آية الله الشيخ حسن رميتي: نؤيد التخصص في الدراسة الحوزوية

 

أجرى الحوار: د. هيثم مزاحم

آية الله العلامة الشيخ حسن رميتي، هو أحد العلماء المجتهدين القلائل في لبنان، الذين كرّسوا حياتهم لطلب العلم الديني وتدريسه في إيران ومن ثم لبنان، حيث أسّس حوزة الإمام الرضا(ع) في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية في بيروت سنة 2003. سماحته شخصية علمية رصينة ومتواضعة نأى بنفسه عن متاهات السياسة والدنيا، وتفرّغ للتبليغ وتدريس علوم الإسلام وفقه شريعة الرسول محمد(ص). زاره مراسلو موقع "شفقنا" في مبنى الحوزة المتواضع جداً فكان فياستقبالنا، بحضور مدير الحوزة السيّد ربيع هاشم، حيث أجرينا معه هذا اللقاء الحصري.

- مولانا لو تعطونا نبذة عن تأسيس حوزة الإمام الرضا(ع)، متى أُسست ومن بادر إلى هذه الخطوة المباركة؟

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبن الطاهرين، في الواقع أتيت إلى لبنان عام 2001 من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد إنهاء دراستي في  مدينة قم، وبدأت فور وصولي بتزكيةِ ما منَّ به الله عليّ من علوم أهل البيت (ع)، فبدأت بتدريس بحث الخارج فقهًا وأصولاً في حوزة "أهل البيت (عليهم السلام)" في النبطية التي أسّسها حجة الإسلام سماحة الشيخ عبد الحسين صادق، لمدّة سنتين، تزايدت فيها أعداد طلابه باستمرار. عندها قرّرت البحث عن مبنىً مستقلٍ يستوعب الطلبة الجدد، وبتوفيق ربّاني هيَّأ الله لنا المبنى بعد أسبوع واحد من البحث، إذ علمت حاجّة مؤمنة محبّة لعمل الخير، بما نسعى إليه، فقدّمت لنا شقّة تملكها في منطقة الغبيري مؤلّفة من أربع غرف، وصاحبة الخير تلك هي المرحومة الفاضلة الحاجة فَطَم العسيلي، ابنة العلامة المقدّس الشيخ محمد العسيلي، وكان يتبع تلك الشقة باحة واسعة، فجرى سقفها وأُلحقت بالشقّة. وحين توفيّت الحاجة فَطَم جعلها ولدها الحاج رضا ركين مع إخوته الأفاضل وقفًا للحوزة، وكان ذلك بمساعي العلامة الشيخ أحمد العسيلي وفقه الله لكلّ خير.

مناهج التدريس في حوزة الإمام الرضا(ع)

- ما هي مناهج التدريس في الحوزة؟ وهل تتبعون المناهج التقليدية أو الحديثة أو تدمجون الإثنين معاً؟

نحن نميل جداً إلى المناهج القديمة، إنّما يختلف أسلوب الدرس والتدريس، وأيضاً كيفية الإستفادة. مثلاً هناك بعض الأبواب الفقهية أو الأصولية الإطالة بها ليست جيدة، لأن اليوم قد لا تجد فائدة في إطالتها، المهم أن يستنبط الطالب الفكرة والأساس والزبدة ولا داعي للإطالة بالوقت كما كانوا يدرسّون سابقاً. نحن بقينا على المنهج القديم، لكننا عملنا على تحسين وتطوير الأبحاث. ورأينا من خلال التجربة أن الأبحاث التي لا فائدة منها أو فائدتها قليلة جداً ليس من داعٍ للإطالة فيها.

- ما هي الغاية من تأسيس الحوزة وألا ترون أن هناك حوزات كافية في بيروت؟

عندما أسسنا حوزة الإمام الرضا(ع)، كان هناك حوزات أخرى في بيروت. لكن اليوم يوجد منحى عام في الحوزات العلمية، يريدون أن يصبح الطالب مبلغاً، أي الهدف منه أن يبلغ الرسالة، أي الهدف من طالب العلم أن يوعظ الناس ويبلّغهم، وليس من الضروري أن يصل إلى الإجتهاد والتعمق بالعلم. ولديهم كتب خاصة ومناهج خاصة قد لا تؤدي بالضرورة إلى أن يصبح الإنسان عالماً أو مجتهداً من الطراز الأول ولديهم بعض الكتب الدراسية والمواد ليس لها رابط بالإجتهاد والعلم، يعتبرونها ضرورية للمرحلة التي يعيشون بها وينشغل بها الطالب. لكن نحن نرى ذلك مضيعة للوقت، ولا سيّما في مرحلة الشباب، إذ نسعى أن يتفرغ الطالب للعلم وأن يتعمق في العلم والفقه حتى يصل إلى الاجتهاد.

- بما تتميّز حوزتكم عن غيرها من الحوزات الدينية؟

نحن نريد أن يكتفي طالب العلم بالدراسة الحوزوية ويحصلها ويتقنها وأن لا ينشغل بأي شيء آخر، فإذا كان ملتحقاً بالجامعة والحوزة معاً، نسميها مضيعة وقت لأنه يصعب على الإنسان أن يجمع بينهما.

شروط دخول الحوزة

- ما هي شروط الدخول في حوزتكم؟ هل من مستوى علمي محدد؟

- لا بد أن يكون الطالب مهيّئًا للعلم متفرّغًا له، فلا ينشغل بالأمور الأخرى، لأنه إذا ما تزاحمت عليه الأمور، كان من واجبه الاهتمام بالعلم وتقديمه على ما سواه.  كما نشترط أن يكون قد قطع مرحلة من العلوم الأكاديمية تؤهّله لاستيعاب الدراسة الحوزوية، ولكن إذا كان الشخص لديه قابلية للعلم ولم يوفق أن يدرس في المدارس العصرية، نأخذ ذلك بعين الإعتبار شرط أن يكون سنّه مقبول من 17 سنة وما فوق ثم يخضع لفترة تدريبة في الدرس كي تتم الموافقة عليه، إذا كان مستواه جيد من حيث المواظبة والحضور والتحصيل يُقبل. وعلى الطالب أن يفهم المسألة بشكل مفصّل، فإذا لم تتّضح أو بقي فيها أيّ إبهام، فعليه أن يسأل الأستاذ ويكرّر السؤال، لأنه حين يفهم الحكم بشكل صحيح، يستطيع تبليغه بشكل صحيح. وعلى كل طالب أن يكون على يقين بأنه إذا اتّجه إلى الله سبحانه وتعالى وتوكّل عليه، وكان همّه فهم الدرس، فإن الله يهيئ له باقي الأمور من حيث لا يحتسب، فإذا أخلص النيّة والعمل، يسّر الله له كلّ أمر، وتاريخ الحوزات حافل بأسماء العلماء الذين وصلوا إلى المراحل العليا ببركة التوكّل على الله وإخلاص النيّة.

- ما هو ميثاق الحوزات الدينية؟ وما مدى الإلتزام به في حوزة الإمام الرضا (ع)؟

سعى بعض الأخوان ذوو النية الحسنة لوضع ميثاق للحوزات الدينية لتنظيم لبس العمامة بين طلاب العلوم الدينية، لكن بالنسبة لي لديّ بعض الملاحظات على هذا الموضوع، فعملياً ليس له أثر كبير، فالإنسان لا يوفّق دائماً، فالنوايا شيء والعمل شيء آخر، فرب طالب خير تزل قدمه. فرأى البعض أن هناك فوضى عارمة وأنه لا ينبغي أن يتجرأ أي شخص على العمامة فسعوا إلى وضع هذا الميثاق، لكنني قلت لهم إن هذه الطريقة غير عملية نظراً لوجود أحزاب في وسطنا، مما يمنع تنفيذ هذ الميثاق.

تطوير المناهج العلمية

- هل تدعون إلى تطوير وتجديد المناهج العلمية في الحوزات الدينية؟ وهل ترون ضرورة تدريس بعض العلوم العلمانية الحديثة كالتاريخ والجغرافيا والإقتصاد والعلوم السياسية والإجتماعية وعلم النفس والفلسفة وغيرها..؟

الثقافة بشكل عام جيدة لكن ذلك يأتي بعد أن يحصّل الطالب العلوم الدينية، لكن هذه الأمور تؤثر على طالب العلم. فاليوم السياسة هي الشغل الشاغل للناس حتى أدى الأمر إلى وقوف رجال الدين على المنابر والتكلم بالسياسة. فالشرط الأساس لطالب علوم الدين هو أن يحصّل دروسه من العلوم الدينية الحوزوية أولاً ثم إذا وجد فراغاً يمكنه الإطلاع على باقي العلوم. أنا لا أدعو إلى ألا يطلع رجل الدين على الأمور السياسية، فيمكنه أن يتابع ذلك، لكن تدخله بالسياسية قد يتسبب بمشكلة أحياناً. فمن باب الحفاظ على المصلحة العامة أرجح لرجل الدين أن يبقى على الحياد إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

- ماذا عن تدريس اللغات الأجنبية؟ ألا يحتاجها الطالب والعالم لاحقاً في التبليغ؟

تدريس اللغات الأجنبية ليست موجودة عندنا في الحوزة، لكن لا نرى بها بأساً. نحن نعمل على تطوير الحوزة شيئاً فشيئاً حسب الإمكانيات المادية من جهة وحسب الظروف من جهة أخرى. نحن نرى أن صرف الأموال على من لديهم النية في العلم أوجب من صرفها على باقي الأشخاص. كما نرى أن الطالب عندما ينضج من الناحية العلمية يمكنه أن يكون مبلغاً.

-       ألا ترون أن الكتب الدينية تراوح مكانها ومعظم المؤلفات الحديثة هي إعادة صياغة للكتب القديمة بأسلوب حديث؟

-       نعم. ولذلك نحن نرى أن من يملك إختصاصاً في جانب معيّن يأتي بأفكار جديدة ويصبح مبدعاً.

التخصص في الدراسة الحوزوية

- إذاً تؤيدون التخصص في الدراسة الحوزوية وفي الإجتهاد؟

التخصص جداً مهم. فالإنسان طاقته محدودة، فعندما تعطي جانباً لدراسة الفكر السياسي وجانباً لدراسة السيرة أو للجهاد والفقه...فليس لديك مجال لتعطي كل هذه الاختصاصات الوقت والجهد الكافيين.. أما إذا تخصصت في مجال واحد فتصبح مبدعاً فيه، وأنا دائماً أشجع على التخصص بالفقه لأننا بحاجة ماسة لفقهاء.

- ماذا عن دراسة القرآن؟ هل تبذلون جهوداً للعناية بعلوم القرآن من تفسير ودراسات؟

لدينا قاعدة تقول إنه لا يمكن العمل بالقرآن الكريم إلاّ بعد الرجوع إلى الروايات، لأن القرآن أغلبه مطلق وعام ومجمل. نحن عندنا دراسة معمقة لما يحتاج إليه الفقيه من دراسة القرآن. ولكننا نفتقر إلى مناهج لتحفيظ القرآن كما هي موجودة عند الأخوة من أهل السنة.

- ما هو عدد الطلاب في الحوزة وما هي جنسياتهم؟

لدينا نحو 70 طالباً بينهم نحو 50 طالباً يدرسون بحث الخارج. أما الطلاب في الحوزة فهم لبنانيون وعراقيون وسوريون وهناك طالب أفريقي واحد.

- تمويل الحوزة ؟

الاتكال على الله سبحانه وتعالى، ويعتمد تمويلنا على الخمس والأموال الشرعية.

- ما هي آلية تقييم الطلاب؟

هناك امتحانات شفهية وخطية وبعد انتهاء الامتحان يأخذ الطالب إفادة بالترفّع إلى المرحلة الثانية.

بحث الخارج

- ماذا عن مرحلة البحث خارج؟ وما هي الآليات المعتمدة بالتدريس؟ وهل هناك امكانية لتطويرها وجعلها شبيهة بإعداد أطروحة الدكتوراه في الجامعات؟ وهل يمكن فتح بحث الخارج لباحثين ومفكرين من خارج الحوزة حتى يتم التلاقح بين الحوزة والجامعة والبحث العلمي؟

نعتمد في تدريس بحث الخارج على المنهج التقليدي المعروف ولا نعدو عنه، كما هو موجود في الحوزات بشكل عام. أما عن امكانية تطوير تدريسه فهي تختلف باختلاف الطلاب وجهودهم. فبعض الأشخاص يكتبون أبحاثاً ومقررات، ولكن ليس لدينا نظام كي يأخذ الطالب شهادة في بحث الخارج كشهادة الدكتوراه في الجامعات. بل نعتمد التقليد القديم، إذا صار الطالب أهلاً وقادراً على استنباط الأدلة يُعرف بالمستقبل ويكون له شأن. وبحث الخارج له شروط، أولها أن ينجز الطالب مرحلة "السطوح"، وأن يكون مستقيماً من الناحيتين الدينية والأخلاقية.أما عن السماح لغير طلاب العلوم الدينية بحضور بحث الخارج، فإن الدرس له حرمة ولا يسمح لأحد من الخارج أن يأتي ليحضر الدرس فيصبح كمحاضرة عامة.

- ما هي مدة الدراسة قبل بحث الخارج عادة؟ ومن هم أساتذة بحث الخارج في الحوزة؟

عندما ينهي الطالب مرحلتي المقدمات والسطوح والتي تتراوح عادة بين سبع وتسع سنوات، يصبح مؤهلاً لدراسة بحث الخارج. وليس هناك أكثر من أستاذ(غير الشيخ حسن رميتي) يدرّس بحث الخارج في حوزة الإمام الرضا(ع).

هل هناك مكتبة شاملة داخل حوزة الإمام الرضا(ع)؟ وهل تقتصر مواضيع الكتب على العلوم الدينية والكتب الشيعية؟

يوجد مكتبة للحوزة، وهي مكتبة كافية للطلاب وكل ما يحتاجه الطالب من الكتب الدينية موجود فيها.

- في رأيكم ألا يحتاج الخطاب الديني إلى تطوير؟

مع الزمن يجب على الإنسان أن يستخدم الأسلوب الذي يقتضيه الزمن الحالي، فكل زمن له حيثياته.

- 19 – هل من كلمة خاصة تودّون توجيهها لطلاب العلوم الدينية خاصة والمؤمنين عامة؟

كنت دائماً أنبه على أن الإنسان الذي سلك مسلك العلوم الدينية قد سلك مسلكاً خطيراً يُسأل عنه. فإما أن يصبح عالماً وإما أن يتوقف عن الدرس إذا لم تكن لديه الرغبة. فهذا هو مسلك ذات الشوكة، مسلك صعب، متعبٌ وحساس، لذا فمن الواجب أن يراعي الأمور التي يجب أن  يلتزم يجب بها رجل الدين. أولاً : أن يراعي الجانب العلمي في كلامه وتبليغه وحديثه، ثم أن يراعي جوانب الحياة مع الناس، في سلوكه الديني وتعامله الأخلاقي، و لا يقوم بأعمال منافية للمروءة  أو أن يسيء للعمامة، وهذه الأمور تحتاج إلى جهد ومشقة وأن يكون عمله خالصاً لله سبحانه وتعالى.

- هل تؤيدون دراسة المرأة للعلوم الدينية في الحوزات؟

لا بأس بدارسة المرأة للعلوم الدينية في الحوزات، فالمرأة تحتاج أيضاً إلى المعرفة وإلى تعلّم الأحكام الشرعية.

نبذة عن آية الله الشيخ حسن رميتي

مولانا لو تتفضلون بإعطائنا نبذة عن حياتكم ودراستكم؟

أنا من بلدة المجادل في جبل عامل(جنوب لبنان)، ومواليد عام 1962م - غرة ربيع أول 1382ه.ـ لم أوفق في لبنان للدراسة بسبب عدم وجود الحوزات القوية. في بادئ الأمر نويت أن أدرس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية سنة 1979.  فحاولت جاهداً السفر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران لكن كانت تأشيرة السفر(الفيزا) صعبة للغاية لعدم وجود أحد يمكن أن يعطيني تعريفاً للسفارة. ولأنني لم أكن من بيئة علمية معروفة  فحاولت جاهداً تحصيل التأشيرة لكنني لم أوفق. بعد ذلك اضطررت للذهاب إلى العاصمة السورية دمشق، وكانت هي المرة الأولى التي أزور فيها الشام ، فالتقيت بسماحة السيد أحمد الواحدي وطلبت منه الإنتساب إلى حوزته فطلب مني تعريف عن هويتي فاضررت عندها النزول في اليوم الثاني إلى بيروت من أجل إحضار تعريف فذهبت إلى أحد الشخصيات الدينية فأعطاني تعريفاً. فبقيت في الشام لنحو سنة وسبعة أشهر لم أذهب خلالها إلى لبنان. بعدها سافرت إلى قم حيث درست فيها لعشرين عاماً من عام 1981 وحتى عام 2001. بعدها آتيت إلى لبنان وعملت في حوزة النبطية مع العلامة الشيخ عبد الحسين صادق حتى سنة 2003 حين أسست حوزة الإمام الرضا(ع).

مولانا، من هم أبرز أساتذتك؟

كان من أبرز أساتذتي في مرحلة البحث الخارج سماحة آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي (رحمه الله) وسماحة أية الله العظمى الشيخ وحيد الخراساني (دام  ظله)، وسماحة آية الله العظمى الشيخ محمد فاضل اللنكراني(رحمه الله)، وسماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الكوكبي(رحمه الله)

-       شكراً سماحة آية الله الشيخ حسن رميتي على تفضلّكم بهذا اللقاء الخاص لموقع "شفقنا".

أهلاً بكم، شرّفتمونا بزيارتكم.