجعفرية، كما في المحاكم الشرعية
السنية، وكما في عموم المؤسسات القضائية، منصب لمفتش عام، فمن مسؤولية
المفتش العام في المحاكم الشرعية الجعفرية أن يُجري كشفاً بين الحين والآخر
على سجلات المحاكم، وأن يتلقى شكاوى المواطنين. ونحن نعوّل كثيراً على
أدبيات أهلنا وشعبنا في أنهم إذا رأوا خللاً أن يتقدموا من الجهات القادرة
على إصلاح الخلل بشكوى، لكي يتم التصدّي للخلل. ولا يمكن التصدي للخلل بدون
مستند أو بدون دليل قانوني. لهذا نحن نكرّر مناشدتنا لأهلنا وشعبنا
ومواطنينا في أن يراجعوا الجهات المسؤولة القادرة على التصدّي للخلل وأخذ
الإجراءات القانونية اللازمة بحق المُخلّ كائناً من كان.
ارتفاع نسبة الطلاق
يحكى عن ارتفاع نسبة الطلاق خلال السنوات الخمس الأخيرة، هل من أرقام لديكم وما هو دور المحاكم في التخفيف من هذه الظاهرة؟
الحقيقة لاتوجد عندنا أرقام ونسب في جميع
المحاكم. ولكن ظاهرة تكاثر الطلاق ظاهرة يقرّ بها الجميع. وهذه الظاهرة
تعود إلى التكاثر بحد ذاته فتكاثر الزواج ينشأ عنه تكاثر الطلاق. وثانياً
الأزمة الإقتصادية تلعب دوراً كبيراً في تفاقم الخلافات. وثالثاً سقوط
منظومة القيم والأخلاقيات في مجتمعنا وهبوطها، تأثراً بالعولمة القائمة
وبالصحافة وأجهزة التلفاز والإعلام، مما ينعكس على الأسرة اللبنانية.
ورابعاً هو ضعف موقع الإصلاح والكبار الذين يتصدّون لمشاكل الناس، والذين
كان لهم احترام لدى الأجيال السابقة وتسمع لهم كلمة، الآن التربية تكاد
تكون فردية أكثر مما هي جماعية، وهذا يعني أن كل واحد يتشبث برأيه وموقعه
ولا يستمع إلى نصيحة الناضجين والمخلصين والكبار الذين يريدون الخير للناس.
هل صحيح أن المحاكم الجعفرية في لبنان لا
تعترف بعقد الزواج المؤقت مما يسبّب مشاكل في توثيق الزواج والأولاد، وهل
من آلية لمعالجة هذا الخلل وتوثيق الزواج المؤقت على غرار ما يحصل في
إيران؟
هذا تصوّر خاطئ. فالمحكمة الشرعية
الجعفرية تعترف بالزواج المؤقت وتثبته لديها ويبنى على الشيء مقتضاه، بما
يتفرّع عن ذلك من مهر ونسب وحقوق وواجبات للطرفين وعلى الطرفين.
فحص الحمض النووي
هل تعترف المحاكم الجعفرية
الشرعية بفحص الـحمض النووي(DNA) لإثبات هوية إبن او ابنة في حال اتهم
الزوج زوجته بالزنى وشكّك في نسبة أولاده؟
الواقع انطلاقاً من النص القانوني الذي
يقول إن القاضي الجعفري يحكم وفقاً لمذهبه، فإذا كان مجتهداً يحكم برأيه،
وإذا كان مقلّداً يحكم بمقتضى فتوى المقلَّد. وقد يسلك السبيل الثالث وهو
الإحتياط. بعض قضاة الشرع يعترفون بهذا الفحص، على أنه فحص مثبت للبنوّة،
مع وجود عقد زواج طبعاً شرعي، لأن أي تولّد ناشئ عن غير الزواج الشرعي،
البنوة فيه بنوة طبيعية، وهي ليست من صلاحيات القضاء الشرعي الجعفري. الذي
من صلاحيات القضاء الشرعي الجعفري هو البنوة الشرعية المتأتية من عقد زواج
شرعي. موقفي الشخصي هو التوقف بحسب قراءاتي الفكرية ومعرفتي لا يزال هناك
مساحة فيما يجري للحدس، وليس هذا الفحص بدرجة مئة في المئة في جميع مراحله
وقد تكشف الأيام خللاً فيه غير مرصود إلى يومنا هذا كما هو عليه الأمر في
كثير من النظريات والتطبيقات والمواقف العلمية التي اكتُشف فيها الخلل
بمرور الزمن. لهذا موقفي الفكري شخصياً هو التوقف، لا آخذ بهذا الفحص، كما
أني لا أنفيه ولا أنفي ما يثبته، انا لا أزال في موقع الإحتياط في هذا
الأمر.
هل ثمة شروط لقبول فحص الحمض النووي وما هي مشاكله؟
هنا شروط قبوله يُعاد إلى من يقول بقبوله
وفيما أعلم أن المرجع الأعلى السيد علي السيستاني أيده الله ومدّ ظله ومدّ
نوره يأخذ بهذا الفحص ويقول إنه إذا أفاده العلم، يؤخذ به. فشروط قبوله
يعاد بها إلى من يقول بقبوله. طبعا هنا السؤال فيه خطأ لأن الفحص هذا يؤخذ
به عند عدم وجود البيّنة، أما مع وجود البيّنة فإنه لا حاجة إليه، ومن يأخذ
به، يأخذ به على أنه هو بحد ذاته بيّنة، أي هو أحد مصاديق البيّنة، فليست
البيّنة شيء وهذا الفحص شيء آخر عند من يقول بالأخذ به.
مشاكل أخرى داخل المحكمة
هل ثمة مشكلات وقضايا أخرى تتعلق بالمحاكم الجعفرية في لبنان تودّون الحديث عنها؟
المشكلات والقضايا كثيرة، ومنها أن
المحاكم الشرعية الجعفرية لا تزال تعاني من مواقف لبعض رجال الدين
المبتدئين الذين لا يملكون الدقة اللازمة في تشخيص عمل القضاء الشرعي
الجعفري أو الذين يتشبثون ببعض العموميات، بمعزل عن الدخول في التفاصيل
كمثل مقولة أتباع الظلمة، وكمثل مقولة "من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الظالمون"، وكمثل مقولة "إن هذه المؤسسة تتبع لسلطان جائر لا يحكم بما
أنزل الله". كما نعاني مما يعانيه القضاء في كل الدنيا وعند جميع الأمم
والشعوب على حد تعبير ذلك الشاعر الذي قال منذ مئات السنين:
نصف الناس أعداء لمن ولّي الأحكام هذا إن عدل
وأنا أجد ان هذا القول بنبغي أن يصحح فيقال:
ثلاثة أرباع الناس أعداء لمن ولّي الأحكام هذا إن عدل
لأن النصف الخاسر هو ضد المحكمة التي
أصدرت حكماً بخسارته. والنصف الرابح، نصفه أيضاً يقول: لم أُعطَ حقي
كاملاً، فتكون النتيجة أن ثلاثة أرباع الناس أعداء لمن وليّ الأحكام.
وهؤلاء المعادون لمن وليّ الأحكام لن يفسّروا الأحكام الصادرة بنحو الإدانة
لأنفسهم بل سيتناولون القضاء إما بأنه يتأثر بالرشوة وإما أنه يتأثر
بالشفاعة وإما بأنه يتأثر بأخلاقيات معيّنة،. لهذا موقع القضاء في الواقع
هو من المواقع الحرجة والخطيرة في آن معاً، والتي يُظلم فيها القاضي إلى
حدٍ كبير، وتولّي هذا المنصب يحتاج إلى شجاعة وإلى بعد نظر وإلى تحسّس
للمسؤولية الدينية، لأنه لولا القضاء الشرعي الجعفري لاستبيحت الحرمات في
الدماء وفي الأموال وفي الأعراض وفي الأنساب. لكن كثيراً من الذين يتصدّون
لهذه المسائل بين الناس إما لأن بعضهم لا يفقه أحكام الشرع الحنيف في
تفاصيل هذه الأمور، أو لأن هذه المسؤوليات قد يتولاّها بعض من غير الجديرين
بتولّي المسؤولية وغير المؤهلين لها لسبب سلوكي أو لسبب علمي أو غير ذلك.
والمؤسسة هذه في العالم العربي هي المؤسسة
القضائية الشرعية الجعفرية الوحيدة، وإذا أردت أن أدخل في تفاصيل الخلل
الذي يحدث عند الذين يتصدّون لهذه القضايا من غير ملاك القضاء، لطال الحديث
وأعمالهم كلها تكون تحت مجهر القضاء الشرعي. لأن الذين يجرون عقود الزواج
خارج المحكمة ويأتون لتثبيتها في المحكمة، والذين يوقعون الطلاقات عند رجال
دين خارج المحكمة ويأتون لتثبيتها في المحكمة، والذين يراجعون بعض المكاتب
وبعض رجال الذين خارج المحكمة ويأتون إلى المحكمة يحملون معهم ما خطّته
أيديهم، كل هذه الحالات تكشف عن أن القضاء الشرعي الجعفري هو الحصن الحصين
للمذهب ولفقهه وللشرع الحنيف وأنه لولاه لوقع الخلل في الدماء والأعراض
والأموال والأنساب وفي كل ما يتصدّى له القضاء الشرعي الجعفري.
ما هي رؤيتكم لتطوير واقع المحاكم الجعفرية في لبنان؟
رؤيتنا للتطوير تتناول جوانب شتى من أن
يكون هناك كتب ومؤلفات مخصوصة تتحدث عن الزواج وواجب وحق كل من الزوجين
وتضيء على الذرية وكيفية التربية والأسلوب التربوي الإسلامي وتبيان بعض
الأحكام التي تعم بها البلوى في الزواج وفي الطلاق لكي يكون الناس على بينة
من أمرهم حينما يقدمون على هذه الخطوة الخطيرة والمفصلية في حياتهم وان
يكون هناك مؤسسات تؤهل للزواج كلاً من الشابات والشبان لأن هذا المشروع
مشروع الزواج المقدس مشروع خطير يحتاج للذين يدخلون ويقومون به إلى تاهيل
وإلى تربية مخصوصة.. هناك طموحات كثيرة لكن الكلام الطموح يظل طموحاً قبل
السعي إلى تحقيقه وقبل توفر الأدوات اللازمة لتحقيقه.
شكراً لوقتكم الثمين سماحة العلامة الشيخ حسن عواد، ولتخصيص موقع "شفقنا" بهذا اللقاء الفريد.
نبذة عن حجة الإسلام العلامة الشيخ حسن عواد رئيس المحمة الجعفرية العليا
بدأ حجة الإسلام والمسلمين العلامة الشيخ
حسن عواد دراسته الدينية في النجف الأشرف في العراق سنة 1957 بإشراف وتوجيه
والده حجة الإسلام المرحوم الشيخ حسين عواد.
- حصل على وكالةالمرجع الراحل آية الله السيد محسن الحكيم(رحمه الله)
- أسس سنة 1971 اللجنة الثقافية الإسلامية، وهي أول منظمة ثقافية لدى الشيعة في لبنان تُعنى بالأمور الفكرية والعقائدية والأخلاقية الإسلامية فقط.
- في سنة 1972 حصل على وكالة المرجع آية الله السيد أبو القاسم الخوئي(رحمه الله) .
- في سنة 1973 أصدر مجلة "صوت الشبيبة المسلمة". وفي سنة 1974 أصدر سلسلة "المدرسة الإسلامية في حلقات"، وهي مجموعة من الكتيبات التي تصدر شهرياً بقلم سماحته.
- في سنة 1975 ترشح لعضوية الهيئة الشرعية في انتخابات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فاخترق لائحة الإمام المغيّب موسى الصدر وفاز بأكثرية أصوات علماء الشيعة في لبنان.
- عيّنه رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عضواً في اللجنة العليا للأوقاف الشيعية في لبنان.
- إلتقى الإمام الخميني (قده) مرات عدة بصحبة الإمام المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
- شارك بصحبة المرحوم الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين في لقاء الملك الأردني الراحل حسين في 6/12/1978 للبحث في قضية تغييب الإمام موسى الصدر في ليبيا وشؤون لبنان والمنطقة.
- عُيّن من قبل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مفتياً على بلاد جبيل وكسروان.
- في سنة 1995 عُيّن رئيساً للمحكمة الجعفرية العليا ومديراً عاماً للمحاكم الجعفرية الشرعية في لبنان. وبذلك أصبح عضواً في مجلس القضاء الشرعي الأعلى.
- شغل مرات عدة رئاسة مجلس تعاضد القضاة الشرعيين والذهبيين الذي يضم المسلمين الشيعة والسنّة والدروز.
- شارك في تمثيل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لقاءات سياسية وفكرية عدة في لبنان والخارج، منها لقاء الملك السعودي الراحل خالد بن عبد العزيز، ولقاءات مع عدد من السؤولين العرب والأجانب بصحبة الإمام المغيّب السيد موسى الصدر.
- شارك في مؤتمرات عدة في العالم العربي والإسلامي، وفي مؤتمر رابطة الجامعات الإسلامية والإيطالية والفاتيكانية في 28/4/2000 الذي انعقد في روما والفاتيكان والتقى البابا يوحنا بولس الثاني وتلقّى منه هدية تذكارية.
- في سنة 2004 أصبح عضواً في الهيئة العليا للتبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى التي تضم رئيس المجلس ورئيس المحكمة الجعفرية العليا والمفتي الجعفري الممتاز ومدير عام التبليغ الديني.
- نال وكالة من المرجع الأعلى الإمام السيد علي السيستاني تتضمن طلاق الحاكم الشرعي التي لا يوجد مثيل لها في لبنان إلاّ مع رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
- يشغل سماحته عضوية عدد من الهيئات الشرعية في عدد من المصارف وشركات التأمين.
- بنى مركز الشيخ حسين عواد الإسلامي في مدينة برج البراجنة – التحويطة الذي يضم مسجداً وحسينية ومكتبة ومستوصفاً وبيتاً للعالم الديني ووقفاً ريعياً خيرياً.
Tuz Feek
ReplyDelete