ماذا بقي من مظاهر العيد في لبنان؟
د. هيثم مزاحم
ماذا بقي من مظاهر العيد في لبنان؟ سؤال
يطرح اليوم بسبب التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي عرفتها مجتمعاتنا
العربية والإسلامية، وخصوصاً في لبنان.
في السابق كانت أولى مظاهر العيد وتقاليده هو زيارة
المقابر وقراءة الفاتحة للأقرباء والأصدقاء من الموتى. هذه الظاهرة لا تزال موجودة
ولكنها تراجعت نسبياً بسبب انشغال بعض الناس وعدم اعتقاد البعض الآخر.
وعلى الرغم من ذلك، تتوافد آلاف العائلات على المقابر في
مختلف المدن والقرى اللبنانية صباح العيد، بعد صلاة الفجر، لتنظيف القبور ووضع
ورود عليها وقراءة سور القرآن لأرواح الموتى.
من المظاهر الأخرى للعيد في لبنان هو زيارة الأقارب
والجيران والأصدقاء للتهنئة بحلول عيد الفطر المبارك أو عيد الأضحى، وتبادل
الهدايا، وخصوصاً حلويات المعمول والبقلاوة. لا تزال هذه الظاهرة منتشرة ولكنها
تراجعت قليلاً لسببين، الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار الحلويات، وضعف الروابط
الاجتماعية، بحيث أصبحت المعايدة تتم عبر رسائل النصية العاجلة (sms) أو عبر البريد الالكتروني ومواقع
التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيس بوك.
أما الأطفال فإن نصيبهم من العيد أكبر، فهم ينتظرون هذا
اليوم حتى يجمعون "العيدية" وهي هدية من المال يعطيها الأقارب، ويعتبرها
الأطفال فرصة لجمع بعض المال، مما يجعلهم يصرون على زيارة أكبر عدد ممكن من
الأقارب لهذه الغاية.
وينفق الأطفال بعض الأموال التي يأخذونها من الأهل
والأقارب على شراء الحلويات والعصائر، وبعض المفرقعات واللعب في الملاهي
والمراجيح، دخول قاعات السينما والانترنت وغيرها من مراكز الترفيه والألعاب.
في الماضي، كان يشتري الأولاد البيض المسلوق ويلعبون
لعبة "التفقيس" ومن يكسر بيضة الآخر يكسبها. هي نوع من قمار الأطفال، أو
الربى. هذه الظاهرة إختفت عند المسلمين، وبقيت موجودة عند المسيحيين في عيد الفصح،
ولكن لجهة تلوين البيض وتزيينه والتباهي به.
تدأب العائلات على شراء ثياب العيد لأطفالها، بحيث يجب
أن يلبس الطفل ثياباً وأحذية جديدة، يتباهي بها مع ألعابه. لكن بعض العائلات
الفقيرة لا تقدر على ذلك وأطفالها محرومون من هذه الفرصة. وبرغم ذلك، تقوم بعض
الجمعيات الخيرية الإسلامية باالاستفادة من تبرعات المحسنين وصدقاتهم خلال شهر
رمضان لشراء الثياب والأحذية والهدايا للأطفال اليتامى والفقراء، بحيث لا يشعرون بالتمييز
الاجتماعي والحرمان الاقتصادي.
وزكاة
الفطرة هي صدقة واجبة على الصائمين يدفعونها ليلة عيد الفطر، وتساهم في إعانة
الفقراء والمحتاجين.
كان
الفقراء يحتارون في عيدي الفطر والأضحى بما يفرحون أولادهم فالإمكانات منعدمة ووسائل
إدخال البهجة الى قلوب الأطفال قليلة، فكانت مرجوحة العيد. فكرة مرجوحة العيد بدأت
بمبادرات فردية فكان الشخص ينصب مرجوحة حديدية في باحة منزله ويقصده جيرانه وأطفالهم
للعب والاستمتاع بالمرجوحة طيلة أيام العيد.
كان هناك في بيروت حرش يسمّى حرش العيد، أصبح اليوم
حديقة عامة كبيرة مليئة بأشجار الصنوبر، ولكنها لا تزال تحت التأهيل وغير مفتوحة
للجمهور. في الأعياد توضع فيها المراجيح التقليدية اليدوية، بحيث يدفع الأطفال
مبلغاً صغيراً كي يلعبوا فيها. وكان هناك صندوق الفرجة، وهو عبارة عن صندوق يخبئ
فيه صاحبه بعض الأشياء الغريبة، ويعرضها مقابل مبلغ من المال، يخدع بها الأطفال.
لا يزال جزء من الحرش هذا مفتوحاً في أيام الأعياد فقط
لإقامة المراجيح، لكن رواده قلّوا، بسبب منافسة مدائن الملاهي المتطورة، وعدم رغبة
الأطفال بالأشياء القديمة.
ويتواجد
حول المراجيح عدد من البسطات التي تبيع الألعاب البلاستيكية الخفيفة وخاصة المسدسات
والبنادق والعرائس الخاصة بالفتيات، والمفرقعات النارية.
المطاعم والمقاهي
لا شك أن متاجر الحلويات والعصائر هي المستفيدة الأولى
من الأعياد لما تبيعه من حلويات وعصائر للزبائن سواء ما يأكلونه أو يشربونه أو
يقدموه للزوار أو هدايا لمن يزورون.
أما المطاعم والمقاهي فهي فرصتها لاستقبال المؤمنين
الذين أنهوا صيامهم ويريدون التعويض، فيذهبون للفطور والغداء والعشاء والجلوس
والسمر في المطاعم والمقاهي. كما أن المسابح هي الأخرى تستقبل الزوار، خصوصاً أن
العيد يأتي يوم الأحد، وهو عطلة رسمية أساساً.
لكن معظم سكان بيروت وضاحيتها الجنوبية ممن هم أصلاً من
الجنوب أو البقاع أو الشمال أو الجبل، يستفيدون من عطلة للعيد للذهاب إلى قراهم
وبلداتهم كي يزوروها ويزوروا الأقارب والأهل، وخصوصاً قبور أمواتهم. وفي هذا الوقت
من العام، حيث يشتد الحرّ، تعتبر القرى والبلدات في الجبال أرأف حالاً من بيروت
والسواحل، حيث تشتد الرطوبة، خصوصاً في بعض القرى المرتفعة وبعض القرى التي يمر
فيها نهر ما، بحيث تكون فرصة للغداء يوم العيد قرب النهر والسباحة فيه.
هذه
أهم مباهج العيد في لبنان الذي يأتي في وقت تتصاعد فيه الأزمة الاقتصادية والتوتر
السياسي والأمني، نتيجة الأحداث في سوريا، واختطاف 11 لبنانياً من الزوار خلال
مرورهم في سوريا، حرموا وأطفالهم من قضاء العيد سوياً..
Comments
Post a Comment