الشيخ عفيف النابلسي: تآخينا مع إخوننا السنّة في صيدا
صيدا
– حوار: فاطمة موسى
سبعون
عاماً ونيّف، لم تكن كافية لتثني حجة الإسلام والمسلمين الشيخ عفيف النابلسي عن
مشواره الرسالي، فبعد مسيرة طويلة من العطاء في المجالين العلمي والتبليغي ابتداء
من قريته البيساريّة ومن ثمَّ إلى صور حيث
تتلمذ على يد الإمام موسى الصدر وصولاً الى النجف حيث درس على يد آية الله الشهيد
السيد محمد باقر الصدر حتّى أصبح وكيلاً له في بغداد إلى أن انهى مشواره التبليغي
فيها العام 1978 عندما أحست القوات البعثية بالخطر المحدق من الصدر وأعوانه عليها.
انتهى المطاف بالشيخ النابلسي في لبنان
وبالتحديد في صيدا حيث افتتح فصلاً جديداً من فصول العطاء تترجم في تأسيس مجمع
السيدة الزهراء (ع) حيث يسكن الشيخ ويمارس التدريس ويؤمُّ المؤمنين ويستقبل
الوفود.
استقبلنا
الشيخ النابلسي في دارته في مجمع السيدة الزهراء(ع) بحفاوة وكان لنا معه الحوار
التالي:
·
لو
تعطونا سماحتكم نبذة عن حياتكم
-
ولدت
عام 1941 في قرية البيسارية بالقرب من صيدا في أسرة متواضعة وملتزمة دينيًّا، ومنذ صغري ظهرت لدي الرغبة في التحصيل العلمي،
فتتلمذت على يد الشيخ محمود جواد في
"الكتّاب" في قريتي، ومن ثم على يد سيد إسمه أمين في بلدة قعقعية
الصنوبر. وكنت متفوقاً منذ الصغر حيث كان السيد أمين ينتدبني لإلقاء القصائد التي
أحفظها في المناسبات. بعد ذلك مارست التعليم لمدّة سنتين ثمَّ انتقلت الى صور
وبدأت الدرس الجدّي وبنيت علاقات جيّدة مع علماء المنطقة في ذلك الوقت، وكان السيد
موسى الصدر أستاذي آنذاك، وقد اقترحني عرّيفاً للإحتفالات الدينية في الحوزة، وفي
تلك الفترة بدأت بنظم الشعر. تلك الأيّام كان يأتينا السيد عباس ابو الحسن من
الغازية على فترات متقطعة لإلقاء الخطب الدينية في البيساريّة وقد اقترح عليّ
الذهاب لإكمال دراستي في النجف ، فكتب لي أستاذي الإمام موسى الصدر رسالة لأذهب
بها الى النجف. وذهبت بالرسالة الى السيد محمد باقر الصدر الذي تلقّاني بالترحيب
والذي رأيت فيه حاجتي ومنيتي واستفدت منه كثيراً على فترة 7 سنوات إلى أن اصطفاني
وكيلاً له في بغداد.
وبعد
الثورة الإسلامية التي قام بها الإمام الخميني عام 1978 في إيران، توجس النظام
البعثي الحاكم من أن يقوم الشهيد الصدر بثورة إسلامية في العراق، فأحست الدولة
بخطر وكلاء السيد الصدر وانا منهم. وقد اعتقلتني المخابرات العراقيّة في 14 حزيران
1978 وتمَّ ابعادي الى لبنان بعيداً عن عائلتي التي التحقت بي فيما بعد في قريتي
البيسارية ، حيث استقرينا فيها لسنواتٍ عشر ومن ثم تركناها الى صيدا، حيث انشأنا
مجمع السيدة الزهراء (ع) عام 1993 والذي قصفه العدو الإسرائيلي في تموز 2006 ومن
ثمّ أعدنا بناءه.
والى
الآن دراستي لم تنتهِ...
·
هل
لا تزال تواظب على التدريس في الحوزة؟
-
درّست
الكثير من طلبة العلوم الدينيّة بعد عودتي من العراق، ولكننا عندما انتقلنا الى
مجمع السيّدة الزهراء (ع) أصبحنا نعطي
الدروس في الليل والنهار، وعندما أصبح هناك أساتذة يساعدونني وبسبب تدهور وضعي
الصحي أصبحت أدرٍّس يوماً واحداً في الأسبوع، ولكنني لا زلت أشرف على حوزة الإمام الصادق (ع)
يومياً. والعام المقبل إن شاء الله سوف أقوم بالتدريس الخارج وهو أعلى درجة من
التدريس الذي يقوم به العلماء.
·
متى
أسست المجمع؟ ما نشاطاته، وما أهدافه؟
-
تأسس
المجمّع عام 1993 في صيدا تحديداً، بسبب وجود الكثير من الشيعة الإماميين فيها،
وعدم وجود عالم دين يرشد حركتها ويعطيها جوّاً دافئاً. ولقد أردنا أنا ومجموعة من
علماء الدين أن يكون للشيعة في صيدا مسجداً ولم نكتفي بذلك بل أردناه مجمعاً
دينيّاً. ومجمع السيدة الزهراء (ع) يتألف حاليًّا من مسجد وحسينية ومنتدى، وقاعات
كل منها له شغله الخاص، وفيه حوزة دينية ومساكن لطلبة العلوم الدينية الذين يأتون
لللدراسة من أماكن بعيدة، وفي السنة القادمة وبالإتفاق مع جامعة المصطفى (ص)
العالمية سيتم تجهيز الحوزة الدينية بالعلماء القادرين على تدريس الطلاب في مراحل
اللليسانس والماجستير والدكتوراه. وكان عندنا مكتبة عامة فيها 10000 كتاب دمرت في
حرب تموز ونسعى لإعادتها إلى سابق عهدها.
·
ماذا
عن الحوزة الدينية التي أسستموها؟
-
إننا
في هيئة علماء جبل عامل وبصفتي رئيساً لها، قمنا بالإتصال بمصادر التمويل، وسافرت
أنا شخصياً وجمعت الأموال، فكنت تقريباً الوحيد المولج بمتابعة أمور الحوزة. وحتى
الآن أتولى مسؤولية رعاية حوزة الإمام الصادق (ع) والتنسيق مع طلابها، فأناقشهم
وأسألهم عن الكتب التي يحتاجونها. وما أستطيع قوله هو أنّ رعايتي للحوزة تجعلها
ذات قيمة، فالحوزة بلا راعي لا قيمة لها. وبحمد الله أصبحت حوزة الإمام الصادق (ع)
العلمية واحدة من أهم ثلاث حوزات في لبنان.
·
ما
كان دوركم خلال الإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان؟
-
كجزء
من عمل هيئة علماء جبل عامل، التي تتخصص بالعمل السياسي أكثر من العمل العلمائي،
كان شغلنا الشاغل التحرير الدائم لأراضينا ومواجهة العدو الإسرائيلي. وفي فترة
الإحتلال تمردنا على عدوّنا وحرّضنا الأمة على مضافرة الجهود لطرده من الجنوب، حيث
كنّا نجمع الأموال أيضاً ونبعث بها للشباب المقاومين ولم نكن نقصر أبداً تجاههم بل
رعيناهم أحسن رعاية. أمّا على الصعيد الشخصي، كنت أمارس العمل المقاوم عبر الخطب الدينية التي كنت ألقيها وأحرّض من
خلالها على العدو.
·
ما
هي رؤيتكم للواقع الإسلامي في لبنان؟
-
أقول
أن البيئة الإسلامية وخصوصا الشيعية هي البيئة الوحيدة التي استطاعت إنتاج
المجاهدين من بيروت إلى بعلبك إلى الجنوب وصواريخ هؤلاء المقاومين أصبحت الآن
الشغل الشاغل للعالم. أمّا على الصعيد السياسي فإنّ الشيعة متفاهمون في ما بينهم
ومتفقون على إمداد المقاومة بالدعم ومنع سقوطها. إنّ التفاهم بين حزب الله وحركة
أمل والمرجعيات الشيعية الموجودة في لبنان جعل البلاد بألف خير. واليوم أصبح
الشيعة في لبنان كتلة واحدة، والتعاون قائم فيما بين أفراد هذه الكتلة حيث شكلوا
قوة اعتبارية سياسية يدعمها رئيس مجلس النواب الذي استطاع أن يقاوم من خلال عمله
كما يقاوم حامل السلاح تماماً، فأصبحنا أمام مرحلة تقوي السياسة فيها السلاح. نحن
اليوم طائفة مثقفة وواعيّة قادرة بالتحاور والتشاور مع جميع الأطراف أن تأخذ حقّها
من دون قطرة دم، هذا ما جعلنا نتقدم في المعركة السياسية فأصبحت قوتنا عاملاً
مؤثراً على الصعيد المحلّي.
·
ما
هو تصوركم لتطوير العمل التبليغي في لبنان؟
-
نحن
أصحاب مسؤولية في الشأن التبليغي، فالحوزات الدينية موجودة في لبنان من أجل
التبليغ وفي مواسم التبليغ ينبغي أن يكون لكل قرية مبلّغ ولا بد للناس أن يتعاونو
معه لكي يكون لهذه التربيّة أثر. وكما وجدت الحوزات من أجل التبليغ فكذلك هو حال
العلماء، ولقد مرّ علينا ظرف انتشرت فيه الأحزاب العلمانية في لبنان ولم يعد هناك
شيء اسمه تبليغ في تلك الفترة ، أمّا الآن تطورت الحركة التبليغية وخصوصاً في
مواسم شهر رمضان وعاشوراء وأصبح هناك إنفاق على التبليغ . وبحمد الله فإن جامعة
المصطفى (ص) العالمية من خلال عملها في لبنان تعمل على تجهيز المبلغين المؤهلين
الحائزين على شهادات الماجستير والليسانس والدكتوراه للتدريس من دون أي مقابل.
·
هل
تؤيدون تطوير مناهج التعليم الديني في الحوزات؟
-
الشهيد
محمد باقر الصدر كان أول ممنهج للدروس الحوزوية وكتابه في علم الأصول ممنهج منهجة
كاملة ، وأنا أؤيد هذه الفكرة لأنّ
المنهجة تعطي نتاجاً كبيراً بحيث تعطيك زبدة
الموضوعات. ولأن المنهجة توصل الإنسان إلى النتائج بسرعة ، أرى أنه لا بدّ
للحوزة أن تمنهج نفسها.
·
طرحتم
بل سنوات مرجعيتكم ثم تراجعتم عن ذلك؟
-
كل
مجتهد هو مجتهد بالفعل ومرجع بالقوّة، والله يصطفي من يشاء من عباده ليحمله
مسؤولية الرسالة، وأما المرجعية فإنها تستمد من الأمّة، فالمرجع تختاره الأمّة ولا
أحد يرشي أحداً في هذه المسألة. هناك مرجعيات تتهافت عليها الناس من دون إجبار ،
فليس مهماً أن يعلن فلان أنه أعلم الناس وبالمقابل لم يلجأ أحد إلى أعلميته. إنّ
كل من قلّدته الأمة أصبح مرجعاً حكماً ولا يحق لأحد أن يسجب منه المرجعية. أما
بالنسبة لمرجعيتنا أقول أنه اذا قدّر الله لنا أن نكون في هذه الساحة سوف نتحمل
المسؤولية الشرعية الملقاة على عاتقنا واذا لم يقدّر لنا فسوف نستمر بعملنا ونقوم
بدورنا المعتاد. وبالنسبة لي أنا لم أتراجع عن فكرة المرجعية، لكن المرجعية ليست
بيدي، أنا في كل الأحوال موجود في الساحة لكن المرجعية بيد الناس.
· ما هي الخطوات التي تقومون بها لترسيخ
الوحدة الإسلامية ومحاربة المذهبية، خاصة وأنتم موجودون في بيئة مختلطة مذهبيياً
كصيدا؟
-
منذ
زمن ونحن متعودون على الوحدة، لأننا رأينا أنّ هذا الخط هو أنفع لنا في ديننا
ودنيانا، وتآخَينا مع الكثير من الإخوان السنة الذين شاركونا رأينا، ولا نرى
للآخرين إلاّ ما نراه لأنفسنا من الإلتزام والإنتظام والبقاء في ساحة الجماعة
العامّة.
إن
وجودنا في صيدا مؤثر والجميع يعرف أنني رجل حوار وداعية للوحدة الإسلاميّة كما
الوحدة الوطنيّة، نحن تهمنا الوحدتين: الوحدة الإسلامية التي تحصل بعد التفاهم في
ما بيننا والوحدة الوطنية بعد ذلك وخصوصاً في لبنان الفسيفساء الطائفية الملوّنة.
فلا يمكن لأي طائفة أن تأخذ حقوق الطائفة الأخرى كما حصل في بعض العهود. وفي هذه
الأيام الوضع المذهبي أفضل بكثير من السابق بسبب التفاهم المريح على تولي المراكز
في الدولة وعلى الحقوق ... إنّنا بالتأكيد مع خياري الوحدة الإسلامية والوطنية
ومقالاتنا وأفعالنا تشير إلى ذلك فنحن نداري كل المتربصين لنا ولا نستفز أحداً
ونسامحهم ونتعامل معهم بأخلاقنا. الجو الذي نحن فيه لا بأس به برغم أن شرارة
الفتنة كانت تلعب في صيدا. واليوم الفلسطيني كما الأميركي مهتم بالهدوء في لبنان
حتى لا يحصل فيه كما حصل في سوريا.
Comments
Post a Comment