نزع سلاح حزب الله مشروع حرب أهلية - هيثم مزاحم
نزع سلاح حزب الله مشروع حرب أهلية
هيثم مزاحم*
تأتي الذكرى الخامسة لتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي هذا العام فيما اللبنانيون مشغولون بالإعداد للانتخابات النيابية المقرر بدء أولى دوراتها أمس.
كما تأتي هذه الذكرى إثر الانسحاب السوري العسكري والاستخباري الشامل من لبنان تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي 1559 والذي يدعو ايضا إلى حل الميليشيات العسكرية في إشارة الى سلاح مقاومة حزب الله وما تبقى من سلاح الفصائل الفلسطينية في المخيمات.
ولأن كان الانقسام بين اللبنانيين، طوائف وأحزابا ومرشحين وناخبين، طبيعيا بشأن قانون الانتخاب وتقسيمات الدوائر الانتخابية والتحالفات الانتخابية، فإن المفارقة تكمن في الانقسام اللبناني بشأن سلاح المقاومة اللبنانية المتمثلة في حزب الله الذي استطاع هزيمة الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان والبقاع الغربي ودحره مع عملائه المعروفين بميليشيا أنطوان لحد، أو ما كان يسمى "جيش لبنان الجنوبي".
ويبرر اللبنانيون المطالبون جهرا أو ضمنا بتطبيق البند الثاني في القرار ،1559 الداعي لحل "ميليشيا" حزب الله ونزع سلاحه ونشر الجيش اللبناني في الجنوب على الحدود مع "إسرائيل"، مطلبهم هذا بأن الأراضي اللبنانية قد تحررت من الاحتلال الإسرائيلي باستثناء مزارع شبعا وأنه لم تعد ثمة حاجة لوجود مقاومة مسلحة لعد إنجاز التحرير، بينما يمكن تحرير مزارع شبعا بالوسائل الدبلوماسية الدولية من خلال تثبيت لبنانيتها عبر ترسيم الحدود مع سورية، التي لاتزال ترفض منح لبنان والأمم المتحدة وثيقة مكتوبة تقر بلبنانية المزارع.
ويرى هذا التيار، المسيحي بمعظمه، أنه لا يجوز بقاء حزب الله كميليشيا شيعية مسلحة فيما تم حل جميع الميليشيات الأخرى ونزع سلاحها تنفيذا لاتفاق الطائف منذ العام ،1990 على اعتبار أن ذلك يخل بالتوازن الداخلي ويشعر المسيحيين بأنهم مهددون من المسلمين.
لكن الجانب الآخر، وجله من المسلمين، يؤيد استمرار مقاومة حزب الله حتى تحرير مزارع شبعا من جهة، والحفاظ على سلاح الحزب وانتشاره على الحدود مع "إسرائيل" كقوة رادعة لأي عدوان اسرائيلي محتمل على لبنان من جهة أخرى. ويستند منطق هذه الفئة الى عدم إمكان فصل لبنان عن محيطه العربي وبالتالي ضرورة استمرار انخراط لبنان في الصراع العربي - الإسرائيلي حتى التوصل الى تسوية شاملة يتم فيها حل القضية الفلسطينية، وخصوصا مشكلة اللاجئين، وتحرير الجولان السوري ومزارع شبعا المحتلين.
ويصر حزب الله على رفض حل مقاومته العسكرية ونزع سلاحه لأربعة أسباب رئيسية هي:
استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضي لبنانية أبرزها مزارع شبعا.
عدم إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في لبنان.
ضرورة وجود قوة لبنانية تردع "إسرائيل" عن التفكير بأي عدوان جديد على لبنان على غرار اعتداءاتها واجتياحاتها السابقة حين كان شعار "قوة لبنان في ضعفه" شعار الدولة اللبنانية.
القضية الفلسطينية لاتزال مشتعلة نتيجة مواصلة الاحتلال والعدوان الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة، ورفض "إسرائيل" قيام دولة فلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين من جهة أخرى، إلى استمرار التهديدات الصهيونية بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعزم مكانه.
ويدرك حزب الله أن قضية نزع سلاحه، ستثار بقوة، بعد الانسحاب السوري من لبنان وتغير ميزان القوى الإقليمي والمحلي لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ولبنان، وخصوصا بعد الانتخابات النيابية التي يتوقع أن تفرز نتائجها برلمانا جديدا سيكون بالتأكيد أقل ولاء لسورية من جهة، وأكثر عداء لحزب الله وخيار المقاومة ضد "إسرائيل". ويخشى حزب الله قيام نظام سياسي - عسكري - أمني جديد، نتيجة لتغير ميزان القوى الاقليمي - المحلي، يخلف النظام السابق الذي كان مواليا لسورية إلى درجة انعدمت فيها الشخصية الوطنية اللبنانية، بحيث تكون أولى أولويات هذا النظام الذي سيحظى بدعم أميركي - غربي مطلق، نزع سلاح حزب الله ونشر الجيش اللبناني في الجنوب.
ويدرك جميع السياسيين اللبنانيين والغربيين، بمن فيهم الأميركيون والأوروبيون، أن مهمة تجريد حزب الله من سلاحه ليست نزهة، وهي إن تمت بالقوة ستكون مشروع حرب أهلية جديدة نتيجة الانقسام الطائفي في لبنان، والانتشار الشعبي لقاعدة حزب الله بين المسلمين.
لذلك تحرص الدول الغربية بمساعدة بعض الأطراف اللبنانيين على إقناع قيادة حزب الله بحل جناحه العسكري وتسليم سلاحه والتحول الطوعي الى حزب سياسي مدني بالكامل، وهذا المشروع وإن بدا إقرارا بشعبية الحزب وعدم إمكان تجاهله وشطبه من المعادلة السياسية أو القضاء عليه عسكريا، فهو يهدف إلى ضمان أمن الحدود الشمالية لـ "إسرائيل"، وفصل المسار اللبناني عن المسار السوري لإضعاف سورية، وإخراج لبنان من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي والاستفراد بالفلسطينيين، وتوطين اللاجئين في لبنان.
والمفارقة أن حزب الله يعلم أن قوته في سلاحه، وأن "إسرائيل" تحسب له حسابا بسبب سلاحه وصواريخه التي تهدد مدنها ومستوطناتها، ويستوعب حقيقة أن المبادرات الأوروبية والأميركية للحوار معه سببها قوته العسكرية فضلا عن قاعدته الشعبية، فكيف يمكن إذا إقناع قيادة هذا الحزب بالتخلي عن قوته وتسليم سلاحه والانكشاف أمام أعدائه الدوليين والإقليميين والمحليين؟ ومن يضمن لهذا الحزب وللمسلمين واللبنانيين عدم تكرار "إسرائيل" لاعتداءاتها واجتياحاتها واحتلالها للبنان بعد حل تنظيم المقاومة العسكري ونزع سلاحها؟ علما بأن اليمين الإسرائيلي الحاكم وخصوصا زعيمه أرييل شارون كان يعارض الانسحاب الأحادي من لبنان واعتبره خطأ استراتيجيا سيدفع الفلسطينيين الى حذو حذو المقاومة اللبنانية. * كاتب لبناني
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 1001 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ
هيثم مزاحم*
تأتي الذكرى الخامسة لتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي هذا العام فيما اللبنانيون مشغولون بالإعداد للانتخابات النيابية المقرر بدء أولى دوراتها أمس.
كما تأتي هذه الذكرى إثر الانسحاب السوري العسكري والاستخباري الشامل من لبنان تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي 1559 والذي يدعو ايضا إلى حل الميليشيات العسكرية في إشارة الى سلاح مقاومة حزب الله وما تبقى من سلاح الفصائل الفلسطينية في المخيمات.
ولأن كان الانقسام بين اللبنانيين، طوائف وأحزابا ومرشحين وناخبين، طبيعيا بشأن قانون الانتخاب وتقسيمات الدوائر الانتخابية والتحالفات الانتخابية، فإن المفارقة تكمن في الانقسام اللبناني بشأن سلاح المقاومة اللبنانية المتمثلة في حزب الله الذي استطاع هزيمة الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان والبقاع الغربي ودحره مع عملائه المعروفين بميليشيا أنطوان لحد، أو ما كان يسمى "جيش لبنان الجنوبي".
ويبرر اللبنانيون المطالبون جهرا أو ضمنا بتطبيق البند الثاني في القرار ،1559 الداعي لحل "ميليشيا" حزب الله ونزع سلاحه ونشر الجيش اللبناني في الجنوب على الحدود مع "إسرائيل"، مطلبهم هذا بأن الأراضي اللبنانية قد تحررت من الاحتلال الإسرائيلي باستثناء مزارع شبعا وأنه لم تعد ثمة حاجة لوجود مقاومة مسلحة لعد إنجاز التحرير، بينما يمكن تحرير مزارع شبعا بالوسائل الدبلوماسية الدولية من خلال تثبيت لبنانيتها عبر ترسيم الحدود مع سورية، التي لاتزال ترفض منح لبنان والأمم المتحدة وثيقة مكتوبة تقر بلبنانية المزارع.
ويرى هذا التيار، المسيحي بمعظمه، أنه لا يجوز بقاء حزب الله كميليشيا شيعية مسلحة فيما تم حل جميع الميليشيات الأخرى ونزع سلاحها تنفيذا لاتفاق الطائف منذ العام ،1990 على اعتبار أن ذلك يخل بالتوازن الداخلي ويشعر المسيحيين بأنهم مهددون من المسلمين.
لكن الجانب الآخر، وجله من المسلمين، يؤيد استمرار مقاومة حزب الله حتى تحرير مزارع شبعا من جهة، والحفاظ على سلاح الحزب وانتشاره على الحدود مع "إسرائيل" كقوة رادعة لأي عدوان اسرائيلي محتمل على لبنان من جهة أخرى. ويستند منطق هذه الفئة الى عدم إمكان فصل لبنان عن محيطه العربي وبالتالي ضرورة استمرار انخراط لبنان في الصراع العربي - الإسرائيلي حتى التوصل الى تسوية شاملة يتم فيها حل القضية الفلسطينية، وخصوصا مشكلة اللاجئين، وتحرير الجولان السوري ومزارع شبعا المحتلين.
ويصر حزب الله على رفض حل مقاومته العسكرية ونزع سلاحه لأربعة أسباب رئيسية هي:
استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضي لبنانية أبرزها مزارع شبعا.
عدم إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في لبنان.
ضرورة وجود قوة لبنانية تردع "إسرائيل" عن التفكير بأي عدوان جديد على لبنان على غرار اعتداءاتها واجتياحاتها السابقة حين كان شعار "قوة لبنان في ضعفه" شعار الدولة اللبنانية.
القضية الفلسطينية لاتزال مشتعلة نتيجة مواصلة الاحتلال والعدوان الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة، ورفض "إسرائيل" قيام دولة فلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين من جهة أخرى، إلى استمرار التهديدات الصهيونية بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعزم مكانه.
ويدرك حزب الله أن قضية نزع سلاحه، ستثار بقوة، بعد الانسحاب السوري من لبنان وتغير ميزان القوى الإقليمي والمحلي لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ولبنان، وخصوصا بعد الانتخابات النيابية التي يتوقع أن تفرز نتائجها برلمانا جديدا سيكون بالتأكيد أقل ولاء لسورية من جهة، وأكثر عداء لحزب الله وخيار المقاومة ضد "إسرائيل". ويخشى حزب الله قيام نظام سياسي - عسكري - أمني جديد، نتيجة لتغير ميزان القوى الاقليمي - المحلي، يخلف النظام السابق الذي كان مواليا لسورية إلى درجة انعدمت فيها الشخصية الوطنية اللبنانية، بحيث تكون أولى أولويات هذا النظام الذي سيحظى بدعم أميركي - غربي مطلق، نزع سلاح حزب الله ونشر الجيش اللبناني في الجنوب.
ويدرك جميع السياسيين اللبنانيين والغربيين، بمن فيهم الأميركيون والأوروبيون، أن مهمة تجريد حزب الله من سلاحه ليست نزهة، وهي إن تمت بالقوة ستكون مشروع حرب أهلية جديدة نتيجة الانقسام الطائفي في لبنان، والانتشار الشعبي لقاعدة حزب الله بين المسلمين.
لذلك تحرص الدول الغربية بمساعدة بعض الأطراف اللبنانيين على إقناع قيادة حزب الله بحل جناحه العسكري وتسليم سلاحه والتحول الطوعي الى حزب سياسي مدني بالكامل، وهذا المشروع وإن بدا إقرارا بشعبية الحزب وعدم إمكان تجاهله وشطبه من المعادلة السياسية أو القضاء عليه عسكريا، فهو يهدف إلى ضمان أمن الحدود الشمالية لـ "إسرائيل"، وفصل المسار اللبناني عن المسار السوري لإضعاف سورية، وإخراج لبنان من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي والاستفراد بالفلسطينيين، وتوطين اللاجئين في لبنان.
والمفارقة أن حزب الله يعلم أن قوته في سلاحه، وأن "إسرائيل" تحسب له حسابا بسبب سلاحه وصواريخه التي تهدد مدنها ومستوطناتها، ويستوعب حقيقة أن المبادرات الأوروبية والأميركية للحوار معه سببها قوته العسكرية فضلا عن قاعدته الشعبية، فكيف يمكن إذا إقناع قيادة هذا الحزب بالتخلي عن قوته وتسليم سلاحه والانكشاف أمام أعدائه الدوليين والإقليميين والمحليين؟ ومن يضمن لهذا الحزب وللمسلمين واللبنانيين عدم تكرار "إسرائيل" لاعتداءاتها واجتياحاتها واحتلالها للبنان بعد حل تنظيم المقاومة العسكري ونزع سلاحها؟ علما بأن اليمين الإسرائيلي الحاكم وخصوصا زعيمه أرييل شارون كان يعارض الانسحاب الأحادي من لبنان واعتبره خطأ استراتيجيا سيدفع الفلسطينيين الى حذو حذو المقاومة اللبنانية. * كاتب لبناني
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 1001 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ
Comments
Post a Comment