هل سيؤثر نزع أسلحة سوريا الكيميائية على حزب الله؟
د. هيثم مزاحم
كان لافتاً نفي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بشكل قاطع نقل أي أسلحة كيميائية من سوريا إلى حزبه، مؤكداً أن امتلاك هذه الأسلحة محرم دينياً ومرفوض أخلاقياً.
مصدر قريب من حزب الله طلب عدم الكشف عن هويّته أوضح أن رفض حزب الله لامتلاك جميع أسلحة الدمار الشامل بما فيها الكيميائي، "لأنها تدمّر البشريّة ومحرّمة بحسب الفقه الإسلامي"، وأشار إلى أن "المبدأ العام للقتال في الإسلام هو دفع الضرر. فالحرب دفاعيّة وإن وقعت يدعو الإسلام إلى تنظيمها بما لا يضرّ بالبشر والشجر والبيئة". وذكر أن إسرائيل قد استخدمت في حرب تموز/يوليو 2006 ضدّ حزب الله ولبنان أسلحة الدمار ذلك، في إشارة إلى قنابل فوسفوريّة وقنابل تحتوي على اليورانيوم المنضّب.
مع ذلك، ترى مصادر في قوى 14 آذار أن نزع السلاح الكيميائي السوري سيضعف ما يسمّى محور "المقاومة" الممتدّ من إيران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى حزب الله في لبنان، باعتبار هذا السلاح استراتيجياً ويلعب دوراً في التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل وفي قوّة الردع لسوريا. تقول هذه المصادر إن "لنزع السلاح الكيميائي السوري انعكاس على ترسانة حزب الله الصاروخيّة في لبنان، بحيث سيكون على لائحة الضغوط الدوليّة لنزع سلاح حزب الله الصاروخي". ويعود تفاؤل المصدار المناوئة لحزب الله إلى سرعة الاستجابة السوريّة للتفاهم الروسي–الأميركي بشأن تدمير السلاح الكيميائي السوري في مقابل إلغاء واشنطن الضربة العسكريّة التي كانت تعتزم توجيهها ضدّ النظام السوري، على خلفيّة اتهامه باستخدام الأسلحة الكيميائيّة في منطقة الغوطة في ريف دمشق في 21 آب/أغسطس الماضي.
لا يتّفق عدد من الخبراء الاستراتيجيّين والباحثين السياسيّين مع التحليل المذكور أعلاه. يقول النائب اللبناني عن "كتلة الوفاء للمقاومة" التابعة لحزب الله العميد وليد سكريّة إنه "ما من علاقة للاتفاق الأميركي–الروسي بشأن نزع السلاح الكيميائي السوري بسلاح حزب الله". وهو يعتبر أن هذا الاتفاق الأميركي-الروسي "لم يأتِ نتيجة انتصار أميركي كامل كما كانت تريد واشنطن. فهي كانت تريد ضربة عسكريّة كي تأخذ سوريا كاملة إذا سيطرت المعارضة العسكريّة. لكن الاتفاق جعل واشنطن تحفظ ماء وجهها باعتبار أنها حقّقت مكسباً بتفكيك السلاح الكيميائي السوري وقد أهدت هذا الإنجاز إلى إسرائيل".
ويوضح سكريّة أن المنتصر هو "روسيا وسوريا التي خرجت بأقلّ قدر من الأضرار. فلو وقعت الضربة العسكريّة ضدّها، لكانت سجّلت خسائر كبيرة في الجيش السوري، ما يعدّل ميزان القوى العسكري لمصلحة المعارضة. ونتيجة الاتفاق الأميركي-الروسي، حافظ النظام السوري على قوّته في مواجهة المعارضة العسكريّة، لأن المعركة العسكريّة في سوريا اليوم هي بين الطرفَين".
ولدى سؤاله عن تأثير فقدان سوريا سلاحها الكيميائي على التوازن مع إسرائيل، يجيب سكريّة وهو عميد متقاعد في الجيش اللبناني أنه "لا توازن استراتيجي ما بين سوريا وإسرائيل. وسوريا لا تخوض حالياً معركة مع إسرائيل، وهي تحقّق هذا التوازن مع إسرائيل من خلال تحالفها مع إيران والعراق وحزب الله. لكن بقاء سوريا في محور المقاومة وكدولة مواجهة مع إسرائيل هو بحدّ ذاته انتصار لهذا المحور وقوّة لحزب الله. فلو تغيّر النظام في سوريا وأصبح حليفاً للولايات المتّحدة والغرب حتى لو أبقى على السلاح الكيميائي وحتى لو امتلك السلاح النووي، فهو سيخرج من المواجهة مع إسرائيل".
ويرى سكرية أن الأولويّة اليوم يالنسبة إلى النظام السوري هي "الانتصار على المؤامرة وبعدها ستعيد دمشق بناء قوّتها العسكريّة"، مشيراً إلى أن "الصراع مفتوح في سوريا ولم ينتهِ وأن الولايات المتّحدة تراجعت عن الضربة العسكريّة لأنها غير مضمونة النتائج والعواقب. فحلفاء سوريا من إيران وحزب الله إلى العراق كانوا مستعدين للدفاع عن سوريا في حال العدوان الشامل عليها".
من جهته يعتبر المصدر المقرّب من حزب الله أن موضوع السلاح الكيميائي السوري "مفصول عن بقيّة القضايا. فهذه أزمة محدّدة تتطلّب تقديم هذا التنازل ولا يمكن تعميمها على القضايا الأخرى كسلاح حزب الله".
بدوره، لا يعتقد أستاذ السياسة والعلاقات الدوليّة في جامعة إدنبرة الإسكتلنديّة أدهم صولي أن الصفقة الأميركيّة–الروسيّة سيكون لها تأثير مباشر على سلاح حزب الله. يقول صولي إن "بعض الجهات تتخوّف من احتمال امتلاك حزب الله أسلحة كيميائيّة. لكن تلك ستكون قضيّة ضعيفة جداً. ففي سوريا، كانت مجزرة الغوطة التي سمحت بالمطالبة بتفكيك السلاح الكيميائي السوري. أما بشأن حزب الله، فتحتاج الجهات التي قد تدّعي امتلاكه أسلحة مماثلة إلى أدلة قويّة لتأكيد هذه الادعاءات".
أما الباحث في المعهد الملكي للعلاقات الدوليّة "تشاتام هاوس" في لندن نديم شحادة، فيرى أن "ما من صلة ما بين تفكيك السلاح الكيميائي في سوريا ونزع سلاح حزب الله". يضيف أن "مسألة نزع السلاح الكيميائي السوري هو ذرّ رماد في العيون"، وأن "الأمر خدعة من روسيا والنظام السوري وأن الاتفاقيّة سخيفة وقع في فخّها الأميركيّون لأن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يريد التدخّل العسكري في كلّ الأحوال".
ويشبّه شحادة الوضع السوري بما قام به الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين عندما سمح للأمم المتّحدة بتدمير الأسلحة الكيميائيّة بعد حرب الخليج الثانية في العام 1991، لكنه استمرّ في قتل شعبه حتى العام 2003. ويشير إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد "قد اشترى المزيد من الوقت لقتل شعبه".
يشار إلى أن القرار الدولي 1559 الذي صدر في العام 2004 قد هدف إلى إخراج الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح حزب الله. فتحقّق الهدف الأوّل بفعل ضغوط وتهديدات أميركيّة لسوريا إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005. أما الهدف الثاني فلم يتحقّق لا بالضغوط الدوليّة ولا الإقليميّة ولا المحليّة ولا بالحرب العسكريّة التي شنتها إسرائيل في تموز/يوليو 2006 بغطاء أميركي لمدّة 33 يوماً، بل إن حزب الله قد ضاعف من حجم ترسانته الصاروخيّة وزاد قوّته العسكريّة مذاك الحين.
أما الفرق ما بين النظام السوري وحزب الله فهو أن الأوّل أولويّته الحفاظ على حكمه وجيشه ودولته، ولذلك فهو يخشى الضغوط الخارجيّة وخصوصاً التدخلات العسكريّة منها والتي قد تقضي على هذا النظام أو تقوّضه. بينما حزب الله الذي يتمتّع بحاضنة شعبيّة في لبنان فهو يزعم أنه لا يتأثر بالضغوط الدوليّة والعربية ولا يخشى التهديدات العسكريّة، وذلك لأسباب عقائديّة دينية وأخرى عسكريّة عملانيّة.
Comments
Post a Comment