القواعد العسكرية الأميركية وتطويق إيران
د. هيثم مزاحم
في الصورة: هيثم مزاحم خلال تغطية صحافية في البنتاغون.
تحتفظ
القوات الأميركية بنحو 750 قاعدة عسكرية في أكثر من 130 دولة من دول العالم، تتنوّع
مهامها المعلنة
من القيام بالواجبات العسكرية المباشرة أو أعمال الدعم والإسناد اللوجستي أو القيام بعمليات "حفظ السلام"
تحت مظلة الأمم المتحدة. وخلال العقدين الأخيرين، كسبت القوّات لأميركية قواعدَ عسكريّة أكثر من أيّ وقت
مضى في التاريخ.
يقول تشالمرز جونسون، أبرز مؤرّخ عسكري أميركي، في هذا الصّدد:
"إنّ جيشنا ينشر أكثر من نصف مليون جندي وجاسوس وتقني ومعلم وموظّفين ومتعاقدين
مدنيّين في أمم (أو دول) أخرى، من أجل الهيمنة على محيطات العالم وبحارِه، فقد أنشأنا
نحو ثلاث عشرة قوّة بحريّة على متن حاملات الطّائرات التي تحمل أسماء تلخّص إرثنا الحربي..
ندير العديد من القواعد السرّية خارج أراضينا لمراقبة ما تقوم به شعوب العالم، بمن
فيهم مواطنونا، وما يقولونه وما يرسلونه بالفاكس أو البريد الالكتروني إلى بعضهم البعض.
الحرب على الإرهاب ليست أكثر من شعار.. فالولايات المتّحدة ترفعه كي تخفيَ طموحها الإمبريالي.
لكن الحرب على الإرهاب هي في أفضل حالاتها جزءٌ صغير من الأسباب التي تقف وراء كل تخطيطنا
العسكري. فالسّبب الحقيقي لبناء هذه الحلقة من القواعد الأميركية على مدار خطّ الاستواء
هو لتوسيع إمبراطوريّتنا وتعزيز هيمنتنا العسكريّة على العالم".
أما الباحث الكردي عثمان علي فيقول في كتابه "مستقبل
العلاقات الأميركية ــ الكردية: هل تصبح كردستان مستعمرة أميركية؟" الصادر
عام 2009: "إنّ وسائل الإعلام تنقل لنا فقط قصصاً عن هذه الإمبراطوريّة الأميركية
كتلك التي تتحدّث عن تحرير الجنود الأميركيّين للنّساء الأفغانيّات من الأصوليّة الإسلاميّة،
ومساعدتهم لضحايا الكوارث الطبيعيّة في الفلبين، أو حماية البوسنيّين والكوسوفيّين
أو الأكراد العراقيّين من التّطهير العرقي، ولكن ليس الأمر نفسه بالنسبة إلى الرّوانديّين
والأكراد الأتراك والفلسطينيّين الذين يتعرّضون لنفس التّطهير العرقي من حلفاء أميركا".
ويذهب الباحث عثمان علي إلى أنّه "استناداً إلى أداء
الحكومات الأميركيّة في الكثير من البلدان التي تمّ غزوها، فإن الولايات المتّحدة لن
تتخلّى عن أيّ منها من دون الحصول على موطئ قدم دائم فيها. ويذكر مثالاً على ذلك خليج
غوانتانامو في كوبا بعد الانتصار في الحرب الأميركية ــ الإسبانية في العام 1898، وكذلك
مثاليْ ألمانيا واليابان بعد الحرب العالميّة الثانية، والفلبين بعد الغزو الأميركي،
وكوريا بعد الحرب الكورية، والخليج العربي بعد حرب الخليج عام 1991. ففي كلّ واحدة
من هذه المناطق كان ينجم عن الانتصار العسكري الأميركي، إنشاء قواعد أميركية عسكريّة
دائمة ذات أهداف بعيدة المدى".
وكتب الخبير الياباني ماساماتشي س. آينوي يقول: "الجيش
الأميركي هو مؤسّسة عالميّة مرنة، تتكوّن من طبقة من المنظّمات المحليّة والقوميّة
والفوق قوميّة.. فهو يحافظ على قواعد في تسعة وخمسين بلداً على الأقلّ وله قدرةٌ ضخمة
على دخول الحياة المحليّة والـتأثير فيها وحتّى تشكيلها في العديد من زوايا العالم..".
من جهته، عبّر المؤرّخ العسكري الأميركي تشالمرز جونسون عن
مخاوفَ مماثلة من دوافع القواعد الأميركية في الخارج، مؤكّداً أنه مهْما كان السّبب
الأصلي لدخول الولايات المتّحدة إلى بلاد ما وإقامة قاعدة عسكريّة فيها، فإنها تبقى
فيها لأسباب إمبرياليّة استعمارية تتعلّق بالهيمنة الإقليميّة أو الدّولية، ومنع وصول
المنافسين إلى مناطقَ معيّنة، وفتح الطريق للشّركات الأميركية، والحفاظ على الأمن والاستقرار
أو المصداقيّة كقوّة عسكريّة، وقوّة الاستمرار.
وفي عرضه لواقع تجارب القواعد الأميركيّة في اليابان وكوريا
الجنوبية والفيليبين، يذكر الباحث عثمان علي أمثلةً عن المفاسد الناتجة عن هذه القواعد،
"بدءاً من التلوّث البيئي النّاجم عن وجود طائرات ضخمة (بي 52) وأسلحة معيّنة،
إلى ظاهرة الفساد والعلاقات الجنسيّة غير الشّرعية والتي تسفر عن حمل فتيات كثيرات
وإنجابهنّ لأطفال غير شرعيّين وترك الجنود الآباء لأطفالهم وإنكارهم لهم. وفضلاً عن
ظاهرتيْ الاغتصاب ونشر الجنود الأميركيين للمخدّرات، ثمّة ظاهرة سلبيّة أخرى هي كذب
الادّعاء الأميركي بأنّ هذه القواعد ستعزّز الديمقراطية في الدّول المضيفة. ففي هذه
النّماذج الثلاثة، اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين، كانت الولايات المتحدة وقوّاتها
العسكريّة تدعم الحكومات الديكتاتورية في هذه الدول (حكومة جزيرة أوكيناوا الدكتاتورية
في اليابان، حكومة ماركوس في الفلبين، وتعميق الانقسام بين الكوريّتين في كوريا الجنوبية)".
الوجود الأميركي في الشرق الأوسط
في الصورة: خارطة القواعد الأميركية في الشرق الأوسط
نشرت وكالة الصحافة الفرنسية(فرانس برس)، في 18 أيلول/
سبتمبر 2012، تقريراً عن الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط قالت فيه إن
القوات العسكرية الأميركية الخاضعة للقيادة المركزية
في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، قد أعادت انتشارها منذ الانسحاب من العراق نهاية
العام 2011، في ظل توترات متزايدة مع الجمهورية الإسلامية في ايران بسبب الخلاف
حول برنامجها النووي.
وذكرت
الوكالة أن الأميركيين يملكون 180 ألف جندي في المنطقة الخاضعة للقيادة المركزية في
الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، بينهم 71 الفاً في أفغانستان و20 الفاً على متن بوارج حربية،
وذلك بحسب وزارة الدفاع الأميركية(البنتاغون).
وتنقسم
هذه القوات الأميركية إلى قوات بحرية وجوية وبرية. وتتجسد القوات البحرية في
حاملات الطائرات والأساطيل المتواجدة في الخليج وبحر العرب والبحر الأبيض المتوسط.
وحالياً
تبحر حاملة الطائرات الأميركية "يو اس اس ايزنهاور" في المنطقة، وهي حلت
في شمال بحر العرب مكان حاملة الطائرات "يو اس اس ابراهام لينكولن" التي
عادت الى الولايات المتحدة مطلع آب/اغسطس الماضي(2012)، على أن تلتحق بها قريباً حاملة
طائرات أخرى هي "يو اس اس جون ستينيس". ويرافق حاملة الطائرات "يو اس
اس ايزنهاور" طراد ومدمرة بصواريخ مسيّرة عن بعد.
وتنقل "يو.اس.اس بونس"، سفينة النقل البرمائية التي تحوّلت الى حاملة مروحيات، طاقماً معززاً من كاسحات الألغام مهمته الحرص على بقاء مضيق هرمز، مدخل الخليج، مفتوحاً، في مواجهة التهديدات الإيرانية بإغلاقه في حال أي صدام عسكري. وقد تضاعف عدد كاسحات الألغام منذ حزيران/يونيو 2012 لتبلغ ثماني كاسحات.
أما القوات الجوية، فقد نشر
الجيش الأميركي عدداً غير محدد من الطائرات المقاتلة من طراز "اف-"22 في
قاعدة الظفرة في دولة الإمارات العربية المتحدة المقابلة لإيران. وتعتبر هذه الطائرات
"الشبح" التي لم تنشر بعد خارج الولايات المتحدة الأكثر حداثة في الترسانة
الجوية الأميركية، وهي قادرة على بلوغ سرعات تفوق سرعة الصوت.
كذلك
نشرت الولايات المتحدة طائرات من طراز "اف-15 سي" أقدم منها، في قواعد المنطقة
على ما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز". وتحمل كل حاملة طائرات
ستين طائرة.
أما
القواعد الأميركية في دول الخليج العربية فهي على الشكل التالي:
في
الكويت ينتشر
نحو 15 ألف جندي في غريفجان في الكويت، كما تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها أيضا
من قاعدة علي السالم الجوية في الكويت. وقد طلب الجيش الأميركي من الكويت إذناً
لنشر ثلاثة آلاف رجل إضافي بعد انسحابه من العراق لكن لم يتبين بعد اذا حصل عليها.
وفي الكويت توجد
الفرقة الثالثة من المشاة الأميركية "المجوقلة" في "معسكر الدوحة"،
بمعدات متنوعة – دبابات وعربات مدرعة وطائرات هليكوبتر وأكثر من 80 طائرة مقاتلة ووحدات من القوات الخاصة سريعة الانتشار.
في
البحرين، يتخذ الأسطول
الخامس الأميركي من المنامة مقره العام ويسيطر على منطقة تشمل قناة السويس والبحر الأحمر
وبحر العرب والخليج. ويخدم في
هذا المقر الأميركي في المنامة 4200 جندي أميركي، ويضم
حاملة طائرات
أميركية وعدداً من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية وأكثر من 70 مقاتلة، إضافة إلى قاذفات القنابل
والمقاتلات التكتيكية
وطائرات التزوّد بالوقود
المتمركزة في قاعدة الشيخ
عيسى الجوية.
في
دولة الإمارات العربية المتحدة، تنشر الولايات المتحدة طائرات من طراز "اف-22"
في قاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي التي تستعمل أيضاً لمهمات إمدادات ومراقبة واستطلاع،
بحسب الخبراء. وفي القاعدة مستودعات متعددة لأغراض الدعم اللوجيستي، إضافة
إلى ميناءين مهمين يطلان على مياه الخليج العميقة، الأمر الذي يبرز أهميتهما بالنسبة للسفن
العسكرية الكبيرة. كما يشكل ميناء جبل علي في دبي محطة للسفن والبارجات الأميركية
للتزوّد بالوقود والغذاء والاستراحة.
في الصورة: قاعدة أميركية في قطر.
وفي
قطر، هناك قاعدة "العديد" قرب الدوحة، وهي من أحدث ما يكون، بنيت خصيصاً
في نهاية التسعينيات من القرن العشرين لإيواء القوات الجوية الأميركية في حال حصول
نزاع مع إيران وتستعمل في عمليات جوية وإمدادات ويمكنها إيواء 130 طائرة وعشرة آلاف
رجل. وتشتمل قاعدة العديد الجوية على مدرج للطائرات يعد من أطول الممرات في العالم وهو قادر على لاستقبال
أكثر من
100 طائرة على الأرض.
وتعتبر هذه القاعدة
مقراً للمجموعة
319 الاستكشافية الجوية التي تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاعية إضافة لعدد من الدبابات ووحدات الدعم
العسكري وكميات كافية
من العتاد والآلات العسكرية المتقدمة، ما جعل بعض العسكريين يصنفونها أكبر مخزن إستراتيجي للأسلحة الأميركية في المنطقة.
أما
قاعدة السيلية فقد استخدمت في الحرب على أفغانستان حيث بلغ عدد القوات المتواجدة بها
حوال 10,000 جندي، وكانت المركز الرئيسي لإدارة الحرب على العراق عام 2003. تتميز بوجود
مخازن للأسلحة الأميركية هي الأكبر من نوعها. ويبلغ عدد الجنود الأميركيين المتواجدين
بصورة دائمة في القاعدة نحو3000 جندي. تبلغ مساحة القاعدة 1.6 مليون قدم مربع او نحو
37 فداناً من المساحة المخصصة للتخزين، وفيها طرق تصل طولها الى أكثر من عشرة كيلومترات،
وتضم منشآت ومراكز القيادة وثكنات الجنود ومستلزمات المعيشة لهم.
سلطنة
عُمان سمحت للولايات المتحدة باستعمال قواعدها منذ عام 1980 بعد انتصار الثورة الإسلامية
في ايران، وتحركت المقاتلات الأميركية "بي-1" من تلك القواعد خلال الحرب
الأميركية على حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، وفي هذه القواعد يخزن الجيش الأميركي
أيضاً عتاداً.
وتستمد
سلطنة عُمان أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة من حيث موقعها كمركز متعدد المهام لخدمات
دعم الجسر الجوي، وقامت
الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة جوية فيها، تتمركز في ها قاذفات طراز (B1) وطائرات التزوّد بالوقود.
السعودية
كانت
المملكة العربية السعودية تستضيف أحد مراكز قيادة القوات الجوية الأميركية الإقليمية
المهمة، داخل قاعدة الأمير سلطان الجوية في الرياض، وبواقع 5000 جندي تابعين
للجيش وسلاح
الجو الأميركي، وأكثر من 80 مقاتلة أميركية، وقد استخدمت هذه القاعدة في إدارة الطلعات الجوية لمراقبة
حظر الطيران
الذي كان مفروضا على شمال
العراق وجنوبه إبان فترة
العقوبات الدولية على العراق خلال حكم صدام حسين.
كما
كانت القاعدة تعمل مركزاً
للتنسيق بين
عمليات جمع المعلومات والاستطلاع
والاستخبارات الأميركية
في المنطقة. لكن،
منذ أواسط العام 2003، إنتقل نحو 4500 جندي أميركي إلى دولة قطر المجاورة، وبقي
في السعودية نحو
500 جندي أميركي فقط ظلوا متمركزين فيما يعرف بـ"قرية الإسكان"، وأنهت
أميركا وجودها
العسكري في قاعدة الأمير سلطان الجوية في الرياض.
المغرب
حصلت
الولايات المتحدة الأمريكية على موافقة المغرب على استخدام قواتها المسلحة لعدد من
قواعد ومنشآت هذا البلدالعسكرية. فالمعاهدة الموقعة مع مراكش في أيار عام 1982 سمحت
لواشنطن بنقل قوات الانتشار السريع عبر هذا البلد والقيام بتزويد الطائرات الأميركية بالوقود واستخدام القواعد
والمنشآت المحلية لإجراء
التدريبات والمناورات. وتملك الولايات المتحدة نقطة اتصال للقوات البحرية في "سيدي يحيا" (80 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة الرباط) لخدمة الصواريخ المضادة
للسفن في منطقة المحيط الأطلسي
والبحر
الأبيض المتوسط. كما يملك الأميركيون مراكز تدريب عسكرية في قينيطرا وبوكاديلي.
وأعلنت الحكومة المغربية
رسمياً أن القواعد الثلاثة المذكورة تعتبر قواعد “تدريب” للقوات المغربية المسلحة.
أما
في جيبوتي، فمنذ
بدأت القوات الأميركية منذ بداية سنة 2002 بالتمركز في قاعدة "ليمونيه"،
وقد بلغ عددها 900 جندي، وإن كانت بعض التقديرات الأفريقية تقدر عددها بـ1900 جندي.
كثيرة
هي القواعد الأميركية الموجودة في وسط آسيا وأبرزها قواعد: باغرام، قندهار، وخوست،
لورا، مزار شريف، وبولي في أفغانستان. والقواعد الأخرى الموجودة في تركيا(أضنة)
وقبرص وفلسطين المحتلة وطاجكستان وتركمنستان وأوزبكستان وجورجيا، فضلاً عن قاعدة دييغو
غارسيا في المحيط الهادي بالمشاركة مع القوات البريطانية، والقواعد الأميركية في
اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين وفي أفريقيا وأوروبا.
صورة حصرية للسفارة الأميركية في بغداد من الداخل.
السفارة
الأميركية في العراق.. قاعدة عسكرية؟
قبل
الانسحاب الأميركي في نهاية عام 2011، كان في العراق عدد كبير من القواعد العسكرية
الأميركية قدّرها بعض
الخبراء العسكريين بنحو 75 قاعدة، كان معظمها يعود للمواقع العسكرية العراقية
التابعة للنظام السابق التي احتلتها القوات الأميركية أثناء عملية الغزو.
كما كانت القوات الأميركية تستخدم أربعة مطارات في العراق وهي مطار بغداد الدولي، والطليل
في جنوب العراق قرب الناصرية،
ومهبط للطائرات في غرب العراق قرب الحدود الأردنية ويسمى H1 ومطار باشور في شمال العراق
في إقليم كردستان.
ووصل
عدد القوات الأميركية في العراق قبل الانسحاب في نهاية 2011 إلى أكثر من 140 الف عسكري، كان يدعمهم عدد كبير من القطع البحرية المرابطة في الخليج ودول الجوار.
أعلنت
الولايات المتحدة عن سحب قواتها من العراق بحلول نهاية 2011، لكنها أبقت على 17
ألف بين موظف وعسكري ومتعاقد أميركيين في سفارتها في العاصمة العراقية بغداد، وهي
أكبر سفارة في العالم، وكان يفترض أن يصل عدد موظفيها الكلي الى عشرين الفاً بحسب ما
جاء في تصريح للمتحدث الرسمي باسم السفارة الأميركية في بغداد ديفيد رانز، حيث ذكر
أن الكونغرس الأميركي يدرس مقترح لزيادة عدد العاملين في السفارة الى 20 ألف موظف بحلول
العام 2012. وأوضح أن السبب الرئيسي لوجود هذا العدد الكبير من الموظفين سيكون لقيامهم
بعدد من برامج التطوير والتدريب للكوادر العراقية المدنية منها والعسكرية.
في الصورة: وزارة الدفاع الأميركية- البنتاغون.
ضخامة
هذا العدد أعادني بالذاكرة إلى أيار/مايو من العام 2003 بعد نحو شهرين من غزو
العراق، حيث كنت في تغطية صحافية في مقر وزارة الدفاع الأميركية
"البنتاغون" قرب العاصمة واشنطن، حيث حضرت مؤتمراً صحافياً لوزير الدفاع
أنذاك دونالد رامسفيلد، ثم أجريت مقابلة مع متحدث باسم البنتاغون". بعد
المقابلة، رافقني المتحدث بجولة سريعة في بعض أروقة الوزارة. والجدير ذكره أن مقر
البنتاغون، على غرار البيت الأبيض والكثير من الوزارات والمؤسسات الأميركية، مفتوح
للزوار والسيّاح ينظم إليه جولات سياحية(Tours).
خلال الجولة القصيرة، سألت المتحدث الأميركي عن عدد الموظفين في هذا المبنى الضخم،
فأجابني أنه نحو 24 ألف موظف بين عسكري ومدني. تفاجأت بالرقم كونه يعادل عديد جيش
دولة صغيرة في العالم العربي أو يفوقه، أي ضعف الجيش البحريني ونحو ثلاثة أضعاف
الجيش القطري.
بعد التفكير بالأمر، وجدت الرقم منطقياً بالنسبة للدولة
الأعظم في العالم، الذي يضم جيشها نحو مليون ونصف المليون عسكري في الخدمة ونحو
850 ألف عسكري إحتياطي. فإدارة هذا العدد الضخم من العسكريين، يتطلب عدداً كبيراً
من الموظفين والضباط والإداريين، فضلاً عن المهام التي يقوم فيها "البنتاغون"
من الإدارة والتخطيط والتنسيق والإعلام والعلاقات العامة والرصد والتجسس والأبحاث والدعم
اللوجستي للقوات الأميركية المنتشرة في جميع القارات والمحيطات والبحار.
لكن التفكير بعدد موظفي السفارة الأميركية في العراق
الذي يقترب كثيراً من عدد موظفي البنتاغون يظهر أن هذه السفارة هي "بنتاغون
مصغّر" أو أكبر قاعدة أميركية في المنطقة.
صورة حصرية للسفارة الأميركية في بغداد.
يقول
السفير الهندي السابق في العراق رانجيت سينغ إنه برغم انسحاب القوات
الأميركية المعلن من العراق، إلا أن واشنطن قد أعدّت للسيطرة على احتياطيات البلاد
من النفط في أي وقت. فبعدما أنفقت الولايات المتحدة ثلاثة تريليونات دولار في العراق،
فلا يمكنها على الإطلاق التخلي عن احتياطيات النفط الوفيرة ذات الجودة العالية جداً.
ويشير أنه لمواجهة التطورات السلبية سيكون للولايات المتحدة نحو 20 ألف عسكري في سفارتها
في بغداد، كما سيكون في كل قنصلية من القنصليات الثلاث في البصرة، وكركوك وإقليم كردستان
ألف عسكري.
ورأى
السفير الهندي السابق أن القوات الأميركية بعد انسحابها سوف لن تذهب بعيداً عن العراق
وسيتم إعادة نشر بعضها في دولة الكويت المجاورة، بحيث يمكن للأميركيين دائماً العودة
لأنه سيتم الإبقاء على القواعد العسكرية سليمة، مع بقاء 20 ألف موظف وعسكري في
السفارة. وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد جعلت العراق من دون سلاح جوي ما يعني
أن الأجواء العراقية ستبقى تحت السيطرة الأميركية، ما يعني أنها تسيطر على هذه
الأجواء وتمنع الآخرين من دخولها.
القواعد
الأميركية وتطويق إيران
في
تقرير للصحافي بن بيفن نشر في موقع الجزيرة بالإنجليزية في الأول من أيار/ مايو
2012، إعتبر التقرير أن القواعد العسكرية الأميركية لا تزال تشكّل طوقاً
إستراتيجياً على إيران، على الرغم من أن الانسحاب الأميركي من العراق في نهاية عام
2011 قد غيّر نوعاً ما في التوازن الإقليمي لصالح إيران. وأوضح التقرير أنه بينما تقلّص
القوات الأميركية وجودها في أجزاء كثيرة من العالم بسبب التخفيضات في الموازنة، حيث
بدأت الخفض التدريجي لقواتها من أفغانستان إلى أن ينتهي الانحساب الكامل بحلول عام
2014، فإن الوجود الدولي لهذه القوات لا يزال واسعاً. فمن أصل 1.4 مليون عسكري
هم في الخدمة الفعلية، نشرت الولايات المتحدة 350 ألفاً من قواتها العسكرية في ما لا
يقل عن 130 دول أجنبية في جميع أنحاء العالم، إذ يوجد أكثر من 750 قاعدة دولية، بعضها
تعود إلى حقبة الحرب الباردة، ولكن الكثير منها تقع في مناطق القتال في الشرق الأوسط
أو بالقرب منها، إضافة إلى المتعاقدين من القطاع الخاص والجنود الاحتياط والموظفين
المدنيين الذين يعملون في وزارة الدفاع الأميركية.
ويشير
التقرير إلى أن المنشآت العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط تعمل على إبقاء العين على
إيران. يقول مهران كامرافا، مدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية في جامعة جورج تاون
- كلية الشؤون الدولية في قطر: كانت هناك ثلاثة أسباب لسعي الولايات المتحدة لتأمين
وجود عسكري لها في جميع أنحاء الشرق الأوسط قبل حرب الخليج الأولى، وهي "تأمين
مصادر النفط، وضمان أمن دولة إسرائيل، ومكافحة التهديدات للمصالح الأميركية. وفي وقت لاحق، أصبح الوجود
العسكري المباشر لا على شكل إملاءات، ولكن كمظلة أمنية وبقرارات سياسة واعية من جانب
دول الخليج" العربية.
ويضيف
كامرافا: "لذا، فإن هذه القواعد ليست بالضرورة بسبب إيران، ولكن إيران أعطت الولايات
المتحدة سبباً مقنعاً لتعزيز عدد هذه القواعد"، فلا يجب أن تكون عالم صواريخ كي
تدرك أن إيران مطوّقة عسكرياً".
قبل
11 أيلول/ سبتمبر 2001، كانت معظم القوات العسكرية الأميركية في الخارج تتمركز في أوروبا
وشرق آسيا. ولكن ارتفع عدد عمليات الانتشار في الشرق الأوسط بشكل كبير خلال الحملات
العسكرية الأميركية اللاحقة في أفغانستان والعراق.
في
عام 2002، قال الأميرال كريغ كويغلي، المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) في تامبا، فلوريدا:
"هناك قيمة كبيرة في مواصلة بناء المطارات في مجموعة متنوعة من المواقع في محيط
أفغانستان، لأنه مع مرور الوقت، يمكن أن تقوم بمجموعة متنوّعة من الوظائف، مثل العمليات
القتالية، والإخلاء الطبي وتقديم المساعدات الإنسانية".
ووفقاً
للأرقام الجديدة الواردة من القيادة المركزية الأميركية لقناة الجزيرة في 30 نيسان
أبريل 2011، فإن هناك نحو 125 ألف جندي أميركي على مقربة من إيران، 90 الفاً في أفغانستان وحولها، ونحو عشرين ألفاً منتشرين
في عدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، وبين 15- 20 ألفاً موّزعين على السفن البحرية
الأميركية في المنطقة.
في الصورة: وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا
وكان وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا قد أعلن حينها أن الولايات المتحدة سوف يكون لها 40 ألف عسكري في الخليج بعد الانسحاب من العراق. لكن العدد الدقيق لهذه القوات وموقعها ومهمتها يكاد يكون من المستحيل تحديدها. وفي منتصف أيلول سبتمبر 2012، أكد بانيتا أن الجيش الأميركي ليست لديه أية خطط لتعزيز قواته في الشرق الأوسط برغم الاحتجاجات العنيفة التي استهدفت البعثات الدبلوماسية الأميركية في عدد من الدول العربية، بسبب الفيلم المسيء للرسول محمد(ص). وقال بانيتا: "لدينا وجود كبير في المنطقة".
وقال
أوسكار سيارا، ضابط الشؤون العامة في القيادة المركزية الأميركية، في رسالة البريد
الالكتروني لقناة الجزيرة: "نحن مضطرون لاحترام الرغبات المعلنة من مختلف البلدان
المضيفة، الذين طلبوا أن لا نعترف بتفاصيل أي وجود أميركي على أراضيها السيادية"،
بسبب حساسية هذه الدول الشريكة.
إذاً،
تتمتع القوات الأميركية من سلاح جو وبحرية ومشاة البحرية بوجود في سلطنة عمان والإمارات
العربية المتحدة إلى الجنوب من إيران، وتركيا وإسرائيل إلى الغرب، وتركمانستان وقيرغيزستان
في الشمال، وأفغانستان وباكستان في الشرق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن للولايات المتحدة
شراكات وثيقة عسكرية مع جورجيا وأذربيجان في منطقة القوقاز، حيث تشارك القوات الأميركية
في مهمات تدريبية، تستخدم فيها المرافق المحلية في نقل الإمدادات عبر بحر قزوين نحو
أفغانستان.
أصبحت
دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وطاجيكستان عندما أغلقت باكستان طرق إمداد حلف شمال
الأطلسي في أفغانستان، أكثر أهمية لشحن البضائع إلى منطقة الصراع في الجنوب. كما بدأت
الولايات المتحدة بشكل مباشر تتنافس مع روسيا والصين على النفوذ الإقليمي.
وفي
حين شهد عام 2012 بوضوح الحشود العسكرية الأميركية في الخليج، وخاصة زيادة في حجم القوة
القتالية الاحتياطية في الكويت، إلا أن تحركات هذه القوات تحاط بالسرية التامة. يقول
مسؤولون أميركيون إن الهدف من زيادة القوات في الخليج كي تكون بمثابة "رد فعل
سريع وقوة طوارئ"، وليس مقدمة لحرب.
كما
أعلنت البحرية الأميركية في صيف 2012 عن إطلاق "القاعدة العائمة الأم" يرجّح
أن يتم نشرها في منطقة الخليج. ومن المقرر تحويلها إلى سفينة حربية "يو اس اس
بونس" لاستخدامها من قبل القوات البحرية في مهمات مكافحة القرصنة وعملية احتواء
إيران. وبينما تتحرك حاملات الطائرات بانتظام في جميع أنحاء الخليج، فإن هذه السفينة
العائمة الجديدة ستكون قادرة على البقاء في المكان نفسه لأسابيع عدة.
في الصورة: بارجة أميركية في مياه الخليج.
وهناك بارجتان حربيتان حاملتا طائرات تعملان في الأسطول الخامس الأمريكي، حاملة الطائرات "إنتربرايز (CVN 65)" التي تعمل في بحر العرب، لدعم عملية "الحرية الدائمة" في أفغانستان، وحاملة الطائرات "ابراهام لينكولن (CVN 72)" التي تجري عمليات الأمن البحري في الخليج. وهناك نحو 16 الف عسكري في عرض البحر على متن سفن البحرية الأميركية
فرنسا
لديها هي الأخرى حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، "شارل دي غول"، الذي
أفادت التقارير بأنها توجهت إلى الخليج في فبراير شباط الماضي. وكانت فرنسا قد أقامت في عام
2009 محطة بحرية جوية في أبو ظبي.
وعلى
الرغم من أن المنشآت الأميركية في تركيا، وإسرائيل، وجيبوتي، ودييغو غارسيا ليست ضمن
نطاق مسؤولية القيادة المركزية الأميركية، لكن يمكن أن تستخدم أيضاً في حالة وجود أي
صدام مع إيران.
وفي
منتصف يوليو/ تموز الماضي، أفادت أنباء عن نية أميركية لتحريك حاملة طائرات إضافية
من ميناء نورفولك العسكري في ولاية فيرجينيا باتجاه الخليج لتصبح الثالثة من نوعها
والثانية التي تتوجه الى المنطقة في أقل من ثلاثة أشهر، بعد حاملة الطائرات "ابراهام
لينكولن" في ابريل الماضي. وذكرت المصادر أن حاملات الطائرات الثلاث، تحمل كل
واحدة منها أكثر من 60 طائرة مقاتلة، إضافة الى عشرات السفن المرافقة من مدمرات وفرقاطات
وكاسحات ألغام، مما جعل بعض المراقبين يتوقعون أنه استعداد أميركي لحرب ضد إيران.
في الصورة: العميد أمير حاجي زادة
قائد "القوات الجو – فضائية" في الحرس الثوري الإيراني العميد أمير حاجي زادة قد حذر قبل يومين أنه اذا اندلعت حرب في المنطقة فربما تتطور الى حرب عالمية ثالثة وأن بلاده ستستهدف القواعد الاميركية في الدول المحيطة بها. وهدد بأن بلاده تعتبر القواعد الأميركية في المنطقة "جزءاً من الأراضي الأميركية وليست أراضي قطرية أو بحرينية او أفغانية وعند وقوع أية حرب سندك جميع تلك القواعد". وأضاف: "إننا نری أمیرکا والكیان الصهیوني في خانة واحدة ولا یمكن أن نتصور بأن کیان العدو سيخوض مثل هذه الحرب دون إسناد أميركي.. في حال بروز مثل هذه الظروف فستقع حوادث لا يمكن السيطرة عليها وادارتها ومن الممكن ان تتحول هذه الحرب الى حرب عالمية ثالثة".
Comments
Post a Comment