"السلام الأزرق في الشرق الأوسط" تطويقاً للحرب المحتملة حول المياه




د.هيثم مزاحم

صحيفة البلد - السبت 30 آذار 2013 



أزمة المياه في الشرق الأوسط ليست جديدة والدراسات تتوقع استفحال هذه الأزمة خلال العقود الثلاثة المقبلة نتيجة عوامل التصحر والتغيّر المناخي من جهة، وزيادة السكان وبالتالي زيادة الطلب على المياه من جهة أخرى.

ويرى الباحثون المختصون بقضية المياه أن التعاون بين الدول المتجاورة والتشارك في مصادر المياه، وخصوصاً في المياه العابرة للحدود، فضلاً عن ترشيد استهلاك المياه وتوفيرها، سوف تساعد في حل هذه الأزمة أو على الأقل التخفيف من حدتها، وذلك بدلاً من التنازع والحروب من أجل المياه.

هذا كان موضوع مؤتمر "السلام الأزرق في الشرق الأوسط" الذي عقد في اسطنبول في 18 و19 آذار الجاري، ونظمته مجموعة الاستشراف الاستراتيجي الهندية ومجلة "توركيش ريفيو" التركية وجامعة "باهتشيشهر" التركية بتمويل من الوكالة السويدية للتعاون والتنمية الدولية والوكالة السويسرية للتعاون والتنمية. وشارك في المؤتمر أكثر من 65 مشاركاً بينهم وزراء ونواب ومسؤولون حكوميون سابقون وخبراء مياه وباحثون وإعلاميون من تركيا والعالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة. وكان للبنان وفد كبير في المؤتمر ضم سياسيين وخبراء وإعلاميين.

وتهدف مبادرة "السلام الأزرق في الشرق الأوسط"، التي أطلقت العام 2010، بتمويل سويسري وسويدي إلى استخدام المياه كأداة لصنع السلام وتعزيز التعاون لتحقيق الأمن المائي في المنطقة. لكن توقيت المؤتمر يأتي في وقت يغيب السلام عن المنطقة برمّتها سواء بسبب انتفاضات "الربيع العربي" وتداعياتها على العلاقات بين دول الجوار، وخصوصاً العلاقات بين تركيا وكل من سورية والعراق، أم بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وهضبة الجولان ومزارع شبعا ورفض إسرائيل للانسحاب من هذه الأراضي المحتلة وبالتالي عن مصادر المياه فيها.

وقد عبّر أحد المشاركين الممثلين لمنظمة التحرير الفلسطينية عن ذلك بقوله إننا لا نعاني من مشكلة عدم التعاون والتشارك في المياه فقط بل نعاني من احتلال الأرض وسرقة مصادر المياه الجوفية أيضاً.

وقد تحفظ أحد الخبراء اللبنانيين في كلمته خلال المؤتمر على مسألة التشارك في المياه، لجهة رفض ادعاء الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في أوائل التسعينات بأن الماء كالهواء حق طبيعي لا يمكن منع أحد من الوصول إليه، معتبراً أن الماء هو حق سيادي للدولة التي يمر فيها وهو ليس مباحاً كالهواء، وزعم بيريز يعني استباحة الأراضي والمياه.

وكانت هناك تحفظات للوفد العراقي على كلام بعض السياسيين المشاركين في المؤتمر، وبخاصة الأتراك منهم، حيث لمسوا إشارات على عدم رغبة الأتراك بتشارك مياه نهري الفرات ودجلة في المستقبل، عندما أشار أحد المتحدثين إلى أن تركيا ليست غنية بالمياه وأنها ستكون فقيرة مائياً خلال السنوات المقبلة، فيما أشار متحدث آخر إلى أهمية استثمار المياه كسلعة اقتصادية، ما اعتبر محاولة للترويج بأن لمشاركة المياه ثمناً وليس حقاً طبيعياً للدول المتشاطئة.


في الصورة: الأميرة سمية بنت الحسن


وتحدثت الأميرة الأردنية سمية بنت الأمير الحسن بن طلال باسم والدها، في إحدى جلسات المؤتمر، عن ندرة المياه في المنطقة ودعت إلى أهمية التعاون والتكامل بين الخبراء والعلماء والسياسيين من أجل إيجاد حلول لهذه المشكلة.
وتحدث رئيس معهد المياه التركية أحمد سعتي نيابة عن وزير الغابات التركي فيسيل ايروغلو، وأكد على ضرورة التعاون في إدارة أحواض الأنهار ودعا إلى التعاون الدائم بشأن نهري دجلة والفرات.

عضو مجاس اللوردات البريطاني اللورد ألدرديس دعا إلى أهمية التعاون الإقليمي بدلاً من النهج الثنائي، وأعطى مثالاً في أوروبا، حيث شكل الفحم والصلب وسيلة للتعاون بين الدول الأوروبية، وأشار إلى أن المياه لديها القدرة على تشكيل أساس للتعاون في الشرق الأوسط. كما أعطى مثالاً من لجنة صيد الأسماك في ايرلندا الشمالية التي ساعدت في تحقيق السلام في الصراع.
وقد قررت الهيئة المنظمة تشكيل "شبكة إعلامية للسلام الأزرق" من أجل التعاون في سبيل نشر الوعي عن أزمة المياه وكيفية التعاون بين دول المنطقة وكذلك تدريب إعلاميين على قضايا المياه.

وأعرب المشاركون في المؤتمر عن دعمهم لمبدأ التعاون الإقليمي في مسألة المياه وشددوا على أنه ليس من الضروري انتظار الوقت المناسب لأنه ليست هناك لحظة مثالية لبدء التعاون السياسي، بل ينبغي البدء في ذلك على وجه السرعة، وأن من المهم أن يكون التعاون متعدد الأطراف في حالة الأنهار العابرة للحدود، من أجل نتائج أفضل، كما يتبين من تجارب أوروبا وأفريقيا وآسيا.


وأوصى المشاركون إلى الرصد المشترك لكمية ونوعية تدفقات المياه، والصرف وقياس البيانات والدراسات المشتركة لأحواض الأنهار من الدول المشاطئة. فالمياه ليست مطلوبة للاستهلاك المباشر فحسب، بل هي ضرورية أيضاً للغذاء والطاقة المائية والكهرباء والصحة والصناعة وأغراض أخرى كثيرة. ولذلك، ينبغي إشراك وزارات البيئة والصحة والطاقة والشؤون الخارجية، وغيرها من فروع الحكومة للتعاون في مجال المياه.

في إحدى جلسات المؤتمر عرض المشاركون لأهمية دور الإعلام في توعية الجمهور بأهمية المياه وضرورة ترشيد استهلاكها وعدم الإسراف في الضخ والاستهلاك من أجل المساهمة في التخفيف من أزمة المياه، وانعدام ثقافة المياه عندنا في العالم العربي.

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم

آية الله الشيخ حسن رميتي: نؤيد التخصص في الدراسة الحوزوية