"الطائرة من دون طيار" رسالة بمضامين متعددة




د. هيثم مزاحم

صحيفة البلد - الاربعاء 8 مايو 2013


بعد نفي حزب الله إرساله "أي طائرة من دون طيار باتجاه أجواء فلسطين المحتلة" الخميس الماضي والتي زعمت إسرائيل أنها أرسلت من الأراضي اللبنانية وأسقطتها المقاتلات الإسرائيلية على بعد أميال من شاطئ مدينة حيفا، بدأ المحللون الإسرائيليون يتساءلون إن كانت هناك جهة اقليمية أرادت أن تبعث برسالة "الطائرة من دون طيار" إلى الإسرائيليين.

ورجّح معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، مسؤولية الحرس الثوري في لبنان عن إطلاق الطائرة، ليس فقط بسبب اتهامها باغتيال علماء نوويين في طهران والهجمات الالكترونية على حواسيب المشروع النووي الإيراني، بل كذلك بسبب اغتيال رئيس الهيئة الإيرانية لإعادة الإعمار في لبنان العميد المهندس حسام خوش نويس(الملقب بحسن شاطري)، والذي يقول البعض إنه قائد في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري في لبنان، وذلك خلال مروره على الحدود السورية – اللبنانية في فبراير الماضي.

وبصرف النظر عن هذه التقديرات الإسرائيلية، فإن توقيت إرسال الطائرة إذا صح أن هناك طائرة أرسلت، يشير حتماً إلى أن الرسالة التي تحملها لا ترتبط البتة بمسعى حزب الله لصرف الانتباه عن قتاله في سورية أو تأكيد استمراره في مقاومته ضد إسرائيل، وذلك لأن موضوع الطائرة سينتهي مفعوله في الإعلام بسرعة في حال تجاهلته إسرائيل ولم تقم بأي رد فعل انتقامي، وبالتالي فإن الحرب في سورية مشتعلة وأعين الإعلام الغربي والعربي واللبناني تترصد دور حزب الله هناك ولن تشتتها لا طائرة من دون طيار ولا طائرة بطيار.

بيد أن إرسال الطائرة جاء مباشرة بعد إعلان البيت الأبيض ووزير الدفاع الأميركي تشاك هاغيل أن تقييم الاستخبارات الأميركية أكد استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية على نطاق محدود في سورية، وأن الولايات المتحدة تدرس جميع الخيارات بالرد على تجاوز النظام السوري للخط الأحمر، بما في ذلك الخيار العسكري.

واللافت أن هذا الموقف الأميركي بشأن استخدام غاز السارين في سورية قد جاء بعدما أعلن رئيس لواء الأبحاث في الاستخبارات العسكرية العميد إيتي بارون أن سورية اجتازت "الخط الأحمر" الأميركي باستخدامها غاز السارين ضد معارضيها، وأن واشنطن لم تحرك ساكناً. وهذا ما أحرج الإدارة الأميركية، حيث سارع وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى الإعلان بأنه اتصل بنتنياهو، الذي لم يؤكد تماماً ما ذهب إليه العميد بارون.

وكشف مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية شمعون شيفر أن إسرائيل عرضت على الرئيس الأميركي باراك اوباما، خلال زيارته تل أبيب الشهر الماضي، أدلة تعزز الادّعاء بشأن استخدام سورية الأسلحة الكيميائية. كما عرضت على وزير الدفاع الأميركي، لدى زيارته لها الأسبوع الماضي، أدلة مشابهة. وكتب شيفر يقول: "غير أن إدارة اوباما، التي حددت استخدام (الرئيس السوري بشار) الأسد للسلاح الكيميائي خطاً أحمر، ترفض الاقتناع. فالأميركيون غير مستعدين لأن تقرّر إسرائيل لهم متى سيرسل جنود أميركيون إلى سورية".

أما المعلق العسكري في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عمير ربابورات فقد تساءل إذا كان ما قاله بارون عن قصد لممارسة ضغط على الأميركيين للعمل ضد السوريين أو لإحراجهم؟

باراك الذي يتعرض لضغوط داخلية وخارجية للتحرك بعدما اتهم النظام السوري بأنه خرق الخط الأحمر قال إن التقديرات بشأن استخدام السلطات السورية سلاحاً كيميائياً أولية، واعداً بإجراء تحقيق قوي بشأن ذلك، ومعتبراً أن استخدام هذا السلاح "سيغير قواعد اللعبة"، وهدد باللجوء إلى الخيار العسكري وخيارات أخرى.

إذاً هل إطلاق "الطائرة من دون طيار" رسالة ذات مضامين متعددة؟
فهل أرادت إيران أو سورية من خلال إطلاق "الطائرة من دون طيار" إرسال رسالة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، فحواها أن التدخل العسكري الأميركي والغربي والإسرائيلي في سورية سيكون له ثمن باهظ تدفعه إسرائيل، خصوصاً أن لإسرائيل دوراً في التحريض على دمشق بأنها تجاوزت الخط الأحمر، وأحرجت واشنطن بذلك.

واللافت أن التسريب الإسرائيلي والتهديد الأميركي جاءا بعد تحقيق الجيش السوري تقدما عسكرياً ضد مقاتلي "الجيش السوري الحر" المعارض في محافظة حمص قرب الحدود مع لبنان وفي ريف دمشق وفي بعض مناطق شمال سورية، تقول المعارضة إن ذلك تم بمساعدة إيرانية وتحديداً من حزب الله.

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم

آية الله الشيخ حسن رميتي: نؤيد التخصص في الدراسة الحوزوية