تاريخ اليعقوبي
المؤلف :
هو أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي ، مولى بني هاشم ، مؤرخ شيعي إمامي ، كان يعمل في كتابة الدواوين في الدولة العباسية ، حتى لقب بالكاتب العباسي ، وتاريخ مولده غير معروف ، أما وفاته فقد ذكر ياقوت أنها سنة 284هـ ، وقال غيره: سنة 282هـ ، ورجح الزركلي في الأعلام أن وفاته كانت بعد سنة 292هـ وذلك متابعة لناشر الطبعة الثانية من كتاب التاريخ لليعقوبي بناءً على نص وجده في كتاب البلدان له ، واليعقوبي رحالة جغرافي جاب البلدان الإسلامية وكتب عنها.
وقد ساعدته خبرته العملية التي اكتسبها من الرحلات والسفر ، ومن العمل في دواوين الدولة ، من جمع معلوماته وتنظيمها في مؤلفاته التي كتبها ، وهي كتاب البلدان ، وهو من أقدم المؤلفات في الجغرافيا التاريخية عند المسلمين ، وكتاب أخبار الأمم السابقـة ، وكتاب تاريخ اليعقوبي . وكذلك رسالة صغـيرة بعنوان ( مشاكلة الناس لزمانهم).
كتاب تاريخ اليعقوبي :
وكتابه في التاريخ ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : في التاريخ القديم ، وقد تحدث فيه عن بدء الخليفة ، آدم عليه السلام وأولاده من بعده حتى عهد نوح وحدوث الطوفان ، ثم ساق تاريخ الأنبياء على ترتيب بعثتهم إلى عيسى بن مريم ، ومعلوماته عن تاريخ الأنبياء اعتمد فيها على القصص الشعبي والإسرائيليات اليهودية والنصرانية ، وقد نقل من التوراة مباشرة ، ومن الأناجيل التي بأيدي النصارى في عهده ، وساق اختلافاتها في ولادة المسيح عيسى بن مريم.
ولم يعتمد على القرآن الكريم ولا السنة النبوية اللذين هما المصدر الصحيح السالم من التحريف والتزيد ، وإنما أشار إشارات مجملة بمثل قوله عن سليمان ( وآتاه ملكاً عظيماً كما قص في كتابه العزيز)، وقوله عن مريم : ( فكان من خبرها ما قصه الله عز وجل).
وبعد ذكر الأنبياء تحدث في إيجاز عن تاريخ الممالك التي قامت في الزمن القديم ، مثل السريانيين ، والبابليين ، والهنود ، واليونانيين ، والروم ، والفرس ، والصين ، وممالك الجربي في أرمينية ، والخزر ، وممالك الصين ، والقبط بمصر ، والبربر ، والحبشة ، والسودان ، وممالك العرب في اليمن والشام والحيرة ، ثم ذكر ولد إسماعيل وتسلسلهم ، ثم ذكر أخباراً عن حكام العرب الذين يرجع إليهم ، وشعراء العرب وأسواقهم وأزلامهم.
وحديثه عن هذه الممالك يجمع بين القصص التاريخي والوصف الجغرافي ، مع التركيز على الناحية الدينية ونوع ديانتهم ، وعن تاريخهم الذي يؤرخون به ، وعلى ما لديهم من علوم وحكمة ، وما اختصوا به من ذلك ، ويستطرد في ذكر مؤلفاتهم ، والموضوعات التي بحثوها خاصة عند اليونان والهنود.
وقد عرض ذلك بإعجاب وإكبار لما عند القوم من علوم الحكمة والفلسفة ، وقد صرح بمصادره في تاريخ فارس وانتقدها ، وذكر مصادره في تاريخ الصين.
أما القسم الثاني من الكتاب فهو يبدأ من مولد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر سيرته ومغازيه وسراياه في إجمال موجز مركز ، وقد سرد أخبار التاريخ الإسلامي على حسب توالي الخلفاء ، فذكر الحوادث الهامة في حياة كل خليفة .
وقد ذكر في مقدمة هذا القسم من تاريخه شيئاً من منهجه ، فقال : (ألفنا كتابنا هذا على ما رواه الأشياخ المتقدمون من العلماء والرواة وأصحاب السير والأخبار والتأريخات ، ولم نذهب إلى التفرد بكتاب نصنفه لكنا ذهبنا إلى جمع المقالات والروايات ، لأنا وجدناهم قد اختلفوا في أحاديثهم وأخبارهم وفي السنين والأعمال) فكأنه أراد أن ينتقي على هواه من مجموع ما وصله ولم يكلف نفسه بذكر رواياتهم واختلافاتها ومحاولة التجريح ، ليكون القارئ على بينة من كيفية الترجيح ، ومعرفة بالراويات وأسماء رواتها ، وإنما اختار هو وسجل اختياره.
وقد سمى مصادره في هذا القسم من الكتاب وهم أحد عشر أخبارياً ومنجمان اثنان ، هم : موسى الخوارزمي المنجم ، وما شاء الله الحاسب. وقد أخذ عنهماالطوالع والنجوم التي يذكرها عند تولي كل خليفة أو وفاته ، وعند ولادة كل شخص عظيم أو وفاته ، كما فعل عند ولادة كل شخص عظيم أو وفاته ، كما فعل عند ولادة الحسين بن علي ، وعند مقتله ، وكذلك بقية الأئمة الاثنا عشر عند الشيعة الإمامية ، وقد اعتنى بإبراز وفياتهم وذكر جمل من أقوالهم وحكمهم .
أما تاريخ الفترة التي عاصرها فقد يأخذ عن مصادر مباشرة ذكر بعضها ، ومن عادته أن يذكر في ترجمة كل خليفة ، من كان أكثر حظوة عنده ، ومن هو صاحب شرطته ، كما يقدم قوائم بأسماء من أقاموا الحج للناس ، وقوائم بأسماء الفقهاء والعلماء الذين كانوا في عهد الخليفة ، ويحرص على ذكر اسم أم الخليفة ، وعدد أولاده ويسميهم ، كما أنه يذكر الحوادث الشاملة ، كالمجاعات ، والأمراض ، والزلازل.
وقد اقتصر اهتمامه على التركيز على تاريخ الخلافة في المشرق ولم يذكر الدولة الأموية في الأندلس.
عقيدة اليعقوبي :
عرض اليعقوبي تاريخ الدولة الإسلامية من وجهة نظر الشيعة الإمامية ، فهو لا يعترف بالخلافة إلا لعلي بن أبي طالب وأبنائه حسب تسلسل الأئمة عند الشيعة ، ويسمي علياً بالوصي. وعندما أرخ لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان لم يضف عليهم لقب الخلافة ، وإنما قال : تولى الأمر فلان ثم لم يترك واحداً منهم دون أن يطعن فيه ، وكذلك كبار الصحابة ، فقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أخباراً سيئة ، وكذلك عن خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعرض خبر السقيفة عرضاً مشيناً ، ادعى فيه أنه قد حصلت مؤامرة على سلب الخلافة من علي بن أبي طالب الذي هو الوصي في نظره ، وبلغ به الغلو إلى أن ذكر أن قول الله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) قد نزلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يوم النفر ، وطريقته في سياق الاتهامات هي طريقه قومه من أهل التشيع والرفض ، وهي إما اختلاق الخبر بالكلية ، أو التزيد في الخبر ، والإضافة عليه ، أو عرضه في غير سياقه ومحله حتى يتحرف معناه. ومن الملاحظ أنه عندما ذكر الخلفاء الأمويين وصفهم بالملوك ، وعندما ذكر خلفاء بني العباس وصفهم بالخلفاء ، كما وصف دولتهم في كتابه البلدان ، بالدولة المباركة. مما يعكس نفاقه وتستره وراء شعار التقية.
وهذا الكتاب يمثل الانحراف والتشويه الحاصل في كتابه التاريخ الإسلامي ، وهو مرجع لكثير من المستشرقين والمستغربين الذين طعنوا في التاريخ الإسلامي وسيرة رجاله. مع أنه لا قيمة له من الناحية العلمية ، إذ يغلب على القسم الأول القصص والأساطير والخرافات ، والقسم الثاني كتب من زاوية نظر حزبية ، كما أنه يفتقد من الناحية المنهجية لأبسط قواعد التوثيق العلمي.
منهج كتابة التاريخ الإسلامي ، للدكتور محمد بن صامل السلمي ، ص 521
Comments
Post a Comment