أبعاد العدوان الاسرائيلي على غزة



 

في الصورة: الشهيد أحمد الجعبري، قائد كتائب عز الدين القسام.

تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلي أخيراً وبعد طول مطاردة من تصفية القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، أحمد الجعبري الاربعاء في غارة اسرائيلية استهدفت سيارته في مدينة غزة.
جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) برّر اغتيال الجعبري بسبب ما أسماه "نشاطه الإرهابي على مدى عشر سنوات". لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ باغتيال الجعبري فحسب، بل أعلن عن بدء عملية واسعة في قطاع غزة. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس أصدر تعليمات لجيشه لبدء تنفيذ عملية "عامود الضباب" بذريعة سقوط خمسة صواريخ على المستوطنات الإسرائيلية بعد الاعلان عن التهدئة. وأعلنت المتحدثة باسم هذا الجيش افيتال ليبوفيتش بأن الغارة الجوية التي أسفرت عن مقتل الجعبري في غزة هي فقط "بداية" عملية استهداف الفصائل الفلسطينية في القطاع. جيش الاحتلالالإسرائيلي أعلن استعداده لتنفيذ عملية برية في قطاع غزة "إذا اقتضى الأمر".
جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) قال إن الغرض من اغتيال الجعبري "هو إضعاف سلسلة القيادة في حماس بالاضافة الى بنيتها التحتية الارهابية".
في المقابل، أعلن الجناح العسكري لحركة حماس رداً على اغتيال قائده أن إسرائيل "فتحت على نفسها أبواب جهنم" باغتيال الشهيد الجعبري.
السؤال الذي يطرح ما هي خلفيات هذا العدوان الإسرائيلي وأبعاده والتهديد بحرب واسعة على غزة تمتد إلى ثلاثة أيام على الأقل وتشمل عدواناً برياً وجوياً. وهل هذا التصعيد الإسرائيلي مرتبط بالانتخابات الإسرائيلية المرتقبة أم هي رد على قرار السلطة الفلسطينية تقديم طلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة كـ"دولة غير عضو"؟
من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد إظهار مدى تطرفه وعدوانيته للناخبين الإسرائيليين الذين يزدادون تطرفاً ويجنحون نحو اليمين المتطرف. وكان نتنياهو قد إلتقى قبل أيام مع سفراء الدول الأجنبية، ليشرح لهم احتمالية القيام بعملية عسكرية في قطاع غزة، في محاولة لإعداد الرأي العام الدولي لقبول عدوانه. والسؤال الذي يطرح هل ثمة وجود لرأي عام عالمي؟ وماذا فعل هذا الرأي العام لقطاع غزة في حرب 2008 – 2009 وللبنان في حرب تموز 2006؟
والسؤال هل رد حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى بإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية هو الذي استدعى رداً إسرائيلياً عنيفاً وعملية واسعة أم هي مجرد ذرائع. أم أضحت غزة صندوق بريد لتوجيه رسائل إلى مصر وإيران وسورية وحزب الله وربما السلطة الفلسطينية؟
فهل تريد إسرائيل تهديد السلطة الفلسطينية وابتزازها بسبب رغبتها الذهاب إلى الأمم المتحدة بطلب الحصول على عضوية دولة كعضو مراقب غير كامل العضوية؟ وكنا قد رأينا قبل يومين كيف هددت وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني قياديين في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة، صائب عريقات وياسر عبد ربه، بنشر أفلام جنسية لهما زعمت أنها سجلتهما خلال معاشرتهما لها.


في الصورة: جثمان الشهيد أحمد الجعبيري.

وكانت تقارير إسرائيلية تحدثت عن وجود بنك أهداف محدد وضعته إسرائيل يطال مؤسسات رمزية وقيادات بعينها في حركة حماس، وأن استمرار التصعيد في جنوب الكيان من جهة قطاع غزة يشدد الضغط على نتنياهو لتكثيف الرد العسكري.
ورأت صحيفة "هآرتس" أنه "كلما كثرت صرخات الاحتجاج من سكان غلاف غزة على التسيّب الأمني من جانب الدولة، يتعين على رئيس الوزراء النظر بجدية أكبر لخطوات أكثر حزماً"، وأنه مع استعداده للانتخابات، فإن نتنياهو يتعرض الآن للهجوم في الساحة السياسية على غياب رد قاطع في غزة.
وكتب عمير ربابورات في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أنه "في فترة ما قبل الانتخابات، يحترق فتيل القيادة السياسية بالنار بسرعة الألعاب النارية، ولا سيما عندما يكون وزير الدفاع (إيهود باراك) يحتاج إلى كل صوت في محاولة لاجتياز نسبة الحسم".  
لكن التطور الأبرز هو نجاح المقاومة الفلسطينية في ضرب سيارة عسكرية إسرائيلية شرق قطاع غزة وتدميرها وإصابة الجنود الأربعة الذين كانوا على متنها، عبر استخدام صواريخ "الكورنيت" المضادة للدروع، في إشارة واضحة الى امتلاك المقاومة داخل القطاع، وبالتالي في الأراضي المحتلة هذا النوع من الصواريخ المتطوّرة، بعدما فعله "الكورنيت" ضد دباباته في وادي الحجير في جنوب لبنان في حرب العام 2006.
فهل شكل استخدام هذا السلاح بهذه المرحلة في قطاع غزة السبب الأبرز للعدوان الإسرائيلي؟
لكن "فصائل المقاومة الفلسطينية قد ردت على العدوان وعلى اغتيال الشهيد الجعبري بإطلاق عشرات صواريخ الكاتيوشا والغراد على المستوطنات في جنوب فلسطين المحتلة وأعلنت عن استهداف تل أبيب بعشرات الصواريخ.
يبدو أن عوامل عدة بينها عسكرية من استخدام "الكورنيت" إلى سقوط صواريخ عدة على الكيان الإسرائيلي مؤخراً، والسياسة التي ذكرناها، وصولاً إلى جس نبض الحكم المصري الجديد الذي يسعى لاستعادة التهدئة بين "حماس" وإسرائيل؟
مصر التي تقوم عادة بدور الوسيط للتهدئة العنف بين اسرائيل وحماس في قطاع غزة، سحبت سفيرها في تل ابيب. حكومة حماس ثمنت قرار الرئيس المصري محمد مرسي القاضي بسحب السفير المصري، داعية "الزعماء والقادة العرب الى ضرورة اتخاذ مواقف حاسمة بشأن الاحتلال لردعه وثنيه عن مواصلة عدوانه ضد المواطنين في غزة".
وزير الخارجية المصري محمد عمرو دعا إسرائيل إلى الوقف "الفوري" لغاراتها على قطاع غزة. وقال ان "التصعيد الإسرائيلي في غاية الخطورة ويهدد بإشعال الموقف بصورة خطيرة".



في الصورة: الرئيس الأميركي باراك أوباما.
 
الضوء الأخضر الأميركي
ولكن هل صحيح أن نتنياهو قد أخذ ضوءاً أخضر من الإدارة الأميركية بشن عدوان واسع على قطاع غزة.
إليكس فيشمان، المحلل السياسي الإسرائيلي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، زعم قبل أيام أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما منح الكيان الإسرائيلي ضوءًا أخضر لشن عملية عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة. وأضاف أن تصريحات السفير الأميركي في "إسرائيل" دان شابيرو التي قال فيها "إن إسرائيل تمتلك الحق في الدفاع عن نفسها وسكانها دليل كافٍ تماماً على تأييد أوباما لتلك العملية"، خصوصًا أن شابيرو لا يجرؤ على التفوه بتلك التصريحات دون الرجوع إلى البيت الأبيض في واشنطن.
فيشمان، المعروف بصلاته القوية بصانعي القرار في ـ"تل أبيب"، قال إنه لم يعد أمام إسرائيل أي مناص من شن عملية عسكرية كهذه، زاعمًا بأن حركة حماس تجاوزت خلال الأيام الماضية جميع الخطوط الحمراء، وأظهرت الجيش الإسرائيلي كما لو أنه مجموعة من العاجزين على توفير الحماية المطلوبة لسكان المنطقة الجنوبية، الأمر الذي سيجعل من شن إسرائيل هذه العملية مسألة حتمية.
أوباما أجرى أمس محادثة هاتفية مع نتانياهو بشأن الغارات الاسرائيلية على قطاع غزة. السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة مايكل اورين قال في مقابلة مع شبكة "سي ان ان" الأميركية: "نعمل بشكل وثيق مع الحكومة الأميركية". وأوضح ان أوباما ونتنياهو تحادثا "قبل نحو ساعة".
هذا الضوء الأخضر الأميركي أكدته إدانة واشنطن "بشدة" لإطلاق صواريخ فلسطينية من قطاع غزة على جنوب الكيان الإسرائيلي وأيدت ما قالت إنه "حقه" في الدفاع عن نفسها.
وقال مارك تونر مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في بيان: "ندين بشدة اطلاق الصواريخ من غزة على جنوب اسرائيل وناسف لمقتل واصابة مدنيين ابرياء اسرائيليين وفلسطينيين جراء العنف المتواصل".
من جهته أعلن مساعد الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي أن الجامعة ستعقد اجتماعاً طارئاً السبت المقبل يخصص للتطورات في غزة بطلب من مصر وفلسطين. وكانت إسرائيل قد أعلنت أن عدوانها سيستمر لمدة 72 ساعة ما يعني أنه يفترض أن ينتهي قبل اجتماع الجامعة العربية!

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم

آية الله الشيخ حسن رميتي: نؤيد التخصص في الدراسة الحوزوية