الإخوان المسلمون: قيادة جديدة.. سياسات قديمة - د. فواز جرجس
الإخوان المسلمون: قيادة جديدة.. سياسات قديمة
فواز جرجس
الإثنين 25 يناير 2010
كتب فواز جرجس في صحيفة الغارديان البريطانية مقالة بعنوان "الإخوان المسلمون: قيادة جديدة.. سياسات قديمة" في يناير 2010، رأى فيها أنه لا توجد طريقة أفضل لتقييم السياسة العربية من بحث حالة الإخوان المسلمين، أقوى حركة معارضة دينية منظمة في مصر والعالم العربى. وحيث إن الجماعة لها فروع في العديد من البلدان العربية والإسلامية، فإنها ترى نفسها باعتبارها البديل الأكثر أصالة وقدرة على البقاء، لكل من الحكام العلمانيين المستبدين والمتطرفين الدينيين على شاكلة القاعدة.
غير أن اختيار قيادة جديدة مؤخراً أفقد هذه المزاعم مصداقيتها، وكشف عن وجود تصدع في داخل التنظيم الإسلامي البالغ عمره 81 عاماً. ذلك أنه عقب أسابيع من الاضطرابات والصراع الداخلي، أعلنت جماعة الإخوان عن اختيار محمد بديع، أستاذ الطب البيطري ذي النزعة شديدة المحافظة، مرشداً عاماً ثامناً لها ـ منذ تأسيس الجماعة عام 1928 ـ إلى جانب 16 عضوا لمكتب الإرشاد، وهو الجهاز التنفيذي الأعلى الذي يحدد سياسات الجماعة.
وأصبحت اليد العليا لرجال الحرس القديم من أمثال محمود عزت، أمين التنظيم وحارس مالية الجماعة وأسرارها، ومحمد عاكف، المرشد السابق المعارض لانفتاح الجماعية ودمقرطة عملية اتخاذ القرار بها. وبتجاهل لمطالب الكثير من الأعضاء الشباب، ممن دعوا إلى الشفافية واحترام القواعد الانتخابية، فرض عزت وعاكف وأترابهما على المعارضة النتائج التي جرى الترتيب لها بطريقة سرية.
وقدم محمد حبيب ـ نائب المرشد السابق ـ استقالته احتجاجاً على ذلك، واتهم علنا الحرس القديم بمخالفة لوائح الجماعة، وإدارة عملية اختيار بديع بطريقة مخالفة للقانون. وقال حبيب في حوار كاشف مع صحيفة "المصري اليوم" إن مستقبل الجماعة فب خطر.
وأظهرت شكاوى حبيب صراعاً عميقاً على السلطة بين رجال الجماعة المحافظين ممن هم في السبعينيات والثمانينيات من العمر، وبين الجيل الأصغر ذي الميول الإصلاحية الذي يعود إلى السبعينيات.
ويكشف انتخاب بديع بوضوح سيطرة الحرس القديم، الذي يمثل مجموعة متماسكة لكنها في سبيلها إلى الأفول من الأعضاء ذوي النزعة الأيديولوجية، ممن كان ينتمي معظمهم إلى شبكة سيد قطب شبه العسكرية في 1965. وقد أعدم النظام الناصري في عام 1966 سيّد قطب، المُنظر الرئيس للتشدد الإسلامي المعروف بــ«الجهادية». وأعلن الإخوان المسلمون نبذ العنف في نهاية الستينيات.
وكان العديد من أتباع سيّد قطب، من أمثال عزت وعاكف وبديع قد قضوا نحو عقد من الزمن في معسكرات الاعتقال المصرية. ومنذ إطلاق سراح هؤلاء في منتصف السبعينيات، استطاعوا السيطرة على هذه الحركة الاجتماعية المؤثرة.
وبالرغم من تمتع بديع بتقدير عالٍ باعتباره أستاذا للباثولوجيا فى كلية الطب البيطرى، فإنه لا يمتلك رؤية أيديولوجية ولا سياسية لقيادة جماعة الإخوان المحظورة بطريقة منفتحة وشاملة. ولعل أهم السمات التى يتميز بها بديع هى الطاعة المطلقة لأولى الأمر فى الجماعة (عزت وعاكف) وكراهية الإصلاحات. وبالنظر إلى أن بديع هو رجل العمل السرى، ذو السلوك صعب المراس، فإن انتخابه يهدف إلى الحفاظ على الوضع الراهن.
ومن ثم، فقد عانى الجناح الإصلاحي الذي يدعو إلى الشفافية وإقامة الصلات مع المعارضة العلمانية ـ الصغيرة والنشطة في الوقت نفسه ـ من نكسة كبيرة. وإضافة إلى ذلك، فقد القادة الإصلاحيون الكبار من أمثال عبد المنعم أبو الفتوح والنائب السابق محمد حبيب مقاعدهم في مكتب الإرشاد، وهو ما يمثل ضربة موجعة.
ويُعد أبو الفتوح أكثر القادة الإصلاحيين قدرة على التطلع إلى الأمام. كما أن شباب الإخوان المسلمين التقدميين ومعهم الناشطون من خارج التنظيم كانوا يعلقون عليه الآمال في التغيير. غير أن إزاحته أدت إلى المزيد من التغيير في ميزان القوى لمصلحة المتشددين من أمثال عزت الذي يعارض قيام الإخوان بدور أكثر نشاطاً على الساحة السياسية، ويريد الحفاظ على تماسك الجماعة الداخلي ووحدة التنظيم.
وقال بديع في مؤتمر صحفي عقده فور إعلانه مرشداً عاماً إن "الإخوان ليسوا خصوماً للنظام"، وهو ما يبعث برسالة مبكرة لأجل المصالحة مع السلطات.
ويضيف جرجس في مقالته أن ذلك يعني أنه في السنوات الخمس المقبلة، "سوف تركز الجماعة على زيادة العضوية ـ التي تبلغ حجمها حالياً أكثر من مليون عضو ـ بدلاً من مدّ يد العون إلى المعارضة، كي تقوم بإحداث تغيير سلمي في مصر. وسوف تتجنب القيادة الجديدة استفزاز نظام مبارك الذي ضرب بقوة على يد الجماعة مؤخراً واعتقل المئات من أعضائها". وفي الحقيقة كان نظام مبارك هو المستفيد الأساسي من انتصار المتشددين من ذوي النزعة الانعزالية في داخل الإخوان. وبالرغم من حظر الإخوان المسلمين والتنكيل بها، فقد استطاعت عام 2005 الحصول على خُمس مقاعد البرلمان البالغ عددها 454 مقعداً، مقارنة بستة مقاعد حصل عليها أكبر حزب معارض بعد الإخوان.
وعلى أية حال، يعتقد جرجس أن قيادة الجماعة قد فشلت في اختبار الشفافية والمحاسبة، بالرغم من ادعائها عكس ذلك. ولا شك أنه لا يمكن الوثوق في أن حركة سياسية سلطوية ومنغلقة داخلياً يمكن أن تمارس الديمقراطية إذا استطاعت الوصول إلى الحكم. ويأمل المرء أن يتمكن إصلاحيون من أمثال أبوالفتوح من مواجهة هذه الهزيمة ومنع الجماعة من تدمير نفسها. ويختم جرجس: هناك مقولة مقنعة مفادها أن الإخوان المسلمين ونظام مبارك وجهان لعملة واحدة. وتتمثل مأساة السياسة العربية فى أن كلا من النخبة العلمانية الحاكمة والمعارضة الإسلامية القوية ليستا ليبراليتين ولا ديمقراطيتين. ولا توجد قوة ثالثة قابلة للحياة في الأفق العربي يمكن أن تكون بمثابة ضوء في نهاية النفق المظلم".
فواز جرجس
الإثنين 25 يناير 2010
كتب فواز جرجس في صحيفة الغارديان البريطانية مقالة بعنوان "الإخوان المسلمون: قيادة جديدة.. سياسات قديمة" في يناير 2010، رأى فيها أنه لا توجد طريقة أفضل لتقييم السياسة العربية من بحث حالة الإخوان المسلمين، أقوى حركة معارضة دينية منظمة في مصر والعالم العربى. وحيث إن الجماعة لها فروع في العديد من البلدان العربية والإسلامية، فإنها ترى نفسها باعتبارها البديل الأكثر أصالة وقدرة على البقاء، لكل من الحكام العلمانيين المستبدين والمتطرفين الدينيين على شاكلة القاعدة.
غير أن اختيار قيادة جديدة مؤخراً أفقد هذه المزاعم مصداقيتها، وكشف عن وجود تصدع في داخل التنظيم الإسلامي البالغ عمره 81 عاماً. ذلك أنه عقب أسابيع من الاضطرابات والصراع الداخلي، أعلنت جماعة الإخوان عن اختيار محمد بديع، أستاذ الطب البيطري ذي النزعة شديدة المحافظة، مرشداً عاماً ثامناً لها ـ منذ تأسيس الجماعة عام 1928 ـ إلى جانب 16 عضوا لمكتب الإرشاد، وهو الجهاز التنفيذي الأعلى الذي يحدد سياسات الجماعة.
وأصبحت اليد العليا لرجال الحرس القديم من أمثال محمود عزت، أمين التنظيم وحارس مالية الجماعة وأسرارها، ومحمد عاكف، المرشد السابق المعارض لانفتاح الجماعية ودمقرطة عملية اتخاذ القرار بها. وبتجاهل لمطالب الكثير من الأعضاء الشباب، ممن دعوا إلى الشفافية واحترام القواعد الانتخابية، فرض عزت وعاكف وأترابهما على المعارضة النتائج التي جرى الترتيب لها بطريقة سرية.
وقدم محمد حبيب ـ نائب المرشد السابق ـ استقالته احتجاجاً على ذلك، واتهم علنا الحرس القديم بمخالفة لوائح الجماعة، وإدارة عملية اختيار بديع بطريقة مخالفة للقانون. وقال حبيب في حوار كاشف مع صحيفة "المصري اليوم" إن مستقبل الجماعة فب خطر.
وأظهرت شكاوى حبيب صراعاً عميقاً على السلطة بين رجال الجماعة المحافظين ممن هم في السبعينيات والثمانينيات من العمر، وبين الجيل الأصغر ذي الميول الإصلاحية الذي يعود إلى السبعينيات.
ويكشف انتخاب بديع بوضوح سيطرة الحرس القديم، الذي يمثل مجموعة متماسكة لكنها في سبيلها إلى الأفول من الأعضاء ذوي النزعة الأيديولوجية، ممن كان ينتمي معظمهم إلى شبكة سيد قطب شبه العسكرية في 1965. وقد أعدم النظام الناصري في عام 1966 سيّد قطب، المُنظر الرئيس للتشدد الإسلامي المعروف بــ«الجهادية». وأعلن الإخوان المسلمون نبذ العنف في نهاية الستينيات.
وكان العديد من أتباع سيّد قطب، من أمثال عزت وعاكف وبديع قد قضوا نحو عقد من الزمن في معسكرات الاعتقال المصرية. ومنذ إطلاق سراح هؤلاء في منتصف السبعينيات، استطاعوا السيطرة على هذه الحركة الاجتماعية المؤثرة.
وبالرغم من تمتع بديع بتقدير عالٍ باعتباره أستاذا للباثولوجيا فى كلية الطب البيطرى، فإنه لا يمتلك رؤية أيديولوجية ولا سياسية لقيادة جماعة الإخوان المحظورة بطريقة منفتحة وشاملة. ولعل أهم السمات التى يتميز بها بديع هى الطاعة المطلقة لأولى الأمر فى الجماعة (عزت وعاكف) وكراهية الإصلاحات. وبالنظر إلى أن بديع هو رجل العمل السرى، ذو السلوك صعب المراس، فإن انتخابه يهدف إلى الحفاظ على الوضع الراهن.
ومن ثم، فقد عانى الجناح الإصلاحي الذي يدعو إلى الشفافية وإقامة الصلات مع المعارضة العلمانية ـ الصغيرة والنشطة في الوقت نفسه ـ من نكسة كبيرة. وإضافة إلى ذلك، فقد القادة الإصلاحيون الكبار من أمثال عبد المنعم أبو الفتوح والنائب السابق محمد حبيب مقاعدهم في مكتب الإرشاد، وهو ما يمثل ضربة موجعة.
ويُعد أبو الفتوح أكثر القادة الإصلاحيين قدرة على التطلع إلى الأمام. كما أن شباب الإخوان المسلمين التقدميين ومعهم الناشطون من خارج التنظيم كانوا يعلقون عليه الآمال في التغيير. غير أن إزاحته أدت إلى المزيد من التغيير في ميزان القوى لمصلحة المتشددين من أمثال عزت الذي يعارض قيام الإخوان بدور أكثر نشاطاً على الساحة السياسية، ويريد الحفاظ على تماسك الجماعة الداخلي ووحدة التنظيم.
وقال بديع في مؤتمر صحفي عقده فور إعلانه مرشداً عاماً إن "الإخوان ليسوا خصوماً للنظام"، وهو ما يبعث برسالة مبكرة لأجل المصالحة مع السلطات.
ويضيف جرجس في مقالته أن ذلك يعني أنه في السنوات الخمس المقبلة، "سوف تركز الجماعة على زيادة العضوية ـ التي تبلغ حجمها حالياً أكثر من مليون عضو ـ بدلاً من مدّ يد العون إلى المعارضة، كي تقوم بإحداث تغيير سلمي في مصر. وسوف تتجنب القيادة الجديدة استفزاز نظام مبارك الذي ضرب بقوة على يد الجماعة مؤخراً واعتقل المئات من أعضائها". وفي الحقيقة كان نظام مبارك هو المستفيد الأساسي من انتصار المتشددين من ذوي النزعة الانعزالية في داخل الإخوان. وبالرغم من حظر الإخوان المسلمين والتنكيل بها، فقد استطاعت عام 2005 الحصول على خُمس مقاعد البرلمان البالغ عددها 454 مقعداً، مقارنة بستة مقاعد حصل عليها أكبر حزب معارض بعد الإخوان.
وعلى أية حال، يعتقد جرجس أن قيادة الجماعة قد فشلت في اختبار الشفافية والمحاسبة، بالرغم من ادعائها عكس ذلك. ولا شك أنه لا يمكن الوثوق في أن حركة سياسية سلطوية ومنغلقة داخلياً يمكن أن تمارس الديمقراطية إذا استطاعت الوصول إلى الحكم. ويأمل المرء أن يتمكن إصلاحيون من أمثال أبوالفتوح من مواجهة هذه الهزيمة ومنع الجماعة من تدمير نفسها. ويختم جرجس: هناك مقولة مقنعة مفادها أن الإخوان المسلمين ونظام مبارك وجهان لعملة واحدة. وتتمثل مأساة السياسة العربية فى أن كلا من النخبة العلمانية الحاكمة والمعارضة الإسلامية القوية ليستا ليبراليتين ولا ديمقراطيتين. ولا توجد قوة ثالثة قابلة للحياة في الأفق العربي يمكن أن تكون بمثابة ضوء في نهاية النفق المظلم".
Comments
Post a Comment