تركيا أمام سيناريوعراقي: فيدرالية كردية - سنية موالية له؟ د. محمد نور الدين
لا تزال المشكلة بين فرنسا وتركيا حول "الإبادة" الأرمنية تشغل الأوساط التركية. ومع أنه لا يتوقع أن يتراجع منسوب التوتر الحالي، إلا في بعض الجزئيات، غير أن الاهتمام التركي بدأ يتحول إلى مشكلة أخرى، وهي التطورات في العراق. ولا سيما بعد اتهام الحكومة العراقية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بتدبير محاولة انقلاب على رئيس الحكومة نوري المالكي.
اهتمام أنقرة بالقضية أساسي. ذلك أن الاتهام لمجموعة الهاشمي تضمن تلقيها تدريبات في تركيا، وهذا اتهام غير مباشر لضلوع تركيا في محاولة الانقلاب. ثم أن الهاشمي يعتبر "رجل تركيا" في العراق. وفي هذا الجانب بالذات يكمن اتهام الهاشمي بدوره لإيران بأنها تريد تصفية كل من له علاقة جيدة مع تركيا في العراق.
لجوء الهاشمي إلى إقليم كردستان شمال العراق لم يكن عبثاً، بل إشارة إلى أن أكراد العراق يمكن أن ينتقلوا إلى محور مضاد للمالكي وإيران، أو هكذا يراد لأكراد العراق أن يكونوا.
خطوة الهاشمي أحرجت "حكومة" إقليم كردستان، فلا هي قادرة على تسليمه إلى بغداد وما يعنيه ذلك من ضربة لهيبة "الكيان" الكردي الوليد، ولا هي قادرة على أن تقف ضد إيران التي كانت على الدوام المتنفس الفعلي للحركة الكردية في العراق على امتداد عقود. كما أن شيعة العراق كانوا "الحاملة" في الجهة المقابل لصيغة العراق الفيدرالية.
لن يسلّم أكراد العراق الهاشمي إلى بغداد، لكنه لن يكون في موقع قوي إذا ذهب إلى تركيا، وأقام هناك في حماية الأتراك. لجوء الهاشمي إلى أنقرة سيضع تركيا في مواجهة مباشرة مع بغداد، أي تكون المواجهة بين دولة ودولة، وهذا ليس في صالحها ولا في صالح ما يمكن أن تؤديه من دور في العراق.
في المقابل بقاء الهاشمي في كردستان العراق بالذات يتيح للأتراك أن يدخلوا الأكراد طرفاً في اللعبة وإثارة هواجس كردية تتيح مكاسب إضافية للأكراد مقابل إضعاف الدور الذي يمثله المالكي، والمنسجم مع التوجهات الإيرانية، وبذلك يمكن لتركيا أن تضعف النفوذ الإيراني في العراق، كما دعم المالكي للنظام في سوريا. وبذلك يتحول العراق إلى فرصة لأنقرة لممارسة ضغوط على طهران في إطار المواجهة المكشوفة بين البلدين بسبب الأوضاع في سوريا والمنطقة عموماً.
وفي الواقع لا يوفر أي طرف أية فرصة لتعزيز مواقعه في هذه المواجهة. فالتوتر الدائم في العلاقات بين تركيا وأرمينيا ومع فرنسا في ما خص ملف "الإبادة"، كانت إيران تتلقفه من أجل توسيع دائرة الضغط على أنقرة. فبادر الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد إلى زيارة أرمينيا مباشرة مع حدوث الأزمة بين باريس وطهران.
لكن يبقى العراق بيت القصيد بالنسبة لتركيا، حيث تنقل صحيفة "راديكال" عن مصادر تركية تقييمها أن إيران تريد وضع كامل العراق تحت النفوذ الشيعي، وأن الخوف هو من انقسام العراق إلى دولتين أو ثلاث دويلات.
وتقول الصحيفة إن الواقع يشير إلى انقسام العراق إلى ثلاث دول سنية وشيعية وكردية، لكن أنقرة تتحضر لاحتمال انقسامه إلى دولتين كردية - سنية فيدرالية، مقابل دولة شيعية. وتكون هذه الفدرالية الكردية - العربية السنية مرتبطة بشكل عضوي بتركيا التي ستكون متنفساً لها ولا سيما لتصدير النفط والغاز الطبيعي وغير ذلك.
وهذا التقسيم يبعث على استعادة خريطة تركيا التي أقرها البرلمان التركي عام 1920 وكانت تضم ولاية الموصل – كركوك في شمال العراق، والتي سلخت نهائياً عن تركيا في اتفاقية عام 1926. كما انه يذكر بخطة الرئيس التركي الراحل طورغوت اوزال بضم شمال العراق الكردي، ومعه هذه المرة دولة عربية سنية إلى تركيا في فيدرالية جديدة، تقي تركيا نهائياً مخاطر انقسامها على أساس عرقي.
نقلاً عن صحيفة السفير اللبنانية
Comments
Post a Comment