تيارات الإخوان ... لا وجود للإصلاحيين
بقلم: د. هيثم مزاحم
خلاصة بحث د. هيثم مزاحم، "إيران والإخوان المسلمون بين ولاية الفقيه وولاية المرشد"، ضمن الكتاب 80 (أغسطس 2013) 'الإخوان وإيران توظيف الدين لمعركة السياسة'' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
ميدل ايست أونلاين
الجوهر تكفير ما هو مسلم غير إسلامي
انقسم "الإخوان المسلمون" بعد مقتل البنا إلى تيارين، أحدهما يشكل خط البنا ذاته، أي التيار الوسطي المعتدل، والتيار المتشدد المعروف بالتيار القطبي، نسبة إلى سيد قطب، وهو ينظر نظرة تكفيرية إلى الدولة والمجتمع باعتبارهما جاهلية. تكونت جماعة "القطبيين" في السجن بعد انتهاء محاكمات قضية الإخوان المسلمين في عام 1965م واعدام سيد قطب عام 1966، والتي تعرف بتنظيم سيد قطب، وهي كانت مجموعة صغيرة من قادة وكوادر "الإخوان"، وكان على رأسهم محمد قطب شقيق سيد قطب، وكان من ضمنهم كل من عبد المجيد الشاذلي ومصطفى الخضيري والدكتور محمد مأمون، وقد اختلفوا مع قيادة الإخوان بشأن قضايا عدة أهمها إستراتيجية العمل الإسلامي.
إرتبط التيار القطبي بعد اعدام سيد قطب، بالمرشد مصطفى مشهور، وصولاً إلى المرشد محمد مهدي عاكف، والمرشد محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، ومحمود عزت، بحسب شهادات قيادات وكوادر في جماعة "الإخوان المسلمين" انشقوا عن الجماعة، أمثال أبو العلا ماضي، وثروت الخرباوي، وكمال الهلباوي، ومختار نوح. أما أبرز ممثلي التيار المعتدل أو الوسطي فكانا المرشدان حسن الهضيبي وعمر التلمساني. كما نشأ التيار الجذري المتشدد الذي يسعى للوصول إلى الحكم باستعادة المجتمع الجاهلي إلى حظيرة الإسلام ولو بالقوة. أحياناً، نرى الفارق غير واضح بين التيار المركزي والتيار المتشدد خاصة بعد استيلاء القطبيين على مكتب الإرشاد بعد المرشد عمر التلمساني.
نشأ التيار الإصلاحي، الداعي إلى التزام العمل السياسي السلمي والدعوي والتربوي، نتيجة انشقاق الكثيرين من قيادات وكوادر الإخوان، وخروجهم من فكر التيار المركزي البراغماتي، ورفضهم لتشدد التيار المحافظ. والأمر الذي سبب انشقاق الجماعة إلى تيارات هو أنها لم تستطع التوفيق بين المفهوم الدعوي والمفهوم الحزبي، وكذلك الإحباطات والانكسارات التي صاحبت حركة الاخوان من خلافهم مع الملك فاروق إلى خلافهم مع عبد الناصر، وما تعرضوا له من اغتيالات وحملات قمع واعتقالات لفترات طويلة في السجون، ما جعل هناك رؤيتين داخل الجماعة، واحدة كانت تود الإلتزام بالعمل الدعوي وتجنب الصدام مع السلطة، وأخرى كانت تريد التحول إلى حزب واستمرار التنظيم السري ومواجهة السلطة عبر عمليات اغتيال أو غيرها.
يرى البعض أن من الصعوبة بمكان افتراض وجود تيار إصلاحي قوي داخل جماعة الإخوان. فبعد وفاة أحد أكبر أعضاء مكتب الإرشاد، وهو محمد هلال عن 90 عاماً، كان يُفترض، كما هو متبّع عرفاً، أن يتم تصعيد عصام العريان كي يحل محله، باعتباره الأحق وفقاً لنظام اللائحة الداخلية للجماعة. بيد أن التيار المحافظ رفض ذلك متعللاً بعدم قانونية هذا الإجراء، وبعدم الحاجة له حينها لأن ثمة انتخابات جديدة لمكتب الإرشاد بعد ثلاثة أشهر.
وقد ظهر عدم قدرة الجماعة على ضبط خلافاتها الداخلية، فهي وإن نجحت في إبداء صرامة في التعاطي مع مخالفيها داخلياً تعزيراً أو تهميشاً، إلا أنها لم تفلح في الاستفادة من التنوع الفكري للمخالفين لها. وقد وصل الخلاف إلى قمة الهرم القيادي في الجماعة، حيث دافع المرشد مهدي عاكف عن ضرورة منح العريان فرصة للترقي إلى عضوية مكتب الإرشاد مخالفاً هوى الجناح المحافظ. وحاول عاكف طيلة فترة ولايته الممتدة منذ يناير/ كانون الثاني 2004، أن يقوم بضبط إيقاع العلاقة بين التيارات والتوجهات المختلفة داخل الجماعة، بيد أن ذلك كان يأتي دائماً على حساب الجناح الإصلاحي، سواءً بسبب ضعف وزنهم ونفوذهم التنظيمي مقارنة بالمحافظين، أو بسبب الخشية من استغلال النظام للمشكلات الداخلية في الجماعة سياسياً وأمنياً.
في النهاية أسفر موقف متطرفي الإخوان المواجه لنظام عبد الناصر عن اتخاذ الأخير إجراءات صارمة طالت العديد من قادة التنظيم، سواءً بالحبس أو النفي. وفي التسعينيات من القرن العشرين، عارض قادة "الإخوان" المتشددون، الذين كان العديد منهم من أقطاب "التنظيم السري"، مطالبات شباب "الجماعة" باتخاذ إجراءات لا تتشبث بالأيديولوجية الإسلامية، وبإجراء انتخابات داخلية أكثر شفافية. وعندما قام شباب "الإخوان" رداً على ذلك بإنشاء حزب سياسي خاص بهم أطلقوا عليه اسم "الوسط"، قامت "الجماعة" بفصلهم. وعندما رفض إصلاحيو "الإخوان" مسودة برنامج عام 2007، الذي نص على منع المرأة والأقباط من الترشح للانتخابات، إلى جانب نصوص أخرى مثيرة للجدل، قام متشددو الجماعة بفصل أحد كبار إصلاحيي المنظمة من "مكتب الإرشاد" وتركيز قيادتها على "التيار القطبي".
لكن هذا لا يعني أنه كانت للمحافظين المتشددين دائماً اليد العليا في الجماعة. فخلال الثمانينيات من القرن الماضي، وافق "المرشد العام" عمر التلمساني على طلب الإصلاحيين المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وخرجت الجماعة عن المألوف وذلك من خلال تحالفها وتنسيقها مع أحزاب غير إسلامية خلال المعترك الانتخابي عامي 1984 و1987. إلا أن بارغتر ترى أن هذه الفترة تصادفت مع الإجراءات القمعية التي تبناها نظام مبارك والتي أرسلت العديد من صقور "الإخوان" إلى المنفى. وعندما عادت هذه الرموز في أوائل التسعينيات من القرن العشرين عادت "الجماعة" بسرعة إلى سابق عهدها.
ويبدو التمييز بين "الإصلاحيين" و"المحافظين" ضبابياً، ويرى البعض أن مفهومي "الإصلاحيين" و"المحافظين" لا يختلفان في الأساس إلا في الأساليب والتكتيكات. فبينما يسعى "الإصلاحيون" إلى المشاركة السياسية المباشرة ويرغبون في الانخراط مع غير الإسلاميين لتوسيع قاعدتهم، فإن "المحافظين" يخشون من أن هذا النهج سيقلل من المصداقية الإسلامية للجماعة ومن ثم سيقوض من تكاملها التنظيمي. مع ذلك يشترك كلا الاتجاهين في الرؤية الأيديولوجية نفسها، فهم يسعون إلى أسلمة المجتمع كخطوة أولى نحو تأسيس الدولة الإسلامية، وفي النهاية تكوين "دولة إسلامية عالمية"، وفقاً لما ذكره نائب "المرشد العام" خيرت الشاطر. فحتى "الإصلاحيين" الشبان الذين فصلتهم "الجماعة" عام 1996 لتشكيلهم حزب "الوسط" هم الآن أقرب شركاء "الإخوان" في البرلمان. ولم يختلف الفريقان إلا في توقيت تكوين الحزب وليس في الأهداف التي ينبغي أن يتبناها.
وتلاحظ بارغتر أنه على الرغم من استمرار الجماعة لنحو 85 عاماً، فإن الأيديولوجية التي تتبناها لا تزال غامضة بشكل ملحوظ، فلم يخرج من الإخوان سوى "مفكر حقيقي" واحد هو المُنظِّر الراديكالي سيد قطب، بينما لم يترك المرشدون بمن فيهم حسن البنا إلا قدراً ضئيلاً من الأعمال الأدبية. وتعتبر أن ذلك كان في الغالب قراراً تكتيكياً، حيث أن "غياب التفاصيل ما هو إلا وسيلة متعمدة لحماية الإخوان من التحزب". كما أن المحتوى الفكري للجماعة هو عبارة عن سلسلة من الأفعال التلقائية المحرضة للجماهير، ولا ترقى إلى كونها إطاراً فكرياً يتناول هدفها المعلن المتمثل في "تطبيق الشريعة". ولا تزال النزعات "المحافظة" داخل "الإخوان المسلمين" دون أي تغيير يذكر. فبدلاً من أن تتبنى منهجية مد جسور التواصل مع الآخر التي يتبناها "التيار الإصلاحي"، استمرت في إعطاء الأولوية للجانب التنظيمي المتمثل في توطيد السلطة. ولطالما تسببت هذه النزعة "المحافظة" في حدوث انشقاقات داخل الجماعة.
يقول الباحث الأميركي بروس ك. روثرفورد في كتابه "مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديموقراطية في العالم العربي" عام 2008، إن هناك تطوّرات ليبرالية داخل جماعة "الإخوان المسلمين" نتيجة صعود قيادات شابة تؤمن بالمسؤولية والشفافية وحكم القانون، مستنداً إلى مواقفها من حقوق المرأة، وتراجعها عن العنف ودورها السياسي في الانتخابات، وتحالفها مع عدد من قوى المعارضة في الانتخابات، مشيراً إلى التأثير الشديد لأربعة مفكرين إسلاميين في أفكار الجماعة هم: الشيخ يوسف القرضاوي، وطارق البشري، وأحمد كمال أبو المجد، ومحمد سليم العوا، وأن هؤلاء الأربعة معتدلون في تفسيرهم للشريعة، على عكس حركة "طالبان" في أفغانستان والسلفيين المتشددين.
لكن الباحث الأميركي إريك تراجر يقول إنه خلال العقد الذي أعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، غالباً ما أدى بحث المحللين الغربيين عن بديل "إسلامي معتدل" لـتنظيم "القاعدة"، إلى إرشادهم نحو جماعة "الإخوان المسلمين"، التي كانت تصريحاتها الرافضة للإرهاب واعتناقها السياسات الانتخابية مغرية. وبالتالي، فإن الكثير من الأدبيات التي نتجت عنها والتي روجت للفكرة المفترضة بأن "الإخوان" هي جماعة "ديمقراطية" وتنبذ العنف بطبيعتها، قد تركت جميعها المجتمع الدولي غير مستعد تماماً للواقع غير الديمقراطي والعنيف للغاية الذي يتجلى الآن (2013) في حكم "الإخوان" لمصر.
خلاصة بحث د. هيثم مزاحم، "إيران والإخوان المسلمون بين ولاية الفقيه وولاية المرشد"، ضمن الكتاب 80 (أغسطس 2013) 'الإخوان وإيران توظيف الدين لمعركة السياسة'' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
ميدل ايست أونلاين
الجوهر تكفير ما هو مسلم غير إسلامي
انقسم "الإخوان المسلمون" بعد مقتل البنا إلى تيارين، أحدهما يشكل خط البنا ذاته، أي التيار الوسطي المعتدل، والتيار المتشدد المعروف بالتيار القطبي، نسبة إلى سيد قطب، وهو ينظر نظرة تكفيرية إلى الدولة والمجتمع باعتبارهما جاهلية. تكونت جماعة "القطبيين" في السجن بعد انتهاء محاكمات قضية الإخوان المسلمين في عام 1965م واعدام سيد قطب عام 1966، والتي تعرف بتنظيم سيد قطب، وهي كانت مجموعة صغيرة من قادة وكوادر "الإخوان"، وكان على رأسهم محمد قطب شقيق سيد قطب، وكان من ضمنهم كل من عبد المجيد الشاذلي ومصطفى الخضيري والدكتور محمد مأمون، وقد اختلفوا مع قيادة الإخوان بشأن قضايا عدة أهمها إستراتيجية العمل الإسلامي.
إرتبط التيار القطبي بعد اعدام سيد قطب، بالمرشد مصطفى مشهور، وصولاً إلى المرشد محمد مهدي عاكف، والمرشد محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، ومحمود عزت، بحسب شهادات قيادات وكوادر في جماعة "الإخوان المسلمين" انشقوا عن الجماعة، أمثال أبو العلا ماضي، وثروت الخرباوي، وكمال الهلباوي، ومختار نوح. أما أبرز ممثلي التيار المعتدل أو الوسطي فكانا المرشدان حسن الهضيبي وعمر التلمساني. كما نشأ التيار الجذري المتشدد الذي يسعى للوصول إلى الحكم باستعادة المجتمع الجاهلي إلى حظيرة الإسلام ولو بالقوة. أحياناً، نرى الفارق غير واضح بين التيار المركزي والتيار المتشدد خاصة بعد استيلاء القطبيين على مكتب الإرشاد بعد المرشد عمر التلمساني.
نشأ التيار الإصلاحي، الداعي إلى التزام العمل السياسي السلمي والدعوي والتربوي، نتيجة انشقاق الكثيرين من قيادات وكوادر الإخوان، وخروجهم من فكر التيار المركزي البراغماتي، ورفضهم لتشدد التيار المحافظ. والأمر الذي سبب انشقاق الجماعة إلى تيارات هو أنها لم تستطع التوفيق بين المفهوم الدعوي والمفهوم الحزبي، وكذلك الإحباطات والانكسارات التي صاحبت حركة الاخوان من خلافهم مع الملك فاروق إلى خلافهم مع عبد الناصر، وما تعرضوا له من اغتيالات وحملات قمع واعتقالات لفترات طويلة في السجون، ما جعل هناك رؤيتين داخل الجماعة، واحدة كانت تود الإلتزام بالعمل الدعوي وتجنب الصدام مع السلطة، وأخرى كانت تريد التحول إلى حزب واستمرار التنظيم السري ومواجهة السلطة عبر عمليات اغتيال أو غيرها.
يرى البعض أن من الصعوبة بمكان افتراض وجود تيار إصلاحي قوي داخل جماعة الإخوان. فبعد وفاة أحد أكبر أعضاء مكتب الإرشاد، وهو محمد هلال عن 90 عاماً، كان يُفترض، كما هو متبّع عرفاً، أن يتم تصعيد عصام العريان كي يحل محله، باعتباره الأحق وفقاً لنظام اللائحة الداخلية للجماعة. بيد أن التيار المحافظ رفض ذلك متعللاً بعدم قانونية هذا الإجراء، وبعدم الحاجة له حينها لأن ثمة انتخابات جديدة لمكتب الإرشاد بعد ثلاثة أشهر.
وقد ظهر عدم قدرة الجماعة على ضبط خلافاتها الداخلية، فهي وإن نجحت في إبداء صرامة في التعاطي مع مخالفيها داخلياً تعزيراً أو تهميشاً، إلا أنها لم تفلح في الاستفادة من التنوع الفكري للمخالفين لها. وقد وصل الخلاف إلى قمة الهرم القيادي في الجماعة، حيث دافع المرشد مهدي عاكف عن ضرورة منح العريان فرصة للترقي إلى عضوية مكتب الإرشاد مخالفاً هوى الجناح المحافظ. وحاول عاكف طيلة فترة ولايته الممتدة منذ يناير/ كانون الثاني 2004، أن يقوم بضبط إيقاع العلاقة بين التيارات والتوجهات المختلفة داخل الجماعة، بيد أن ذلك كان يأتي دائماً على حساب الجناح الإصلاحي، سواءً بسبب ضعف وزنهم ونفوذهم التنظيمي مقارنة بالمحافظين، أو بسبب الخشية من استغلال النظام للمشكلات الداخلية في الجماعة سياسياً وأمنياً.
في النهاية أسفر موقف متطرفي الإخوان المواجه لنظام عبد الناصر عن اتخاذ الأخير إجراءات صارمة طالت العديد من قادة التنظيم، سواءً بالحبس أو النفي. وفي التسعينيات من القرن العشرين، عارض قادة "الإخوان" المتشددون، الذين كان العديد منهم من أقطاب "التنظيم السري"، مطالبات شباب "الجماعة" باتخاذ إجراءات لا تتشبث بالأيديولوجية الإسلامية، وبإجراء انتخابات داخلية أكثر شفافية. وعندما قام شباب "الإخوان" رداً على ذلك بإنشاء حزب سياسي خاص بهم أطلقوا عليه اسم "الوسط"، قامت "الجماعة" بفصلهم. وعندما رفض إصلاحيو "الإخوان" مسودة برنامج عام 2007، الذي نص على منع المرأة والأقباط من الترشح للانتخابات، إلى جانب نصوص أخرى مثيرة للجدل، قام متشددو الجماعة بفصل أحد كبار إصلاحيي المنظمة من "مكتب الإرشاد" وتركيز قيادتها على "التيار القطبي".
لكن هذا لا يعني أنه كانت للمحافظين المتشددين دائماً اليد العليا في الجماعة. فخلال الثمانينيات من القرن الماضي، وافق "المرشد العام" عمر التلمساني على طلب الإصلاحيين المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وخرجت الجماعة عن المألوف وذلك من خلال تحالفها وتنسيقها مع أحزاب غير إسلامية خلال المعترك الانتخابي عامي 1984 و1987. إلا أن بارغتر ترى أن هذه الفترة تصادفت مع الإجراءات القمعية التي تبناها نظام مبارك والتي أرسلت العديد من صقور "الإخوان" إلى المنفى. وعندما عادت هذه الرموز في أوائل التسعينيات من القرن العشرين عادت "الجماعة" بسرعة إلى سابق عهدها.
ويبدو التمييز بين "الإصلاحيين" و"المحافظين" ضبابياً، ويرى البعض أن مفهومي "الإصلاحيين" و"المحافظين" لا يختلفان في الأساس إلا في الأساليب والتكتيكات. فبينما يسعى "الإصلاحيون" إلى المشاركة السياسية المباشرة ويرغبون في الانخراط مع غير الإسلاميين لتوسيع قاعدتهم، فإن "المحافظين" يخشون من أن هذا النهج سيقلل من المصداقية الإسلامية للجماعة ومن ثم سيقوض من تكاملها التنظيمي. مع ذلك يشترك كلا الاتجاهين في الرؤية الأيديولوجية نفسها، فهم يسعون إلى أسلمة المجتمع كخطوة أولى نحو تأسيس الدولة الإسلامية، وفي النهاية تكوين "دولة إسلامية عالمية"، وفقاً لما ذكره نائب "المرشد العام" خيرت الشاطر. فحتى "الإصلاحيين" الشبان الذين فصلتهم "الجماعة" عام 1996 لتشكيلهم حزب "الوسط" هم الآن أقرب شركاء "الإخوان" في البرلمان. ولم يختلف الفريقان إلا في توقيت تكوين الحزب وليس في الأهداف التي ينبغي أن يتبناها.
وتلاحظ بارغتر أنه على الرغم من استمرار الجماعة لنحو 85 عاماً، فإن الأيديولوجية التي تتبناها لا تزال غامضة بشكل ملحوظ، فلم يخرج من الإخوان سوى "مفكر حقيقي" واحد هو المُنظِّر الراديكالي سيد قطب، بينما لم يترك المرشدون بمن فيهم حسن البنا إلا قدراً ضئيلاً من الأعمال الأدبية. وتعتبر أن ذلك كان في الغالب قراراً تكتيكياً، حيث أن "غياب التفاصيل ما هو إلا وسيلة متعمدة لحماية الإخوان من التحزب". كما أن المحتوى الفكري للجماعة هو عبارة عن سلسلة من الأفعال التلقائية المحرضة للجماهير، ولا ترقى إلى كونها إطاراً فكرياً يتناول هدفها المعلن المتمثل في "تطبيق الشريعة". ولا تزال النزعات "المحافظة" داخل "الإخوان المسلمين" دون أي تغيير يذكر. فبدلاً من أن تتبنى منهجية مد جسور التواصل مع الآخر التي يتبناها "التيار الإصلاحي"، استمرت في إعطاء الأولوية للجانب التنظيمي المتمثل في توطيد السلطة. ولطالما تسببت هذه النزعة "المحافظة" في حدوث انشقاقات داخل الجماعة.
يقول الباحث الأميركي بروس ك. روثرفورد في كتابه "مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديموقراطية في العالم العربي" عام 2008، إن هناك تطوّرات ليبرالية داخل جماعة "الإخوان المسلمين" نتيجة صعود قيادات شابة تؤمن بالمسؤولية والشفافية وحكم القانون، مستنداً إلى مواقفها من حقوق المرأة، وتراجعها عن العنف ودورها السياسي في الانتخابات، وتحالفها مع عدد من قوى المعارضة في الانتخابات، مشيراً إلى التأثير الشديد لأربعة مفكرين إسلاميين في أفكار الجماعة هم: الشيخ يوسف القرضاوي، وطارق البشري، وأحمد كمال أبو المجد، ومحمد سليم العوا، وأن هؤلاء الأربعة معتدلون في تفسيرهم للشريعة، على عكس حركة "طالبان" في أفغانستان والسلفيين المتشددين.
لكن الباحث الأميركي إريك تراجر يقول إنه خلال العقد الذي أعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، غالباً ما أدى بحث المحللين الغربيين عن بديل "إسلامي معتدل" لـتنظيم "القاعدة"، إلى إرشادهم نحو جماعة "الإخوان المسلمين"، التي كانت تصريحاتها الرافضة للإرهاب واعتناقها السياسات الانتخابية مغرية. وبالتالي، فإن الكثير من الأدبيات التي نتجت عنها والتي روجت للفكرة المفترضة بأن "الإخوان" هي جماعة "ديمقراطية" وتنبذ العنف بطبيعتها، قد تركت جميعها المجتمع الدولي غير مستعد تماماً للواقع غير الديمقراطي والعنيف للغاية الذي يتجلى الآن (2013) في حكم "الإخوان" لمصر.
Comments
Post a Comment