السياسة الخارجية الأميركية بعد 11 أيلول 2001: فشل الهيمنة العالمية
د. هيثم مزاحم
أظهرت الحرب الأميركية ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان، وما تبعها من إقامة قواعد أميركية فيها وفي دول أخرى في آسيا الوسطى والقوقاز، أن الولايات المتحدة استغلت هجمات 11 أيلول2001 في نيورك وواشنطن لتعزيز نفوذها العالمي، وخصوصاً هيمنتها على مناطق آسيا الوسطى وبحر قزوين والخليج التي تتمتع بأهمية جيواستراتيجية وجيو اقتصادية، نظراً إلى تمتعها بثروات هائلة من النفط والغاز كمصادر للطاقة التي تزداد أهميتها يوماً بعد يوم مع ارتفاع أسعارهما والتوقعات بتزايد الطلب عليهما في السنوات المقبلة.
مقاربة إدارة بوش للسياسة الخارجية
تميّزت إدارة الرئيس بوش بمقاربة للسياسة الخارجية أكثر تشدداً وعدوانية من مقاربة الإدارة السابقة بحيث تبنت سياسة "غطرسة القوة" و"الهيمنة الآحادية" على العالم من دون أي مهادنة للخصوم وأي مراعاة للحلفاء والأصدقاء. وقد برز ذلك منذ الشهور الأولى لحكم الرئيس جورج دبليو بوش، إذ رأينا كيف رفضت واشنطن التوقيع على معاهدة كيوتو للطاقة، ثم جاءت مسألة الخلاف مع الصين بسبب قضية طائرة التجسس الأميركية التي اخترقت الأجواء الصينية وسقطت بعد اصطدامها بطائرة عسكرية صينية اعترضتها. ثم برز الخلاف مع روسيا بسبب قرار واشنطن إلغاء معاهدة "إيه بي أم" للصواريخ مع طرف واحد واعتزامها بناء "الدرع الصاروخية" (الدفاع الصاروخي القومي).
أما في الشرق الأوسط، فقد أعلنت إدارة بوش عزمها على إعادة تشديد الحصار على العراق فكثفت غاراتها الجية على بعض الدفاعات الجوية والمواقع العسكرية العراقية من جهة، وطرحت مشروع العقوبات الذكية في مجلس الأمن من جهة أخرى. ونتيجة المعارضة الروسية والفرنسية والصينية لهذا المشروع في مجلس الأمن تم تمديد العمل باتفاق النفط مقابل الغذاء لمدة ستة أشهر كحل وسط على أن يعاد النظر في المشاريع المقترحة واتخاذ قرار جديد في أيار2002 في شأن تجديد العقوبات على العراق أو إلغائها أو تعديلها.
وبالنسبة إلى إيران، فقد بنيت آمال بحصول تقارب أميركي - إيراني بعد وصول بوش ونائبه ديك تشيني إلى الحكم، وذلك بسبب ارتباط الاثنين بشركات النفط الأميركية صاحبة المصلحة الرئيسية في رفع الحظر الاقتصادي عن إيران، وخصوصاً إلغاء قانون العقوبات على إيران وليبيا الذي انتهت مدته في آب 2002. لكن اللوبي الإسرائيلي مارس ضغوطه على الكونغرس الأميركي بحيث تم تجديد القانون لسنتين وتم تفويت فرصة ثمينة للتقارب مع إيران.
أما بالنسبة إلى سياسة إدارة بوش تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي وعملية التسوية فكانت سياسة انعزالية غير مبالية في العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في أيلول2000. فلم تقم واشنطن بأي جهد يذكر لوقف هذا العدوان والضغط على إسرائيل للانسحاب من المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية التي عاودت احتلالها، أو القيام بمبادرة لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي بين الجانبين، والتي توقفت عند الانتخابات الإسرائيلية التي أسفرت عن فوز أرييل شارون برئاسة الحكومة الإسرائيلية.
ونتيجة لهجمات 11 ايلول2001 بدأ التوتر يعتري العلاقات الأميركية - السعودية وذلك لأن 15 من منقذي الهجمات الـ19 كانوا سعوديين برغم أن السعودية قد نفت دائماً أي صلة لها بهذه الاعتداءات. لكن بعض أعضاء الكونغرس الأميركي قد وجّه أصابع الاتهام إلى السعودية في إطار التحقيق في هذه الهجمات وأشاروا إلى علاقة "مباشرة" محتملة بين الحكومة السعودية وبين بعض منفذي هذه الاعتداءات.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في 2- 3 - 2002 أن النائبين أدليا بهذه الشهادات في إطار إجراءات قضائية تنظر أمام القضاء الفدرالي في نيويورك.
وقال سناتور فلوريدا الديمقراطي السابق بوب غراهام، الذى ترأس لجنة تحقيق تابعة للكونغرس في هذه الاعتداءات، إنه "مقتنع بأنه كانت هناك علاقة مباشرة بين على الأقل بعض الإرهابيين الذين نفذوا اعتداءات11 ايلول وبين الحكومة السعودية". من جانبه كتب سناتور نبراسكا الديمقراطي السابق بوب كيري، الذي كان عضوا في لجنة 11 ايلول، أن "هناك أسئلة مهمة بقيت بلا إجابة". وأضاف:هناك عناصر تشير إلى تورط ممكن لعملاء مفترضين للحكومة السعودية في اعتداءات11 سبتمبر لم يتم تتبعها على الإطلاق.
الصورة: بوش والأمير بندر بن سلطان يصطادان الأسماك
السياسة الخارجية الأميركية بعد 11 أيلول
بعد هجمات الطائرات المخطوفة في 11 أيلول، برزت تطوّرات جوهرية ومهمة مع المقاربة الأميركية للسياسة الخارجية كان محورها أن الولايات المتحدة لم تعد بعيدة من الاستهداف بهجمات إرهابية، إذ اتضح أن ثمة تهديدات فعلية وخطيرة تهدد الأمن القومي الأميركي قد تأتي من تنظيمات إرهابية وليس فقط من دول "مارقة"، إذ إن ثمة احتمالات جدية بحصول "الإرهابيين" على أسلحة دمار شامل. كما شعرت واشنطن أن هيبتها كقوة عظمى أحادية قد تراجعت وأنه لا بد لها من أن تستعيد الهيبة لقوتها والانتقام من الإرهابيين والدول التي ترعاهم، وكذلك العمل مع الدول كلها للقضاء على "الإرهاب" وإضعاف الدول الداعمة له.
وقد أعلن الرئيس الأميركي، جورج بوش، في 15/3/2002 أنه لن يدع الأنظمة الخطر في العالم تهدد أميركا وحلفاءها بأسلحة الدمار الشامل. وقال بوش على العالم المتحضر أن يأخذ على محمل الجد التهديد الإرهابي المتزايد على مستوى كارثي. علينا أن نمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل لن ندع الأنظمة الأخطر في العالم تتعاون مع قتلة لمحاصرة الأمة الأميركية العظيمة، وحض بوش الكونغرس الأميركي على التصويت من دون إبطاء على موارنة الدفاع الأميركية التي تتضمن زيادة بقيمة 48 مليار دولار، مشيراً إلى ضرورة تزويد الجيش بكل الوسائل الضرورية لتحقيق النصر في الحرب على الإرهاب.
وأقر وزير الدفاع الأميركي، دونالد رامسفيلد، في 21 أيار2002 أن الإرهابيين سيمتلكون بلا شك أسلحة دمار شامل. وقال "علينا الاعتراف بأن الشبكات الإرهابية تقيم علاقات مع دول إرهابية تملك أسلحة دمار شامل، ومن المؤكد أنهم سيصلون إليها ولن يترددوا دقيقة واحدة في استخدامها". وأورد في هذا الشأن أسماء العراق وإيران وليبيا وسوريا وكوريا الشمالية.
وقد ادرك صانعو القرار الأميركيون وخصوصاً صقور الإدارة الذين يتقدمهم نائب الرئيس، ديك تشيني، ووزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، ونائبه الصهيوني، بول وولفوفيتز، ومستشارة الرئيس للأمن القومي، كوناليزا رايس، أن فرصة مثالية قد أتيحت لأميركا كي تحكم قبضتها على العالم وتعزز نفوذها في مناطق جديدة وخصوصاً حيث تكمن ثروات النفط والغاز. فجاءت الحرب ضد تنظيم "القاعدة" الذي يتزعمه أسامة بن لادن وحركة طالبان الحاكمة في أفغانستان في تشرين الأول2001 لتمنح واشنطن قواعد عسكرية في أفغانستان وفي دول أخرى في آسيا الوسطى والقوقاز -أوزبكستان وقيرغيرزستان وطاجيكستان وجورجيا- فضلاً عن وجودها في أذريبجان وذلك تحت غطاء محاربة الإرهاب، ما يعزز التواجد الأميركي في هذه المنطقة المطلة على بحر قزوين بما يمكنها من السيطرة على الحصة الأعظم من النفط والغاز. كما سوف تتيح هذه القواعد العسكرية لأميركا تطويق إيران ومواجهة المارد الصيني عن قرب وتحدي الخصم الروسي في عقر داره.
ساهم الانتصار الأميركي السريع في أفغانستان في تصاعد غرور الأميركيين واستعلائهم ما جعلهم ينتقلون بسرعة إلى المرحلة الثانية من الحرب ضد الإرهاب مع إعلان واشنطن عن إدخال حركات وتنظيمات أخرى فيلائحة المنظمات "الإرهابية"، وخصوصاً حزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، وذلك إكراماً لإسرائيل ورضوخاً لضغوط اللوبي المؤيد لها في الكونغرس والإدارة. ولم تكثف إدارة واشنطن بذلك، بل أعلن بوش في خطابه حول "وضع الاتحاد" في نهاية كانون الثاني 2002 عن "محور الشر" الذي يضم العراق وإيران وكوريا الشمالية ملقياً تهديدات ضد هذه الدول الثلاث.
وبرزت مؤشرات قوية إلى أن واشنطن ستستهدف العراق في المرحلة الثانية من حملتها العسكرية ضد "الإرهاب" بعد النصر الذي حققته في أفغانستان، وجاء إعلان الرئيس الأميركي، جورج بوش، عن "محور الشر" الذي يشمل العراق وإيران وكوريا الشمالية وتهديدات المسؤولين الأميركيين لهذه الدول الثلاث ليعيد خلط الأوراق، وذلك بعدما ظهرت إشارات تقارب إيراني- أميركي تجلى في تعاون غير مباشر في دعم التحالف الشمالي الأفغاني في الحرب ضد حركة طالبان الأصولية.
الحملة على العراق
لم تكن الحملة الإعلامية الأميركية ضد العراق مفاجئة بسبب الصراع المستمر بين واشنطن وبغداد وتصاعد دعوات "صقور" الإدارة من مؤيدي إسرائيل مباشرة بعد هجمات 11 أيلول إلى استهداف العراق في المرحلة الثانية من الحملة العسكرية ومحاولة إيجاد صلة بين اعتداءات 11 أيلول والعراق. وعلى الرغم من عدم اكتشاف أي صلة بين بغداد وهذه الهجمات، فإن واشنطن أعلنت بوضوح أن طموحات الرئيس العراقي، صدام حسين، في شأن التسلح ستطرح في المدى القريب مشكلة أمنية في مستوى خطورة "الإرهاب الأصولي".
ودرست الولايات المتحدة سبل الإطاحة بصدام حسين من السلطة تحت ذريعة أنه يشكل تهديداً إقليمياً ودولياً وخصوصاً بسبب سعيه لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، ورفضه عودة مفتشي الأمم المتحدة المكلفين التحقق من كون العراق قد وضع حداً لكل مشاريع صناعة الأسلحة الجرثومية أو الكيميائية أو النووية.
وفعلاً حصل هذا الغزو الأميركي- البريطاني للعراق في 20 آذار2003 وسقطت العاصمة بغداد في 9 نيسان 2003. ولقد تسبب الغزو بأكبر خسائر بشرية في المدنيين في تاريخ العراق وتاريخ الجيش الأميركي خلال عقود. إنتهت الحرب رسمياً في 15 كانون الأول2011 بإنزال العلم الأمريكي في بغداد وغادر آخر جندي أمريكي العراق في 18 كانون الأول2011، وهو ما شكّل هزيمة للولايات المتحدة بفعل عمليات المقاومة العسكرية ضد قواتها. وقد حملت واشنطن سوريا وإيران مسؤولية هزيمتها بسبب دعمهما للمجموعات المقاومة وتسهيل دخولهم إلى العراق وتسليحهم وتمويلهم.
الحملة على إيران
كان مفاجئاً التصعيد الأميركي ضد إيران التي ساهمت في إسقاط حركة طالبان عبر دعمها للتحالف الشمالي الأفغاني في الحرب في تشرين الأول 2001 وتأييدها لتشكيل الحكومة الأفغانية الموقتة في مؤتمر بون. وكان ثمة تقارب أميركي- إيراني قد ظهر خلال الحرب ضد "طالبان" و"القاعدة" تجلى في المصافحة الولى من نوعها منذ انتصار الثورة الإسلامية فيإيران عام 1979 بين وزيري الخارجية الأميركية كولن باول، والإيراني كمال خرازي، خلال اجتماع للجنة (6 + 2) في نيويورك للبحث في مستقبل أفغانستان. لكن هذا التقارب سرعان ما تلاشى وذلك بسبب كثرة الخلافات الأميركية- الإيرانية في شأن العلاقات الثنائية وخصوصاً استمرار الحظر الاقتصادي الأميركي الشامل على إيران، وكذلك الخلافات الإقليمية نتيجة تواجد القوات الأميركية في الخليج من جهة وتواجدها الحالي في أفغانستان وبعض دول آسيا الوسطى، إضافة إلى عداء إيران لإسرائيل ودعمها حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في مقابل الانحياز الأميركي لإسرائيل من جهة أخرى.
ففي 29/1/2002، اعتبر الرئيس بوش إيران والعراق وكوريا الشمالية دولاً إرهابية تهدد السلام العالمي"، وأنها "تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل وتشكل خطراً تزداد حدته" ووصف الدول الثلاث بأنها "محور للشر يسلح نفسه لتهديد سلام العالم.
وفي الأول من شباط 2002، قال بوش إن تصريحاته المتشددة ضد كوريا الشمالية وإيران لا تعني الإشارة إلى التخلي عن الحوار السلمي مع البلدين. لكنه قال إن "كل الخيارات على المائدة في شأن كيفية جعل أميركا وحلقائنا أكثر أمناً، وأبدى ليونة تجاه كوريا الشمالية مؤكداً أنه مستعد للدخول في حوار معها إذا برهنت على أنها فهمت التحذير الأميركي وقامت بسحب الأسلحة التقليدية" من المنطقة المنزوعة السلاح في شبه الجزيرة الكورية وبالتوقف عن تصدير الأسلحة.
وفي 5/2/2002، أعلن وزير الخارجية الأميركي أن وصف دول بأنها تشكّل "محور الشر" لا يعني أن الولايات المتحدة تنوي اجتياحها. وقال أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ: "إننا على استعداد لبدء حوار ونريد العمل مع أصدقائنا وحلفائنا في العالم للتعاطي مع هذا النوع من الأنظمة". وفرّق باول بين إيران وكوريا الشمالية اللتين تريد واشنطن "مواصلة السعي إلى الحوار معهما" والعراق الذي تؤيد واشنطن "مواصلة سياسة العقوبات حياله مع الأمم المتحدة".
واتهمت كونداليزا رايس كوريا الشمالية بأنها الدولة الأولى في العالم التي تبيع الصواريخ الباليستية آخذة عليها أيضاً عدم الاهتمام بالمخاطر التي قد تتسبب بها الدولة المشترية.
تجدر الإشارة إلى أن أحد خلفيات الحملة على كوريا الشمالية يعود إلى قيامها ببيع صواريخ بالستية لإيران. وقد جمدت كوريا الشمالية اتصالاتها مع واشنطن وسيول في 2001، بعد تشدد الموقف الأميركي مع وصول بوش إلى السلطة، وخصوصاً بسبب مسألة أسلحة الدمار الشامل وقضية صادرات الصواريخ.
وانتقدت واشنطن إيران أيضاً لدعمها الانتفاضة الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد اللتين اعتبرتهما واشنطن إرهابيتين. وإتهم وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد إيران بأنها تأوي إرهابيين من تنظيم القاعدة، معتبراً أن الحكومة الإيرانية لا تتعاون كثيراً في الحملة التي أطلقتها واشنطن لمكافحة الإرهاب، ما نفته طهران بشدة وطالبت بتقديم أدلة عليه. كما اتهم باول إيران بتهديد استقرار الحكومة الأفغانية الجديدة ومحاولة "ممارسة نفوذ غير مناسب" في غرب أفغانستان. لكنه أشاد بالدور "المفيد" الذي اضطلعت به طهران العام الفائت في مؤتمر بون حول تشكيل الحكومة الانتقالية في أفغانستان، وفي الفترة الأخيرة خلال مؤتمر طوكيو حول المساعدة الدولية لإعادة إعمار هذا البلد!
وأكد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشق الأوسط، وليام بيرنز، أن للولايات المتحدة وإيران بعض المصالح المشتركة. وقال "يبدو لي أنه لا يوجد ما هو غير مستبعد على صعيد النزاعات أو التوترات بين الشعب الإيراني والشعب الأميركي. فعلاقاتنا معقدة وإيران بلد مهم جداً في منطقة مهمة من العالم تهمنا كثيراً. رأينا بوضوح في الأشهر والسنوات الأخيرة أن مصالحنا تلتقي في بعض القطاعات وأشار في شكل خاص إلى موقف طهران العام الفائت في مؤتمر بون من مستقبل أفغانستان السياسي وعودة اللاجئين الأفغان أو أيضاً من قضية مكافحة المخدرات. ولكن بيرنز ذكر أن واشنطن "تواجه مشاكل حقيقية مع إيران بسبب دعم الأخيرة لمجموعات إرهابية تسعى إلى نسف عملية السلام (الإسرائيلية الفلسطينية) وسعيها للحصول على أسلحة دمار شامل". وكشف ان هذه المخاوف "كانت من دون شك وراء ملاحظات الرئيس بوش التي تعكس بالفعل ما يثير قلقنا الشديد في شأن هذه الجوانب في الممارسات الإيرانية".
التحريض الإسرائيلي على إيران
في هذه الأثناء، كانت إسرائيل واللوبي اليهودي في واشنطن يحرضان الولايات المتحدة على إيران. فقد حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي جنرال شاؤول موفاز، إيران من مواصلة تطوير أسلحتها الصاروخية معتبراً أن ذلك يشكل تهديداً لوجود دولة إسرائيل وبقائها.
وأدعى موفاز أن الخطر الإيراني على إسرائيل يأتي من خلال ثلاث دوائر الأولى هي: أولاً محاولات إيران التسلح بصواريخ بعيدة المدى، وثانياً تزويد حزب الله بصواريخ يبل مداها 70 كيلومتراً تشكل تهديداً لإسرائيل، ثالثاً علاقات إيران بالفلسطينيين ومحاولاتها إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، مشيراً إلى أن قضية سفينة الأسلحة "كارين أيه" التي صادرتها إسرائيل في البحر الأحمر وكانت موجهة من إيران إلى السلطة الفلسطينية قد كشفت عن علاقات خطيرة بين الطرفين.
لخص الرئيس الإيراني محمد خاتمي أبعاد السياسية الأميركية ضد بلاده فاعتبر أن الولايات المتحدة قد تشمل أوروبا وروسيا والصين في "محور الشر" إن استمرت في "فرض آرائها". وقال في مقابلة مع صحيفة "تانيا" اليونانية خلال زيارته إلى اليونان، إن "أميركا تحاول بعد 11 أيلول استغلال الوضع لفرض آرائها وإزالة جميع الحواجز بغية التحوّل إلى القوة الحصرية في العالم". وأضاف "إن استمر الوضع على هذه الحال، فسوف يزج الأميركيون أوروبا في "محور الشر"، وكذلك الصين وروسيا، وسيتوجه العالم نحو حرب فظيعة". ورأى أن القوات الأميركية موجودة في آسيا الوسطى "ليس لمواجهة الإرهاب بل لإقامة قواعد".
تعرّضت السياسة الخارجية الأميركية لانتقادات عديدة من مسؤولين أميركيين سابقين ومسؤولين غربيين، وكان أبرزها تلك التي وجهتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت للسياسة الخارجية لإدارة بوش وخصوصاً سياسة "محور الشر". وقالت إن بوش ارتكب "خطاً كبيراً" حين جمع إيران والعراق وكوريا الشمالية معاً في خطابه عن حال الاتحاد. وأضافت "إن الولايات المتحدة تحاول احتواء الرئيس صدام حسين منذ عام 1991، ومن الضروري القيام بعمل قوي. ولكن الوضع بالنسبة إلى إيران معقد بدرجة أكبر والولايات المتحدة في حاجة لمساعدة طهران في التعامل مع أفغانستان". أما بشأن كوريا الشمالية، فقالت أولبرايت "حين غادرنا السلطة تركنا على المائدة احتمال التوصل إلى اتفاق لوقف تصدير تكنولوجيا الصواريخ. أعتقد ان التخلي عن ذلك خطأ نعرف أن كوريا الشمالية خطرة لكن جمع الدول الثلاث معاً خطر".
وفي تأكيد على الفوضى والتخبط في السياسة الخارجية الأميركية. وجهت أولبرايت مجدداً في 20/5/2002 انتقادات حادة إلى إدارة بوش. وقالت: يبدو أن فريق بوش المكلف بالسياسة الخارجية يعاني من فوضى تجعله متردداً بين اتجاهين في شأن عدد من القضايا المهمة". وأضافت إن المسؤولين في إدارة بوش "يتحدثون عن أهمية تحالفاتنا الأوروبية والآسيوية ثم يغفلون استخدام هذه التحالفات في شأن قضايا أمنية مشتركة". وتابعت إنهم "يدعون إلى نظام تجاري عالمي أكثر انفتاحاً ثم يفرضون تدابير حمائية على الصلب ويدعمون المزارعين الأميركيين عبر زيادة المساعدات".
وقالت أولبرايت "إنهم يحذرون من مخاطر الصواريخ العابرة ويماطلون بلا مبرر في التفاوض مع كوريا الشمالية. إنهم ينتقدون النقص في الديموقراطية في كوبا ويشيدون بالأنظمة الاستبدادية في ماليزيا ودول أخرى". وأضافت "هذه الازدواجية موجودة أيضاً في أفغانستان حيث يستخفون يوماً بإعادة الإعمار فيها، وفي اليوم التالي يقترحون خطة مارشال، وكذلك في الشرق الأوسط، حيث تتغيّر الإشارات التي يرسلونها من يوم إلى آخر". وتابعت إن "أساس المشكلة يكمن في أن قسماً من الإدارة يؤمن حقاً بالديبلوماسية الدولية والقانون، والقسم الآخر غير مقتنع بذلك"، وذلك في إشارة إلى الصراع المعروف بين وزارتي الدفاع والخارجية حيث كان يهيمن الصقور على وزارة الدفاع بقيادة رامسفيلد ويدعمه تشيني، فيما كانت تتمتع وزارة الخارجية بقيادة باول برؤية مختلفة تتسم بالمرونة وضرورة حل بعض النزاعات والخلافات بالطرق الديبولماسية والحوار وليس بالتهديدات والاتهامات.
السياسة النووية الأميركية
بحسب تقرير سري قدمته وزارة الدفاع إلى الكونغرس في كانون الثاني2002، في إطار إعادة النظر في العقيدة النووية الأميركية، إقترح البنتاغون هجمات نووية ضد روسيا والصين وخمس دول أخرى لا تملك رسمياً السلاح النووي، وهي العراق وكوريا الشمالية وإيران وليبيا وسوريا، في حال نفذت هجوماً واسع النطاق على الولايات أو على حلفائها بأسلحة الدمار الشامل.
وأظهرت مقتطفات من التقرير الذي كشفته الصحف الأميركية في 15/3/2002 أن الولايات المتحدة قد تتوقف عن احترام قرار تجميد التجارب النووية لتتمكن من إنتاج جيل جديد من أسلحة مضادة للتحصينات. وجاء في هذه الوثيقة التي حصل عليها مركز الأبحاث والتحليل غلوبال سكيوريتي أورغ في واشنطن ونشرها على موقعه عبر شبكة الإنترنت "أن الولايات المتحدة تحاول تطوير ترسانتها من دون إجراء تجارب نووية جديدة، لكنها لن تتمكن من المحافظة على هذا الموقف إلى الأبد". وأشار واضعوا الدراسة إلى وجود مشاكل في الترسانة الأميركية عائدة في شكل أساسي إلى التلف أو عيوب في الصنع. وأضافت "ستزداد صعوبة تقويم القدرات النووية بموضوعية من دون إجراء تجارب".
وتحترم الولايات المتحدة مثل بريطانيا فورنسا وروسيا والصين قراراً يقضي بتجميد التجارب النووية منذ سنة 1992.
ودافع وزير الدفاع الأميركي عن المفهوم النووي الأميركي الجديد في حين أعلنت وزارة الطاقة عن دراسة حول الأسلحة النووية المضادة للتحصينات. وقال رامسفيلد إن مراجعة المفهوم النووي عمل جيد. فهي لم تسبّب مشاكل مع روسيا التي أبلغت بذلك مسبقاً وكذلك حلفاؤنا. وأوضح أنه درس مطولّاً هذا الأسبوع الموضوع من وزير الدفاع الروسي، سيرغي إيفانوف.
واعتبر الرئيس الإيراني محمد خاتمي أن التهديدات النووية الأميركية تشمل البشرية بأسرها. وقال إن "القوة التي تهدد شعباً آخر بأسلحة نووية لا تهدد هذا الشعب فحسب بل كذلك البشرية بأسرها.
وانتقدت كوريا الشمالية في شدة السياسة النووية الأميركية الجديدة وهددت بإعادة النظر في جميع اتفاقاتها مع الولايات المتحدة، في وقت جرت محادثات بين البلدين لاحتواء التوتر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الكورية الشمالية "الآن ومع وجود المجانين النوويين في البيت الأبيض، نحن مضطرون إلى مراجعة كل اتفاقاتنا مع الولايات المتحدة في حال كانت مشاريعهم بتوجيه ضربات نووية ضد كوريا الشمالية صحيحة" متحدثاً عن "إجراءات مضادة.
وكان وزير الطاقة الأميركي سبنسر إبراهام قد أعلن للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي عن دراسة كلفتها 10 ملايين دولار جارية حالياً للتحقق ما إذا يمكن تغيير رؤوس نووية موجودة لتحويلها إلى أسلحة تستطيع اختراق العمق.
ويرى العسكريون الأميركيون أنه لا بد من تطوير جيل جديد من الأسلحة النووية للتمكن من تدمير منشآت مقامة تحت سطح الأرض. وتشير وكالة استخبارات الدفاع "دي إي إيه" إلى وجود أكثر من 10 آلاف منشأة من هذا النوع حالياً في 70 بلداً قد يكون 1400 منها يستخدم لإخفاء أسلحة دمار شامل ومنصات إطلاق صواريخ باليستية وكذلك مراكز قيادة استراتيجية. وتفيد الوثيقة أن "الولايات المتحدة لا تملك حالياً الوسائل الملائمة لمواجهة هذه المنشآت".
الدرع الصاروخية
أعلنت وزارة الدفاع الأميركية وفي 16 آذار2002 أن قذيفة دمرت رأساً حربياً وهمياً في الفضاء فوق المحيط الهادئ بعد أن ختارت الهدف بدقة من بين ثلاث بالونات خداعية في اختبار ناجح لبرنامج الدفاع الصاروخي الأميركي NMD. وكلفت التجربة 100 مليون دولار. وكان هذا رابع اختبار ناجح منذ عام 1999 في الجهود الأميركية لتطوير الدرع المضادة للصواريخ الذي يهدف إلى اعتراض أي صاروخ باليستي معادٍ في الفضاء قبل أن يصل إلى الأراضي الأميركية أو دولة حليفة للولايات المتحدة، من دول معادية مثل كوريا الشمالية وإيران والعراق.
وتعارض روسيا والصين الدرع الصاروخية الأميركية باعتبار أنها يمكن أن تؤدي إلى سباق تسلّح. ولكن الولايات المتحدة انسحبت من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ ذاتية الدفع المبرمة عام 1972 بين موسكو وواشنطن ABM والتي حظرت نشر مثل هذا النظام. واعتبرت روسيا أن انسحاب أميركا من المعاهدة أضر بنسيج الاستقرار الاسترايتيجي خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية
وقال رامسفيلد إنه بعد أن يصبح انسحاب الولايات المتحدة من ABM سارياً واعتباراً من حزيران 2002 سيكون في وسعنا تجربة وتطوير أنظمة دفاعية مضادة للصواريخ ونشرها، إذا قررنا ذلك. وأعلنت وزارة الدفاع الميركية أنها ستبدأ غداة انتهاء التزامها بمعاهدة الحد من انتشار الصواريخ، في بناء ستة مراكز تحت الأرض في فورت غريلي في آلاسكا لنصب الصواريخ المعترضة.
وبعد فشل المحاولات التي بذلتها موسكو لإنقاذ المعاهدة مع واشنطن، تم التوافق على توقيع معاهدة لنزع الأسلحة الاستراتيجية تقلّص الترسانة النووية في كلا البلدين بمقدار الثلثين، والتي كانت مقدرة عام 2002 بنحو ستة آلاف رأس نووي لكل منهما، أي إلى ما بين 1700 و2300. ولقد وقع المعاهدة الرئيسان الأميركي جورج بوش والروسي فلاديمير بوتين، خلال لقاء القمة بينهما في أيار2002 في موسكو.
خلاصة
نفذت أميركا وبريطانيا الخيار العسكري لتغيير النظام العراقي وخصوصاً عبر الغزو البري في آذار2003 وتم احتلال العاصمة بغداد في 13 نيسان 2003.
أما بالنسبة إلى إيران، فإن الولايات المتحدة تجنبت الخيار العسكري معها، وذلك بسبب عدم قدرتها على إلحاق هزيمة بإيران، على غرار العراق وأفغانستان، ولعدم وجود أي مبرّر قانوني وأخلاقي دولي لهكذا هجمات. لكن واشنطن كثفت الضغوط الإعلامية والسياسية والاقتصادية على طهران، لجعلها في موقع دفاعي يدفعها إلى عدم مواجهة النفوذ الأميركي في أفغانستان والعراق وآسيا الوسطى من جهة، وعدم دعم حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية ضد إسرائيل من جهة أخرى، وعرقلة مشروعها النووي السلمي من جهة ثالثة.
أما بالنسبة إلى السياسة الأميركية تجاه روسيا والصين وكوريا الشمالية وغيرها من الدول التي تعارض السياسات الأميركية، ففضلاً عن وضع خطط لاستهدافها بضربات نووية، فقد واصلت واشنطن منذ عام 2002 سياسة العقوبات والتهديدات ضد القوى الإقليمية(إيران، ليبيا، كوبا، سوريا)، بينما هادنت الدول الكبرى كروسيا والصين، وكذلك كوريا الشمالية، بسبب قدراتها العسكرية في الدفاع عن نفسها في حال أي تهديد أميركي لها.
وراهنت الولايات المتحدة على برنامج الدرع الصاروخية NMD بعدما رضخت روسيا وقبلت بإلغاء معاهدة أي بي أم، فهذا البرنامج في حال نجاحه سيكفل للأميركيين تفوّقاً استراتيجياً على روسيا والصين، فضلاً عن الدول الأقل تسلحاً بحيث تصبح جميع الصواريخ الباليستية ذوات الرؤوس النوورية أو الكيميائية أو البيولوجية التي قد تهدد الولايات المتحدة غير ذات فاعلية في حال نجاح هذا البرنامج. وإعتقدت واشنطن واهمة أن ذلك سيضمن لها الهيمنة الآحادية المطلقة العسكرية والسياسية والاقتصادية على العالم.
Comments
Post a Comment