سقوط وهم "السلام" الإسرائيلي
يأتي "يوم القدس العالمي"، الذي حدده الإمام الخميني في كل آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك هذا العام بعد 21 عاماً على إطلاق مؤتمر مدريد للتسوية السلمية، حيث لم
تحقق عملية التسوية، هذه برغم 19 عاماً على اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير
الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، أي إنجاز للقضية الفلسطينية، على صعيد
تحرير الأراضي المحتلة وعودة القدس واللاجئين وقيام الدولة الفلسطينية.
لكن هذه المفاوضات أتاحت الوقت والإمكانات للكيان الإسرائيلي لفرض وقائع
جديدة على الأرض من تهويد مستمر للقدس ومن قضم لأراضي الضفة الغربية،
وتوسّع المستوطنات، إلى بناء الجدار الفاصل، وتدمير قطاع غزة، وتهجير
الفلسطينيين من فلسطين. ولعل من المفيد تشريح رؤية قطبي السياسة
الإسرائيلية للتسوية السلمية وللكيان الفلسطيني المستقبلي، أي حزبا العمل
والليكود، وكذلك معرفة رؤية اليسار الإسرائيلي الذي يعرف "بمعسكر السلام".
مسائل الخلاف بين الحمائم والصقور في حزب العمل
دأبت وسائل الإعلام الإسرائيلية على إطلاق نعوت على السياسيين في إسرائيل مثل "الحمائم" و"الصقور" من أجل تصنيفهم تبعًا لمواقفهم تجاه عمليّة التسوية السلمية مع الفلسطينيين والعرب. ولكن استعمالنا لهذه النعوت تهدف فقط إلى تمييز المتطرّف عن الأقلّ أو الأكثر تطرّفًا بين الإسرائيليين، من دون أن يعني ذلك تسليمًا منّا بهذا التصنيف.
ولذلك ينبغي الحذر من هذه التصنيفات، إذ غالبًا ما يوصف سياسي ما بأنه "حمائميّ" بسبب مواقفه البراغماتية "المعتدلة" نسبيًّا(مقارنة بتطرف الآخرين)، لكنّه قد يتّخذ فجأة مواقف متشدّدة جدًّا تجعله حكمًا في خانة الصقور المتطرّفين، والعكس صحيح.
مسائل الخلاف بين الحمائم والصقور في حزب العمل
دأبت وسائل الإعلام الإسرائيلية على إطلاق نعوت على السياسيين في إسرائيل مثل "الحمائم" و"الصقور" من أجل تصنيفهم تبعًا لمواقفهم تجاه عمليّة التسوية السلمية مع الفلسطينيين والعرب. ولكن استعمالنا لهذه النعوت تهدف فقط إلى تمييز المتطرّف عن الأقلّ أو الأكثر تطرّفًا بين الإسرائيليين، من دون أن يعني ذلك تسليمًا منّا بهذا التصنيف.
ولذلك ينبغي الحذر من هذه التصنيفات، إذ غالبًا ما يوصف سياسي ما بأنه "حمائميّ" بسبب مواقفه البراغماتية "المعتدلة" نسبيًّا(مقارنة بتطرف الآخرين)، لكنّه قد يتّخذ فجأة مواقف متشدّدة جدًّا تجعله حكمًا في خانة الصقور المتطرّفين، والعكس صحيح.
وكان المقصود أكثر بجناح "الحمائم" هم ما يعرف بمعسكر "السلام" الإسرائيلي من أحزاب وحركات اليسار، ومن ضمنهم حزب العمل وحركة ميريتس.
وقبل أن نحدّد الفوارق بين "الحمائم" و"الصقور" في حزب العمل الإسرائيلي في الموقف من التسوية، لابدّ لنا من أن نحدّد أوّلاً نقاط الاتفاق بينهما، وهي: السيادة الإسرائيلية الاحتلالية على القدس الموحَّدة، وقضيّة اللاجئين ورفض حقّ العودة، ولاعودة إلى حدود العامِ 1967، ولا ضمّ كاملاً للمناطق، والسعي وراء ضمّ مناطق معيّنة من الضفّة الغربيّة، بما في ذلك المستوطنات الموجودة فيها (القدس وغوش عتسيون وأجزاء معيّنة في منطقتَي طولكرم وقلقيلية)، واعتبار نهر الأردن وشمال غرب البحر الميّت حدًّا أمنيًّا للكيان إلاسرائيلي، والموافقة على كيان فلسطيني يضمّ المناطق المزدحمة بالسكان الفلسطينيين، وانسحاب ما من الجولان على أساس حلّ وسط مع ترتيبات أمنية شماليّة وتطبيع العلاقات.
أمّا نقاط الخلاف بينهما فتنحصر في:
1- طبيعة الكيان الفلسطيني الذي سينشأ، إذ كان الصقور يعارضون حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني في دولة مستقلّة، ويدعون إلى كيان فلسطيني يقوم على علاقة اندماجية أو فيديرالية مع الأردن (أو ربّما مع إسرائيل ضمن إطار صيغة ما).
بينما لايعارض "الحمائم" خيار الدولة الفلسطينية في المناطق التي ستجلو إسرائيل عنها.
2- وبينما يكتفي الحمائم بضمّ إسرائيل للقدس الشرقية بحدودها البلدية المعيّنة بعد الاحتلال فورًا والمناطق المذكورة آنفًا، يطالب الصقور بضمّ "مناطق واسعة تشمل القدس الكبرى ومنطقة غوش عتسيون وغرب قضاء نابلس وغور الأردن وشمال غرب البحر الميّت. وتبلغ مساحة هذه المناطق المقترح ضمّها 20%-25% من إجماليّ مساحة الضفّة الغربية، وتضمّ جميع المستوطنات الكبيرة ونحو 70% من المستوطنين".
3- وبالنسبة إلى المستوطنات؛ يدعو "الحمائم" إلى التخلّي عن المستوطنات في المناطق التي ستنشأ الدولة الفلسطينية فيها وترحيل المستوطنين إلى "إسرائيل"، أو "التخلّي عن المستوطنات الصغيرة، الواقعة في مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية، والسعي وراء بقاء المستوطنات الكبيرة تحت السيادة الفلسطينية، مع ضمان أمنها وتخيير المستوطنين فيها بين البقاء والرحيل إلى إسرائيل".
أمّا الصقور فيعارضون التخلّي عن المستوطنات الكبيرة، ويسعَون وراء المستوطنات الصغيرة تحت السيادة الفلسطينية مع ضمان أمنها.
أمّا التحوّل الذي طرأ على نظرة الحمائم فقد تمثّل في قبولهم بتوسيع المناطق التي ينبغي السعي وراء ضمّها إلى إسرائيل، بحيث تشمل منطقة القدس الكبرى والمستوطنات الكبيرة كافّة، بالإضافة الى المناطق الأخرى التي يوافقون على ضمّها.
ويفسّر الكاتب الإسرائيليّ عوزي بن زيمان هذا التغيّر بسبب ما لمسوه من استعداد لدى بعض المفاوضين الفلسطينيين لقبول هذه الفكرة من جهة، وإلى ما حقّقته سياسة اسحاق رابين في التمهيد لوجهة نظر الصقور على أرض الواقع من خلال استيطان مكثّف وربط بين المستوطنات. حتّى أن شمعون بيريز فكّر بالعودة إلى مشروع الحلّ الوظيفي خلال فترة حكمه، لكن العمليات الاستشهادية الفلسطينية قد وضعت حدًّا لهذا التوجّه في الحزب حيث أقرّ الحزب في برنامجه الأخير مبدأ الفصل بين الشعبَين الفلسطيني والإسرائيلي في كيانَين منفصلَين، وهو يؤكّد عودة الحزب بزعامة باراك إلى الحلّ الإقليمي الوسط.
وهكذا نجد أنه نتيجة لهذه التحوّلات في وجهتَي نظر الحمائم والصقور، فقد أصبحت الفوارق بين الطرفَين غير جوهريّة، ما أدّى إلى تلاشي هذَين التيارين بفعل وحدة موقف حزب العمل.
1- طبيعة الكيان الفلسطيني الذي سينشأ، إذ كان الصقور يعارضون حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني في دولة مستقلّة، ويدعون إلى كيان فلسطيني يقوم على علاقة اندماجية أو فيديرالية مع الأردن (أو ربّما مع إسرائيل ضمن إطار صيغة ما).
بينما لايعارض "الحمائم" خيار الدولة الفلسطينية في المناطق التي ستجلو إسرائيل عنها.
2- وبينما يكتفي الحمائم بضمّ إسرائيل للقدس الشرقية بحدودها البلدية المعيّنة بعد الاحتلال فورًا والمناطق المذكورة آنفًا، يطالب الصقور بضمّ "مناطق واسعة تشمل القدس الكبرى ومنطقة غوش عتسيون وغرب قضاء نابلس وغور الأردن وشمال غرب البحر الميّت. وتبلغ مساحة هذه المناطق المقترح ضمّها 20%-25% من إجماليّ مساحة الضفّة الغربية، وتضمّ جميع المستوطنات الكبيرة ونحو 70% من المستوطنين".
3- وبالنسبة إلى المستوطنات؛ يدعو "الحمائم" إلى التخلّي عن المستوطنات في المناطق التي ستنشأ الدولة الفلسطينية فيها وترحيل المستوطنين إلى "إسرائيل"، أو "التخلّي عن المستوطنات الصغيرة، الواقعة في مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية، والسعي وراء بقاء المستوطنات الكبيرة تحت السيادة الفلسطينية، مع ضمان أمنها وتخيير المستوطنين فيها بين البقاء والرحيل إلى إسرائيل".
أمّا الصقور فيعارضون التخلّي عن المستوطنات الكبيرة، ويسعَون وراء المستوطنات الصغيرة تحت السيادة الفلسطينية مع ضمان أمنها.
أمّا التحوّل الذي طرأ على نظرة الحمائم فقد تمثّل في قبولهم بتوسيع المناطق التي ينبغي السعي وراء ضمّها إلى إسرائيل، بحيث تشمل منطقة القدس الكبرى والمستوطنات الكبيرة كافّة، بالإضافة الى المناطق الأخرى التي يوافقون على ضمّها.
ويفسّر الكاتب الإسرائيليّ عوزي بن زيمان هذا التغيّر بسبب ما لمسوه من استعداد لدى بعض المفاوضين الفلسطينيين لقبول هذه الفكرة من جهة، وإلى ما حقّقته سياسة اسحاق رابين في التمهيد لوجهة نظر الصقور على أرض الواقع من خلال استيطان مكثّف وربط بين المستوطنات. حتّى أن شمعون بيريز فكّر بالعودة إلى مشروع الحلّ الوظيفي خلال فترة حكمه، لكن العمليات الاستشهادية الفلسطينية قد وضعت حدًّا لهذا التوجّه في الحزب حيث أقرّ الحزب في برنامجه الأخير مبدأ الفصل بين الشعبَين الفلسطيني والإسرائيلي في كيانَين منفصلَين، وهو يؤكّد عودة الحزب بزعامة باراك إلى الحلّ الإقليمي الوسط.
وهكذا نجد أنه نتيجة لهذه التحوّلات في وجهتَي نظر الحمائم والصقور، فقد أصبحت الفوارق بين الطرفَين غير جوهريّة، ما أدّى إلى تلاشي هذَين التيارين بفعل وحدة موقف حزب العمل.
الفوارق بين حزبي العمل والليكود
إذا كانت المبادئ الصهيونية الأساسية هي القاسم المشترك بين جميع الأحزاب الإسرائيلية (باستثناء بعض الشيوعيين والأحزاب العربية)، فإن الخلافات بينها تنحصر في المسائل التالية: طابع الدولة (علماني أو ديني) وشكل النظام الاقتصادي (اشتراكي أو مختلط أو ليبرالي) وحدود الكيان (إسرائيل الكبرى أو حدود الخطّ الأخضر 1948- 1949 أو ما بينهما)، وتسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي.
ويمكن حصر الخلافات بين قطبي السياسة الإسرائيلية، أي حزب العمل وتكتّل الليكود بالمسائل التالية: الدولة الفلسطينية، وحدود الكيان الإسرائيلي ومصير المناطق المحتلّة العامَ 1967 ومصير المستوطنات الإسرائيلية، والتسوية مع سوريا ومسألة الانسحاب من الجولان، وعودة النازحين العامَ 1967. وقد رأينا آنفا موقف حزب العمل من هذه المسائل والخلافات داخله حولها بين تيارَي الحمائم والصقور، ويبقى أن نعرض مواقف الليكود منها:
إذا كانت المبادئ الصهيونية الأساسية هي القاسم المشترك بين جميع الأحزاب الإسرائيلية (باستثناء بعض الشيوعيين والأحزاب العربية)، فإن الخلافات بينها تنحصر في المسائل التالية: طابع الدولة (علماني أو ديني) وشكل النظام الاقتصادي (اشتراكي أو مختلط أو ليبرالي) وحدود الكيان (إسرائيل الكبرى أو حدود الخطّ الأخضر 1948- 1949 أو ما بينهما)، وتسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي.
ويمكن حصر الخلافات بين قطبي السياسة الإسرائيلية، أي حزب العمل وتكتّل الليكود بالمسائل التالية: الدولة الفلسطينية، وحدود الكيان الإسرائيلي ومصير المناطق المحتلّة العامَ 1967 ومصير المستوطنات الإسرائيلية، والتسوية مع سوريا ومسألة الانسحاب من الجولان، وعودة النازحين العامَ 1967. وقد رأينا آنفا موقف حزب العمل من هذه المسائل والخلافات داخله حولها بين تيارَي الحمائم والصقور، ويبقى أن نعرض مواقف الليكود منها:
1- بالنسبة إلى حدود الدولة فإن أيا من الحزبين لم يعلن خلال حكمه أو في برامجه حدودَ "إسرائيل" الجغرافية-البشرية. وذلك لأنَّ الحدود في الاستراتيجية الصهيونية تقرّرها الحقائق على الأرض، المتمثّلة في مناطق الاستيطان من جهة، وموازين القوى السياسية والعسكرية خلال المفاوضات من جهة أخرى. وهذا أحد أسباب عدم وضع دستور مكتوب وثابت للكيان الإسرائيلي كي لا يقيّد المشروع الصهيوني التوسّعي.
وإذ يرفض حزب العمل فكرة الضمّ الكلّي للمناطق المحتلّة العامَ 1967، فإن الليكود يدعو إلى ضمّ الضفّة الغربية (يهودا والسامرة)، ولاسيّما منطقة القدس الكبرى بحدودها الموسّعة ومناطق المستوطنات الكبيرة والصغيرة كلّها إلى السيادة الإسرائيلية.
2- يعارض الليكود قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزّة، ويعارض الانسحاب الإسرائيلي من معظم أجزاء الضفة الغربية، ويرفض كذلك وقف الاستيطان في منطقة القدس والمناطق المجاورة لها في الضفة الغربية، وذلك من أجل خلق أمر واقع يمنع التنازل الإسرائيلي عنها. ويرى الليكود أن حلّ المشكلة الفلسطينية يكون في إدارة ذاتية للسكّان في المناطق المحتلّة تحت السيادة الإسرائيلية، وربّما عبر الحلّ الوظيفيّ القائم على تقاسم السلطات مع الأردن في إطار تسوية دائمة. أمّا مشكلة اللاجئين والنازحين فيرفض الليكود البحث فيها إذ يرى أنه ينبغي حلّها ضمن نطاق الدول العربية.
3- أمّا بالنسبة إلى التسوية مع سوريا فيطرح الليكود مبدأ السلام مقابل السلام رافضًا الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان، وداعيًا إلى استمرار خضوعها للسيادة الإسرائيلية التي أقرّها الكنيست العامَ 1981.
4- ويختلف الحزبان في موقفهما من الاستيطان، إذ كان حزب العمل يركّز على الاستيطان الأمني في المناطق غير المأهولة بكثافة سكّانية فلسطينية، والتي يسعى وراء ضمّها إلى الكيان إلاسرائيلي لاحقًا.
بينما لايفرّق الليكود بين الاستيطان الأمني أو السياسي أو الأيديولوجي، فكلّ أراضي فلسطين هي "أرض إسرائيل التاريخية" ولليهود حقّ في استيطانها بدون مراعاة للعامل الديموغرافي أو الأخلاقي، أو للمعارضة الدولية والعربية والفلسطينية لهذا الاستيطان غير الشرعيّ.
أمّا حزب العمل فرغم تمييزه بين الاستيطان الأمني والاستيطان السياسي، فإن حكومات العمل أو الحكومات التي شارك فيها جمّدت إستمرّت في استكمال الغالبية العظمى من المستوطنات المسماة سياسية، إضافة إلى المستوطنات الأمنية التي واصل بناءها في منطقة القدس الكبرى وعلى امتداد "الخطّ الأخضر".
5- ويتّفق الحزبان العمل والليكود على اعتبار مدينة القدس "العاصمة الأبدية لإسرائيل، والتي لاتتجزّأ"، وعلى ضمّ منطقة القدس الكبرى مناطق حيوية لأمن إسرائيل في الضفة الغربية، ولا سيّما المستوطنات الكبرى في المناطق غير المأهولة بكثافة عربية، واعتبار نهر الأردن حدًّا أمنيًّا لإسرائيل.
كما يتّفقان على عدم عودة لاجئي العامِ 1948 إلى قراهم، وعلى تجريد الكيان الفلسطيني من السلاح ومنع أي جيش أجنبيّ من عبور غرب نهر الأردن.
6- وعلى الرغم من وجود بعض الخلافات السياسية والفكرية بين الحزبَين فإنها ليست خلافات جوهرية، ذلك أن معظم الخلاف بينهما هو في الصراع على السلطة، وفي أساليب تحقيق المشروع الصهيوني، وقراءة الظروف الدولية والإقليمية الملائمة لتنفيذ مراحل المشروع، وتقدير الأخطار المتوقّعة من جرّاء مشروع "إسرائيل الكبرى".
فحزب العمل بمختلف قادته واتّجاهاته يؤمن بأن أرض إسرائيل التاريخية (الكبرى) تشمل كلّ فلسطين (والأردن)، لكنّه يرى أن الظروف لاتسمح باحتلال كلّ هذه الأراضي وضمّها إلى إسرائيل، وذلك لآثار الوضع الديموغرافي والأخلاقي على فرادة الدولة اليهودية ونقائها في حال ضمّ مليون ونصف مليون مقيمين في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، وفي تحوّل إسرائيل إلى دولة عنصريّة وغير ديمقراطية شبيهة بدولة جنوب إفريقيا سابقًا، أي حكم الأقليّة اليهودية بقوّة السلاح للأغلبية العربيّة.
وإذا كان الجانب الأخلاقي لايهمّ كثيرًا قادة حزب العمل أو الليكود، فإن تحوّل "إسرائيل" إلى دولة ثنائية القومية هو ما يشكّل خطرًا مستقبليًّا عليها.
لذلك يختلف حزب العمل مع الليكود في رؤيته بضرورة التسليم بهذه الحقائق، ولاسيّما بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية العامَ 1987، حيث تبيّن أنه لم يعد في الإمكان إنكار حقيقة وجود الشعب الفلسطيني، بل من الأجدى الاعتراف به وبحقّه في تقرير المصير في دولة فلسطينية محدودة السلطات وفي أقلّ قدر ممكن من الأراضي. لأنّ هذه الفرصة التاريخية قد لاتسنح مجدّدًا لإسرائيل، وربّما تتغيّر الظروف الدولية والإقليمية، الأمر الذي قد يفرض عليها القبول بتسوية تتطلّب تنازلات أكثر.
7- لعلّ أبرز دليل على توافق الحزبَين على معظم القضايا الأساسية هو ائتلافهما في حكومة مشتركة مرّات عدّة (1967-1969 و1984-1990) واستعداد بيريز للاشتراك مع نتنياهو في حكومة وحدة وطنيّة العامَ 1996 واشتراك وزراء من حزب العمل في الحكومة التي شكّلها آرييل شارون بعد فوزه في انتخابات رئاسة الحكومة الأخيرة في شباط/ فبراير 2001، ومشاركة حزب العمل في حكومة بنيامين نتنياهو، وانضمام بعض القادة من أحد الحزبَين إلى الحزب الآخر(موشي دايان وجماعة بن غوريون انضمّوا إلى الليكود، وعيزرا وايزمان ومجموعته انتقلوا من الليكود إلى حزب العمل، وحركة الطريق الثالث انضمّت إلى حكومة الليكود، وديفيد ليفي إنضمّ إلى قائمة إسرائيل واحدة).
وقد شكا يوسي ساريد قبل انفصاله عن حزب العمل وانضمامه إلى حركة راتس من هذا التماثل الأيديولجي- السياسي بين حزبَي العمل والليكود، إلى درجة وصفه حزب العمل بأنه "الليكود رقم 2".
ولعلّ انسحاب يوسي ساريد، ومن قبله انسحاب قادة "الحمائم" (شولاميت آلوني وآرييه إلياف وغيرهما) من حزب العمل، ولجوء الحزب إلى الأساليب العدوانية والقمعيّة المتطرّفة ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين (مثل العدوان على لبنان في تمّوز 1993، وحرب عناقيد الغضب ومجزرة قانا في نيسان 1996، وحصار المناطق المحتلّة وتجويعها في العامَين 1994 و1995) في أوج عملية التسوية السلمية، هي شواهد ساطعة على سياسة حزب العمل المتطرّفة.
ويذهب الكاتب الإسرائيلي المعارض للصهيونية إسرائيل شاحاك، في مقارنته بين العمل والليكود إلى أنَّ الحزبَين عنصريّان، لكنَّ العمل أكثر عنصريّة، حيث يعامل الليكود أعضاء الحزب العَرَب فيه معاملة متساوية، بينما الأعضاء العَرَب في العمل مفصولون إلى "قطاع عربيّ" عن باقي الحزب. ويعتبر شاحاك أنَّ الخلاف بين الطرَفَين ينحصر في تمسّك الليكود بالاعتقادات الدينية اليهودية بشأن فلسطين، من دون مراعاته للعوامل الخارجية، بينما يراعي حزب العمل في حساباته الظروف الدولية والإقليمية، ويتكيّف معها من أجل تحقيق مصالح الدولة السياسيّة والاقتصادية والعسكرية.
وقد جدد زعيم حزب العمل ووزير الحرب الإسرائيلي، إيهود باراك في مقابلة صحافية نشِرت خلال كانون الثاني/يناير 2009 تأكيد موقف حزبه بأنَّ القدس "هي عاصمة إسرائيل"، وأنه "من أجل الدفاع عن الهويّة والطابع اليهوديَّين لإسرائيل، ثمّة حاجة إلى تسوية تؤدّي إلى إقامة دولتَين للشعبين". وفي خطابه أمام مؤتمر هيرتسيليا-2010، قال باراك: "إنه إذا لم يتوصّل مع الفلسطينيّين لاتّفاق سلام، فإنَّ دولة إسرائيل ستتحوّل إلى دولة ثنائية القومية أو لدولة عنصرية مثل دول جنوب إفريقيا".
ومن الناحية الأيديولوجية /السياسية فلايمكن اعتبار حزب العمل يساريًّا، لجهة مواقفه من القضايا الاقتصادية /الاجتماعية، أو لجهة أيّ الشرائح الاجتماعية يمثِّل ومَن هم في الأساس ناخبوه. وصار المختصّون يميلون إلى وضعه في خانة الوسط أو يسار الوسط، ولم يعودوا يرَون فارقًا كبيرًا بينه وبين حزب كاديما مثلاً، الذي يصنِّفُ نفسه حزبًا وسطيًّا. فقد تخلّى الحزب منذ زمن طويل عن المبادئ الاشتراكية، وأصبح يدعو بعبارات عامّة إلى الحثّ على عمليّات التطوير الاقتصادي والنموّ، مع توزيع عادل لثماره على فئات الجمهور كافّة، وذلك من منطلق الإقرار بوجود صلة بين عدم المساواة في توسيع المداخيل وبين النموّ الاقتصاديّ. وفي ما يتعلّق بالعلاقة بين الدين والدولة، يدعو الحزب إلى فصل الدين عن السياسة، وضمان حرّيّة الدين والضمير لجميع المواطنين، ويعلن أنَّه سيعمل على إضفاء الطابع والصبغة اليهوديَّينِ للدّولة على جميع مناحي الحياة، وتعزيز الهوية اليهودية بوسائل تثقيفية بدلاً من القوانين القسرية.
رئيسة حزب ميرتس الاسرائيلي المعارض النائبة زهافا غلؤون
حركة "ميرتس"
أما حركة "ميرتس"، وهي حزب تأسّس قبل انتخابات الكنيست عام 2009 من اتّحاد
مجموعة من الشخصيات العامّة البارزة، بينهم رجال قانون، وإعلاميون،
وأكاديميون، وسياسيون، مع حزب ميريتس، ويحتلّ في الخريطة الحزبية موقعًا في
أقصى اليسار اليهودي.
وكان الهدف من تأسيسه استقطاب وتمثيل الناخبين "الراغبين في تحقيق سلام عادل مع الفلسطينيين والسوريين، والمستائين من مواقف اليمين تجاه العملية السلمية، ومشاريعه الاستيطانية، وسياستها القمعية ضدّ الشعب الفلسطيني، وكذلك من تواطؤ حزب العمل مع اليمين من خلال مشاركته في حكوماته والعمل معه على تنفيذ سياساته". وقد أمل مؤسّسو الحزب بإعادة الحيوية إلى اليسار المتهالك، وبالحصول على عدد من المقاعد في الكنيست يمكّنهم من التأثير، ولو قليلاً، في السياسات العامّة. لكن نتائج الانتخابات خيّبت آمالهم، إذ لم يحصل الحزب إلا على ثلاثة مقاعد للحزب، أي أقلّ بمقعدَين ممّا حصل عليه حزب "ميريتس" منفردًا في الانتخابات السابقة.
وكان الهدف من تأسيسه استقطاب وتمثيل الناخبين "الراغبين في تحقيق سلام عادل مع الفلسطينيين والسوريين، والمستائين من مواقف اليمين تجاه العملية السلمية، ومشاريعه الاستيطانية، وسياستها القمعية ضدّ الشعب الفلسطيني، وكذلك من تواطؤ حزب العمل مع اليمين من خلال مشاركته في حكوماته والعمل معه على تنفيذ سياساته". وقد أمل مؤسّسو الحزب بإعادة الحيوية إلى اليسار المتهالك، وبالحصول على عدد من المقاعد في الكنيست يمكّنهم من التأثير، ولو قليلاً، في السياسات العامّة. لكن نتائج الانتخابات خيّبت آمالهم، إذ لم يحصل الحزب إلا على ثلاثة مقاعد للحزب، أي أقلّ بمقعدَين ممّا حصل عليه حزب "ميريتس" منفردًا في الانتخابات السابقة.
وكان حزب "ميريتس" قد أعلن إثر انضمام حزب العمل إلى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة شارون في ربيع 2001 ومشاركته في القمع الوحشيّ للانتفاضة الفلسطينية، وفي العمل على تقويض الكيان الفلسطيني الناشئ واتفاق أوسلو، أنَّ حزب العمل فقدً أهليته لقيادة "معسكر السلام" وطرح نفسه بديلاً عنه، وسعى وراء تشكيل حزب اشتراكيّ - ديمقراطيّ، مكوَّنٍ منه ومن القوى السياسيّة والمجموعات والعناصر التي لم تفقد الأمل بتحقيق التسوية السلمية بين الفلسطينيّين وإسرائيل. لكن سعيه هذا لم يتكلّل بالنجاح، وكان قصارى ما تمخّض عنه قائمة برلمانية عشيّة انتخابات الكنيست عام 2003 مكوَّنةً من "ميريتس" ومجموعتَين صغيرتين، هما: حركة شاحر(فجر)، التي كان يوسي بيلين أعلن تأسيسها في حزيران/يونيو2002 واختفت كليًّا من الساحة السياسية لتعاود الظهور بعد انسحاب بيلين وياعيل دايان من حزب العمل عشيّة الانتخابات، وحزب الخيار الديمقراطيّ، الذي أسّسه عضوا الكنيست رودمان برونفمان وألكساندر تسينكر(من قادة "اليهود الروس") بعد انشقاقهما عن "يسرائيل بعلهاي" سنة 1996.
وقد ترأّست شولاميت آلوني حزب ميريتس لدى تأسيسه، وخلَفها يوسي سريد سنة 1996، وأعقبه يوسي بيلين في سنة 2004، ثمّ حاييم أورون الذي انتخب رئيسًا للحزب في سنة 2007، وحافظ على منصبه في الحركة الجديدة ميريتس، وقد شارك الحزب في الحكومة التي ألّفها إسحق رابين سنة 1992، وانتقل إلى المعارضة مع خسارة اليَسار الحكُم في سنة 1996، ليعود إلى المشاركة في الحكومة الموسّعة التي ألّفها إيهود باراك سنة 1999، ومن ثَمَّ إلى المعارضة مرّة أخرى عقب استقالة حكومة باراك سنة 2001.
يقول البرنامج السياسيّ للحركة: "إنَّ المصلحة الرئيسة لدولة إسرائيل هي إنهاء الاحتلال في المناطق(.....) المحتلّة. ويجب أن يتمَّ الانسحاب من المناطق في إطار مفاوضات تؤدّي إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. وعلى إسرائيل أن تتبنّى مبادرة جامعة الدول العربية، التي دلالتها مصالحة شاملة بين العالم العربي وإسرائيل... إنَّ الاحتلال الإسرائيلي للمناطق، وسيطرة إسرائيل على السكان الفلسطينيين فيها، يشكّلان كارثة أخلاقيّة واقتصادية واجتماعيّة وسياسية بالنسبة إلى إسرائيل. وتشكّل الوسائل التي تنتهجها سلطة الاحتلال انتهاكات يوميّة لحقوق الإنسان: عقوبة جماعيّة، اعتقالات إداريّة، إغلاقات، ممارسات مجحفة أخرى عديدة. كما تشكّل المستوطنات القائمة وراء الخطّ الأخضر انتهاكًا للقانون الدوليّ، وتخلق عقبة خطرة تبعد التسوية السياسية..".
وتؤمن هذه الحركة أن من مصلحة إسرائيل إنهاء الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة، حفاظاً على الوضع الديموغرافي لإسرائيل وصورتها "الأخلاقية الديموقراطية" المزعومة، وهي تدعو أن تستند التسوية السلمية مع الفلسطينيين إلى: إنهاء النزاع ووقف العنف؛ وحدود دائمة على أساس خطوط 1967، مع تعديلات مقترنة بتبادل مناطق عن طريق اتّفاق؛ وفيام عاصمتين للدولتَينِ في القدس، تعيشان جنبًا إلى جنب؛ وحلّ متّفَق عليه لمُشكلة اللاجئينَ؛ وترتيبات أمنية تمكّن الشعبينِ من العيش بسلام جنبًا إلى جنب. وتعارض الحركة مسار الخطّ الحالي لجدار الفصل بين الضفة الغربية وأراضي 1948، على الرغم من أنها لا تعارض مبدئيًّا إقامة حاجز مادّيّ كحدود دوليّة على "الخطّ الأخضر". وتدعو ميريتس إلى تفكيك أجزاء الجدار التي تمّ بناؤها وراء "الخطّ الأخضر". ونظرًا إلى أنه من غير الممكن بناء حاجز في القدس على "الخطّ الأخضر"، تدعو الحركة إلى عدم بناء أي جدار فاصل في المدينة.
أما بالنسبة للتسوية مع سوريا، فترى الحركة أن "لدى إسرائيل مصلحة في توقيع اتّفاق سلام مع سوريا، يلغي تهديدًا عسكريًّا رئيسًا، ويزيل الخوف من حرب مباغتة، كما يمكّن من توقيع اتّفاق سلام مع لبنان. ومن شان الاتّفاق بين إسرائيل وسوريا أن يؤدّي إلى تقليص العلاقة بين سوريا وإيران، إن لم يكن إلى قطعها.
إنَّ قطع العلاقة بين البلدَين يشكّل خطوة مهمّة لحدّ قوّة إيران ونفوذها في الشرق الأوسط، وربّما حتّى في العالم الإسلاميّ بأكمله".
وتعتبر "ميريتس" أن اتّفاق التسوية مع سوريا يجب أن يقوم على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من هضبة الجولان، بشرط أن يضمن الاتفاق ترتيبات أمنية صارمة، وتأمين تزويد إسرائيل بالمياه، وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وسوريا.
ولعل هذه الحركة هي الأكثر "حمائمية" في الكيان "الإسرائيلي"، ولكن نتائج الانتخابات أظهرت أن المجتمع الإسرائيلي يتحوّل عاماً بعد عاماً نحو اليمين واليمين المتطرف، الأمر الذي جعل ما كان يسمّى بـ"معسكر السلام" اليساري يتلاشى وينحصر في هذا الحزب فقط، الذي يتمثل بثلاثة نواب من أصل 120 نائباً في الكنيست. خلاصة القول لقد سقط معسكر اليسار الإسرائيلي وتبخّر وهم "معسكر السلام الإسرائيلي".
Comments
Post a Comment