محمد حسين فضل الله بين ولاية الأمة وولاية الفقيه: ولاة فقيه لا ولي فقيه واحد هيثم مزاحم

محمد حسين فضل الله بين "ولاية الأمة" و"ولاية الفقيه" ولاة فقيه لا ولي فقيه واحد
07 يوليو 2010 - 15:34
هيثم مزاحم



كان المرجع الديني الراحل آية الله السيد محمد حسين فضل الله يرى أنّ الحل الجذري والأنسب لمشكلة تعدد المرجعية، هو في وحدة المرجعية والولاية، لما يمكن أن يشكّل ذلك التعدد من انقسام بين المسلمين وخصوصاً إذا حصلت خلافات بين المرجع والولي الفقيه، على الرغم من أنه كان لا يؤمن بولاية الفقيه المطلقة على غرار الإمام الخميني.

وقد أكد آية الله فضل الله رأيه هذا في مقابلة مع الباحث في 15 أيار/ مايو2002م، وقال إنه لا يؤمن بولاية الفقيه العامة والمطلقة لكنّه يرى ولاية الفقيه محدودة في الأمور الحسبيّة التي قد تتوسّع لتشمل الشؤون العامّة إذا اقتضى ذلك حفظ النظام العام(1).

فالفقيه في رأيه: "يملك من السلطات ما يملكه الإمام المعصوم، إلاّ ما ثبت اختصاصه بالإمام ـ فله حق الفتوى في القضايا الشرعية، وحق القضاء بين الناس، وحق الولاية على الناس في شؤونهم العامة والخاصة التي تتحرك في دائرة النظام العام الخاضع للحاجة إلى السلطة الحاكمة التي تدير شؤون البلاد والعباد". وهو يرى أنّ هذا الاتجاه أي الولاية العامة للفقيه "هو الاتجاه الوحيد الذي يجعل من الفقيه مرجعاً إسلامياً عاماً، إذا كان مؤهلاً للتقليد جامعاً لشروطه، لأنه يمثّل القيادة الإسلامية التي تملك سلطة القرار في الشؤون العامة للمسلمين، كما تملك سلطة التنفيذ، سواء كان ذلك في حدود النظرية التي تجعل ولاية الفقيه متّسعة لكل ما تتسع له ولاية النبي والإمام في صفة الحاكمية، أو التي تجعل لها حدوداً ضيّقة تختلف عنهما في بعض المواقع، فيما قد يكون لخصوصية النبوة والإمامة بعض المميّزات في ذلك كما يذكره بعض الفقهاء في الجهاد الابتدائي"(2).

لكن آية الله فضل الله كان كتب في بحث له بعنوان "المرجعية: الواقع والمقتضى"(3) نشر ضمن كتاب "آراء في المرجعية الشيعية" في العام 1994، أن ولاية الفقيه العامة "قد تفرضها المصلحة العامة في حال وجود فراغ قيادي، بحيث ترتبط المسألة بالقضايا المصيرية التي لا يمكن أن تترك في منطقة الفراغ القيادي، فيدور الأمر بين قيادة الفقيه العادل الذي يملك تقوى القرار، كما يملك تقوى التنفيذ من خلال معرفته بحدود الله، وخوفه من الله، لا سيّما في مسائل الدماء والأموال والأعراض، وبين قيادة غيره الذي لا يملك ما يملكه الفقيه من ذلك، وحينئذ يطرح الأصوليون حكم العقل القطعي بتعيين الفقيه للقيادة لدوران الأمر بين التعيين أو التخيير، لأنّ الضرورة التي تفرض وجود القيادة تفرض براءة الذمة بالسير مع الفقيه في قيادته لأنه طرف في دائرة التخيير، ومتعيّن في احتمالات التعيين"(4).

ولعلّ هذا التخريج للمسألة، "يطرح الحلّ في قيادة الفقيه للدولة بعد قيامها، حتى لو لم يجد لنفسه الولاية على الناس بالنظرة الأولية في ما هو الحكم الشرعي الأولي، لأنه يجد نفسه ملزماً بالقيام بهذه المهمة في نطاق الظروف التي تتحرّك في حجم الضرورة بالنظرة الثانوية في ما هو الحكم الشرعي الثانوي"(5).

ويبرّر فضل الله ذلك بأنه لم تثبت لديه دلالة الأدلة الفقهية التي أقامها الفقهاء الآخرون على ولاية الفقيه، "فالفقيه لا يملك الولاية المطلقة على العالم بل يملك الولاية وانطلاقاً من ضرورة حفظ النظام. فإذا توقف حفظ النظام على ولاية الفقيه، كان الفقيه ولياً. أما إذا لم يتوقّف حفظ النظام على ذلك وأقامت الأمة حكماً إسلامياً يملك الخبرة والعدالة ويقوم الفقهاء بدور الإشراف والرقابة، فلا إشكال في نصوصه"(6).

إذا كان فضل الله لا يؤمن بولاية الفقيه المطلقة نظراً لعدم ثبوت أدلتها النقلية عنده، ولكنه كان يرى جواز ولاية الفقيه العامة، إذا توقف حفظ النظام عليها، وأقيم حكم إسلامي يشرف الفقهاء عليه، فلا إشكال فيه، من منطلقين شرعيين، أولهما أن للفقيه ولاية ما، وثانيهما بعنوان الحكم الشرعي الثانوي في حالة الضرورات أو منطقة الفراغ، أي عدم وجود نصّ شرعي من القرآن والسنة.

وفي مقابلة لاحقة مع الباحث في ايار 2003 جدد السيد فضل الله قوله بأنه لا يؤمن بولاية الفقيه المطلقة، وهو ما كرره في مقابلة مع موقع "إسلام أونلاين" الالكتروني في 13 آب 2008، فقال إنه لا يعتقد بهذه النظرية على غرار أكثر فقهاء الشيعة، وأبرزهم آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي وآية الله العظمى السيد محسن الحكيم، أبرز مرجعين شيعيين في القرن العشرين.

كما لا يعارض فضل الله النظام الديموقراطي في الحكم واختيار الحاكم من خلال الانتخابات، وكذلك اتخاذ القرارات عبر الشورى والتصويت. لكنه لا يرى دليلاً شرعياً على نظرية الشورى وولاية الأمة على نفسها، إذ ليس هناك نص على شرعية الشورى وحكم الأكثرية(7).

ويبدو أنّ آية الله فضل الله الذي يرى شرعية لولاية الفقيه إذا توقف عليها حفظ النظام، يمنح كذلك الشرعية لولاية الأمة على نفسها أو لنظرية الشورى إذا توقف عليها حفظ النظام، فكلاهما بحسب رأي فضل الله لا أدلة نصيّة على شرعيتيهما، فهما متساويتان في الشرعية وعليه ينبغي أن يتساويا من حيث الأولوية، فضلاً عن أن نظرية الشورى وولاية الأمة على نفسها تلائم تطورات العصر الحديث وتنسجم مع متطلبات الأنظمة الجمهورية والديموقراطية التي تسود العالم في الوقت الراهن.

ويعتبر السيد فضل الله أنّ النظام الإسلامي في إيران كان عبارة عن مزاوجة بين ولاية الفقيه والشورى، ولكن تبقى للفقيه السلطة التي تُلغي نتائج الانتخابات أو الاستفتاءات أو تمنحها الشرعية لأن هذه الانتخابات أو الاستفتاءات في نظرية ولاية الفقيه المطلقة تملك شرعيّتها من الفقيه ولا تملك شرعيّتها من نفسها، فهي تنتظر توقيع الفقيه عليها، ويكون دور الأمة في هذه النظرية هو تعيين الولي الفقيه من خلال انتخابه(8).

ويؤمن المرجع الراحل فضل الله بتعدد الفقهاء الولاة بحسب القطر أو الدولة بسبب عدم واقعية ولاية الفقيه على العالم كلّه على الأقل في الوقت الحاضر، وذلك نظراً لتجذر التوجّه العام نحو القطرية أو الإقليمية في الواقع. فلا مانع في رأيه أن يكون لكل دولة أو قطر إسلامي ولي فقيه يقوم بشؤونه مع التنسيق مع الفقهاء الآخرين، خصوصاً وأن ولاية الفقيه في النظرية الشيعية تنطلق من كونه نائباً للإمام الغائب فيكون كل الفقهاء نواباً للإمام، ولا مانع من تعدّد نواب الإمام في غيبته كما تعدد النواب في حضوره(9).

أما نظرية ولاية شورى الفقهاء فيرى فضل الله أنها لا تصلح أساساً للولاية ولكنها تصلح أساساً للمرجعية، عبر "المرجعية المؤسسة" بحيث يلتقي الفقهاء على رئاسة شخص يتولى هذه المؤسسة بكل ما تحتاجه من خبراء ووكلاء.

ويؤمن فضل الله بإمكان الدمج بين المرجعية والولاية لأنه لا يشترط الأعلمية في المرجعية على غرار بعض الفقهاء القائلين بالأعلمية الذين ينبغي عليهم الفصل بين المرجعية والولاية كما فعل الخميني ثم خامنئي مع المرجع الشيخ محمد علي الآراكي ثم مع حوزة قم بحيث ترك لأهل الخبرة تحديد المرجع الأعلم الذي ينبغي أن يقلِّده الناس دون أن يُفرض عليهم تقليد الولي الفقيه(10).

ولا يرى فضل الله مانعاً في أن تكون المرأة فقيهاً أو مرجع تقليد، جائز تقليدها لأنها مسألة علمية كأي تخصص علمي قد تبرع فيه المرأة كما الرجل. أما ولاية المرأة فهناك تحفّظات إسلامية عامة عند السنة والشيعة على أن تتولى المرأة موقع القيادة السياسية إذ يشترطون الذكورة في الإمام(11). لكن الشيخ محمد مهدي شمس الدين لا يعارض ذلك لعدم وجود الدليل على عدم جوازه.

(1) مقابلة خاصّة للباحث مع آية الله محمد حسين فضل الله في منزله في حارة حريك، في 15 أيار / مايو 2002.
(2) المصدر نفسه، أنظر أيضاً: محمد حسين فضل الله، "المرجعية: الواقع والمقتضى"، مقالة في كتاب" آراء في المرجعية الشيعية"، (ط1: بيروت ـ دار الروضة ـ 1995). ، ص ص 139 ـ 143.
(3) المصدر السابق نفسه.
(4) محمد حسين فضل الله، "المرجعية: الواقع والمقتضى"، ص 144.
(5) فضل الله، المصدر نفسه، ص 144.
(6) مقابلة خاصة للباحث مع فضل الله، في 15 أيار 2002.
(7) مقابلة خاصة مع السيد محمد حسين فضل الله، في 21 أيار/ مايو 2003.
(8) المصدر نفسه.
(9) فضل الله، مقابلة خاصة مع الباحث، 21 أيار 2003م.
(10) المصدر نفسه.
(11) المصدر نفسه.

( باحث وصحافي لبناني - المقالة فصل من كتاب للباحث بعنوان "تطوّر المرجعية الدينية لدى الشيعة الاثني عشرية" سيصدر قريباً. )

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم

آية الله الشيخ حسن رميتي: نؤيد التخصص في الدراسة الحوزوية