الضربة الإسرائيلية للسودان.. رسالة إلى إيران أم مصر أو لبنان؟
بقلم : د. هيثم مزاحم
أقرّ الكيان الإسرائيلي ضمناً بمسؤوليته عن القصف الجوي الذي استهدف مجمعاً للذخيرة والصناعات العسكرية في جنوب العاصمة السودانية الخرطوم في فجر يوم الأربعاء 24 أكتوبر 2012.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد رفضت التعقيب على اتهام السودان لها رسمياً بقصف مجمع اليرموك للتصنيع العسكري، الذي نفذته أربع مقاتلات إسرائيلية اخترقت المجال الجوي السوداني مساء الأربعاء الماضي. وزير الجيش الإسرائيلي ايهود باراك قال رداً على سؤال للتلفزيون الإسرائيلي عن الاتهامات السودانية: "لا يوجد شيء يمكن أن اقوله عن هذا الموضوع".
وعادة إذا لم تنفِ إسرائيل مسؤوليتها عن عمل عدواني ما أو لم تتبنّه، فهذا يعني أنها المسؤولة عنه ولكن تتحفظ عن الإقرار الرسمي، لما في ذلك من عواقب قانونية دولية أو انتقامية. هو الأسلوب نفسه الذي اعتمدته في اغتيال القائد العسكري والأمني في حزب الله عماد مغنية. لم تتبنّ ولم تنفِ!
لكن الإقرار الإسرائيلي قد جاء ضمناً من خلال كلام لرئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد، معلقاً على الاتهام السوداني بالقول: "نحتاج الى بعض الوقت لنعرف ماذا حدث بالضبط.. سلاح الطيران الاسرائيلي الذي يعد واحداً من الأكثر عراقة في العالم اثبت جدارته مرات عدة في الماضي.. هناك روايات عدة من الجانب السوداني لذلك ليس هناك سبب للدخول في التفاصيل".
وبرّر جلعاد بقوله إن "السودان دولة إرهابية خطيرة لطالما كانت قاعدة عملياتية لزعيم تنظيم القاعدة الإرهابي سابقاً أسامة بن لادن، وأراضيه تشكّل نقطة عبور من خلال مصر لنقل أسلحة إيرانية إلى إرهابيي حماس والجهاد الإسلامي عن طريق الأراضي المصرية"، على حد تعبيره. كما وصف جلعاد الرئيس السوداني عمر حسن البشير بـ"مجرم حرب" ونظامه بـ"المدعوم إيرانياً".
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية زعمت أن هناك معلومات دقيقة وصلت إلى إسرائيل منذ أيام، "تفيد بإنتاج مصنع اليرموك (السوداني) لبعض من المعدات العسكرية التي من الممكن أن تصل إلى الفصائل الفلسطينية، والتي من الممكن أن تستخدمها هذه الفصائل لضرب إسرائيل"، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى القيام بالمبادرة وضرب هذا المعسكر باعتباره أحد أهم مراكز تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية.
المحلل العسكري الإسرائيلي يوآف ليمور في صحيفة "يسرائيل هيوم" كشف من جهته أن "معظم ما تنشره وسائل الإعلام الأجنبية بشأن ضلوع إسرائيل في شن هجمات على منشآت عسكرية أو على قوافل لتهريب الأسلحة صحيح"، زاعماً أن السودان يشكل مخزناً لأسلحة كثيرة، ونقطة عبور للأسلحة والوسائل القتالية الإيرانية إلى كل من لبنان وقطاع غزة، وأن الهدف من هذا العدوان هو "تعزيز قوة الردع" الإسرائيلية.
أما المحلل والخبير الإستراتيجي رون بن يشاي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فكشف أن تدمير مجمع "اليرموك" السوداني هو "بروفة" - أي تجربة - إسرائيلية، لضرب منشآت إيران النووية، في حال كان الطيران الإسرائيلي هو من نفذ هذا الهجوم بالفعل. وقال بن يشاي: "إنه بالاعتماد كما هي الحال دائماً في مثل هذه الحالات على خطاب متسائل غير يقيني، فإن أوجه الشبه بين الموقع السوداني الذي استهدفه الهجوم مع إشارة إلى عدد الطائرات الهجومية الإسرائيلية، وبين الأهداف الإستراتيجية التي قد تستهدفها عملية عسكرية إسرائيلية فى إيران، تشير إلى اعتبار قصف الموقع السوداني، بمثابة "بروفة" إسرائيلية تمهيدية للعملية المحتملة ضد إيران".
وزعم بن يشاي أن المصنع السوداني ينتج قذائف وصواريخ مختلفة وأسلحة خفيفة، وقد أقيم بمساعدة إيرانية قبل نحو أربع سنوات، كجزء من آفاق التعاون بين الدولتين. وربط " بين مصانع "اليرموك" في السودان وبين مصلحة النظامين فى إيران والخرطوم، بدعم حركة حماس في قطاع غزة ومدّها بالسلاح عبر الأراضي المصرية، ، معتبرا أن السودان جنى من وراء هذا المصنع أموالا هائلة إلى جانب السلاح الذي استخدمه لاحتياجاته الخاصة، فيما قصّر الإيرانيون عبر هذا المصنع مسار رحلة نقل السلاح إلى حماس في قطاع غزة، وإلى حزب الله في لبنان، وربما إلى سوريا أيضاً، كما أنهم قللوا بهذه الطريقة من خطر تعرض قافلات السلاح للقصف الإسرائيلي، على حد قوله.
لكن ما هي الرسالة الإسرائيلية من هذا الهجوم؟ وهل هي موجّهة إلى السودان أو إيران أو كليهما؟
محلل الشؤون العربية في التلفزيون الإسرائيلي إيهود يعري إعتبر أن "هذا أول هجوم يقوم به سلاح الجو الإسرائيلي في هذا العمق السوداني"، زاعما أن "هذا رسالة للإيرانيين بأنه يمكن قطع مثل هذه المسافات، لأن المسافة بين إسرائيل والسودان 1900 كيلومتر، بينما المسافة بين إسرائيل والمفاعل النووي الإيراني في قم 1600 كيلومتر".
بن يشاي رأى أن الرسالة الإسرائيلية الأهم من وراء هذا الهجوم هو استعراض إسرائيلي مثير للانطباع حول الذراع الإستراتيجية الطويلة للجيش الإسرائيلي، لكن حذر من الانجراف في هذا التحليل، لأنه سبق لسلاح الجو الإسرائيلي أن أثبت قبل 27 عاماً أنه قادر على أن يهاجم بنجاح مواقع تقع على مسافة 1500 كيلومتر عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية عام 1985 مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.
بن يشاي قارن بين قصف حمام الشط في تونس وقصف مجمع اليرموك، فقال إن الهدف الأول كان يقع آنذاك قريباً من شاطئ البحر، وهو ما سهل على القوات الإسرائيلية الوصول إليه سراً، ولكن في المقابل فإن الموقع السوداني يقع في الخرطوم، في عمق اليابسة وفي بيئة مليئة بأجهزة الإنذار المبكر والرادارات، مما يتوجب على الطائرات المقاتلة التهرب منها وتجنّب انكشافها على شاشاتها.
هذا ما أكده الرئيس السوداني عمر البشير الذي برّأ قواته من أي تقصير في رصد الطائرات المهاجمة وصدّها، مشيراً إلى أن الطائرات المتطورة التي استخدمت في قصف المجع العسكري لديها قدرة التشويش على الرادارات لتجنّب رصدها. كما أوضح البشير أن القدرات المتقدمة التي استهدفت المصنع العسكري تتوافر لدى أميركا وإسرائيل، لافتاً إلى أن واشنطن كانت تبنّت قصف "مصنع الشفاء" للأدوية في شمال الخرطوم العام 1998، الذي موّله زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، وذلك في إطار ردها على هجمات "القاعدة" على سفارتيها في شرق أفريقيا.
البشير أكد أن قدرة حكومته على التصنيع العسكري على رغم الحصار المفروض عليها هي أحد "دوافع ضرب المصنع". وأضاف أن حكومته كانت تجد صعوبة في شراء أسلحة ولذا اتجهت إلى التصنيع. وقال إن منظومات الدفاع الجوي المتطورة لا يمكن شراؤها من الأسواق العالمية ولذلك فإن السودان يعتمد على "العقول الوطنية" لتطوير قدراته الدفاعية. إشارة البشير مهمة جداً حول قيام المصنع بتصنيع منظومات دفاع جوي، وهي تشكل دافعاً لضرب المصنع سواء لإضعاف قدرات السودان العسكرية أو لمنعه من نقل هذه الأسلحة إلى كل من غزة ولبنان، بحسب الاتهامات الإسرائيلية.
تقول بعض المصادر السودانية إن مصنع اليرموك قد أنتج الكلاشينكوف والصواريخ والدبابة "البشير" والدبابة "الزبير" وحاملات الجند "شمس الدين" وكل أنواع الذخيرة. لكن مجلس الوزراء السوداني أكد في بيان أن "مجمع اليرموك" "ليس مصنعاً سرياً أو محظوراً وإنما هو مصنع يختص بصناعات الأسلحة التقليدية". وأمر المجلس بإعادة تأهيله بشكل فوري ورصد مزيد من الموارد لبناء القدرات الدفاعية للبلاد.
هل هي رسالة دموية إلى إيران؟
الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي رون بن يشاي رأى أن ثمة نقطة مهمة وذات دلالة خاصة تتضح من الرواية السودانية، إذا كان المصنع المجاور للخرطوم قصف من طائرات إسرائيلية. "فقد تم هذا الهجوم على موقع يبعد 1600 كيلومتر، أي المسافة نفسها تقريبا التي تفصل بين إسرائيل، وبين مراكز تخصيب اليورانيوم في إيران، حيث يقوم المركز الأول قرب مدينة كاشان ونطنز، والآخر قرب مدينة قم وفوردو، ومن هنا يتضح أن الهجوم الإسرائيلي.. هو بمثابة رسالة حول جدية الاستعدادات، واحتمالات تنفيذ عملية إسرائيلية ضد إيران".
ين يشاي إعتبر أن الإيرانيين قد استخفوا لغاية الآن بالتهديدات الإسرائيلية، "وهم لا يصدقون، أو لم يصدقوا على الأقل، أن إسرائيل قادرة على تنفيذ هجوم على منشآتهم الذرية، أو أن الحكومة الإسرائيلية تملك الشجاعة لاتخاذ قرار يعرض عشرات الطائرات والطيارين للخطر". وأوضح قائلاً: "الآن وعلى ضوء الادعاءات السودانية الحديثة، بشأن قصف إسرائيل لمواقع وأهداف في العمق السوادني، والمعلومات التي نشرتها الصحافة العالمية حول قصف المفاعل الذري السوري عام 2007، فقد يعيد الإيرانيون النظر مجدداً في تقديراتهم حول مدى الجدية التي يجب اتخاذها، لرئيس حكومة إسرائيل ووزير دفاعها عندما يتحدثان عن إبقاء الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة".
في قراءة للأهداف الإسرائيلية من هذا العدوان يمكن الخروج بالاستنتاجات التالية:
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد رفضت التعقيب على اتهام السودان لها رسمياً بقصف مجمع اليرموك للتصنيع العسكري، الذي نفذته أربع مقاتلات إسرائيلية اخترقت المجال الجوي السوداني مساء الأربعاء الماضي. وزير الجيش الإسرائيلي ايهود باراك قال رداً على سؤال للتلفزيون الإسرائيلي عن الاتهامات السودانية: "لا يوجد شيء يمكن أن اقوله عن هذا الموضوع".
وعادة إذا لم تنفِ إسرائيل مسؤوليتها عن عمل عدواني ما أو لم تتبنّه، فهذا يعني أنها المسؤولة عنه ولكن تتحفظ عن الإقرار الرسمي، لما في ذلك من عواقب قانونية دولية أو انتقامية. هو الأسلوب نفسه الذي اعتمدته في اغتيال القائد العسكري والأمني في حزب الله عماد مغنية. لم تتبنّ ولم تنفِ!
لكن الإقرار الإسرائيلي قد جاء ضمناً من خلال كلام لرئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد، معلقاً على الاتهام السوداني بالقول: "نحتاج الى بعض الوقت لنعرف ماذا حدث بالضبط.. سلاح الطيران الاسرائيلي الذي يعد واحداً من الأكثر عراقة في العالم اثبت جدارته مرات عدة في الماضي.. هناك روايات عدة من الجانب السوداني لذلك ليس هناك سبب للدخول في التفاصيل".
وبرّر جلعاد بقوله إن "السودان دولة إرهابية خطيرة لطالما كانت قاعدة عملياتية لزعيم تنظيم القاعدة الإرهابي سابقاً أسامة بن لادن، وأراضيه تشكّل نقطة عبور من خلال مصر لنقل أسلحة إيرانية إلى إرهابيي حماس والجهاد الإسلامي عن طريق الأراضي المصرية"، على حد تعبيره. كما وصف جلعاد الرئيس السوداني عمر حسن البشير بـ"مجرم حرب" ونظامه بـ"المدعوم إيرانياً".
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية زعمت أن هناك معلومات دقيقة وصلت إلى إسرائيل منذ أيام، "تفيد بإنتاج مصنع اليرموك (السوداني) لبعض من المعدات العسكرية التي من الممكن أن تصل إلى الفصائل الفلسطينية، والتي من الممكن أن تستخدمها هذه الفصائل لضرب إسرائيل"، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى القيام بالمبادرة وضرب هذا المعسكر باعتباره أحد أهم مراكز تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية.
المحلل العسكري الإسرائيلي يوآف ليمور في صحيفة "يسرائيل هيوم" كشف من جهته أن "معظم ما تنشره وسائل الإعلام الأجنبية بشأن ضلوع إسرائيل في شن هجمات على منشآت عسكرية أو على قوافل لتهريب الأسلحة صحيح"، زاعماً أن السودان يشكل مخزناً لأسلحة كثيرة، ونقطة عبور للأسلحة والوسائل القتالية الإيرانية إلى كل من لبنان وقطاع غزة، وأن الهدف من هذا العدوان هو "تعزيز قوة الردع" الإسرائيلية.
أما المحلل والخبير الإستراتيجي رون بن يشاي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فكشف أن تدمير مجمع "اليرموك" السوداني هو "بروفة" - أي تجربة - إسرائيلية، لضرب منشآت إيران النووية، في حال كان الطيران الإسرائيلي هو من نفذ هذا الهجوم بالفعل. وقال بن يشاي: "إنه بالاعتماد كما هي الحال دائماً في مثل هذه الحالات على خطاب متسائل غير يقيني، فإن أوجه الشبه بين الموقع السوداني الذي استهدفه الهجوم مع إشارة إلى عدد الطائرات الهجومية الإسرائيلية، وبين الأهداف الإستراتيجية التي قد تستهدفها عملية عسكرية إسرائيلية فى إيران، تشير إلى اعتبار قصف الموقع السوداني، بمثابة "بروفة" إسرائيلية تمهيدية للعملية المحتملة ضد إيران".
وزعم بن يشاي أن المصنع السوداني ينتج قذائف وصواريخ مختلفة وأسلحة خفيفة، وقد أقيم بمساعدة إيرانية قبل نحو أربع سنوات، كجزء من آفاق التعاون بين الدولتين. وربط " بين مصانع "اليرموك" في السودان وبين مصلحة النظامين فى إيران والخرطوم، بدعم حركة حماس في قطاع غزة ومدّها بالسلاح عبر الأراضي المصرية، ، معتبرا أن السودان جنى من وراء هذا المصنع أموالا هائلة إلى جانب السلاح الذي استخدمه لاحتياجاته الخاصة، فيما قصّر الإيرانيون عبر هذا المصنع مسار رحلة نقل السلاح إلى حماس في قطاع غزة، وإلى حزب الله في لبنان، وربما إلى سوريا أيضاً، كما أنهم قللوا بهذه الطريقة من خطر تعرض قافلات السلاح للقصف الإسرائيلي، على حد قوله.
لكن ما هي الرسالة الإسرائيلية من هذا الهجوم؟ وهل هي موجّهة إلى السودان أو إيران أو كليهما؟
محلل الشؤون العربية في التلفزيون الإسرائيلي إيهود يعري إعتبر أن "هذا أول هجوم يقوم به سلاح الجو الإسرائيلي في هذا العمق السوداني"، زاعما أن "هذا رسالة للإيرانيين بأنه يمكن قطع مثل هذه المسافات، لأن المسافة بين إسرائيل والسودان 1900 كيلومتر، بينما المسافة بين إسرائيل والمفاعل النووي الإيراني في قم 1600 كيلومتر".
بن يشاي رأى أن الرسالة الإسرائيلية الأهم من وراء هذا الهجوم هو استعراض إسرائيلي مثير للانطباع حول الذراع الإستراتيجية الطويلة للجيش الإسرائيلي، لكن حذر من الانجراف في هذا التحليل، لأنه سبق لسلاح الجو الإسرائيلي أن أثبت قبل 27 عاماً أنه قادر على أن يهاجم بنجاح مواقع تقع على مسافة 1500 كيلومتر عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية عام 1985 مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.
بن يشاي قارن بين قصف حمام الشط في تونس وقصف مجمع اليرموك، فقال إن الهدف الأول كان يقع آنذاك قريباً من شاطئ البحر، وهو ما سهل على القوات الإسرائيلية الوصول إليه سراً، ولكن في المقابل فإن الموقع السوداني يقع في الخرطوم، في عمق اليابسة وفي بيئة مليئة بأجهزة الإنذار المبكر والرادارات، مما يتوجب على الطائرات المقاتلة التهرب منها وتجنّب انكشافها على شاشاتها.
هذا ما أكده الرئيس السوداني عمر البشير الذي برّأ قواته من أي تقصير في رصد الطائرات المهاجمة وصدّها، مشيراً إلى أن الطائرات المتطورة التي استخدمت في قصف المجع العسكري لديها قدرة التشويش على الرادارات لتجنّب رصدها. كما أوضح البشير أن القدرات المتقدمة التي استهدفت المصنع العسكري تتوافر لدى أميركا وإسرائيل، لافتاً إلى أن واشنطن كانت تبنّت قصف "مصنع الشفاء" للأدوية في شمال الخرطوم العام 1998، الذي موّله زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، وذلك في إطار ردها على هجمات "القاعدة" على سفارتيها في شرق أفريقيا.
البشير أكد أن قدرة حكومته على التصنيع العسكري على رغم الحصار المفروض عليها هي أحد "دوافع ضرب المصنع". وأضاف أن حكومته كانت تجد صعوبة في شراء أسلحة ولذا اتجهت إلى التصنيع. وقال إن منظومات الدفاع الجوي المتطورة لا يمكن شراؤها من الأسواق العالمية ولذلك فإن السودان يعتمد على "العقول الوطنية" لتطوير قدراته الدفاعية. إشارة البشير مهمة جداً حول قيام المصنع بتصنيع منظومات دفاع جوي، وهي تشكل دافعاً لضرب المصنع سواء لإضعاف قدرات السودان العسكرية أو لمنعه من نقل هذه الأسلحة إلى كل من غزة ولبنان، بحسب الاتهامات الإسرائيلية.
تقول بعض المصادر السودانية إن مصنع اليرموك قد أنتج الكلاشينكوف والصواريخ والدبابة "البشير" والدبابة "الزبير" وحاملات الجند "شمس الدين" وكل أنواع الذخيرة. لكن مجلس الوزراء السوداني أكد في بيان أن "مجمع اليرموك" "ليس مصنعاً سرياً أو محظوراً وإنما هو مصنع يختص بصناعات الأسلحة التقليدية". وأمر المجلس بإعادة تأهيله بشكل فوري ورصد مزيد من الموارد لبناء القدرات الدفاعية للبلاد.
هل هي رسالة دموية إلى إيران؟
الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي رون بن يشاي رأى أن ثمة نقطة مهمة وذات دلالة خاصة تتضح من الرواية السودانية، إذا كان المصنع المجاور للخرطوم قصف من طائرات إسرائيلية. "فقد تم هذا الهجوم على موقع يبعد 1600 كيلومتر، أي المسافة نفسها تقريبا التي تفصل بين إسرائيل، وبين مراكز تخصيب اليورانيوم في إيران، حيث يقوم المركز الأول قرب مدينة كاشان ونطنز، والآخر قرب مدينة قم وفوردو، ومن هنا يتضح أن الهجوم الإسرائيلي.. هو بمثابة رسالة حول جدية الاستعدادات، واحتمالات تنفيذ عملية إسرائيلية ضد إيران".
ين يشاي إعتبر أن الإيرانيين قد استخفوا لغاية الآن بالتهديدات الإسرائيلية، "وهم لا يصدقون، أو لم يصدقوا على الأقل، أن إسرائيل قادرة على تنفيذ هجوم على منشآتهم الذرية، أو أن الحكومة الإسرائيلية تملك الشجاعة لاتخاذ قرار يعرض عشرات الطائرات والطيارين للخطر". وأوضح قائلاً: "الآن وعلى ضوء الادعاءات السودانية الحديثة، بشأن قصف إسرائيل لمواقع وأهداف في العمق السوادني، والمعلومات التي نشرتها الصحافة العالمية حول قصف المفاعل الذري السوري عام 2007، فقد يعيد الإيرانيون النظر مجدداً في تقديراتهم حول مدى الجدية التي يجب اتخاذها، لرئيس حكومة إسرائيل ووزير دفاعها عندما يتحدثان عن إبقاء الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة".
في قراءة للأهداف الإسرائيلية من هذا العدوان يمكن الخروج بالاستنتاجات التالية:
1-أرادت إسرائيل تدمير المصنع كونه يزوّد المقاومة الفلسطينية بالذخائر والأسلحة، وخشية أن يكون يزوّدها بمضادات دفاعية للطائرات.
2-وجّهت إسرائيل رسالة تحذيرية إلى إيران بأن ذراعها طويلة وهي قادرة للوصول إلى العمق الإيراني لضرب منشآتها النووية والعسكرية، كما وصلت إلى العمق السوداني.
3-هذه الرسالة التحذيرية ليست "بروفة" أو تجربة إسرائيلية لتهديدها الدائم بضرب منشآت إيران النووية، إنما تعويض معنوي عن عدم قدرتها الحالية على القيام بذلك لأسباب سياسية ولوجستية وعسكرية.
4-الرسالة الإسرائيلية هي رد على رسالة حزب الله - إيران إليها قبل أسابيع التي حملتها الطائرة من دون طيار "أيوب"، التي حلقت مئات الكيلومترات فوق فلسطين المحتلة ووصلت إلى صحراء النقب حيث مفاعل ديمونا النووي. فحزب الله وإيران أظهرا قدرتيهما على ضرب منشآت إسرائيلية حساسة من خلال الطائرات من دون طيار.
5-تهدف إسرائيل من خلال ضرب المصنع السوداني إلى رفع معنويات جيشه وشعبها بعد فضيحة الطائرة "أيوب" التي إخترقت راداراتها ودفاعاتها الجوية، ولم تكشفها إلا بعد ساعات.
6-لا ينبغي التقليل من استهداف إسرائيل لقدرات السودان العسكرية لمصلحة حليفتها، دولة جنوب السودان، التي تخوض صراعاً عسكرياً ونفطياً مع الخرطوم، إذ أن وزير الاعلام السوداني أحمد بلال عثمان أوضح انه تم تدمير 60 بالمئة من المصنع بشكل كلي، و40 بالمئة بشكل جزئي، مشيراً إلى أن السلطات السودانية كانت قد بدأت بالعمل على نقل المصنع الى مكان خارج العاصمة، الا ان الإسرائيليين علموا بذلك فبادروا بالقيام بالضربة. فالسودان يعتمد بشكل شبه كامل على هذا المصنع لإنتاج ذخائره بسبب الحصار الدولي الذي يتعرّض له. ويذهب بعض المحللين السودانيين إلى أن هدف تدمير مجمع "اليرموك" الحربي، هو أن يسيطر "قطاع الشمال" المتمرد عسكرياً على جنوب كردفان والنيل الأزرق وضمِّهما بقوة السلاح إلى دولة الجنوب
7-لا شك أن استهداف السودان هو استهداف للأمن القومي المصري، وضرب المصنع السوداني رسالة للحكم المصري الجديد وجسّ لرد فعله وتهديد مبطن له، على خلفية تحركات الجيش المصري الأخيرة في سيناء لملاحقة مجموعات مسلحة، ومطالبة القاهرة بتعديل اتفاقية كامب ديفيد لمصلحة تعزيز الوجود العسكري المصري فيها. للأسف لم يصدر رد فعل مصري على مستوى التحدي الإسرائيلي والعدوان على بلد شقيق إذ يمثل السودان العمق الإستراتيجى الجنوبي لمصر. لذا فإن أمن السودان واستقراره يمثلان جزءًا من الأمن القومي المصري. وكان يفترض بالحكومة المصرية – على الأقل - أن تستدعي سفيرها في مصر احتجاجاً على هذا العدوان، وتطرد السفير الإسرائيلي في القاهرة.
التعاون بين جنوب السودان وإسرائيل
بعد انفصال جنوب السودان عن السودان، لتصبح الدولة رقم 193 العضو في الأمم المتحدة، بموجب الاستفتاء الشعبي الذي جرى في يناير 2011، سلخ ربع مساحة السودان الذي صار ترتيبه 16 بين دول العالم والثاني في إفريقيا والثالث عربياً، فمساحة جنوب السودان هي 600 ألف كلم مربع، كانت تمثل نحو 24% من مجمل أراضي السودان، أما سكانها فعددهم كان يمثل نحو 20% من سكان السودان. وهناك مخاوف من أن تتحول دولة جنوب السودان إلى مركز متقدم للكيان الإسرائيلي بغية تحويله إلى ساحة حرب جديدة تهدد الأمن القومي العربي. وقد بدأت إسرائيل في حصد ثمار مؤامراتها في جنوب السودان، فيما تواصل دورها المشبوه في دارفور، والتسلل لاختراق القرن الإفريقي وتطويق الأمن القومي العربي. ولم يعد سراً أن هناك وجوداً إسرائيلياً أمنياً وإستخباراتياً وإقتصادياً في دولة جنوب السودان ويقال إن الإسرائيليين أخذوا الأراضي الزراعية في أعالي وشمال بحر الغزال على الحدود مع السودان. كما أن لجهاز الموساد الإسرائيلي خلايا تجسسية في داخل السودان وتحديداً في دارفور.
لقد كان الكيان الإسرائيلي من أوائل من اعترف بدولة جنوب السودان الجديدة، التي أخذت ربع مساحة السودان، ما أدى إلى نقص مياه النيل، حيث تقع نحو 45% من مياه حوض النيل في دولة جنوب السودان، كما أن نحو 90% من جنوب السودان يقع داخل حوض النيل، ونحو 28% من مياه النيل تعبر الحدود من الجنوب إلى الشمال ومن ثمّ إلى مصر، كما أن كمية المياه التي يمكن استخلاصها وإضافتها إلى نهر النيل قد تصل إلى حوالي 20 مليار متر مكعب. ومعلوما أن المياه تعد من أولويات السياسة الصهيونية. وأدى انفصال الجنوب إلى مزيد من التعاون المائي مع عدد من دول منبع النيل، بما يحقق لهذا الكيان توفير احتياجاته من المياه، والتضييق على الأمن المائي لكل من السودان ومصر، إضافة إلى احتمال وجود مشروعات إسرائيلية وأميركية ضخمة خاصة في المجال الزراعي ستستنزف مياه النيل، وهو ما يشكل ضربة قاصمة للأمن القومي العربي، خاصَّة مع التغلغل الصِّهْيوني في جنوب السودان، ودول منابِع نهر النيل والقرن الإفريقي.
أما بالنسبة للمكاسب الأمنية، فإن إسرائيل لديها مصالح أمنية وعسكرية في المنطقة من خلال صفقات بيع الأسلحة التي تدرّ مبالغ طائلة على الكيان، والتي تنعش خزينته السنوية بمليارات الدولارات. والحركة الشعبيَّة لتحرير السودان التي تحكم جنوب السودان قد نشأت في أحضان الكيان الإسرائيلي بمساعدة أميركيَّة.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن بعد استقلال جنوب السودان أن إسرائيل قررت تقديم حزمة من المساعدات لها في جميع المجالات لتكون قادرة على القيام بمسؤولياتها ودورها كدولة في منطقة بالغة الأهمية هي شرق إفريقيا. ومن بين مكوّنات حزمة المساعدات هذه: تقديم أسلحة ووسائل قتال متطورة من صنع إسرائيلي، وتولي قيادات عسكرية إسرائيلية لإعادة بناء جيش الدولة الوليدة على نفس الأسس التي بني عليها الجيش الإسرائيلي، وكذلك نسج العقيدة العسكرية الإسرائيلية وتبينها من قبل جيش جنوب السودان وهي عقيدة "عدوانية اقتحامية".
ويعكس هذا التوجه الإسرائيلي قراراً إسرائيلياً بتحقيق تطابق في المصالح بين إسرائيل ودولة جنوب السودان. مستشار نتنياهو للأمن القومي الجنرال يعقوب عميدرور فسّر قرار نتنياهو بضخ كل أسباب الدعم إلى دولة الجنوب في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي يوم 14 يوليو2011، بقوله: "ستكون دولة الجنوب حليفاً إستراتيجياً في مواجهة الأعداء والمخاطر والتهديدات التي تواجهها كل من إسرائيل ودولة الجنوب، بل إنهما ستكونان حليفتين طبيعيتين نظراً لقوة الوشائج التي تربط بينهما، السياسية والثقافية والتاريخية بالإضافة إلى الوشائج الأخرى".
وتشير التحليلات الإستراتيجية والسياسية الإسرائيلية الأمنية والأكاديمية إلى أن إسرائيل وضعت مصر والسودان في مقدمة الأعداء ممن يتعين بناء تحالف بين إسرائيل ودولة جنوب السودان لمواجهتهم.
وقد لخّص سفير إسرائيل الأسبق في مصر تسفي مزال أهمية العلاقات الإسرائيلية مع دولة جنوب السودان في ثلاثة أهداف رئيسة هي:
أولاً: إحكام السيطرة الكاملة على كل الأراضي التي تعتبر جزءاً من الجنوب بما فيها منطقة آبيي وبحر الغزال وجنوب كردفان، على أن تشمل هذه السيطرة أيضاً الثروة النفطية والمائية. وتحدث مزال عن أهمية السيطرة على الثروة المائية في الجنوب، ولم يتورع عن التذكير بأن مصر تستقبل 20% من مياه النيل المتدفقة إليها من جنوب السودان.
ثانياً: الاتجاه نحو تعظيم قدرات دولة الجنوب في جميع الميادين العسكرية والاقتصادية والسياسية بالاستفادة من مصادر دعم إقليمية (إسرائيل على رأسها) ودولية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ثالثاً: دعم جميع الحركات داخل السودان المتطلعة إلى التحرر والانعتاق والانفصال في دارفور وفي كردفان والنوبة، أي الحركات الساعية إلى الانفصال وتفتيت السودان، وهي أهم مكوّنات الأجندة الإسرائيلية المكرّسة والمخصّصة للسودان.
والجدير بالذكر أن إسرائيل لديها مجموعة من القيادات العاملة خلف الحدود والمتموضعة في إفريقيا، تسمّى مؤسسة الاستشارات الأمنية "غلوبال سي.أس.تي" هذه المؤسسة تشكل جيشاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة يعمل خارج حدود إسرائيل ، وأهم مكوّناته:
- قيادة عسكرية تضم مجموعة من الجنرالات على رأسهم يسرائيل زيف رئيس شعبة العمليات السابق، ويوسي كوبرساور، والجنرال دان ياتوم مدير الموساد الأسبق، ودافيد تسور مدير الشرطة الأسبق.
- قيادة سياسية من أبرز رموزها شلومو بن عامي وزير الخارجية الأسبق، ونسيم زويلي السفير الأسبق في فرنسا، ودنيائيل عنبري السفير الإسرائيلي الأسبق في السنغال.
- معسكرات وقواعد تدريب في غينيا والكاميرون والكونغو برازافيل وفي منطقة البحيرات العظمى.
- مستودعات للأسلحة في غينيا وفي جمهورية إفريقيا الوسطى وفي إثيوبيا والكاميرون وبوروندي ومناطق أعالي حوض النيل. تضم هذه المستودعات الأسلحة الخاصة بالقوات البرية ومدفعية صواريخ ودروع وناقلات جنود مدرعة، كما تضم حوامات وطائرات استطلاع بدون طيار.
وبعد الإعلان عن ولادة دولة جنوب السودان، صدر عن مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال عودي شني أمراً إلى شركة "غلوبال سي.أس.تي" بالانتقال إلى جوبا عاصمة الجنوب ليكون المقر الرئيسي لهذه الشركات فيها.
وغني عن التذكير بالأطماع الإسرائيلية فى مياه النيل التي تتجدد باستمرار، حيث تستغل الأزمات في دول حوض النيل لتهديد مصر وإرباكها إستراتيجياً، فهي تسعى للحصول على نسبة ولو قليلة من مياه النيل، بعد أن فشلت فى إقناع مصر خلال محادثات كامب ديفيد، أن يكون هناك تعاون مشترك بين مصر وإسرائيل فى مشاريع مشتركة لتطوير موارد مباه النيل، وكان الطلب الإسرائيلى يشتمل كذلك أن يتم تحويل 1% من مياه النيل إلى الكيان الإسرائيلي عبر أنابيب تمر تحت قناة السويس لكي تحول ما يعادل 8 مليارات متر مكعب من مياه النيل سنوياً لري صحراء النقب. وتحاول إسرائيل حالياً الاستحواذ على نسبة من مياه النيل بعد أن وقعت اتفاقية بينها وجنوب السودان لنقل المياه يتم بموجبها تصدير هيئة الصناعات العسكرية الإسرائيلية لجنوب السودان أسلحة ومعدات عسكرية، ومساعدتها في تنقية المياه، ونقلها إلى إسرائيل، وتحلية مياه البحر.
Comments
Post a Comment