إضاءة على العلاقات الإيرانية – المصرية هيثم مزاحم

إضاءة على العلاقات الإيرانية – المصرية
هيثم مزاحم


تعود بداية العلاقات المصرية الإيرانية إلى سنة 1847 حين تم افتتاح قنصلية لرعاية المصالح الإيرانية في القاهرة. أعقب ذلك توقيع اتفاقات صداقة بين البلدين عام 1928. وكان التطوّر الأبرز في العلاقات زواج ابن الشاه الإيراني آنذاك محمد رضا بهلوي من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق عام 1939، وهو زواج قرّب بين العائلتين الملكيتين في الدولتين.
بعد ثورية يوليو المصرية عام 1952 تراجعت العلاقات بين الدولتين، خصوصاً بعد انضمام إيران إلى حلف بغداد الذي أنشأته بريطانيا وأميركا عام 1955 للوقوف في وجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط، وكان موجّهاً بشكل أساسي ضد نظام الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
في يوليو 1960 قرر الشاه إقامة تمثيل دبلوماسي كامل بين إيران وإسرائيل. ووجه عبد الناصر نقداً عنيفا للشاه في خطاب تحدث فيه عن خطورة اعتراف الشاه بإسرائيل يظهر فيه أنه ألعوبة فى يد الاستخبارات المركزية الأميركية. وقد تسبب تقريع عبد الناصر للشاه فى قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران.
تسلم أنور السادات سدة الرئاسة في مصر خلفاً لعبد الناصر عام 1970 ووقع معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979 معلناً خروج مصر من الصراع العربي - الإسرائيلي، ودخولها في التحالف مع الولايات المتحدة لاعتقاده بأن 99% من أوراق لعبة الشرق الأوسط فى يدها. كل ذلك نفخ الروح في العلاقات المصرية - الإيرانية وخلق صداقة قوية بين الشاه والسادات، بينما كان عبد الناصر قد أبدى إعجابه بمواقف الإمام الخميني من القضية الفلسطينية وأعلن دعمه لحركته ضد نظام الشاه.
هذه الحركة التي تحوّلت إلى ثورة شعبية أطاحت بنظام محمد رضا بهلوي وأقامت جمهورية إسلامية ألغت اعتراف إيران بالكيان الإسرائيلي وأغلقت سفارته في طهران وجعلت منها سفارة لفلسطين.
أما الشاه، الذي رفضت معظم الدول استقباله بعد فراره من إيران، فقد استضافته السادات في مصر وخصص له قصر القبة كي يقيم فيه حيث توفي ودفن في القاهرة عام 1980. النظام الإسلامي في إيران رد على استقبال القاهرة للشاه وعلاقتها بإسرائيل بقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
وشاء القدر أن يغتال ضابط إسلاميون في الجيش على رأسهم خالد الاسلامبولي السادات أثناء استعراض عسكري في ذكرى حرب أكتوبر عام 1980. إيران بادرت إلى تكريم الإسلامبولي بإطلاق إسمه على شارع رئيسي في طهران. هذا الأمر شكّل حجة للنظام المصري خلال عهد الرئيس حسني مبارك لعدم تطبيع العلاقات مع إيران، التي سعت منذ عهد الرئيس محمد خاتمي إلى استئناف هذه العلاقات.
وفي يناير 2008، أجرى مبارك والرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد محادثات مباشرة. وفي الشهر الذي تلاه، زار وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي القاهرة والتقى بمسؤولين مصريين وأعرب عن تفاؤله بقرب استئناف العلاقات بين الدولتين.
"إعدام الفرعون" فيلم وثائقي أنتجته لجنة إيرانية وعرض عام 2008، يتناول الفيلم حادثة اغتيال السادات ويصفه بالخائن، ويصف قتلته بالشهداء، مما أثر سلباً في العلاقات المصرية - الإيرانية وشكل انتكاسة للجهود التي قامت بها طهران خلال نحو عقد لتطبيع العلاقات.
في 8 ديسمبر 2008، طالب متظاهرون إيرانيون احتجاجاً على استمرار مصر في إغلاق معبر رفح والمشاركة في حصار غزة، باغتيال مبارك، وفي يناير 2009، اتهم أحمدي نجاد الحكومة المصرية بأنها "شريكة في جرائم غزة"، فتوترت العلاقات مجدداً وردت القاهرة بسحب القائم بأعمالها من طهران.
في 19 ديسمبر 2009، استقبل مبارك رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني في شرم الشيخ، على هامش مؤتمر البرلمانيين الإسلاميين، في خطوة لكسر الجفاء بين البلدين.
بعد اندلاع ثورة يناير 2011 وإطاحة المجلس العسكري بالرئيس مبارك في فبراير، عاد التقارب الإيراني الخليجي، وسمحت القاهرة بعبور سفينتين حربيتين إيرانيتين قناة السويس إلى سوريا.
وهذا الأسبوع زار رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين البروجوردي، القاهرة. وهو أول مسؤول ايراني يزور مصر منذ سقوط مبارك.
بوروجردي رأى ان ايران ومصر بلدان مهمان ولا بد من احداث تقارب بينهما سيكون له بدوره تأثير كبير على المنطقة والعالم وقال إن بلاده بانتظار قرارات الحكومة المصرية في هذا الشأن.
العلاقات بين القاهرة وطهران شهدت مداً وجسراً خلال العقدين الماضيين، وبرغم الأسباب المعلنة لعدم تطبيعها، لكن السبب الحقيقي يكمن في استمرار الصراع الأميركي - الإيراني في المنطقة.

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم

آية الله الشيخ حسن رميتي: نؤيد التخصص في الدراسة الحوزوية