الحراك الشيعي في السعودية: مذهبة السياسة وتسييس المذهب
د. هيثم مزاحم
صحيفة البلد - الثلاثاء 30 ابريل 2013
صدر مؤخراً كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"(الشبكة العربية للنشر والتوزيع في بيروت) لمؤلفيه بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، اللذين اعتمدا في بحثهما على أدبيات الحركات الشيعية وكتبها وعلى حوارات مع الفاعلين الرئيسيين في هذه الحركات.
فالكثير من الكتابات والتحليلات تتضمن سذاجة في مقاربة الحراك الشيعي في السعودية، حيث تعزّز الصورة النمطية التي تقدم الشيعة السعوديين بصفتهم كتلة صماء واحدة موالية لإيران، وتعزز حالة الجهل بالواقع الشيعي شديد التنوّع. يرى الباحثان أنه يمكن مقاربة إشكالية هوية الدولة في الحالة السعودية من خلال الحديث عن العقيدة الوجدانية للدولة والمكوّنات الرئيسة لها. فقد تأسست الدولة السعودية على هوية خاصة بفئة معيّنة فرضت على جميع المكوّنات الأخرى، وهي لا تمثّل مشتركاً تاريخياً أو ثقافياً لهذه المكوّنات.
فالهوية الوهابية السلفية للدولة صنعت الإشكال المتعلق بغياب الحس الوطني وفشلت في إيجاد رابطة وطنية بين الناس. فهي لا يمكنها أن تغذّي ذاكرة جماعية تقوم بتوليد هوية مشتركة لعموم المواطنين، لأن الوهابية تمثّل هوية خاصة بفئة معيّنة، وهي تقوم بفرز تقسيمي لتعيد الناس إلى هوياتهم الخاصة المقابلة لهذه الهوية، فهي تعمل بوصفها هوية طاردة لا جامعة. كما أنها تصنع رواية تاريخية منفّرة بكل الأحوال. فالرواية التاريخية المؤسسة للدولة تتحدث عن حرب الموحّدين ضد الكفار. وحين يقال هذا الكلام في التعليم العام الذي يفترض أن يكون مساهماً رئيسياً في تشكيل الذاكرة الجماعية، فإنه لا يمكن توقع تجاوب أو تفاعل ممن يشعرون أن الرواية التاريخية تقصيهم وتطردهم. فلا يمكن أن تنتج رواية تاريخية مبنية على تقسيم المجتمع إلى منتصر ومنهزم وبالتالي بناء تاريخ مشترك أو وعي جماعي لأمة وطنية.
وقد ترافق ذلك مع عملية توحيد قسري للمظاهر العامة في المجتمع، لتتماشى مع الوهابية السلفية كهوية للدولة، فحصل ما يطلق عليه الكاتبان "مذهبة السياسة"، من خلال تحويل الوهابية من حالة دينية – اجتماعية إلى مشروع سياسي للدولة، فلوّنت الوهابية مؤسسات الدولة بولنها وأقصت المذاهب والتيارات الأخرى.
المكوّن الثاني الرئيس لأيديولوجية الدولة وهو المصلحة المشتركة غائب أيضاً، بسبب غياب آليات الدولة الحديثة التي يمكن أن تستوعب المواطنين في مؤسسات الدولة لتحقيق مصالح مشتركة لهم. فالمواطنة بما هي تعبير عن تساوي المواطنين في الملكية في إطار منظومة حقوقية دستورية، غير موجودة لا في شقها المدني والاجتماعي المتعلق بالحريات الفردية، ولا في شقها السياسي المتعلق بحق المشاركة في صناعة القرار، فضلاً عن غياب القوى المدنية والسياسية الحديثة من نقابات وجمعيات وأحزاب، ما يجعل مكوّنات ما قبل الدولة (الطوائف والقبائل... الخ) تتسيّد الساحة. فمفهوم الدولة /الأمة، التي تقوم على أساس تعاقدي تجمعها هوية وطنية عابرة للانتماءات الجهوية والطائفية، من دون أن تلغي الهويات الفرعية، غائب في السعودية. وهو ما ساهم في تقوية الهويات الفرعية وجعلها حضناً يلجأ إليه الناس في غياب دولة حديثة تحميهم، وفي وجود دولة طائفية تقوم بالتمييز ضدهم، ما ينتج تفتيتاً للوحدة الوطنية.
وفي الرد على "مذهبة السياسة" التي تنتج حالة من التشنج الطائفي الواضح والصريح، جرى تسييس الانتماء المذهبي في الحالة الشيعية ليكون في مواجهة مع الدولة، وهو ما جرّ مذاك حتى اليوم، إلى حالة الغليان الطائفي التي مرّت بحالات هبوط وصعود، وكرّست ديمومة الأزمة، لكنها جعلت من الشيعة جماعة سياسية.
Comments
Post a Comment