الإخوان المسلمون في الإمارات - بقلم منصور النقيدان


مقدمة
في السادس عشر من مايو 2010، أذاعت قناة "الحوار" حلقة من برنامج "أبعاد خليجية" وكان موضوعها (دعوة الإصلاح في الإمارات، ماذا تريد؟). استضافت الحلقة اثنين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، وكانت هي المرة الأولى التي تقرر فيها الجماعة الظهور على الإعلام المرئي لشرح أفكارها، وتوضيح حقيقة انتمائها الفكري والسياسي والعقدي.
تتعرض الجماعة لحصار إعلامي وتقليص لمناشطها الداخلية والخارجية منذ قامت الحكومة الإماراتية بإجراءاتها الإصلاحية في عام 1994( ). وفي السابع عشر من يوليو (تموز) 2009 أصدرت نيابة أمن الدولة العليا في مصر قائمة بأسماء ستة وثلاثين متهماً في ما سمّي بـ"التنظيم الدولي للإخوان"، وشملت القائمة ثلاثة رجال أعمال، ذكرت اللائحة أنهم من الإخوان المسلمين الإماراتيين، واتهمتهم بالقيام بتهريب أموال إلى داخل مصر، وأشار الاتهام إلى أنه قد سبق وأُلقيَ القبض عليهم في يناير 2009 في مطار الإسكندرية وبحوزتهم أموال تمت مصادرتها( ).
يغري هذا الاتهام من قبل المحكمة المصرية بإثارة قصة الإخوان في الإمارات، ومعرفة حقيقة وجود إخوان مسلمين في الإمارات، فضلاً عن قيامهم بأنشطة خارج الدولة.
كانت الحكومة الاتحادية قد جمَّدت جميع الأنشطة الخارجية لجمعية الإصلاح في العام 1994، أتبعتها بقرار حل مجلس إدارتها، وإسناد الإشراف على فروع المؤسسة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. أنهى القرار فصول قصة استمرت لما يقارب واحداً وعشرين عاماً من إنشاء الإخوان المسلمين الإماراتيين لـ(جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي) بدبي وفروعها، وهو تحول تاريخي ترجعه قيادات بارزة في الجماعة اليوم إلى شكوى ضد الجماعة، كانت الحكومة المصرية قد تقدمت بها، بعد زيارة للرئيس المصري حسني مبارك إلى الإمارات في العام نفسه، وبعد أن كشفت تحقيقات أجهزة الأمن المصري أن أفراداً متورطين بعمليات إرهابية من جماعة الجهاد المصرية، قد تلقوا تبرعات مالية عبر لجنة الإغاثة والأنشطة الخارجية لجمعية الإصلاح الإماراتية.
يذكر محمد بن علي المنصوري عضو مجلس إدارة جمعية الإصلاح في رأس الخيمة، وهو من قيادات الإخوان المسلمين في الإمارات أن قرار الحكومة الإماراتية جاء بعد أمر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة (ت2 نوفمبر 2004)، بتشكيل لجنة أمنية للتحقيق في صحة الاتهامات المصرية في العام 1994، وبعد ستة شهور صدر التقرير بتأكيد تسرب أموال من الجمعية إلى أشخاص متورطين في قضايا عنف على الأراضي المصرية، تبعه قرار رئاسي بحل مجلس إدارة الجمعية، وأسند الإشراف عليها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وتجميد أنشطة الجمعية الخارجية، لكن حكومة دبي استجابت لالتماس قدمته الجماعة بتشكيل لجنة أخرى أصدرت تقريرها في العام نفسه يبرّئ الجمعية من التورط في دعم أي أنشطة خارجية غير مشروعة ( ).
كان الدكتور عبد الله النفيسي، الأستاذ السابق للعلوم السياسية بجامعة الكويت، قد نشر مقالاً في يناير 2007( ) دعا فيه الإخوان المسلمين في الخليج إلى حل تنظيمهم، تأسِّياً بما فعله نظراؤهم في قطر نهاية 1999. وذكر النفيسي، وهو صاحب تجربة سابقة مع إخوان الكويت، أنه اعتمد في ما ذكره من معلومات على ما أفضى به إليه أحد القيادات الشابة لجماعة الإخوان المسلمين القطرية، وبرر دعوته تلك بالطبيعة الخاصة للأنظمة السياسية الخليجية، التي تتوجس من أي تنظيم، وبما يعاني منه التنظيم الأم نفسه في مصر من انقسام داخلي، وجمود وتجميد للطاقات، موصياً في الوقت نفسه بتحويل الجماعة إلى تيار متعدد الأطياف، تجمعه أهداف واحدة من دون أي تنسيق حزبي، مؤكداً أن هذا سيكون مصدر قوة للجماعة بدلاً من بقائها تنظيماً أو تحويلها إلى حزب سياسي( ).
دعوة النفيسي تلك، جديرة بالاهتمام من شخص مخضرم مرَّ خلال الأربعين عاماً الماضية بتجارب عديدة، من التعاطف مع الثوار اليساريين في ظفار إلى تأثره بالإخوان المسلمين في بداية الثمانينات، وقربه من السلفية المحتسبة وجماعة جهيمان العتيبي، التي احتلت المسجد الحرام في 1979، ثم خلافه مع الإخوان منتصف الثمانينات إلى تعاطفه مع القاعدة منذ نهاية التسعينات وحتى اليوم( ).
استشهد النفيسي بالواقع الذي يعاني منه الإخوان المسلمون في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، مبيناً أن الإخوان القطريين الذين تبنّوا قرار حل الجماعة، بعد دراسة ومراجعة صارمة لفكرها، نصحوا الإماراتيين أكثر من مرة أن يتخلوا عن فكرة التنظيم، لأن تبعات ذلك تُعتبر خطيرة وثقيلة.
لقيت هذه الدعوة ترحيباً من قبل بعض الأسماء البارزة من الإسلاميين، من خارج الجماعة أو المنشقين عليها، وقوبلت باستنكار من قبل بعض ممثلي الإخوان، بينما لاذت جماعة ثالثة بالصمت، وتوسطت فئة رابعة فشجعت على حل فروع الجماعة في الخليج، وعلى الإبقاء على التنظيم الأم في مصر، وأما مرشد الإخوان المسلمين السابق، محمد مهدي عاكف، فقد اعتبر صمود الإخوان المسلمين، في وجه الضغوطات المحلية والدولية، يعود الفضل فيه إلى وجود تنظيم الجماعة القائم على مبدأ الشورى والمؤسسات( ). بينما اختار إخوان الإمارات الصمت والترقب، وعدم إبداء أي موقف معلن سلباً أو إيجاباً.
البدايات
يرجع الدكتور محمد الركن أستاذ القانون الدولي السابق، وهو من الأسماء البارزة من الإخوان الإماراتيين، فكرة إنشاء جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، إلى تأثرهم بتجارب الإخوان المسلمين في مصر والكويت( )؛ بعد عودة بعض الطلبة الإماراتيين في أواخر الستينات من دراستهم في مصر والكويت، يحدوهم أمل إنشاء جماعة تمارس أنشطتها وتنشىء مؤسساتها ومحاضنها التربوية في البلاد، لتستقطب الشباب إلى أفكار الجماعة، وتهيئهم ليكونوا كوادر مؤثرة في المجتمع الإماراتي الوليد( )، وقد نجحت الجماعة في جهودها واستطاعت عبر كسب تعاطف ودعم نخبة من رجال الأعمال والوجهاء وعلماء الدين أن تنشىء إحدى أقدم الجمعيات الأهلية في الإمارات. تلقت الجمعية الوليدة رعاية أبوية ومساهمة رمزية من إخوان الكويت، حيث ساهمت جمعية الإصلاح الكويتية بتأثيث مقرها،.وقد استمر هذا الترابط العضوي بين فرعي الإمارات والكويت، عبر اللقاءات والزيارات وإقامة المخيمات الصيفية في الكويت، وتنظيم الرحلات ( ).
وفي عام 1974 تقدمت مجموعة من رجال الأعمال والوجهاء وشيوخ الدين والدعاة -ومنهم الإخوان القدامى مثل سلطان بن كايد القاسمي، ومحمد بن عبدالله العجلان( )، وعبد الرحمن البكر وحمد حسن رقيط آل علي، وحسن الدقي، وسعيد عبد الله حارب المهيري- تقدمت هذه المجموعة بطلب إلى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس الدولة حاكم دبي بإشهار الجمعية.
تولى الشيخ محمد بن خليفة آل مكتوم منصب أول رئيس لمجلس إدارة الجمعية( ). وتبرع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بإنشاء المقر الرئيسي بدبي، تلاه إنشاء فرعين للجمعية في إمارتي رأس الخيمة والفجيرة، وقد تبرع الشيخ راشد آل مكتوم أيضاً بتكاليف إنشائهما، ويقال إن رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تبرع بأرض لإنشاء فرع للجمعية في أبوظبي نهاية السبعينات، ولكن قرار إنشاء الفرع جُمّد لاحقاً( ).
أما إمارة الشارقة فقد أغلقت الباب في وجه الإخوان، ولم تسمح بافتتاح فرع للجمعية، ويعيد المنصوري تمنُّع الشارقة إلى غلبة المزاج القومي والعروبي على مفاصل الثقافة في الإمارة المحافظة في السبعينات، متأثرة بأجواء الخصومة التاريخية بين الناصريين والإخوان في تلك الفترة التي استمرت حتى نهاية الثمانينات( ). وفي عجمان لم تؤسس جمعية الإصلاح فرعاً لها، واكتفى الإخوان بتبعية لجنة الإرشاد والتوجيه الاجتماعي لهم، وبقيت تعمل حتى اليوم تحت هذا المسمّى( ).
نشوة التمدد
عملت جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، منذ تأسيسها على استقطاب الطلاب والناشئة واستهداف مؤسسات التعليم، واستحوذ أتباعها على الأنشطة الطلابية الكشفية والمراكز الصيفية، ومع بداية عقد الثمانينات سيطرت الجماعة على قطاع التعليم العام وإدارة المناهج والتأليف في وزارة التربية والتعليم( )، وفي العام 1988 أصبح الإخوان المسلمون هم الصوت الأوحد والأقوى في مؤسسات الدولة التعليمية وفي جامعة الإمارات.
مع تأسيس مجلة "الإصلاح"، عام 1978، بدأت جمعية الإصلاح بالعمل على ضرب خصومها الفكريين من التيارات الأخرى، وقد دخلت الجماعة في صراع منذ بداية تأسيس الجمعية مع القوميين واليساريين، وبعد صدور مجلة الإصلاح نهاية السبعينات، هاجمت المجلة وكتّابها خصومها التقليديين من القوميين واليساريين، وكتبت أكثر من مرة عن تغلغل الشيوعيين في مفاصل الدولة وتأثيرهم في الثقافة والتعليم. وقامت بالتشكيك في إسلام بعض مسؤولي الحكومة -كما سيأتي في استعراض مقالات مجلة الإصلاح- ونشرت المجلة فتاوى حول جواز تولي بعض المسؤولين للمناصب الحكومية. وفي اتحاد الطلبة كانت الصدامات لاتتوقف بينهم وبين من وصفوهم بذوي التوجه اليساري( )، كما عملت المجلة على إظهار صورة نقية للجماعة وأتباعها، بالحفاظ على قيم المجتمع والتحذير من الغزو الثقافي، الذي سيتمثل في نظرهم في إصلاحات الحكومة في مجال التعليم والمناهج، وفي وسائل الإعلام وبرامج التليفزيون المحلي، وقد انشغلت المجلة بالتحذير من القائمين على الصحف المحلية من كتّاب ومحرّرين ومن أهدافهم السرية بالسعي إلى الحرب على الإسلام وإفساد شباب الأمة.
التوغل
تمكن الإخوان المسلمون في الإمارات من المشاركة بوزير واحد، في أول تشكيل حكومي العام 1971، حيث جرى تعيين سعيد عبد الله سلمان، وهو من الإخوان المؤسسين لجمعية الإصلاح، وزيراً للإسكان بترشيح من نائب رئيس الدولة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وفي عام 1977 أصبح محمد عبد الرحمن البكر وزيراً للعدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، بترشيح من الشيخ راشد بن سعيد أيضاً، والبكر هو ثاني وزير من جمعية الإصلاح يتولى وزارة حكومية، وفي التشكيل الحكومي الثالث في يوليو 1979 تولى سلمان وزارة التربية والتعليم ومنصب رئيس جامعة الإمارات بعد تأسيسها بسنتين، ومع التشكيل الوزاري اللاحق في يوليو 1983 لم يجدَّد للوزيرين( ).
وقد شرح النائب السابق لرئيس جمعية الإصلاح في رأس الخيمة محمد المنصوري الآثار التي ترتبت على تولي سعيد سلمان منصب الوزارة؛ مشيراً إلى أن الإخوان المسلمين في الإمارات بدؤوا كحركة إسلامية بخوض العمل السياسي في وقت مبكر، "حيث تمكنت الجماعة من إيصال أحد أبناء الحركة إلى منصب وزير الإسكان، وتولى أحد المؤيدين الأقوياء للحركة وزارة التربية، وقام هو والمسؤولون في الوزارة -وكان أكثرهم من أعضاء جمعية الإصلاح- بالعمل على نشر الحجاب والكتاب الإسلامي والتواصل مع رئيس الدولة ومحاورته بشأن الاختلاط في الجامعات، وصدر قرار يمنع الاختلاط في الجامعات وهو مستمر إلى اليوم"( ).
تولى سعيد سلمان وزارة التربية والتعليم بعد عبد الله عمران تريم، وقد كان من منظور الإخوان خصماً فكرياً لهم، ويذكر المنصوري أن حملتهم ضد تريم قد ساهمت في إبعاده من الوزارة ( ).
بعد العام 1977 هيمن الإخوان المسلمون على إدارة المناهج في وزارة التربية والتعليم، وتولى -الرئيس الحالي لفرع جمعية الإصلاح برأس الخيمة- الشيخ سلطان بن كايد القاسمي إدارة المناهج في الدولة لسبع سنوات حتى نهاية 1983، وهي السنة التي أقيل فيها سعيد سلمان من منصبه، في هذه الفترة تمكن الإخوان المسلمون من السيطرة على لجنة المناهج، عبر إصدار 120 مقرراً دراسياً اعتبرها الإخوان أحد أكبر إنجازاتهم( ).
وفي الفترة التي كان فيها سعيد سلمان رئيساً لجامعة الإمارات، تأسس اتحاد الطلبة الإماراتيين في جامعة العين العام 1982( ). إلا أن اهتمام إخوان الإمارات بقطاع الطلبة كان قد بدأ منذ فترة مبكرة تعود إلى 1968، وهي السنة التي يؤكد فيها المنصوري أن دعوة الإخوان رأت فيها النور( )، وبحكم المزايا التنظيمية لطلبة الإخوان في الجامعة، فقد اكتسح أعضاء جمعية الإصلاح نتائج انتخابات اللجان الطلابية عام 1977، وقد تأسست اللجان في السنة الأولى من تأسيس جامعة الإمارات، وبعد إنشاء اتحاد الطلبة هيمن الإخوان على الانتخابات حتى عام 1992( ). كان الصراع فيه شرساً بين الإخوان والطلاب من ذوي التوجه اليساري، ولكن النتائج كانت دائماً لصالح الإخوان( )، ولا يزال أتباع الإخوان حتى اليوم يشكلون القوة الضاربة في اتحاد الطلاب، رغم تجميد الكثير من أنشطته في السنوات الأخيرة.
عبر مجلة "الإصلاح"، والإبراق إلى شيوخ الإمارات ومراسلتهم ووفود الزيارات لحكام الاتحاد، وقف الإخوان ضد قرارات لا تتوافق مع توجهاتهم الفكرية وفي 5 مارس 1979 قام مجلس إدارة جمعية الإصلاح بكتابة رسالة إلى حكام الاتحاد بمناسبة اجتماع المجلس الأعلى لحكام البلاد أعضاء المجلس الأعلى، وفيه يدعونهم إلى تولية الصالحين وتنظيف البلاد من الفساد والمفسدين، ويدعونهم إلى إنفاق أموال البترول في سبيل الله وفي طاعته. وستكون أموال البترول ووجوه إنفاقها أحد المواضيع الأثيرة لمجلة الإصلاح( )، وسعوا إلى إنفاذ قرارات أخرى تدفع نحو تأييد توجهاتهم الحزبية والفكرية.
بعد تولي عبد الله عمران وزارة التربية سعت الجماعة إلى إفشال تدريس اللغة الإنجليزية في المراحل الأولى الابتدائية( )، ووقفت ضد قرار توحيد لباس طلاب التعليم العام( )، كما وقفت ضد حصص تعليم الموسيقى( )، وحرّضت الطالبات وأولياء أمورهن على عدم حضور حصص الرقص والموسيقى ( )، وتمكنوا في النهاية من إيقاف هذه الحصص، التي تقوم بها الطالبات في الأنشطة اللاصفّية، وأقامت في المدارس محاضرات وندوات حول خطر التغريب والغزو الفكري، كما قامت مجموعات من "الأخوات" والشباب بعقد مهرجانات في المدارس لجمع التبرعات للمجاهدين الأفغان ودعم الانتفاضة الفلسطينية.
تمكنت الجماعة من الاستحواذ على الأنشطة المدرسية عبر الأخوات في مدارس البنات، والجمعيات الطلابية، وإقصاء من لا ينتمي إليها( ). وكان للأخوات تأثير كبير على المعلمات والطالبات في الإمارات الشمالية وفي عجمان على وجه الخصوص، حيث مقر جمعية الإرشاد والتوجيه ، ومع تولي أحمد حميد الطاير مهام وزارة التربية بالوكالة منذ 1987 بدأت مجلة "الإصلاح" حملة ضد قرار الطاير بنقل 25 موظفاً في إدارة المناهج إلى وظائف أخرى( )، وقد نشرت جريدة الخليج في تلك الفترة خبراً عن أن خطيب جمعة في رأس الخيمة، قام بتكفير وزير التربية والتعليم، وكان المقصود بخطيب الجمعة هو محمد المنصوري، وحسب رواية المنصوري فقد استدعاه الوزير، ووبخه واتهمه بتكفيره واستغلال المنبر، وقد كان المنصوري حينها مدير مدرسة في رأس الخيمة، وموظفاً في وزارة التربية ، كما قاموا في 1988-1989بحملة ضارية ضد قرار مشروع التعليم الأساسي لطلاب جامعة الإمارات، وهي دروس تقوية للطلاب في مادتي الرياضيات والإنجليزي واللغة العربية قبل التحاقهم بالجامعة.
كان إنشاء فصول التعليم الأساسي يعني فشل السياسة التعليمية في التعليم العام، الذي هيمن الإخوان المسلمون عليه سنوات طويلة، لهذا بدؤوا بحملات تشويه منظمة للمشروع في مدارس التعليم العام، وبين طلاب جامعة الإمارات، فقامت كوادرهم بتوزيع نشرات مجهولة المصدر وخطب ومحاضرات، تتحدث عن الخطط الرامية إلى إفساد أخلاق وعقائد الطلاب والطالبات عبر التعليم الأساسي، الذي يقوده الطاير وفريق من المتغربين الذين يسعون إلى انحلال البلاد وتدجين العباد. صور الإخوان المسلمون والأخوات المسلمات، للطلاب ولأولياء الأمور فصول التعليم الأساسي على أنها أوكار رذيلة، تقوم فيها المعلمات الأجنبيات بتعليم الفتيات الرقص والتمرد على الأخلاق وتقاليد المجتمع. من أشهر خطب الكاسيت التي انتشرت في عام 1989 كاسيت "مآسي التعليم الأساسي"، لأحد مدرسي اللغة العربية وهو أحمد صقر السويدي ، وهو اليوم عضو جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم.
يعتبر محمد الركن ما حدث في تلك الفترة عدم نضج من الجماعة مقارنة بحال أبناء الجماعة اليوم. فهو يرى أن معظم الإخوان المسلمين يسعون إلى ابتعاث أبنائهم للدراسة في الخارج وهم أنفسهم يتعلمون اللغة الإنجليزية ويتحدثون بها، ويرى المنصوري أن الجماعة اليوم قد نضجت كثيراً قياساً بما كان عليه الحال في الثمانينات وأوائل التسعينات.
ومع بلوغ التصعيد ذروته، واستمرار التمرد الذي قاده أعضاء جمعية الإصلاح في مؤسسات التعليم ضد إصلاحات الحكومة، التي استمرت في إبعاد الإخوان عن لجنة التأليف والمناهج في الوزارة، عقدت قيادات الإخوان في منتصف 1989 اجتماعاً قررت فيه التهدئة، واتُّخِذَ قرار بالإجماع على أن يكون أسلوب الرفق واللين هو النهج المتبع( )، ولكن الوقت كان متأخراً لتدارك ماحصل وترميم الشرخ ، فقد تنبهت الحكومة إلى خطورة ما يمكن أن يقوم به هذا التنظيم.
جاءت أولى الضربات بتوقف مجلة "الإصلاح" عن الصدور مدة ستة شهور منذ أكتوبر(تشرين الأول) 1988 حتى أبريل(نيسان) 1989، وبعد عودتها للصدور مرة أخرى بقيت المجلة على خطها ولكن بوتيرة أكثر هدوءاً.
في الفترة مابين 1989 حتى 1994 أصبحت معظم القضايا، التي تتطرق إليها المجلة، هي ترشيد السياحة وضوابطها الأخلاقية، وخطر الأجانب على الثقافة والهوية الإماراتية( )، مع انتقاد لبرامج وسائل الإعلام المحلية( ) والعودة، ما بين فينة وأخرى، إلى ملف التعليم ولجنة مراجعة المناهج، حيث دعا رئيس تحرير المجلة إلى توسيع دائرة المشاركين في اللجنة الوطنية( ).
العام 1994 قامت الحكومة بحل مجلس إدارة جمعية الإصلاح، وتعرضت فروع الجمعية، في دبي والفجيرة ورأس الخيمة إضافة إلى جمعية الإرشاد في عجمان، لتقليص أنشطتها الداخلية والخارجية، وقامت الحكومة بإسناد الإشراف عليها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، ماعدا فرع رأس الخيمة الذي لم يزل حتى اليوم يحظى باستقلالية تحت حماية وتعاطف حاكمها الشيخ صقر القاسمي.


الصدام
منذ أن قام الإخوان المسلمون بتأسيس جمعية الإصلاح عام 1974، والجمعية تختار أعضاء مجلس إدارتها بانتخابات داخلية مستقلة ، وبعد واحد وعشرين عاماً هيمنت الحكومة على مفاصل الجمعية، وانعكس ذلك على سياسة تحرير المجلة، التي كانت اللسان الناطق للجماعة، وقد كتب حمد الرقيط، وهو من قيادات الجماعة، مقالاً في نوفمبر 2008 بمناسبة مرور 34 عاماً على تأسيس الجمعية، ذكر فيه أنه لم تتح الفرصة للحوار والمراجعة حول قرار الحكومة مع المسؤولين، واعتبر إسناد الإشراف إلى وزارة الشؤون الاجتماعية تدخلاً في شؤون الجمعية بإبعاد أصحابها الشرعيين عن قيادتها ، ويشير المنصوري إلى أن ذلك تسبب بهبوط أرقام توزيع المجلة، خلافاً لما كان عليه الحال طوال عقد الثمانينات وأوائل التسعينات في أزهى عصورها حيث كانت تحظى بقرّاء ومتابعين من شتى أنحاء العالم العربي( ).
ومنذ عام 2003 بدأت عملية نقل واسعة داخل وزارة التربية والتعليم، لأكثر من مئة وسبعين من الإخوان المسلمين وتحويلهم إلى دوائر حكومية أخرى، كان منهم 83 موظفاً، انشغلت وسائل إعلام محلية وغيرها بالحديث عنهم.
يرى المسؤولون الإماراتيون أن ذلك جاء ضمن رؤية استراتيجية، تهدف إلى نقلة كبرى في التعليم العام، تتماشى مع التحولات الكبيرة الاقتصادية والثقافية التي تمر بها البلاد منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، وقد كانت السنوات التسع التالية (1994-2003) لحل مجلس الجمعية مشوبة بالتوتر الصامت، والضغوط الناعمة وضبط النفس، والرسائل المتبادلة. كما أن حماية بعض الحكام لبعض الشخصيات الإخوانية، واعتبار العشيرة والوجاهة النابعة من تقاليد المجتمع الإماراتي، كانت تفعل فعلها، وهي تقاليد كانت تمثل جوهر التوافق والانسجام الذي ضمن دوام الاتحاد وتماسكه منذ قيامه.
كان للشيخ صقر القاسمي حاكم رأس الخيمة دور كبير في الاستقلال النسبي الذي يتمتع به فرع جمعية الإصلاح في إمارته، خلافاً لباقي الفروع. يرأس جمعية الإصلاح في رأس الخيمة الشيخ سلطان بن كايد القاسمي مدير جامعة الاتحاد، ويعتبر الإخوان الإماراتيون هذا الفرع هو الممثل الوحيد لهم، خلافاً لباقي الفروع، وله موقع على الإنترنت.
تسببت هذه العلاقة الخاصة بين حاكم رأس الخيمة والإخوان وحمايته لهم، في توتر العلاقة مع أبوظبي عام 1996 بعد صدور مذكرة توقيف بحق المنصوري، ودعم الشيخ صقر للأخير ورفضه إقالته من منصبه في فرع الجمعية برأس الخيمة . وفي تصريح لمحمد الركن لوكالة الأنباء الفرنسية AFP في 1 يوليو 2006 إشارة إلى استقلال فرع رأس الخيمة عن باقي الفروع. وفي لقاء خاص مع د. سلطان كايد القاسمي نشره مركز الإمارات للدراسات والإعلام في 26 ديسمبر 2005، أشار إلى وجود علاقة خاصة من الثقة والاحترام امتدت ثلاثين عاما بين جمعية الإصلاح وحاكم رأس الخيمة ( ).
وفي العام 2003 بدأ فصل جديد من علاقة الإخوان بالحكومة وأجهزة أمنها، كما سيأتي شرحه لاحقاً، بدأت بعقد لقاءات متكررة بين ثلاث قيادات من الجماعة وبين نائب ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد في العاصمة أبو ظبي، أفضت بعد شهور إلى رفض قيادات الجماعة دعوة الحكومة لهم إلى الانخراط في مسيرة التنمية وإمكانية العمل الدعوي، أسوة بنظرائهم من العاملين في مجال الدعوة والإرشاد الديني في الدولة، شريطة حل التنظيم( ).
ومنذ العام 2006 حدث ما يمكن تسميته بكسر لتلك العلاقات والوشائج، تصاعدت وتيرتها بإبعاد عشرات المعلمين، كانت ردة فعل (أبناء الإصلاح) بردود فعل غير تقليدية، تمثلت في تجمعات احتجاجية ومشاركات في القنوات الفضائية، ولقاءات صحفية ومقالات على الإنترنت تتحدث عن أسباب الإبعاد.
تؤكد بعض المصادر أن الحكومة الاتحادية كانت قد عرضت ثلاثة خيارات على كوادر الجماعة من موظفي التعليم، منذ بدأت بإجراءاتها الإصلاحية داخل مؤسسة التعليم، وهي:
1- إعادة تأهيلهم وإبقاؤهم في وظائفهم التعليمية، بعد إعلان تخليهم عن الجماعة، والتبرؤ من بيعة المرشد، والمساهمة في بناء فكر إسلامي إصلاحي معتدل ومتسامح وبعيد عن الأحزاب والتنظيمات، ومضاد لأفكار الجماعة. وتتكفل الحكومة بكل الدعم اللازم الذي يحتاجه المحوَّلون.
2- التخلي عن الجماعة تنظيمياً، واحتفاظ كل شخص بأفكاره الخاصة، بشرط ألا يقوم بترويجها أو الدعوة إليها، وهنا يتم إبقاؤه داخل مؤسسات التعليم ولكن بعيداً عن التدريس والتواصل مع الطلاب.
3- توفير فرصة وظيفية خارج المؤسسة التعليمية لكل من اختار البقاء على انتمائه الحزبي رافضا عرض الحكومة. كما تقوم الحكومة أيضا بإحالة من قاربت فترته على الانتهاء الى التقاعد.
ما تزال جمعية الإصلاح -بفروعها الثلاثة في دبي والفجيرة ورأس الخيمة، إضافة إلى جمعية الإرشاد بعجمان- قائمة بمناشطها في إقامة الدورات العلمية والمحاضرات ومسابقات القرآن الكريم، كما أن مجلة الإصلاح لم تزل تُطبع وتباع أعدادها في الأسواق، إلا أن الإخوان الإماراتيين يرون أنهم خسروا مؤسستهم ومنبرهم الإعلامي، وقد نشر موقع"الإمارات للدراسات والإعلام"، -وهو مملوك لمحمد المنصوري نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح برأس الخيمة- مقالاً يدعو فيه أعضاء مجلس الإدارة في دبي لإعلان توبتهم، وإعادة الحق إلى أهله، وأن مجلس إدارة الجمعية المعيّن في فرع دبي يمارس دوراً أمنياً وليس دعوياً، .
كانت مجلة الإصلاح طوال ثمانية عشر عاماً لسان الجماعة والمعبّر عن أفكارها، وكان انتزاعها منهم مؤشراً لانحسار تأثيرهم العلني على الساحة الإماراتية وتقليص مناشطهم وتقييد حركتهم .
البيعة والإرهاب
طوال عقد الثمانينات، من القرن الماضي، اهتمت جمعية الإصلاح ومجلتها بالقضية الأفغانية والمجاهدين، وفي النصف الثاني من عام 1987 أنشأت جمعية الإصلاح اللجنة الإسلامية للإغاثة "السفير المتجول"( ) ترافقت مع ولادة الانتفاضة الفلسطينية، التي كانت مجلة "الإصلاح" توليها اهتماماً كبيراً في كل عدد، وتفرد لها مساحة كبيرة من الأخبار والتقارير، وفي العام 1994 وجهت الحكومة المصرية اتهامات للجمعية بدعم أشخاص متورطين بعمليات إرهابية على الأراضي المصرية كما تقدم.
تعتبر بيعة الولاء، التي تأخذها الجماعة على أتباعها، إحدى أكبر المسائل التي سببت خلافاً كبيراً بين الجماعة وبين الحكومة الإماراتية( )، وهي من القضايا التي أخذت سنوات طويلة من البحث والدراسة لدى أعضاء الجماعة( ). وفي العام 2001 وجهت أجهزة الأمن الإماراتية اتهامها إلى الجماعة بتشكيل تنظيم سري عسكري، على غرار التنظيم السري الذي أنشأه سيد قطب في الخمسينات الميلادية( )، ولكن مسؤولي الجماعة نفوا تلك الاتهامات طوال السنوات الماضية، معبرين عن أنفسهم بأنهم هم رموز الاعتدال والوسطية على الساحة الدعوية الإماراتية. يذكر المنصوري وقائع حول قيام الجماعة بالتحاور مع بعض الشباب الإماراتيين الذين كانوا يفكرون بالتخطيط للاعتداء على القنصلية الأمريكية في دبي عام 1990؛ وإقناعهم بالتراجع عن مخططهم، ويذكر المنصوري قيامه بمناصحة مجموعة من الشباب كانوا يحملون ميولاً جهادية ويفكرون بالانضمام إلى القاعدة، وأن تلك الجلسات الطويلة التي عقدها مع الشباب قد أثمرت نتائج إيجابية في صالح الوطن( ).
زادت مخاوف الحكومة الإماراتية بعد حادثة رسالة تهديد، كانت ستوجه إلى السفارة الأمريكية في أبوظبي. حيث إنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، قام أحدهم بإلقاء كلمة حماسية عن الجهاد والقواعد الأمريكية في الخليج بين أعضاء الجماعة في جمعية الإرشاد بعجمان، وختم خطبته بتشجيع الحضور على إرسال رسالة تهديد إلى السفارة الأمريكية( ). استمرت معسكرات الإخوان الصيفية حتى ما بعد 1996، وفي العام 2000 قام شباب الجمعية برحلة إلى الكويت بقيادة حمد الرقيط، وهو من قيادات الجماعة، وبحضور أحد رموز الإخوان في الكويت، وهو جاسم الياسين، وتم التأكيد في هذا اللقاء على الالتزام بتعاليم مؤسس الجماعة المرشد حسن البنا، والوفاء لخط جماعة الإخوان والسعي إلى إقامة الخلافة .
وفي العام 2003 عقد حسن الدقي –وهو من قيادات الإخوان المسلمين في الإمارات- لقاءاً شهيراً بكوادر الجماعة الصغار من طلاب جامعة الإمارات في مزرعته في الذيد بإمارة الشارقة، حيث طلب من الجميع إغلاق هواتفهم المحمولة، ثم دعاهم إلى الجهاد ضد أعداء الإسلام( ). وقد قامت قيادة الجماعة بمحاولة ثنيه عن توجهاته الجديدة بعد صدور كتابه "ملامح المشروع الإسلامي" عام 2003 وظهور ميوله الجهادية، وذلك خوفا من التبعات الأمنية على الجماعة. أصر الدقي على أفكاره، وبعد اجتماع بين قيادات الجماعة تناقشوا فيه حوله ، صدرت مذكرة داخلية بنتائج النقاش حيث صدر قرار بإبعاده وعزله.( )

زاد من مخاوف الحكومة إصرار الجماعة على إلزام أعضائها بأخذ البيعة، والبيعة شرعاً تعني الولاء لمن منحه العضو ثمرة فؤاده( )، ورغم أن القيادات الإخوانية تهوّن من شأن البيعة وتقارنها بالبيعة التي يؤديها المريد الصوفي لشيخ الطريقة( )، إلا أن إصرار الجماعة على ذلك كان باعثاً للشك والريبة. اعتبرت الحكومة أن من يعطي بيعته لشخص ما هو في الحقيقة يمنحه ولاءه التام، فإذا قام مواطن إماراتي بإعطاء بيعته لقائد حركي فهو يحمل ولاءاً مزدوجاً، يجعل من انتمائه الحركي مساوياً لولائه لأرضه ووطنه وشيوخ بلده في أحسن الأحوال، وهذا مالا يمكن القبول به. وزاد الأمر سوءاً حول مايمكن أن يكون قد أعطاه الإخوان الإماراتيون من بيعة ولاء لقيادات إخوانية في التنظيم الأم خارج البلاد، وينفي محمد الركن أن يكون أحد من أعضاء جمعية الإصلاح، قد أعطى يوماً بيعته لمرشد الإخوان المسلمين في مصر أو غيره من أتباع التنظيم الدولي، ويشرح ذلك بأن المجتمع الإماراتي معتدٌّ بعروبته وبانتمائه القبلي وعاداته البدوية، فلا يعقل أن يمنح الإخوان الإماراتيون، مع انتمائهم الفكري للجماعة، ولاءهم أو بيعتهم لعربي أو عجمي خارج الحدود ( ).
طوال عقدين كانت جمعية الإصلاح تستضيف أسماء بارزة من الإخوان المسلمين من خارج الإمارات؛ لإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات في مقر الجمعية، وفي الثمانينات كان أعضاء الجماعة العاملون في قطاع التعليم يقومون بتنظيم محاضرات لرموز الجماعة من المصريين والسوريين وغيرهم في مدارس الأولاد والبنات، وقد ترافق حل مجلس جمعية الإصلاح عام 1994 مع إبعاد الحكومة الإماراتية لبعض رموز الإخوان العرب من دولة الإمارات، وكان أشهرهم هو عبد المنعم العزي، المعروف بمحمد أحمد الراشد، وصاحب المؤلفات الحركية مثل "المسار" و"المنطلق" و"رسائل العين". وقد انتقل إلى الإمارات في أوائل الثمانينات من القرن الماضي بعد فترة قصيرة قضاها في العمل بمجلة "المجتمع" الكويتية. عمل العزي مستشاراً في وزارة الأوقاف في دبي وربطته بجمعية الإصلاح علاقة وثيقة، كان فيها يستضاف أحياناً لإلقاء محاضرات والمشاركة في أنشطة الجمعية. ويؤكد محمد الركن أن العزي كان منطوياً على نفسه وقليل الاحتكاك بالجمهور وخشن العشرة، ولكنه كان يشارك أحياناً في الدروس والمحاضرات في جمعية الإصلاح( ).
في نهاية التسعينات من القرن الماضي واجهت جمعية الإصلاح اتهاماً بأن من يدير فرع رأس الخيمة في الخفاء هو عبد الحميد الأحدب، وهو من الإخوان السوريين، وقد أقام سنوات في رأس الخيمة يعقد دروسه في مسجد الجمعية( ).
زاد من غموض الأمر وتضاعف الريبة عند الحكومة، عدم وضوح الإجابات التي يقدمها الإخوان الإماراتيون، حينما يُسألون عن تفاصيل البيعة والطريقة التي تؤدّى بها، ومتى يجب على العضو تقديمها، ولمن تعطى البيعة وصيغتها. ويؤكد محمد الركن أنها بيعة عامة تتضمن الولاء للدعوة، وبذل الجهد في المنشط والمكره، وهو يؤكد أن الجماعة قررت منذ 2001 عدم إلزام الأعضاء بها، ولكن المنصوري يؤكد أن الجماعة أوقفت أخذ البيعة من أعضائها منذ 2003. ويذكر راشد الجميري أنه منذ أواخر عام 2002 بدأ بالامتناع عن حضور اجتماعات الجماعة واعتذر في النهاية للمشرف الذي يتبع له، موضحاً له أنه سوف يعمل للدعوة والإسلام من دون أن يكون عضواً في التنظيم، ولكن المشرف ذكّره بأن الدعوة التزام، وعليه المضي فيما التزم به، وقال له: "ربما أنت تخاف من أن تقوم بأداء البيعة؟" ( ).
أخذ الإخوان سنتين من التفكير، وفي العام 2003، مع كثرة الاتهامات وتضرر كثير من كوادر الجماعة بسبب ولائهم وبسبب بيعتهم، أقرت قيادات الجماعة بالإجماع عدم استقطاب أي من العاملين في القطاع العسكري ، وعدم التواصل مع أي عضو التحق للعمل بالجيش، والأمر الثاني هو إيقاف أخذ البيعة من الأعضاء عموماً بشكل نهائي( ).
ترافقت تلك الإجراءات مع احتمالات الانفراج في وضع الجماعة في ذلك العام والتي بدأت بسلسلة لقاءات في شهر أغسطس جمعت ثلاثة من قياديي الإصلاح بنائب ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والذي رحب بهم وأبدى استعداد الحكومة لدمجهم في مسيرة التنمية ومؤسسات الحكومة والاستفادة من خبراتهم، إذا ماقررت الجماعة حل تنظيمها.
تلقى نائب ولي عهد أبو ظبي وعوداً من زعماء الجماعة بالتفكير جدياً بحل الجماعة، ويذكر المنصوري أنه تلقى اتصالاً من ولي عهد رأس الخيمة الحالي، الشيخ سعود بن صقر القاسمي، صبيحة اليوم التالي لاجتماعهم بالشيخ محمد بن زايد، ينقل إليه انطباعات الشيخ محمد الجيدة. وقد وصف المنصوري تلك اللقاءات بأنها كانت ربيعاً لن يتكرر. وقد ذكر المنصوري في لقاء مع مدوّنة "حراك" أن قيادات الإخوان التقوا بالشيخ محمد بن زايد في 17 أغسطس 2003، وأعقبها لقاءان في الشهور اللاحقة، وكان الحوار –حسب رأيه- مثمراً بحيث عادت الجماعة إلى العمل العلني في سبتمبر من ذلك العام، ولكن الأمور ساءت بعد ذلك، مما اضطر الجماعة إلى العمل السري مرة أخرى، مشيراً إلى استفادتهم من الحكم الفيدرالي الذي يترك لكل إمارة الحرية في تطبيق قوانينها .
بعد شهور قليلة من تلك الاجتماعات، عاد سلطان بن كايد القاسمي إلى مجلس الشيخ محمد بن زايد وفي يده بيان موقع من زعماء الجماعة يوضح أن الجماعة تمتلك شعبية كبيرة وقبولاً في المجتمع الإماراتي، ولها امتدادات في الداخل والخارج، وأن الجماعة هي الجهة المنظمة القادرة على التأثير، ولايمكن لأي سلطة أن تقلص من نفوذها وتأثيرها. بدا حينها أن تلك الفرصة التاريخية التي رفضها الإخوان لن تتكر. وأصبحت الحكومة الآن أكثر إصراراً على خططها في الإصلاح..
فكر الإخوان في الإمارات
يقدم الإخوان المسلمون الإماراتيون أفكارهم على أنها دعوة إسلامية وطنية رسالتها حضارية، تتناسب مع العرف الاجتماعي الإماراتي الوطني في بعده الجغرافي، انطلاقاً من الهوية المحلية وتقاليد وتراث المجتمع الإماراتي الذي لا يتصادم مع ثوابت الإسلام( ). أما ثوابتها العقدية فهي ترتكز على (خليط) من تعاليم أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، وتعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مقتفية أثر جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في باكستان، مستلهمة تعاليم أبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي وجماعة التبليغ والدعوة. أما حقيقة الدين الذي تنطلق منه فهو ما يفسره قول الرسول: "من بدل دينه فاقتلوه"( ).
وفي الحقيقة إن الجمع بين الفكر الحركي المسيّس للإخوان المسلمين، ونهج جماعة التبليغ والدعوة التي تجعل من أسس دعوتها البعد عن السياسة، هو جمع بين المتناقضات.
وترى الجماعة أن هناك كثيراً من الدعوات تزعم أنها إسلامية، ولكن ما يميّز الإخوان المسلمين في الإمارات أنهم ينبذون الخرافة والبدعة، لأن منهجهم صاف نقي ينطلق من مدرسة مقاصدية تفهم النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية وأسباب نزول النصوص( ).
وعن رأيها في إسلاميي الخليج المعارضين لجماعة الإخوان الإماراتية، ترى الجماعة أنهم صنفان: الأول أصحابه ذوو طرح عقلاني رزين، والثاني أصحابه معارضون يتصفون بفجاجة الخلق وسوء العشرة، بينما هي ترفض التغيير بالعنف وترى أن أي جنوح نحو العنف هو تفجير للنسيج الاجتماعي، كما أنها ترى ترى أن الجماعات المتطرفة مع إخلاصها وصدق نيتها إلا أنها أخطأت الطريق، وترى أن الحوار مع أصحاب هذه التوجهات، من القاعدة والجهاديين، هو أفضل السبل للقضاء على "النتوءات الشاذة" .
وعن موقفها من حكام الإمارات، وعلاقتها بالسياسي، فهي ترى فيهم أنهم حكام مسلمون يحبون الإسلام ويتحاكمون إليه، وأن دور الإخوان المسلمين هو محاولة تقريب القيادة السياسية والمجتمع للمنهج الإسلامي المثالي، وأن الجماعة تضع في عين الاعتبار الظروف السياسية التي تدفع اصحاب القرار لاتخاذ السياسات التي تتلاءم مع الظروف والأوضاع الدولية( ).
فكر الإخوان المسلمين في الإمارات من خلال مجلة الإصلاح(1978-1994)
توضح الاقتبسات التالية أفكار جمعية الإصلاح منذ صدور أول عدد لمجلة الإصلاح في عام 1978، وهي تشرح موقف الإخوان المسلمين الإماراتيين من معظم القضايا التي شغلت الرأي العام والساسة والمفكرين ورجال التعليم حتى 1994. وسوف يلحظ القارئ أن القضايا الساخنة المحلية التي شغلت المجلة وانعكست آثارها على توجه المجلة والجماعة لاحقاً، تنحصر تقريباً في الإحدى عشرة سنة التي امتدت من 1978 حتى 1989.
- كلمة الإصلاح "هذه المجلة"( ) بمناسبة مرور عام على صدور المجلة، "وآخرون غاظهم أن يكون للحق صوت.. وهالهم النجاح الذي حققته المجلة.. وصوت الحق في المجلة يهتك أستار مخازيهم، وينبّه إلى مخططاتهم وأساليبهم، وضعوا أمام المجلة العراقيل فراحوا يسبون ويهددون برسائل غفل من التوقيع أوبتوقيع مستعار".
- خالد سيف، كلمة المحرر"المجتمع الطلابي"( )، وفيه يتساءل المحرر عن سبب ارتباط السَّمر بالطبل، بدلاً من التمثيليات المستمدة من الإسلام، "كيف يجتمع في قلب الطالب صوت الطبل والموسيقى مع حب التضحية والإيثار وحب الدين؟".
- "مدينة الملاهي أم وكر الجريمة"( )، ويصف كاتب المقال السيرك المتنقل بأنه وكر متنقل للفساد، ويدعو المسؤولين في بلدية الشارقة إلى إيقاف التيار الجارف من وسائل الفساد التي يسمونها ترفيهاً باسم السياحة والفن.
- "فضائح تليفزيونية"( )، والمقال عن زيارة تليفزيون أبوظبي لكليات البنات في جامعة الإمارات، في 15 يناير(كانون الثاني) 1980، ويذكر المقال أن معيدة في قسم العلوم الإدارية والسياسية، أبدت رغبتها بالسماح بالاختلاط بين الطلبة والطالبات فأجابها المذيع: "لا، لا.إنت عايزة جمعية الإصلاح تقوم علينا؟". ويتساءل المقال: "هل هذه في الجامعة التي تدّعي الفضائل وتحافظ عليها؟".
- افتتاحية المجلة، حديث الشهر.. "أي الفريقين أحق بالأمن"( )، ويحذر المقال من خطورة تولية المناصب لفاسق سكّير، أو لا يتقي الله ولا يخافه، وأن يكون المقياس الأول في اختيار المرشحين للوظائف، سواء كانوا مواطنين أو وافدين، على جميع المستويات هو الإسلام، والتمسك بأخلاقه.
- كلمة الإصلاح "الصيف والسفر"( )، والمقال يدعو الإعلام إلى الكف عن الدور التخريبي لأخلاق الشباب: "كفى اهتماماً بالأجانب الذين وُفّر لهم كل شيء، أما المواطنون الشرفاء المسلمون وغيرهم من الوافدين الطيبين المسلمين فليس لهم إلا التحسّر".
- عبدالله الكشاف "مسابقة لأحسن راقص وراقصة"( )، ينتقد ما نشرته جريدة "الاتحاد" عن مسابقة أحسن راقص وراقصة في لندن: "أين قانون الرقابة والمطبوعات من هذه الصحف؟ وهل قوانينها أن تسكت الحق وتشهر الباطل؟ وهل قوانينها أن يسكت أصحاب الحق وتقفل دونهم الأبواب وعندما يبرّر الباطل لايعاقب؟".
- "برقية مستعجلة.. إلى مدير عام تليفزيون دبي"( ): "أيريد نشر الرذيلة والفساد بين شباب هذه الأمة المسلمة، أم أن هناك من يسيّره لفعل هذا الشيء المشين؟ إذا لم تستطع منع هذا السيل العارم من الفساد فقدم استقالتك فهذا أشرف لك".
- "يقال إن"( )، واحتوى مجموعة من أخبار الوسط الطلابي والتعليمي، عن مدرّس لم يقم بأداء الصلاة مع الطلاب في المخيم، ومديرة مدرسة أعاقت نشاط الجمعية الدينية بالمدرسة، وطالب في مخيم كشفي في دبي يشكو من عدم وجود طبال لإحياء السّمَر، وعن طالب في ثانوية بدبي -والده مدرس للتاريخ- يقول لزملائه الطلبة بأن الشيوعية أفضل من الإسلام، وعن نقاش دار بين مدرّسين حول حقيقة وصف العلمانية باللادينية، وخبر عن انشغال طلاب في مخيم كشفي في مشرف بدبي بالألعاب الرياضية مع أحد المسؤولين في المخيم عن أداء صلاة المغرب.
- عبدالله الكشاف "في دائرة الضوء"( ) حول العمالة الوافدة في الإمارات، وقد نقل المقال خبراً عن صحيفة "الشرق" اللبنانية بوجود 15 ألف جندي من كوريا الجنوبية في دولة الإمارات، مرتبطين بأجهزة المخابرات الأمريكية، ويتساءل عبدالله الكشاف: "لماذا لا يكون الإسلام شرطاً لدخول العمالة لبلادنا؟ لماذا لايكون الإسلام شرطاً لدخول العمالة العربية إلى الدولة؟ وهل تكفي العروبة شرطا؟"، ويشير إلى الخطط الاستعمارية لدى طائفة السيخ الذين ازدادت نسبتهم في البلاد.
- كلمة المحررة "أطفالك والانتفاضة" ركن الأسرة( ) "فما أجمل لو أخذت طفلك من يده وأجلسته أمام التلفاز، وأن تزرعي الحب في قلب طفلك تجاه هؤلاء المجاهدين، وتزرعي الحقد في قلبه على اليهود، وتحكي له عن تاريخهم القذر، ومايدريك لعله يوماً سيكون بطلاً من أبطال الإسلام".
- عبدالله صالح "عالم المتناقضات"( )، يفتتح التلفاز بالقرآن وبالحديث الشريف يتبعه فنانة تغني وترقص. تتصفح الصحف اليومية ترى أطفالاً توأد ونساءاً ترمّل وبجانب كل خبر صورة لامرأة شبه عارية، ودعاية لحفلة رقص وعربدة، وصفحات مسطرة بمداد ما أسموه "الفن" وماهو إلا الرذيلة.
- محمد عبدالرحمن "مآسي الأمة وصحافتها العربية"( )، والمقال عن نشر صحيفة محلية لثلاث صور لثلاث ضحايا في الانتفاضة الفلسطينية من الـ(شهداء) محمولين على الأكتاف وبنفس الصفحة صورة لمشجعي الكرة، وقد حملوا على أكتافهم مدرب الفريق ويتساءل المقال "أليست هذه مهزلة بلغتها صحفنا؟ أم أنه فقدان وازع الإيمان؟ وأما التليفزيون فيأتي خبر عن أفغانستان أو عن فلسطين ليأتي بعده وصلة غنائية ثم برنامج منوعات ثم فاصل موسيقي، وا أسفاه على إعلام المسؤولين".
- للإصلاح كلمة "الهوية الثقافية التي نريد"( ) يشير المقال إلى ندوة عقدتها جريدة "البيان" في 15 فبراير 1988 حول الهوية الثقافية: "وغالب الظن أن الذين يهيمون هناك (من المشاركين في الندوة) ويحلقون في سماوات لانعرفها رضعوا من أثداء غربية وسُقوا من مياه عكرة".
- علي الحمادي "مساحة للتأمل..الكريسماس"( )، "الأمة ترقص اليوم في حفلات الكريسماس على أعراض أخواتنا في البوسنة والهرسك، نرقص دون حياء ولا مراعاة لمشاعر الأخوّة الإسلامية المطالبين بها شرعاً فضلاً عن مخافة الله وانتقامه، أليست أخواتنا المعذبات أولى بهذه الأموال التي تنفق في صالات اللهو والفجور؟".
- مريم عبدالله "الإعلام وفقدان الهوية"( )، حول قناة فضائية محلية تنقل حفل مطرب أجنبي .."أين الغيرة يامسؤولينا في بعض وسائل الإعلام؟ أين الدين من كل ماتفعلون وتعرضون؟ أصبحنا نستجدي مطربي الصليب أن يجلبوا لنا جنونهم وقذارتهم، ثم بعد ذلك تعالجون انحراف الشباب وجرائم الشباب وعبثهم".
- عبدالله عبد الرحمن آل هادي "لماذا لاتشارك الخبرات الوطنية في عملية صياغة المناهج التربوية؟"( ) نقلاً عن جريدة "الاتحاد"، ينتقد فيه الكاتب حذف موضوع الأقليات الإسلامية ومنها أفغانستان، وإضافة أسماء من غير الإسلاميين الى أسماء بعض الشعراء في مادة اللغة العربية.
- "مطلوب تأجيل النظر في مشروع قانون التعليم"( )، وهو انتقاد لاذع لوزير التربية والتعليم بالوكالة أحمد الطاير، بدعوته إلى إشراك الجمهور بالحوار حول التعليم العام، كما اعتبرت المجلة قرار الوزير بنقل خمسة وعشرين موظفاً من القيادات التربوية خدمة لأهدافه الفكرية، وذكر المقال أن الغيورين تنبهوا لمغزى قرار الوزير بتعليم اللغة الإنجليزية في الصفوف الأولى، وانتقد المقال تخويل وكلاء الوزارة المساعدين بعدد من الصلاحيات في ما يخص الموسيقى والأنشطة الرياضية. واتهمت المجلة أعضاء لجنة مشكلة من اليونيسكو ومن وزارة التربية لمراجعة المناهج بعدائها للإسلام. وأشار المقال إلى جوقة من الكتاب متنوعة في انتماءاتها الشرقية والغربية تتبنى أفكاراً ليست إسلامية، وتعادي التوجه الإسلامي ورواده في مقالاتها ، وهو توجه ينطلق من القرآن الكريم والسنة النبوية، وتسخر من ذوي اللحى والعمائم، وتتشبه بالمجرمين الذين يسخرون من الذين آمنوا.
- للإصلاح كلمة "صحافة تدعو للرذيلة" ، تناول الصحافة الإماراتية التي اعتبرتها الافتتاحية أكبر مصدر لنشر الانحلال والفساد: "فكم للإصلاح من صولات وجولات ضد الداعين للفساد والإفساد في مجتمعنا المسلم العربي..وكم حذرنا ونبهنا المسؤولين والمواطنين من مغبة التهاون والسكوت، وغض الطرف عن بؤر الفساد ومروجيه، والأدهى صحافتنا اليومية التي يحلو لبعضها أن تضع نفسها باسم الوطن ... فهذه الصحف ولعل أبرزها التي تلتحف بثوب الوطنية، هي أكبر مصدر للنشر والدعاية عن هذا الانحلال والفساد، بل وإيضاح أوكاره ومواعيده وسبله". وتنتقد كلمة الإصلاح إعلان إحدى الصحف عن حفل فنانة أجنبية في عدد من فنادق الدولة ويتساءل: "لم اللوم لمن همّه الأول إيرادات الصحيفة لا مصلحة عقيدته ووطنه؟".
تم إيقاف مجلة الإصلاح بعد هذا العدد الساخن عن النشر لمدة ستة شهور من أكتوبر 1988 حتى أبريل 1989.
- افتتاحية الإصلاح "الزي الوطني أم الزي الإفرنجي" ، حول الجدل بين وزارة التربية والتعليم وأولياء أمور الطلاب حول الزي المدرسي، وإصرار الوزارة أن يكون الزي الإفرنجي هو الزي الموحد. يربط المقال بين أهداف الاستعمار في أن يترك المسلمون دينهم، والتضييق على التعليم الديني.. وحصار الدين مادياً ومعنوياً، بحيث أصبحت مناصب المعاهد والكليات الدينية متواضعة ومحدودة، وينتقد المقال ابتعاث الطلاب إلى دول غير إسلامية مما يزيد الطالب جهالة بدينه ومُثله ويزيده تعلقاً بقيم الغرب.
- رسالة الإصلاح "ماحقيقة هذه السفينة"( )، وينتقد المقال زيارة السفينة لوغوس إلى الإمارات وهي مكتبة متنقلة، ذكر المقال أنه قام بزيارتها عدد كبير من الهنود والإنجليز والبروتستانت، وينتقد المقال احتواءها على كتب دينية مسيحية ويدعو المسؤولين في الإعلام والثقافة إلى الحذر من السفينة.
- "للإصلاح كلمة"( ) دعوة إلى منع الشاليهات وترشيد السياحة، ودعوة إلى الإعلام بالكف عن الدور التخريبي لأخلاق الشباب.
- "حديث الشهر"( ) عن خطر العمالة الوافدة واحتمال تحولها إلى طابور خامس للعدو المتربص.
- "برقية مستعجلة( )، وهي موجهة إلى مدير تليفزيون دبي. أحمد حسن "ياخطباءنا الكرام"، العدد نفسه ص 29، تدعو الخطباء إلى تحريم الفن والموسيقى.
- أبو خالد "غلطxغلط( ) انتقاد سماح الرقابة بدخول الكتب الدينية لأتباع الديانات الأخرى، ومنع بعض المجلات الإسلامية.
- "إخفاق المناهج الوافدة في تربية الأجيال. المداد الأخير"( ).
- "إنهم يطمسون الفكر الأصيل" وهو انتقاد للتوجهات الأدبية في المجلات الإماراتية وإقصاؤها للآراء الأخرى (الإسلامية) البناءة.
- مريم عبدالله "الإعلام وفقدان الهوية"( ).
- ش.أ.م "يوميات مدرسة" عدد 124 مايو 1988، ص36 تمتدح موقف والد طالبة قام بمنعها من حضور حصة الموسيقى، وتتساءل لماذا لاتمنع وزارة التربية الموسيقى إذا كانت حراماً، وتشكوا من تأجيل المحاضرات الدينية ضمن الأنشطة اللاصفية في الوقت الذي تسارع فيه إدارة المدرسة إلى إقامة حفلات الرقص والغناء.
- خليفة محمد "هل هذا هو الإلحاد العلمي" ، حول استبيان قامت به جمعية إماراتية جرى توزيعه على طلاب الثانوية والجامعة وتضمن أسئلة حول الجنة والنار وخلق الكون والمسائل الجنسية، والتشدد الديني وهل تشكل تلك القضايا مشكلات حقيقية للطالب أم لا. اعتبر الكاتب أن الاستبيان قصد منه زعزعة ثقة الأبناء في دينهم وشرائع الإسلام السمحة.
- أمل أحمد "إلى القائمين على برامج التليفزيون"( )، تنتقد في مقالها ما وصفته بـ"الزبالة" التي يعرضها التليفزيون، مثل الرسوم المتحركة للأطفال التي تعرض الحب بين القطة والفأر، وتشكك في إيمان المسؤولين في التليفزيون، وهل هم أعداء حقيقيون أو جرى تصنيعهم لتدمير أهل البلاد في عقر دارهم.
- "اعترف ولم يصرح"( )، كلمة المحرر، يذكر المقال شكوى أستاذ جامعي من عدم الإقبال على الأمسيات الشعرية، وقد ربط الكاتب ذلك بوعي شباب الصحوة الإسلامية ودور مراجعة المناهج الوطنية في وزارة التربية بذلك.
- أبوياسر "أريد أن أقول"( )، ينتقد المقال قيام وزارة التربية بعمل أنشطة مدرسية تشمل الموسيقى والرقص والغناء، كما يشنّع على شركات أجنبية تعمل في الإمارات تنشر إعلانات تشترط أن يكون المتقدم للعمل من أوروبا وامريكا. ويذكر أن شركة تشترط على المسلمين المتقدمين حلق لحاهم للحصول على الوظيفة.
- "أسئلة وردود"( ) فتوى حول مسؤول يشغل وظيفة مهمة يصف صلاة الاستسقاء بالخرافة.
- علياء سلطان "لماذا هذه الدعوات المشبوهة"( )، وهو تعليق على دعوة مخرج تليفزيوني ومسرحي اسمه عبداللطيف القرقاوي للفتاة الإماراتية للإقبال على المسرح، وتعتبر الكاتبة دعوته دعوة إلى الفجور والفساد.
- كلمة الإصلاح "حول مهرجان الربيع الكبير في الشارقة"( ): "افتتاح مركز اكسبوا في الشارقة ،تحت رعاية جمعية الاتحاد النسائية بالشارقة وسوف يحييه نخبة كبيرة من الساقطين والساقطات..فيفي عبده وشادية، بالنغم الشعبي الأصيل، وريعه سوف يكون لأفغانستان... في الوقت الذي تتعرض فيه بوابة من أهم بوابات العالم الإسلامي للغزو الروسي، من يقيم حفلات الرقص الماجن والغناء المبتذل.. ويطالب المقال الجهات المسؤولة في الدولة بإيقاف هذا الفساد".

خاتمة
يعتبر إخوان الإمارات أن فرع جمعية الإصلاح برأس الخيمة الممثل الوحيد لهم، والحاضن لأفكارهم وكوادرهم، خلافاً لفرعي دبي والفجيرة( )، وبعد 1994 اتخذت دبي موقفاً في المنتصف عبر تجميد أنشطة الجماعة وتقليص أذرعها وخفض صوتها المعارض واحتواء بعض المبعدين منهم من التعليم ومن أحيلوا للتقاعد من موظفي وزارة التربية والتعليم، وإعادة توظيفهم في الحكومة المحلية( ).
كانت أبو ظبي وما زالت هي أول من قرع جرس الإنذار، وهي من أخذ على عاتقه مواجهة الإخوان المسلمين منذ 1988، وتقليص نفوذهم، والسماح للتيارات الإسلامية الأخرى بالظهور، مثل: الصوفية وجماعة التبليغ والدعوة، والسلفية العلمية التي تتواجد بكثرة في عجمان والشارقة. كانت أبو ظبي قد أحجمت عن السماح لجمعية الإصلاح بافتتاح مقر لها على أراضيها في السبعينات، تؤكد تجربة الإمارات مع التحديث الذي خاضت غماره منذ 1994 أن خلو دولة الإمارت العربية المتحدة من نفوذ إسلامي مسيَّس - سواء كان تياراً أم تنظيماً أم حزباً قادراً على حشد الأتباع- هو ما سمح لها بخوض تجربتها مع التحديث من دون أي معوقات تعاني منها دول إسلامية وعربية أخرى نابعة من تسرطن المد الديني والفكر الإخواني( ).
وفي العام 2004 نشر محمد المنصوري كتيباً يشرح تاريخ جمعية الإصلاح بالإمارات. سعى الكتاب إلى شرح دعوة الجماعة وإنجازاتها منذ تأسيس جمعية الإصلاح( )، ولكن الكتاب لم يشر بكلمة واحدة إلى انتماء جمعية الإصلاح والقائمين عليها إلى الإخوان المسلمين!
تعرّض الإخوان المسلمون في الإمارات لضغوط كثيرة، ناتجة عن غموض موقفهم من الولاء للمرشد والبيعة، وازداد موقفهم حرجاً في السنوات الأخيرة، مما دفع قيادات الجماعة إلى عقد اجتماعات كثيرة لإيجاد حلول للوضع المتردّي. وفي أوائل 2009 قررت جمعية الإصلاح برأس الخيمة نشر منهج الجماعة التربوي، والكتب التي يدرسها كوادرها ويتربون عليها، وإظهارها للعلن والجمهور نهاية العام 2009 ، وحتى كتابة هذا البحث لم تنشر الجمعية شيئاً من ذلك( ).
يؤكد الإخوان الإماراتيون على أن الجماعة اليوم قد نضجت كثيراً مقارنة بحالها في تسعينيات القرن الماضي، وأن اهتمامات (أبناء الإصلاح) تنصب في الآونة الأخيرة على سيادة القانون، وحقوق الإنسان، ومؤسسات المجتمع المدني، وأنهم في مجال الأفكار قد مروا بمراجعات كبيرة تستأنس مخالفي الأمس ولا تعاديهم وتنسق معهم في صالح المجتمع والوطن .
في لقاء أجراه برنامج حديث الخليج في قناة "الحرة" أكد د. سعيد حارب وهو من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، أنه لابد من الاستفادة من الفكر الليبرالي والماركسي لأنه فكر إنساني لايختلف عن الفكر الإسلامي، وأنه لابد من التفريق بين الدين الإسلامي والفكر الإسلامي. كما طالب بتجديد الخطاب الديني الإسلامي وتحدث عن ردة حصلت تسببت بتجميد محاولات التجديد في الإسلام( ).
اقتنعت الجماعة أنها تمر بمرحلة حرجة تتطلب الوضوح والصراحة مع الحكومة والجمهور، حتى لا تكون عرضة لسوء الفهم، في فترة انحسار التأثير، وتمرّد الأتباع والكوادر، كما يعاني منها التنظيم الأم في السنوات الأخيرة ، وفي الظهور الأخير لاثنين من قيادات الإخوان في مايو 2010 على قناة الحوار نفى حمد الرقيط أن يكون للجماعة أي ارتباطات خارجية ولا برنامج خاص ولا سري، لأن التقنيات الحديثة والعيون الساهرة وربط الأجهزة الأمنية ببعضها تسمح للسلطات بمعرفة كل مايجري من دون خفاء أو سرية، ويؤكد الحمادي أن كل مايشاع عن تنظيم سري للجماعة هو تحامل وتلبيس من إبليس مبعثه الحساد والوشاة ( ).





الإخوان في الإمارات توضيحات لا بد منها
محمد المنصوري *

* رئيس مركز الإمارات للدراسات والإعلام، رئيس لجنة حقوق الإنسان في جمعية الحقوقيين الإماراتيين، وصاحب مجموعة حقوق القانونية

دأب مركز المسبار للدراسات والبحوث على نشر كتاب شهري منذ بضع سنوات، يتناول الحركات الإسلامية في معظم دول العالم. وتأتي مطبوعات المركز متساوقة مع الدور الذي أنيط به!
في العدد الثالث والأربعين من منشورات المركز، تناول: «الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج». وفي أحد فصول الكتاب تناول منصور النقيدان «الإخوان المسلمون في الإمارات».
ويتضح مما نشر النقيدان، أنه انطلق من فرضيات لم يسمح لنفسه باختبارها، وإنما كان متنه مجتزأ متشظياً، في سبيل إثبات ما يريد إثباته هو، وليس كما تفرض الأصول البحثية. والأكثر من ذلك، فإن النقيدان، لم يقدم تعليقاً أو تحليلاً أو تفسيراً أو تبريراً أو شرحاً شاملاً لأي فكرة معتبرة. فكما هو معروف، أن كثيراً من المواقف والتصريحات والتعبيرات تكون حمالة أوجه، وتحمل عدداً منطقياً من احتمالات التحليل والتأويل. بيد أن النقيدان، اكتفى بتأويل ما قلناه وما لم نقله بوجه واحد، يلتقي وأهداف المركز والباحث سواء. كما أن النقيدان لم يعط نفسه فرصة التحقق من التواريخ، عندما أشار إلى بداية الدعوة في السبعينات، وبداياتها كانت في الستينات.
ما يهمنا هنا، هو تقديم ما نقوله دائماً، وقلناه للنقيدان، ضمن حقنا في الرد والتصحيح (راجع «الحياة» الأحد الماضي) الذي مكنتنا منه صحيفة «الحياة»، مشكورة:
نحن دعوة الإصلاح. دعوة الإصلاح ليس لنا اسم سابق ولا لاحق غير هذا الاسم، ولا نقبل أن يكون لنا غير ما نتسمى به. ولقد أكدنا استفادتنا من حركة الإخوان المسلمين بصورة أساسية، إضافة إلى الاستئناس بتجارب السلفيين والصوفيين، بحكم عالمية الإسلام. وليس علينا التزامات إدارية أو تنظيمية أو فكرية ومن أي نوع كانت تجاه أحد.
ونؤكد هنا، وعلى رغم استفادتنا من أية حركة ناشطة، أننا مؤسسة مدنية، لنا مؤسساتنا وهيئاتنا الشورية والتنفيذية المستقلة تماماً بالفكر والتفكير، والمنهج والعمل، نتمايز عن الجميع بالغايات والأهداف، والأولويات والتطلعات. ونتطلع لأن تكون دولة الإمارات دولة مدنية حديثة، دولة القانون والمؤسسات، تحترم فيها الحريات، وتسود فيها سلطة القانون لا قانون السلطة.
كما أننا دعوة علنية. مؤسساتنا مرخصة من الجهات الرسمية في الدولة، ومقارها مشهرة ومعروفة للجميع. لنا خطاب علني واحد داخل مؤسساتنا وخارجها. ونعمل في كنف دستور وتشريعات الدولة، ونحترم مؤسساتها والتزاماتها. وحتى كتابة هذا الرد، فإن لنا كتابين حول ماهية دعوة الإصلاح ورؤاها ومبادئها ومنطلقاتها وغاياتها. وشاركنا في الحكومات الاتحادية والمحلية وزراء ومسؤولين، وبشهادة المتابعين أثبتنا كفاءة وأهلية عاليتين. ولم تكن مشاركتنا لانتمائنا لأي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، وإنما لأننا ننتمي لوطن واحد ودولة واحدة وعائلة واحدة: الشعب الإماراتي في دولة الإمارات.
وساهمنا، في تأسيس قضاء مدني متطور من محاكم وتشريعات وتطوير مهنة القضاء والمحاماة. وساهمنا بفاعلية، في تطوير النظام التربوي والتعليمي في الدولة، مستفيدين من تجارب وخبرات الأشقاء العرب.
بالفعل، تم حل مجلس إدارة جمعية الإصلاح، وكنت أحد أعضائها، وتعيين آخرين معظمهم من العسكريين، والذين استقالوا في ما بعد، بعد ثبوت زيف الاتهامات الموجهة إلى جمعية الإصلاح. وعلى رغم براءتنا وتبرئتنا، ومخاطبة سلطات دبي الأجهزة الأمنية في أبو ظبي حول كذب ادعاءات في استخدام غير مشروع لأموال الإغاثة الإسلامية، إلا أن عداء السلطات المصرية للإسلاميين انتقلت عدواه إلى الإمارات؛ فتم رفض إعادة جمعية الإصلاح.
والأكثر من ذلك، أنه تم استرجاع قطعة أرض أواخر التسعينات، كان قد أوقفها المرحوم الشيخ زايد بن سلطان لمصلحة مشاريع جمعية الإصلاح الخيرية. كما تم تسليم المنتدى الإسلامي بالشارقة إلى السلفيين والسروريين.
كانت لقاءاتنا مع ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد مثمرة وإيجابية، وتفهم سموه مقاصد دعوة الإصلاح: الحفاظ على الشباب من الأفكار التكفيرية والمتطرفة، والتي يعاني منها الجميع. إلا أن الأجهزة الأمنية، وفي إطار بحثها عن دور، وإحكام قبضتها ونفوذها وسيطرتها على الحياة المدنية، ومنعاً للتقارب بيننا وبين ولي عهد أبو ظبي أحبطت أية نتائج؛ فاعتقلت عدداً من زملائنا العسكريين، الذين سرعان ما أفرج عنهم وأعيدوا إلى وظائفهم.
وإضافة إلى ذلك، فإننا نعاني من تضييق جهاز أمن الدولة الناتج من تأثير الأمن المصري. ومع ذلك، فإننا نتصور أن تكون العلاقة والتعامل معنا طبيعية وعادية؛ فالدولة بصدد تقييم تعاملاتها، وإعادة رسم خريطة علاقاتها في ظل تهديد التركيبة السكانية، والتهديدات الإيرانية. وسنكون محور وقلب هذه المعاملات والعلاقات؛ كوننا نمثل جزءاً كبيراً من طموحات وتطلعات الشعب الإماراتي.
علاقاتنا مع شعبنا، وحكام الإمارات تتراوح بين الممتازة والجيدة، نمد يد التواصل للجميع، وليس خيارنا ضعف العلاقات مع أحد. فلقد عملت مستشاراً شرعياً وقانونياً لحاكم وحكومة رأس الخيمة حتى قبل بضعة شهور من الآن، وكنت مدير مكتب ولي عهد رأس الخيمة. وزملائي يشغلون وظائف ومسؤوليات عليا في مؤسسات الدولة، ولسنا معزولين أو نعاني من انحسار، كما ادعى النقيدان.
وفي ما يتعلق بالبيعة، فإنني أؤكد أنها توقفت نهائياً منذ عام 2003، لعدم حاجتنا المهنية أو الدينية لها، ضمن فهم متجدد لكثير من مفاهيم الإسلام، القابلة للتطوير والتعديل والإضافة والاستحداث وإعادة الصياغة. فنحن أمام مفهوم تاريخي محض وليس أمام مسألة عقدية قطعية.

وبعد، هذا جزء مما نقوله، ومما نفكر فيه، ومما نفعله، ولسنا بحاجة للمداراة والاختباء والمجاملة. فما نقوله حق، لدعوة حق. ونهيب بمركز المسبار، ألا تكون كمية المطبوعات على حساب نوعيتها وجودتها ودقتها وموضوعيتها، إلا إذا كان هذا هو المطلوب!

حول الإخوان المسلمين في الإمارات
منصور النقيدان *
* رئيس التحرير بمركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي

اهتم مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي منذ كانون الثاني (يناير) 2007، بالتيارات والجماعات الإسلامية في العالم، وقد جاء تعقيب رئيس مركز الإمارات للدراسات والإعلام الدكتور محمد المنصوري في موقع «الحياة» على الإنترنت في 14 أيلول (سبتمبر) الماضي، رداً على التقرير الذي نشرته «الحياة» عن دراستي «الإخوان المسلمون في الإمارات التمدد والانحسار»، التي نشرها مركز المسبار في كتابه الثالث والأربعين، ليسلط الضوء على طبيعة علاقتنا بالإسلاميين ونظرتهم لنشاط مركزنا، وقد ذكر المنصوري في تعليقه أنني غيرت بعض المعلومات، وحورت في بعضها، ونسبت إليه ما لم يقله.

وكنت أتمنى أن يكون مقال المنصوري الذي نشره بعد ذلك في الجريدة نفسها في 19 أيلول مفصلاً ببيان ما ذكره من تحريف وتغيير، ولكن المقال اقتصر على شرح حال الإخوان المسلمين في الإمارات، وما يواجهه التنظيم من حصار وتضييق، ولم أجد في كل ما ذكره المنصوري معلومة واحدة تتناقض مع ما ذكرته الدراسة.

وقد التقيت بالدكتور محمد المنصوري في منزله في رأس الخيمة في أيار (مايو) 2009، وكنت سعيداً لأنه كان كريماً وشجاعاً بالمعلومات، فوق ما كنت أتوقع ومن دون تحفظ، وأنا مدين له وللدكتور محمد الركن بالشكر لأن إفادتهما شكلت العمود الفقري للدراسة، وقد زودني كل منهما بعناوين لشخصيات بارزة من الجماعة للتواصل معهم، ولكنني لم أجد أي تجاوب من بقية زملائهما.

إن الدراسة التي نشرتها كانت توصيفاً ورصداً، لأنها بحسب معرفتي أول دراسة تنشر عن الجماعة، ولهذا اخترت لها أن تكون مصدراً رئيساً ومنجماً من المعلومات للباحثين والمهتمين. وعلى رغم ذلك فقد نسجتْ المعلومات والإفادات والمصادر التي رجعتُ إليها خيوط قصة الإخوان المسلمين في الإمارات، وأضاءت لي البؤر المعتمة التي كانت مثار تساؤل. وقد فضلتُ حينما خصصتُ فصلاً لفكر الجماعة أن أسرد الأفكار والمواقف التي كتبها أصحابها موثقة بمصادرها من دون أي تعليق لأترك الحكم للقارئ.

كما انني قمت بزيارة السادة الذين التقيتُ بهم أثناء عملي على الدراسة، بعد الطبعة التجريبية للكتاب، ومن هؤلاء: د. محمد المنصوري، الذي اتصلت به ثم زرته في مكتبه، وسلمت سكرتيره نسختين من الكتاب، ورجوت منه بخطاب مكتوب في تموز (يوليو) الماضي - أي قبل نشر تقرير «الحياة» عن الدراسة بأكثر من شهرين - أن يزودني بأي ملاحظة أو تعقيب أو تصحيح لمعلومة وردت في الدراسة، ولم أتلقَّ منه أي ملاحظة، حتى نشرت الحياة التقرير عن الدراسة يوم الأحد قبل الماضي في 12 أيلول.

وفي نهاية لقائي بالمنصوري، أبديت له ترحيبي بأي تعاون بين مركز المسبار وبينه، وقد أخبرني أن عنده دراسات صالحة للنشر في إصدارات المسبار، ما لم يكن عند رئيس المركز السيد تركي الدخيل أي مانع، ونحن نرحب بأي باحث يرغب في التواصل مع مركزنا، الذي نعلم أنه لن يؤدي الأهداف التي أنشئ من أجلها، ما لم يكن منفتحاً ومرحباً بكل التوجهات والتيارات الفكرية مهما اختلفنا معها، وهي دعوة لكل أبناء الإمارات والخليج وغيرهم من الباحثين والأكاديميين.

أصدر مركز المسبار 46 كتاباً شهرياً منذ كانون الثاني 2007، وتناولت إصداراته جماعات وتنظيمات وأحزاباً وتيارات وشخصيات إسلامية من أنحاء العالم العربي والإسلامي، وشاركت في كتابة دراساته أسماء مرموقة من علماء ومفكرين إسلاميين وحركيين ومنهم أعلام معروفون من الإخوان المسلمين وغيرهم، وقد احتفظ المركز حتى اليوم بحياديته واعتدال توجهه قدر المستطاع، ولم نتلقَّ حتى اليوم أي شكوى أو تظلم أو اتهام بالتحريف والتقول.

إن كل ما أوردته الدراسة من معلومات تتعلق بلقاءات ولي عهد أبو ظبي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالجماعة، كان مصدرها الرئيس هو المنصوري نفسه، وقد أهملتُ ذكر تفاصيل أخرى ذكرها المنصوري، وأرجأت نشرها إلى الكتاب الذي أرجو أن يرى النور في العام القادم، كما أن بعض ما ذكره المنصوري من تفاصيل كان يصعب التحقق منها من مصادر أخرى، ولم تكن تخدم هدف الدراسة.

وأحب أن أوضح أن من مصادري التي رجعت إليها في دراستي مقالات ومقابلات ذكرتُ روابطها على الإنترنت، وهي مواقع تابعة للإخوان الإماراتيين، ولكن بعضاً منها حذف من الأرشيف، ويؤسفني أن بعض الباحثين سيصابون بخيبة أمل عند الرجوع إلى تلك المواقع. وكمثال واحد فقد كشف المنصوري عن تفاصيل اجتماعات ثلاثة من قادة التنظيم بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان في لقاء له مع مدونة «حراك» على الإنترنت، قبل نشر الدراسة وقد تواصلت معه وأكد لي صحة نسبتها إليه.

أما نصيحة المنصوري لمركز المسبار بألا تكون كمية المطبوعات على حساب نوعيتها وجودتها، فهذا ما نصبو إليه ونناضل لبلوغه، ونتمنى أن نحقق له أمنيته لأن ذلك هو هدفنا الذي نسعى إليه.

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم

آية الله الشيخ حسن رميتي: نؤيد التخصص في الدراسة الحوزوية