وزير الإعمار العراقي باقر جبر الزبيدي: نتعامل مع سلطات الاحتلال كأمر واقع

المستقبل - السبت 13 أيلول 2003 - العدد 1399 - شؤون عربية و دولية - صفحة 14



وزير الإعمار العراقي باقر جبر الزبيدي لـ "المستقبل":

نتعامل مع سلطات الاحتلال كأمر واقع




دمشق ـ هيثم مزاحم

الحاج باقر صولاغ جبر الزبيدي المعروف بـ"بيان جبر" هو وزير الاعمار والاسكان في الحكومة العراقية الإنتقالية، وأحد قياديي "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق" وممثله في سوريا التي أقام فيها منذ العام 1982. إلتقته "المستقبل" خلال وجوده في دمشق التي غادرها الى العراق كي يؤدي القسم القانوني أمام مجلس الحكم الانتقالي ويتسلم مهام منصبه الجديد والذي سيكون ذا أهمية كبيرة في عملية إعادة إعمار العراق. وان التعامل يجري مع سلطة الاحتلال باعتبارها امرا واقعا وقد كشف المسؤول العراقي أن الأميركيين قد وعدوا مجلس الحكم الانتقالي العراقي بالانسحاب من العراق ما إن يتم إجراء إنتخابات عامة لاختيار برلمان وحكومة ورئيس جمهورية لعراق ما بعد صدام حسين. وأكد أن التحقيقات في إنفجار النجف واغتيال آية الله محمد باقر الحكيم زعيم "المجلس الأعلى" قد أظهرت ضلوع تنظيم القاعدة في الاعتداء، مستبعداً بشدة وقوع فتنة مذهبية شيعية ـ سنية في العراق. وفي ما يلي نص الحوار:
كيف تقوّمون علاقاتكم في "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" بقوات الاحتلال الأميركي والبريطاني وتحديداً بالولايات المتحدة؟
ـ "قوات التحالف" أو ما سُمي في قرار مجلس الأمن 1483 "سلطة الاحتلال" هو أمر واقع. نحن لم نكن نرغب في أن يكون هناك اجتياح أجنبي للعراق ووقفنا كمجلس أعلى ضد غزو واحتلال العراق، وموقفنا كان واضحاً ومعروفاً وكنا نعتقد أن عملية اسقاط النظام يجب ان تتم بجهود عراقية وطنية وبمساعدة عربية وإسلامية ودولية. لكن تعنت النظام الديكتاتوري في بغداد وجرائمه ضد الشعب العراقي أوصلت العراق الى هذه النتيجة اي الاحتلال، بالتالي نحن نتعامل مع هذا الأمر الواقع، اذ هناك نحو 250 ألف جندي مدججين بأسلحة متطورة هُم على أرض العراق، ولا بد من ان نتعامل مع هذا الوضع بالطريقة التي رسمتها القيادة الحكيمة للمجلس الأعلى، وهي المقاومة السلمية القائمة على مبدأ "خذ وطالب" الى ان تتم اعادة العراق الى أهله. وقد اتفقنا مع سلطة الاحتلال على أن يكون هناك مجلس للحكم فكان مجلس الحكم وطالبناهم بتشكيل حكومة فشكلت هذه الحكومة. وأنا مطلع على تفاصيل تشكيل هذه الحكومة باعتباري عضواً فيها. وقد شاركت في الاجتماع بين أعضاء مجلس الحكم والسيد بول بريمر وأستطيع ان أقول ان أكثر من 90 في المئة من هذه التشكيلة الحكومية كانت من اختيار القوى السياسية الوطنية والاسلامية العراقية، وكان التشاور قائماً بين هذه القوى فكانت هناك لقاءات متعددة في ما بينها حتى توصلنا الى هذه النتيجة ثم عرضت على سلطة الاحتلال التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) بحسب القرار 1483 الذي رفضناه كقوى وطنية واسلامية ووافق عليه مجلس الأمن بالإجماع. على الرغم من ذلك، نحن لم نلاحظ حتى الآن من الاحتلال تدخلاً كبيراً في مسألة تشكيل هذه الحكومة، ونتمنى ان يستمر ذلك ونتمنى أن نكمل المشوار بعد أن شكلنا لجنة صياغة الدستور ووضع آلية لصياغة الدستوراختيرت لها 25 شخصية علمانية واسلامية ووطنية، عربية وكردية وتركمانية ومسيحية، هؤلاء سيضعون آلية صياغة الدستور الذي سيعرض على الشعب في الاستفتاء العام ثم سنتحرك خلال سنة من هذا الوقت لانتخاب برلمان عراقي وحكومة وطنية عراقية ورئيس جمهورية بخيار وطني عراقي. وبعد ذلك لا مكان للاحتلال. وقد وعدنا المحتلون انه بمجرد ان تتم الانتخابات سيتركون العراق ونتمنى ذلك.
ما هو تصوركم لطبيعة الدستور وشكل النظام العراقي المقبل؟
ـ هناك وجهات نظر مختلفة ولكن ما تم الاتفاق عليه اتفاقاً مبدئياً بين القوى السياسية الإسلامية والوطنية العراقية كافة بجميع أطيافها هو أن يكون هناك عراق ديموقراطي تعددي فيدرالي وأن يتم تداول السلطة سلماً عبر الانتخابات العامة وأن يكون هناك رئيس للجمهورية ينتخب كل أربع سنوات مباشرة من الشعب العراقي وهكذا انتخاب البرلمان. هذه المبادئ الأولية التي وضعناها ستعرض على الشعب العراقي وسيتم التصويت على فقرة من هذا الدستور ليكون دستوراً يخرج من رحم الشعب العراقي.
هل ما زالت الفيدرالية مطروحة؟
ـ نعم هناك رغبة لدى الأخوة الأكراد، وهم يشكلون القومية الثانية بعد العرب في العراق، في أن يكون هناك نظام فيدرالي ضمن وحدة العراق. ولكن وجهات النظر متعددة في مسألة النظام الفيدرالي ويمكن تقسيمها الى ثلاثة اتجاهات: هناك من يطالب بفيدرالية عربية ـ كردية على أساس عرقي وهناك من يطالب بفيدرالية على أساس جغرافي أي أن يتم تقسيم العراق الى 5 أو 7 مناطق فيدرالية بحيث يكون الحكم غير مركزي. وهناك من يطالب بتقسيم فيدرالي أوسع على أساس عرقي ومذهبي. ولكننا نعتقد أن الخيار الأفضل الذي يساهم في وحدة العراق هو النظام الفيدرالي على أساس جغرافي بحيث لا يتم تقسيم العراق على أساس عرقي أو مذهبي مما قد يشكل خطراً على وحدة العراق. والفيدرالية الجغرافية معمول بها في اسبانيا وسويسرا والولايات المتحدة والهند وألمانيا وفي دول كثيرة في العالم وتعتبر هذه الدول الفيدرالية في طليعة الدول تقدماً وحضارة، بحيث تتمتع هذه المناطق بكامل الصلاحيات المحلية وترتبط مع الحكومة المركزية بثلاث وزارات هي: الأمن والدفاع والخارجية والمالية.
كيف تصفون علاقاتكم بشركائكم في مجلس الحكم خصوصاً أحمد الحلبي وحزب الدعوة والأكراد وممثلو السنة، هل هناك تنافس سلطوي في ما بينكم؟
ـ يشكل مجلس الحكم وحدة العراق من الناحية العرقية والطائفية وهناك علاقات جيدة بين كل أعضاء مجلس الحكم وأنا حضرت جلسات متعددة لمجلس الحكم وقد لاحظت أن هناك جواً إيجابياً في التعاون واتخاذ القرارات. نعم هناك وجهات نظر مختلفة لكنني وجدت الجو الديموقراطي وعملية التصويت على القرارات مسألة لم نتعودها في العراق منذ قرون.
ولا يوجد تنافس داخل الصف الشيعي أو بين الشيعة والسنة أو بين الأكراد والعرب والتركمان والأشوريين، لأننا استطعنا أن نعطي لكل ذي حق حقه. فلو عدنا الى ما قبل سنة من الآن ولاحظنا آخر حكومة كان يرأسها الطاغية صدام حسين لوجدنا أنه كان فيها 22 وزيراً بينهم واحد فقط من الشيعة وواحد من الأكراد في حيث يشكل الشيعة 65 في المئة من الشعب العراقي ويمثل الأكراد نحو 20 في المئة منه، وهو ما يمثل غبناً كبيراً تعرضت له الأغلبية العربية الشيعية في العراق والقومية الثانية في العراق أي الأكراد. أما في مجلس الحكم والحكومة الحاليين فقد توزعت الحصص والحقائب الوزارية بشكل تقريبي رغم أن الشيعة قد حصلوا على نسبة 52 في المئة منها بينما هم يشكلون 65 في المئة من السكان. ولكن حرصاً منا على وحدة العراق وتوحيد الجهود وافقنا على هذه النسبة الى حين إجراء الانتخابات. ففي الانتخابات سيكون التوزيع مختلفاً ولن يكون الانتخاب على أساس طائفي على غرار لبنان، ستكون هناك مناطق انتخابية ضمن محافظات ويمكن أن ينتخب سني في محافظة أغلبيتها شيعية وهكذا.
ألا تخشون من فتنة طائفية بين السنة والشيعة خاصة بعد انفجار النجف واستهداف مسجد سني بإطلاق النار؟
ـ إن تاريخ العراق لا يوجد فيه صراع طائفي على مدى مئات السنين كما يحصل حالياً في باكستان. فالعراق مبني على أسس عشائرية، هناك مثلاً عشائر الزبيد التي أنتمي إليها وفيها من الشيعة والسنة، فأبناء عمومتي من السنة، وكذلك عشائر شُمر وتميم وبني ركاب وبقية العشائر الكبيرة تجد فيها قسماً منها من الشيعة وقسماً من السنة. كذلك تجد في أقصى جنوب العراق مدينة الزبير يسكنها عشرات الآلاف من السنة بينما تجد في أقصى شمال العراق وشرقه وغربه الشيعة والسنة يعيشون معاً. وكذلك في العاصمة بغداد حيث الشيعة يشكلون 85 في المئة من سكانها يعيشون جنباً الى جنب مع إخوانهم السنة.
وقد أصدرت هيئة علماء السنة في العراق والمرجعية الدينية بيانات وتوجيهات للحفاظ على الوحدة بعد انفجار النجف الذي يستهدف تفتيت هذه الوحدة. الحادث الوحيد الذي حصل في بغداد كان حادثاً فردياً إذ تعرض شيعي للقتل من ابن إمام مسجد سني وكان إطلاق النار يستهدف أخذ الثأر لمقتل هذا الشخص ولا يستهدف المسجد الذي هو لجميع المسلمين.
كيف تصفون علاقتكم كـ"مجلس أعلى" بالسيد مقتدى الصدر؟
ـ على مدى السنين الطويلة الماضية كانت هناك مرجعيات دينية تقود الطائفة الشيعية وهي تتميّز بمواصفات عالية منها الاجتهاد والعدالة والعلم والمعرفة بأمور الحياة الدينية والدنيوية، وبالتالي المراجع العظام هم زعماء الحوزة العلمية في النجف الأشرف ولدينا حالياً ثلاثة مراجع كبار هم الإمام آية الله العظمى السيد علي السيستاني وآية الله العظمى الإمام السيد محمد سعيد الحكيم وآية الله العظمى الإمام الشيخ بشير النجفي، إضافة الى الإمام الشهيد اية الله محمد باقر الحكيم. هؤلاء المراجع هم الذين يقودون الطائفة وبوجودهم لن تكون هناك مشكلات مع بعض العلماء والطلبة المتواجدين في النجف والمدن المقدسة الأخرى، ولن يكون هناك صراع شيعي ـ شيعي كما تتحدث وسائل الإعلام.
كيف هي علاقتكم بإيران حالياً؟
ـ نحن في "المجلس الأعلى" نعتبر أن الجمهورية الإسلامية في إيران قد وقفت الى جانب الشعب العراقي في محنته إبان الحكم الطاغوتي الصدامي، وعاش في إيران نحو مليون عراقي تم استيعابهم وتقديم الخدمات لهم إضافة الى الدعم الذي قدمته إيران للمجلس الأعلى وقيادته المتمثلة بالسيد الحكيم وكانت علاقة أخوية وستستمر هذه العلاقة كما هي العلاقة مع دولة الكويت التي دعمتنا وكانت تستقبل السيد الحكيم على مدى 13 عاماً بمستوى سمو أمير دولة الكويت.
ماذا عن العلاقة بسوريا والسعودية؟
ـ العلاقة مع سوريا علاقة أخوية جيدة وسوريا أول من وقف الى جانب المعارضة العراقية واستوعبت آلاف العراقيين وفتحت لهم أبوابها وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد دعم المعارضة الوطنية والإسلامية. وكذلك العلاقة مع السعودية هي أخوية وجيدة والإمام الحكيم سبق والتقى جلالة الملك فهد والأمير عبد الله مرات عدة وكان يزور المملكة العربية السعودية سنوياً للحج والعمرة ولقاء المسؤولين السعوديين.
هناك حديث في وسائل الإعلام عن تغلغل إسرائيلي أمني واقتصادي في العراق، وهناك حديث عن مشاركة الشركات الإسرائيلية في مناقصات عملية إعادة إعمار العراق، ما هي معلوماتكم في هذا الشأن؟
ـ للأسف أصبح العراق ساحة مفتوحة وهناك تواجد استخباراتي لجميع دول العالم فيه وليس لدي معلومات عن التغلغل الأمني الإسرائيلي الذي سيكون بالطبع عملاً استخباراتياً سرياً. أما عن الاختراق الاقتصادي الإسرائيلي للسوق العراقية فلم نلحظ ذلك في السوق العراقية. وبشأن مشاركة الشركات الإسرائيلية في مناقصات عملية إعادة إعمار العراق، فأنا لا علم لي بذلك وأنا لن أوقع في وزارتي أي اتفاقات من هذا القبيل.
هل لديكم خطة أو رؤية بشأن عمل وزارتكم؟
ـ نعم لدينا خطة أولية سأناقشها مع وكلاء الوزارة السالفين لدى عودتي الى العراق، ولكننا سنركز على بناء المساكن العامة والمدارس والحوزات، وبناء شبكة طرق وشبكة مياه وبنى تحتية خصوصاً في المناطق المنكوبة والمحرومة التي عانت من الحرمان والظلم خلال العهد البائد. ولكن ذلك مرتبط بحجم الموازنة التي ستمنح للوزارة.
ما هو تعليقكم على اشارة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس الايراني محمد خاتمي الى أن اسرائيل قد تكون وراء انفجار النجف واغتيال السيد الحكيم، كما هناك اتهامات اطلقت في وسائل الاعلام ضد الأميركيين والايرانيين؟
ـ الحقيقة تؤكد أن أزلام النظام البائد والحركات الظلامية المتشددة هي المسؤولة عن هذا العمل، لذلك لا يمكننا اطلاق الاتهامات جزافاً لأننا كما يقول المثل "أهل مكة أدرى بشعابها" ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد مستفيدون آخرون من اغتيال السيد الحكيم واسرائيل في مقدمة المستفيدين من اغتيال شخصية مثل الامام الحكيم تتمتع بالاعتدال ولها عمق حقيقي متجذر بين الشعب العراقي

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم

آية الله الشيخ حسن رميتي: نؤيد التخصص في الدراسة الحوزوية