خلفيات نشر "الباتريوت" في تركيا
د. هيثم مزاحم
أعلنت وزارة الخارجية التركية في
أيلول /سبتمبر الماضي أن رادار الإنذار المبكر تخطط تركيا لاستقباله على اراضيها في اطار منظومة حلف شمال
الاطلسي للدفاع الصاروخي سيتم نشره في قاعدة عسكرية في كوريجيك في اقليم ملاطيا جنوب
شرقي البلاد. ويتوقع ان يبدأ تشغيل الرادار في نهاية
العام.
والدرع
الصاروخية الأميركية (بالإنجليزية United States missile
defense)
هي نظام يحوي شبكات حماية مكونة من أنظمة صواريخ أرضية، مستندةإلى نقاط ارتكاز جغرافية
عدة، قادرة على إسقاط أي صاروخ باليستي عابر للقارات يستهدف أراضي الولايات المتحدة
الأميركية أوحلفاءها.
خلال
الحرب الباردة، التي استمرت لعقود، كان التركيز الأساسي يتعلق بالهجوم الصاروخي النووي
على الصواريخ الباليستية طويلةالمدى والتي يمكنها الوصول إلى الأراضي الأميركية من
الاتحاد السوفياتي .ويعد
الصاروخ النووي متوسط المدى (اساس - 20) والذي نشرته موسكو في ثمانينات القرن
العشرين، أبرز الأمثلة.
وخلال
ذروة الحرب الباردة، وفي أوائل السبعينيات، تبنت الولايات المتحدة استراتيجية تشتمل
على أنظمة دفاع صاروخية فعّالة. وقررت إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون وضع ترتيبات مع
الاتحاد السوفييتي تتيح فقط للطرفين نشر نظام دفاع صاروخي محدود جغرافياً، وبالتالي
الحد من التغطية الممكنة لأي من الدولتين لجزءمعيّن من الأراضي القومية للدولة الأخرى.
وصيغت
هذه الترتيبات في معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية المعروفة اختصاراً
باسم ABM
في الثامن والعشرين من أيار/مايو عام 1972. وقد حدت
هذه المعاهدة من نشر كلا الدولتين لأنظمة دفاعية ضد هجمات صاروخية نووية. وقامت الولايات
المتحدة عام 1975 بنشر صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية بشكل بدائي ومحدود في انتهاك
للمعاهدة.
في
المقابل، نشرت روسيا نظام دفاع صاروخياً حول موسكو لايزال موجوداً حتى الآن، وبينما كانت اتفاقية (إيه بي أم) تنص على أن تحد روسيا من بنائها للصواريخ النووية الهجومية، استمر الكرملين في بناء ذلك النوع من الصواريخ خلال لهذه الفترة.
ارتكز
مفهوم ضبط التسلح في الاتفاقية على أنه التدمير المشترك المؤكد أو التعرّض المشترك
المؤكد. وتقوم هذه النظرية على أنه إذاكانت الولايات المتحدة وروسيا غير محميتين من
الهجمات الصاروخية، فإن ذلك سيقلّل من احتمالية استخدامهما للأسلحة النووية ضد بعضهما
بعضاً. غير أن الرئيس الأمريكي رونالد ريغان أراد أن يكون هناك خيار غير الردالنووي
في حال التعرض لأي هجوم، وهو توفير الحماية من الصواريخ المهاجمة.
عودة
هذا الموضوع إلى واجهة الأحداث ترافقت مع وصول جورج بوش الابن والجمهوريين إلى
البيت الأبيض، وهم الذين تبنوا "التسريع" في بناء شبكة الدفاع الصاروخي كأحد
قضايا الأمن القومي التي تم استثمارها في الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2001.
هذا
النظام الدفاعي يخلّ بالتوازن الإستراتيجي العالمي وتحديداً بين الولايات المتحدة
وكل من روسيا والصين. ففي حال تطبيقه، يوفر للولايات المتحدة تفوقاً إستراتيجياً غير
مسبوق على هاتين الدولتين، تاركاً إياهما مكشوفتي الظهر إستراتيجياً إلى درجة انكشاف
قصوى، بينما تكون فيه الولاياتالمتحدة بمنأى عن أي هجوم صاروخي خارجي لأنها تستطيع
صدّه.
وعقب
تسلم بوش الإبن السلطة في الولايات المتحدة عام 2002 واعلانه عن تنفيذهذا المشروع الواسع
ابدت بريطانيا والدنمارك استعدادهما للمشاركة فيه حيث نشرت الرادارات المرتبطة على
أراضيهما. وبعد تسلم الرئيس باراك اوباما سدة الحكم، سلمت الولايات المتحدة المشروع
الى حلف الأطلسي في 2009، وفرضت الأعباء المالية للمشروع على البلدان الأخرى
المشاركة فيه.
وبرغم
أن هذا المشروع كان في البداية قد طرح لمواجهة القوة الصاروخية في الصين والاتحاد السوفيتي
المنحل وكورياالشمالية، لكن انهيار الاتحاد السوفيتي قد حرّف الأهداف النهائية له.
وأصبحت
مصادر التهديد المحتملة التي كانت تقوم عليها إستراتيجية منظومة الدرع الأميركية هي
إيران، والعراق، وكوريا الشمالية، وكوبا وأي دولة قدتشكل خطراً على أمن الولايات المتحدة.
وبعد
احتلال العراق عام 2003، والانفراج النسبي في العلاقات الأميركية – الكورية الشمالية
قبل سنوات، وتراجع خطر كوبا الثوري بسبب أزمتها الاقتصادية وتنحي كاسترو، أضحت
إيران في واجهة المخاطر التي تستهدفها هذه المنظومة.
وقام
حلف الأطلسي بخطوة تتفق مع سياسات البنتاغون حيث اجتذب بولندا وتشيكيا وأخيراً تركيا
وفرض عليها قبول نشر الدرع الصاروخية الأميركيةعلى أراضيها .
وترتكز
منظومة الدرع الصاروخية الأميركي على عدد من أنظمة الدفاع بينها نظام
"ثاد" THAAD ونظام آرو
الإسرائيلي الأميركي المشترك ونظام باتريوت وغيرهما. فما هو نظام باتريوت؟
تركيا وبرنامج الدرع الصاروخي الأميركي
أنقرة
اعتبرت أن نشر رادارات للإنذار المبكر لمنظومة الدرع الصاروخية التابعة لحلف شمال الأطلسي
على أراضيها يعزّز القدرة الدفاعيّة للحلف الأطلسي والنظام الدفاعي لتركيا. مصادر
تركية سياسية وعسكرية تركية رأت أن هدف الرادارات هو اعتراض الصواريخ التي قد تطلقها
إيران باتجاه إسرائيل في حال نشوب أي صراع عسكري بين الجانبين.
وكانت
إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قد مارست ضغوطاً على رئيس الوزراء التركي رجب طيب
أردوغان خلال لقائهما في واشنطن في ديسمبر الماضي 2010، حيث سعى لإقناعه بأهمية المشاركة
التركية في هذه المنظومة لتجنّب مخاطر الصواريخ الإيرانية التي تصل إلى أهداف بعيدة.
أنقرة
كانت تعارض سابقاً نشر عناصر من هذه المنظومة في أراضيها خشية تدهور علاقاتها مع كل
من روسيا وإيران التي تطوّرت مؤخراً، اعتماداً على سياسة "صفر مشاكل"
مع الدول المجاورة، كما لم تكن ترغب في أن تكون مستهدفة بالصواريخ الايرانية من أجل
حماية حلف الأطلسي.
موافقة أنقرة على نشر أجزاء من الدرع الصاروخية
أعلنت خلال اجتماع عقده الرئيس عبدالله غول قبل أسبوعين مع كبار القادة السياسيين والعسكريين
الأتراك. القرار أتى بعد أسابيع من زيارة قام بها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى
أنقرة والتي نقل فيها هذه الرغبة الأميركية.
مصادر تركية كشفت أن الولايات المتحدة تسعى من وراء بناء
منظومة رادار (إكسباند X-Band ) في تركيا قرب الحدود الإيرانية، إلى رصد الصواريخ الباليستية الإيرانية
والتصدي لها. وأشارت إلى أن هذا الرادار" قادر على التقاط ورصد أي
شيء يطير في الهواء مهما كان صغيراً، كما يتصدى لأي صواريخ تأتي من جهة معادية
على صغر حجمها. وذكرت مصادر عسكرية تركية أن أنقرة ترى بأن هدف نصب الدرع الصادروخية
هو إعاقة أي صواريخ قد تطلقها إيران باتجاه إسرائيل. وكانت تركيا تعلن دوماً عن
معارضتها لأي عمل عسكري ضد إيران وعن رفض فتح أجوائها أمام أي عملية عسكرية محتملة
ضد منشآت إيران النووية.
قرار
أنقرة الموافقة على نشر أنظمة الرادارات على أراضيها يعكس إفلاس سياسة "تصفير
المشكلات" وتحديداً مع إيران، ويظهر أن حزب العدالة والتنمية لم ينقطع عن المحور
الغربي.
وتساءل
معلق تركي إنه إذا كان قادة حزب العدالة والتنمية يقولون إنه لا توجد
أي مشكلة مع إيران، فلماذا وافقوا على نصب الدرع الصاروخية. نائبة رئيس حزب الشعب الجمهوري
التركي بيرغول غولر رأت أن هدف نشر أنظمة رادارات في تركيا "يهدف الى حماية إسرائيل"
من الصواريخ الإيرانية".
وأضافت: "مما يلفت الانتباه ان تصعيد التوتر مع "اسرائيل" جاء في الفترة
نفسها التي صادقت فيها حكومة العدالة على نشر أنظمة الرادارات لحلف شمال الأطلسي.
قائد
القوة الجوية في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاج زاده قال إن أي بلد تنطلق منه
صواريخ ضد إيران سنتعامل معه على أنه بلد معادٍ. الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد رد بطريقة
أكثر دبلوماسية وقال إن "تركيا من الدول الشقيقة وهي من أقرب أصدقائنا، لكن عندما
ينصب الأعداء فيها درعاً مضادة للصواريخ، مقرّين بأن ذلك القرار موجّه ضد إيران، فعلينا
أن نكون يقظين".
الإصرار
الأميركي والأطلسي بجعل تركيا الركن الثالث، بعد بولونيا وتشيكيا، لنشر الدرع الصاروخية
على مقربة من الحدود الإيرانية، يهدف إلى إشعال فتيل توتر بين تركيا وإيران.
ومعلوم
أن تركيا وإيران لم يخوضا حرباً منذ 369 عاماً منذ توقيع اتفاقية "أرض
روم" بين الدولتبن عام 1639 لإنهاء الحرب بينهما، وهي الاتفاقية التي رسمت حدود
المثلث التركي- الإيراني- العراقي.
Comments
Post a Comment