هيثم مزاحم: ثورات الربيع العربى مستمرة والفائز الأكبر بها هم الإسلاميون


حوار أبو الحسن طلعت - نشر في موقع حقوق دوت كوم يوم السبت  2012/10/13 

قال هيثم مزاحم الباحث والصحفى والكاتب اللبناني المتخصص بالشئون الإسلامية فى تصريحات خاصة لموقع " حقوق دوت كوم " إن التحولات السياسية في المنطقة العربية بعد نجاح عدد من ثورات "الربيع العربي" تعد تاريخية ومفصلية ليس للعرب وحدهم فقط، وإنما للعالم بأكمله، مرجعاً ذلك لسببين أولهما هو أن المتغيرات الكبرى التي حدثت في العالم العربي والتي لا تزال تحدث، من قبيل تغيير بعض النظم السياسية، ستلقي بظلالها وتأثيراتها على أجزاء كثيرة من العالم، خصوصاً الدول التي تتشابك مصالحها الاقتصادية والسياسية بشكل مباشر مع مصالح هذه المنطقة العربية الحيوية والمهمة استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وجغرافياً نظرا لتنوّع مواردها الاقتصادية، واحتوائها على كميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي. كما أنها تمثل رابطاً بين قارات العالم، مما ينعكس تأثيرها إيجابا أو سلبا على الاقتصاد العالمي وطرق التجارة العالمية، إضافة إلى كون المنطقة العربية تشرف على ثلاث بحار مهمة هي البحر الأحمر والمتوسط والخليج العربي، التي تلعب دوراً كبيراً على الصعيدين التجاري والاقتصادي العالمي.


وأشار "مزاحم" أن السبب الثانى يرجع لأن هذه الأحداث والمتغيرات في المنطقة العربية، هي أحداث إستراتيجية كبرى وليست أحداثاً عادية وهامشية، مما سيكون لها تداعيات كبيرة، حاضرا ومستقبلاً، فسقوط أربعة أنظمة عربية بسبب الثورات الشعبية في خلال عام واحد تقريباً خلف وراءه الكثير من من المتغيرات وألقى بعض الشكوك حول المستقبل المجهول، أبرزها إمكانية إقامة أنظمة سياسية جديدة في هذه البلدان، تؤمن بالتعددية والحرية والشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة، خصوصاً أن الإسلاميين هم الذين يتصدرون المشهد السياسي ويتولون الحكم في ثلاثة من هذه الدول. ولا شك أن ذلك سيؤثر على المشهد السياسي العربي بأكمله، والتي سيصلها "الربيع العربي" وإن تأخر.
وأشار "مزاحم" أنه لا شك أن الحركات الإسلامية هي الفائز الأكبر في الثورات العربية. فقد أسقطت هذه الثورات تلك الأنظمة الاستبدادية التي أقصت وهمشت وقمعت الحركات الإسلامية. لكن هذه الحركات سوف تواجه تحديات واستحقاقات جدية ومعقدة وحالها في الحكم ليست كحالها كما في المعارضة، فهي عرضة للمحاسبة من الجماهير في صناديق الاقتراع وربما في الشارع في المستقبل، إن لم تلبِ مطالبها وطومحاتها، حتى تكتمل أهداف الثورة. ربما ينجح الإسلاميون في إحداث بعض التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول، وخصوصاً في وقف الهدر والفساد ومحاسبة الفاسدين والسارقين، ولكن عليهم أيضاً وضع خطط وحلول ناجعة للمشكلات الاقتصادية المزمنة، وخصوصاً البطالة وبطء التنمية


كما على الإسلاميين أن يثبتوا أنهم مؤمنون بتداول السلطة وباحترام الحريات الدينية والسياسية والفطرية والتنوّع والتعددية داخل المجتمعات، وقبول الآخر المختلف وعدم اعتماد أساليب القمع والترهيب والتكفير، واحتواء الحركات المتطرفة والإرهابية.
وعلى الحركات الإسلامية تطوير خطابها الفكري والأيديولوجي والانفتاح على غيرها من التيارات والرؤى والأفكار الأخرى، للمشاركة والتشاور والتعلّم من الآخرين، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة.
والتحدي الآخر هو مدى قدرة الإسلاميين في دول الربيع العربي على صياغة علاقة جديدة مع الغرب والولايات المتحدة، لا تكون علاقة تبعية ولا تتبنى سياسات تعترف بإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته ودولته المنتظرة، بحيث تتخلى هذه الحركات عن شعاراتها السابقة، بإسم الواقعية السياسية والتدرّج.
وأضاف إن العامل الخارجي موجود في الثورات العربية. فالولايات المتحدة رفضت أن تقف موقف المتفرج وأرادت أن تشارك في إعادة تشكيل أو إعادة رسم المنطقة. وبرغم إدراكنا أن الثورات العربية حركتها أسباب وعوامل عدة أبرزها الاستبداد والفساد والقمع والظلم والفشل للأنظمة العربية الحاكمة، والرغبة الحقيقية في التغيير والإصلاح لدى معظم شرائح المجتمع، إلا أن الغرب وتحديداً الولايات المتحدة قد سارعت إلى احتواء هذه الثورات، ومحاولة التفاهم مع أبرز قواها وترويضها أو تكييفها مع سياساتها، وتوجيهها لخدمة هذه السياسات. وهناك من يرى أن الثورات العربية هي تعبير شديد الوضوح عن الفوضى الخلاقة التي دعت إليها "كونداليزا رايس" سابقاً لولادة "شرق أوسط جديد"، وأن الربيع العربي ما هو إلا تنفيذ لمخطط أميركي بعدما سئمت واشنطن من تلك الوجوه التي ظلت تعمل لصالحها على مدار عشرات السنوات وأرادت أن تغيّرها بنفسها وتضمن ولاء هذه الدول لها وتضمن مصالحها فيها، وخصوصاً النفط وأمن إسرائيل، إلى محاولتها إضعاف أو القضاء على الأنظمة الممانعة لها، كسوريا والسودان، وربما المزيد من تقسيم الدول العربية إلى دول طائفية وعرقية.
وأوضح "مزاحم" أن الثورات العربية أحدثت حراكاً إقليمياً جديداً لم ينته بعد. وفي ظل حالة الضبابية السائدة، من الصعب التكهن بالمدى الذي سيصل إليه هذا الحراك، وكذا طبيعة المعادلات الإقليمية الناشئة عنه، والتي ربما تفضي إلى عالم مختلف في الشرق الأوسط، أي إقليمية جديدة من نوع ما. كما كشفت الثورات عن ظهور فاعلين أقوياء جدد من الدول ومن غير الدول، ومنها الدور الإثيوبي القادم من الجنوب، الذي يمكن أن يهدد الأمن القومي لكل من مصر والسودان، خاصة في ملف المياه، وملفات أخرى. كما أن تركيا تلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً في الأزمة السورية من خلال دعم المعارضة المسلحة السورية وإمدادها بالسلاح وتسهيل دخول المقاتلين إليها فيما تصر إيران على منع سقوط النظام السوري خشية حصول انقلاب استراتيجي في موازين القوى في المنطقة وخسارة محور "الممانعة والمقاومة" لحلقة استراتيجية أساسية.


وعن زيارة الرئيس "محمد مرسى" لإيران قال مزاحم أن آثار خطاب الرئيس المصري محمد مرسي في مؤتمر قمة دول عدم الانحياز في طهران ردود فعل واسعة النطاق بعدما انتقد فيه النظام السوري، وما يجب التوقف عنده، هو أن مصر وإيران دولتان ذات تأثير إقليمي، لكل منهما أهدافها ورؤيتها الخاصة لتحقيق مصالحها، وقد تتفق هذه الرؤى في بعض زواياها وقد تختلف، وعلى هذا الأساس تتشكل طبيعة العلاقات الثنائية بين الدولتين. لكن الدولتين في حال تفاهمهما وتحالفهما سيشكلان قوة إسلامية يمكنهما دعم القضية الفلسطينية وردع العدوان الإسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة وأي دولة عربية أخرى. كما يمكن لهذا التحالف المصري – الإيراني إن تم أن يقف في وجه التفرد الأميركي في المنطقة. أما كيف يكون موقف مصر في حال تعرضت إيران لهجوم إسرائيلي، فمن الطبيعي أن تعارض مصر أي هجوم على دولة عربية أو إسلامية وقد تتخذ موقفاً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أو تجميدها. لكنها لن تقوم بأي خطوات عسكرية أو تنفيذية ضد إسرائيل بسبب ذلك.


وعن الأزمة السورية أشار "مزاحم" أن النظام السوري برئاسة الرئيس الراحل حافظ الأسد كان من أول المؤيدين للثورة الإسلامية في إيران بعد إسقاطها لحكم الشاه محمد رضا بهلوي، حليف أمريكا وإسرائيل، عام 1979 ومن ثم دعم إيران في الحرب التي شنّها ضدها النظام العراقي برئاسة صدام حسين آنذاك. كما لعب النظام السوري دوراً بارزاً في توفير الدعم السياسي واللوجيستي لمقاومة حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان حتى إنجاز التحرير عام 2000 وصولاً إلى حرب تموز 2006. كل هذا يعتبره حزب الله وإيران جميلاً للنظام السوري لا يمكن التنكّر له. كما أن إيران وحزب الله يخشيان من وصول قيادة جديدة إلى سوريا تكون معادية لهما وتكون حاجزاً يمنع تواصلهما البري. وهنا قد يلعب البعد المذهبي دوراً في هذه العلاقة كون الرئيس السوري بشار الأسد علوياً وكون وإيران وحزب الله من الشيعة، والمسألة هنا تبدو أكثر تعقيداً من البعد المذهبي، لجملة من الأسباب: أولاً: لأن النظام السوري البعثي علماني. وثانياً: لأن العلويين في سوريا ليسوا شيعة بالمعني المذهبي والفقهي بل هم طائفة مستقلة في العقائد والتشريع. وثالثاً: الأمر ذو بعد استراتيجي يتصل بالصراع بين محور المقاومة والممانعة الممتد من إيران فالعراق فسوريا إلى لبنان وقطاع غزة ضد المحور الإسرائيلي – الأمريكي وحلفائه من الأنظمة العربية. وترى إيران وحزب الله أن أمريكا وإسرائيل والغرب وبعض الأنظمة العربية كقطر والسعودية يريدون إسقاط النظام السوري لضرب المقاومة في لبنان وغزة وإضعاف إيران. هذا الموقف أفقد إيران وحزب الله بعض شعبيتهما في العالم العربي، وخصوصا لدى أهل السنة، وذلك بسبب التحريض المذهبي الذي تقوم به بعض الجهات العربية وفضائياتها ضد سوريا وإيران وحزب الله. كما كان يفترض بحزب الله أن يكون له موقف وسطي في الأزمة السورية، أي أن يقف على الحياد أو يلعب دور الوسيط بين النظام والمعارضة. وهو ما تحاول أن تلعبه إيران وحزب الله مؤخراً.


وحول الفيلم المسئ للرسول أكد "مزاحم" أنه بناء على أن مصر تعتبر حجر الزاوية في علاقات أمريكا بالعالمين العربي والإسلامي، فإن التوتر الحالي بين القاهرة وواشنطن بسبب الفيلم المسيء للإسلام والمسلمين وما ترتب عليه من هجوم المتظاهرين على السفارة الأمريكية في القاهرة، ومحاولتهم اقتحامها في إطار غضب عربي وإسلامي عارم، يشكل اختباراً حقيقياً لمدى حسن نية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، تجاه مصر الجديدة بقيادة الرئيس محمد مرسي، الذي تقف خلفه جماعة الإخوان المسلمين.
ويبدو أن جهود إدارة أوباما لبناء علاقات رصينة مع حكومة الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي، تواجه أول اختبار حقيقي لها على ضوء الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأمريكية في عدد من الدول العربية، ومقتل السفير الأميركي في بنغازي في ليبيا، والمشكلة الكبرى هي تأثير الأحداث المتسمة بالفوضى في العلاقات بين واشنطن والدول العربية. لكن أهمية العلاقات المصرية - الأمريكية تعود إلى الوزن السياسي لمصر في الشرق الأوسط وأهميتها، وتمتد لتشمل اعتبار مصر نموذجاً لكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الأحزاب السياسية الإسلامية المنتخبة بعد "الربيع العربي". وجاء كلام أوباما واضحاً وصريحاً من خلال تصريحه أنه "إذا كنا لا نعتبر مصر حليفة لنا، فإننا في الوقت نفسه لا نعتبرها عدوة". وهو ما يدل على حدوث شرخ ما في العلاقة الإستراتيجية مع مصر ودورها في المنطقة.


وعن ثورات الربيع العربى أشار "مزاحم" أن ثوراتنا العربية لم تنته بعد، ومازالت مستمرة، فمازال أمام دول ثورات الربيع العربي العديد من الملفات السياسية والاقتصادية المفتوحة، فضلاً، عن ضرورة صياغة أدوات وآليات جديدة للتعامل مع الملفات الخارجية، وصياغة سياسة خارجية جديدة، بعيداً عن سياسة الضغوط والإملاءات الخارجية التي كانت سمة بارزة في العهود السابقة. وهنا يتفق الجميع على أن الثورة هي من أجل الحرية، والحرية تعني التحلل من القيود، قيود الحاجة والعوز والفقر، وقيود الاستبداد الاجتماعي ـ الاقتصادي. والتحرر من الطغيان يعني التحرر السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي معاً. وذلك يتطلب، فوق كل شيء وقبل كل شيء، التحرّر من طغيان الأفكار القديمة، بلغتها المهيمنة على عقولنا لفترات طويلة، وهنا تستدعي الثورة على الحكام ثورة في الوعي بأنفسنا، كي نستطيع مواكبة ما يحدث. فإذا ما أدركنا هذه الغاية نكون قد نجحنا في النهوض ببلادنا عالمياً.

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم

آية الله الشيخ حسن رميتي: نؤيد التخصص في الدراسة الحوزوية